د. صدام فهد الأسدي

abo_aayan53@yahoo.com

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الثلاثاء 7/7/ 2009

 

معاول لا تلبس ثوب العناقيد
قراءة نقدية في عناقيد آخر الليل
للشاعر عبد الزهرة لازم شباري

د. صدام فهد الاسدي

ثمة شعر يمس شغاف القلب عند القاريء وآخر لا يمس سطح البركة الباردة,وثمة رؤى تقشر أقلام الكلمات وتفتح طقوسا بعد استقرائها بين مخاض عسير يتمدد النعش الشعري لتحمله الأصابع مدحا ذما لافرق بين المعاول إن ضربت الزجاج او دعست الجبن
إن الشاعر لابد من انتماء لشجرة العائلة رفض أم أبى طقوسه مفهومة ونواياه مكشوفة ووجعه مفضوح لا سبيل للهرب من مشقات وطنه أيولد الشاعر من فراغ ؟انه يولد كالموجة الصغيرة لابد وان تصطدم مرة على ضفاف الشاطيء
ربما تزحف كلماتي فوق الغبار وهم يصفونني ناقدا عسيرا في استخدامات لغتي هل اعبر بل اقفز فوق منهجية خائفة من السلطة او كاشفة غبارها مبتعدا عن أبجديات تروج للسلطة في آفاق ثقافة ميتة إعلامية باهتة حتى بات النقد دربا يسيرا على من هب ودب أم انطوي تحت غيمة الدجل واصطنع للشاعر هذا ملاذا وحجة ابرر له سقطاته وسبحانه رب الكمال المطلق فنحن بشر تنقدني وأنقدك لا مهرب من رسم الحقيقة على وجه الأرض وتأكد أن الصورة التي تراها لاتعد شهادة واضحة في حضرة الله العالي الكبير العظيم بخلقه وإرادته
فكما قال الجاحظ المعاني مطروحة في الطريق وقال الشاعر عز الدين المناصرة المناهج مرمية في الطريق فانا العبد الفقير أقول النقد مرمي على الطريق خاصة ونحن ننجر من 28 شجرة نقدية معاصرة متشعبة لا مبرر لذكر أسمائها
ربما يحتمل نقدي هذا تقنص نويات مركزة تنطلق من المتن وتبتعد عن الهوامش وقد ألوذ بالانطباع الشعري الذي يريد مني برهنة لما أقول وعندي عناصر شعرية طافحة بالتساؤلات عرف بها الشاعر أم جهلها فما همي هذا ولا أبريء صاحب النص من الخلل فقد حدثت سقطات عروضية خاصة في القصائد العمودية وقد أشير إلى أهمية علامات الترقيم في العمل الشعري فهي تزخر النص بفيض إيقاعي خالص لا مهرب منه ولايمكن أن نعذر الشاعر عن انطفاء علاماته ولغة حذفه فهي لغة داخل اللغة وهي تحمل تباينات متنوعة ولابد من الإشارة إلى دراستي قائمة على البنية وقراءة شبكة الاحتمالات والعلاقات الرابطة لعناصر النص كما يسميها الناصرة في كتابه جمرة النص الشعري
ولا أنكر أبدا محبتي للشاعر واعترف بسر قراءتي فهو يتوافق مع أيدلوجيتي ومنظوري الإبداعي ولا اقر الاقتراب من البنيوية وتاريخية النص بل اعتمد على البنيوية لبحث عن التقنيات وكم أبقى مبتعدا عن الأعلام فليس همي نشر البحث في المنارة مثلا ليصل الجميع بسهولة بل همي اترك البحث مجهولا فالناس بدأت تشعر بان الأعلام شهرة ومجد رخيص سرعان ما يتهدم بناؤه بعجالة بل أقدم بحثا أكاديميا يطلع عليه طلبتي في الماجستير والدكتوراه ليفيضوا من رؤاه الفكرية
وأقول أن مجموعة الشاعر عبد الزهرة لازم شباري فيها صراع بين الذات والخارج تنمو في حافز متنوع الينابيع وفيها قلق بشري ينطلق من روح الشاعر الصافية الحالمة ووعي مشترك يتماهى بين هم فردي وجماعي ينطلق من قوة وحيه وتحديه ونظمه قل إن مصدر شعره يتجذر من اولويات أكثرها دلالة الحيرة والنسيان والسام والعجالة والركض سريعا ليتعشى بالزمن قد أن يفطر فيه
ولعلي استدين من السيكولوجي شيئا واجد الاختمار عجينة مهيمنة عند الشاعر فقد تموت أفكاره ثم تصحو ثانية لتقول شيئا بعد صقلها وترتيبها دون أن يتلاشى وحيه وتغيب موهبته فهو شاعر لم ينظم شعره بعد وأقول إن حافزه الشعري طافح بالكثير الذي يحتاج إلى تنظيم وتقليم لأصابع الكلمات الزائدة وهذا يسير مع تجربته القادمة ويستفيد حقا من رؤى بحثي هذا وقد اسمي العناقيد أبراقة مفاجئة كإشارة البرق المفاجيء عند الشاعر المناصرة (يطل البرق المفاجيء على الشاعر لاسباب منها حالته الشعرية المفعمة بالحماس للكتابة) وهذا هو راس الهرم في بداية بحثي وهذا سر كشفي عن عناقيد الليل فقد سألوه لماذا تكتب عن الاسدي بحوثا وقال قولته ولا أريد ان يسألني آخر لماذا اكتب عنه فاني شاعر استلم دواوين الشعراء هدايا واكتب عما أراه مناسبا وقد كتبت موضوعين عن الشاعرين عباس المالكي وعبد الله عباس خضير دون ان اراهما في حياتي
وهذا الشاعر عشته وعرفته منذ اربعين عاما يسكت صوته وتموت أحلامه وخاصة في الثمانينات المنصرمة وقد فتح الباب وطبع مجاميعه فماذا تريدون منا إذا ما كتبنا عنه وقلنا للمتلقي شيئا نقديا نافعا
أركز في هذه النقدية المفتوحة على محورين:
مهيمنة الشعر وعذابات الشاعر
المفتاح الاول

عند شجوي مع الشعر يعصرني الشعر يقلق نومي

اما قلت لكم في البدء ان الشاعر يعيش قلقا من تهميشه شاعرا والدليل انه يناغي الشعر:

يرحل بي الى متاهات السنين
يقسم نصفي ويضعني في زنزانة احلامي
13

ثم يستانف شكواه ثانية في ص 21 :

لان في شدو القوافي صخب السنين
واختزال الحياة والدروب
التي امتزجت بوهج الحفاة ووخز الابر
9

ولم يتوقف الصوت بل يستمر والقصائد استفاقت ومشت في توابيت القصائد ماذا لا يفسر لكم مثل هذا المستهل ويبقى متمسكا بهدير القوافي قائلا:

احملينا ايتها الرياح ففي
عطر القوافي ووهج البطاح
22

انه لايجد منقذا إلا القوافي التي خنقها الزمن بالحرمان عنوة ولم يتوقف الحدس عنده بل استمر في قصيدة أخرى قائلا:

قال شعرا لم يعرفه الحضور 34

ماهية الشعر الذي قال لماذا لم يفهمه الحاضرون ومن هم أدباء ولكنه صاحب نواقيس ثابتة يعترف بها قائلا:

تعالي ولاترحلي
الى السواحل البعيدة
وخذي نواقيس شعري والايام
43

انه خائف على نواقيسه من الأيام ومن لعبتها الخطيرةاوعندما يخاطب زميله الشاعر الكردي حسن أمين يتخذ من مائه المقدس الشعر وسيلة ويرش
من مائه المقدس فوق جراحاتنا 52
ثم يقول:

وتحفظ أناشيد الماضي
ودردشات المرابد القديمة
53

انها إشارة ذكية إلى ماضيات المربد من الجاهلية حتى ولادته المعاصرة عام 1971 في العراق ووجود الشعراء الفحول كالجواهري وجمال الدين ونزار قباني وغيرهم وماذا اليوم في المربد من شعرة وبعرة
يضحك عليها الزمن لا يضحك عليها المتوكل العباسي
ولكن للشاعر عين كالذئب يرصد تحركاتهم ولايغدره فعلهم فهو يقظ حذر من لعبة المربد :

مازلت ارقبهم
بعين كعين الذئب
مازلت المحهم
و احثو الكلمات التي تبادرني الخطى
59

انه يحث التراب الحرفي لا التراب الحقيقي ليلطم من الزمن وتناقضاته ولم يقف هاجسه وهمه الشعري بل يتكرر في قصائده واحدة ثم الأخرى في قوله:

وعلى ضفافك
ينتابني هاجس من الشعر
77

اما قلت لكم أن هاجس الشعر شكواه ومهيمنته فلا يرتاح بلا شعر وقد يستطيع الصبر بلا بنين ولا امرأة ولايصبر بلا شعر في حياته انه مرضه الدافئ وشفاؤه العاجل وهو يعترف بأم لسانه أن :

الصدق والكذب لايلتقيان أبدا حتى يلج الجمل من سم الخياط 79

وكم يجد الشاعر بلغة الغزو وهي تتسرب إلى قصائده وهو يهديها الى مجهول محذوف كما أشرت بنقاط الحذف:

اتراك ياحاملي
توصد الابواب من دوني
وتغزو قصائدي ومواويل غربتي
81

ولكن ثمة شياطين في عصره أشار إليهم بطرف خفي:

شياطين العصر والنافرين
من الارحام المومسة
90

ان الشعر اصبح ترياقه ولكنه يعيش سقما لا مهرب من الشياطين :

وشوقي ليل بهيم
وترياق حبي
قصائد شعري
وانا الواله في باكورة سقمي
100

فالحياة عنده قصيدة بلا عنوان ومستهل لاخير فيها ان خلت من الإنسان وكأنه أبو العلاء المعري يمشي في الظهيرة ويحمل مصباحه خوفا من العميان في الطريق :
2 المحراب الصامت

عند شجوي مع الصمت 13

هذا المفتاح الثاني لعناقيده التي لم يبق بها شيء حتى يسمي قصيدته مباشرة (كهانة في محراب الصمت) وهذه القصيدة لها تداعياتها تحتاج إلى سرد طويل لامحل له ألان :

محراب الصمت دهورا تتهادى من وجع ساد الارض قبورا 19

انه لا يغير محرابه مقتنعا بعيشه القلق ولكن ماذا يفعل والقلق مورق بصمته لم يترك شيئا لم يأكله:

يأكل الألم المورق من صمتي
وكياني ومظالم روحي
20

انه محمود البريكان البصري الصامت حين أصبحت لغة الصمت سر نجاحه فهو يلبس هذا القناع ثابتا كل من المهمشين في البصرة وأنا واحد منهم نحسب أنفسنا بريكانا جديدا فالعصر يتعامل معنا بلغة الإقصاء للآخر وظنوا كل من عاش في الزمن السابق كان مؤيدا للسلطة ولم يعرفوا كم سجنا دخلنا وكم أخا قتل لنا النظام السابق ولكننا صبرنا رحمة بعوائلنا وأبنائنا فلا مهرب والطريق مسدود وكم كنا نقرا قصائدنا مرمزة بالنفير والغضب :

صمتي المجهول من قلقي 25

وفي نص اخر يقول:

عن أيام غربتي هناك
يسالني صمتي الغريب
28

ولم يدر بأن:

العمر المتبقي يستقريء حتف الايام 29

وينتقل من الذات المكابرة إلى المدينة قائلا" :

احبوا الي مدني
التي عبرت فصول الصمت من قلقي
36

ثم يضج صمته لمن ؟

ويضج صمتي للمرافيء والبحار
ويعود شوق الارض يحتضن البوار
38

فاي حضن للارض بقى وهو يحتضن السراب البوار
ثم يعلق نهارات الامس على لافتة تقول:

اغفو نهارات الامس القريب
واعلق على اوتارها نظرات الايام التي تعربد بالصمت
كي ينفرج الوهم العالق
39

لكن الوهم لا ينفرج ما عشت حيا وكيف تحول الحلم الى نهارات فما اروعك أيها الشاعر تنام في النهار من أين لك الكهرباء أما عادت حلما منسيا ؟؟؟
ولم يتأوه بالاعتراف إلا في هذه القصيدة حلم في جوف العتمة48

سيتيقظ صمتي
في باكورة الم
بات يقينا
كان الشبح الماثل في راسي
49

ان للشاعر قناعة لا تتوقف عند حد إن الزمن يرمي أوراقه في بئر يوسفي مغلق لا احد يخرجه منه أبدا وهنا تلا قح فكري بين رؤية الذئب المتهم بافتراس يوسف وبين البئر في تناص مصيب حتى بات الأفعال لديه تلبس غير ثوبها:

فالهسهسة للزرازير 60
ولا فناجين للانوف التي ثلمت تيجانها الخيانة 60

هذا شعر رائع حقا حتى غدت بحار صمته غزيرة كبيرة :

مالذي يبقى غير ضباب كثيف
يملا الفضاء
ويعبر بي بحار الصمت
ويستدرجني إلى حلم بات
يقظ النوم ويعيد احلام اتلسنين الموحشة
62

حتى صبرنا وامسى صبرنا وهنا
ثم يخاطب حميدا ولا ادري المختار القاص أم الشاعر :

في بهمة الصمت
رأيت وجها عاريا
67

فمازال شعره الدواة التي تغذي قلبه فهو مستعد لملاقاة السنين التي لم تجد عنده شيئا سوى قصائده :

قالت كيف تكتب شعرك
فأشرت الى قلبي
كونه الدواة الذي
يغذي قلمي
73

ومادام قلبك الحبر الشعري فلا ينضب مهما أغلقت دائرة السواد عليك ومهما أغلق باب التهميش فتبقى كما ولدت شاعرا حرا وأنت مؤمن بان الأرض تولد من جدديد وان عبرت فوق قشة طافية وتيقن أن اجنحة الريح لا تهزا من حلمك السرمدي فالحياة للشرفاء مهما طال الغضب وكبرت المأساة وأنت القائل :

سوف ارحل عن الأرصفة
التي باعدت الخطى
ومشت صوب العواصف
107

وقد رسمت حكمة صائبة حينما قلت:

منذ ان شعلنا سجائر
الأزمنة وازدرينا الدخان
تجشأت قصائدنا في مواكب الأحزان
109

هنا امسك الصمت معك ولن تتوقف كتابتي عنك وعن غيرك فانا شاعر يحب وطنه حتى الموت وما بعد الموت وسأكتب عن كل شاعر لا يقبل بالاحتلال لوطنه أبدا وأقول لك في مسك الختام  :

أي شعر أقوله في مقالي      وبلادي أسيرة الاحتلال

 

 

 

free web counter