د. صدام فهد الأسدي

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 26/11/ 2007



عندما يصبح الوطن ضبابا

د. صدام فهد الاسدي

دراسة نقدية في مجموعة الشاعر قصي الشيخ عسكر
(الشمس والقمر)
(1)

سأتجاوزفي دراستي العلاقة الاخوية والصداقة التي عمرها اربعون عاما واحلق في فضاءات الشاعر خارجا نفسي من دائرة المديح مع ايماني المطلق بان الشعر الجيد يفرض نفسه مهما كان عصر قائله,واقول قبل ان نطالب بفهم الشعر علينا ان نتقن القراءة,وكلنا يعلم بان الشاعر ليس عالما بل يرسم نزفات قلبه على الورق ويتأوه احزانه بالمداد,ونعرف كلنا بان الشعر له لغته المتميزة بين فنون القول فلا يعطيك نفسه بسرعة دون وسيط,لذا جئت باحثا ان ازرع في بساتين خيالكم بعضا من زهور قصي كزهرات فائحات بالطيبة والمحبة,واول الاحساسات التي اخذتها صورتي احساسه بالوطن ولم اقل موضوعه المتفرد فلديه انطباعات كثيرة وكما يقولون ( الوطن عند قصي عصفور النار وشرارة الاتقاد وتوهج الجذوة)وثمة غربتان تفصحان عن لوعته في خلق الشعر اولاهما داخل الوطن والثانية خارجه,وهما غربتان متواصلتان بالالم واللوعة نتيجتها الشوق والحرمان وكيف لايعيش حزينا وقد حرم حتى من تشييع جنازة ابيه الشيخ رؤوف عسكر الخطيب والاديب والعالم الدكسني الكبير في شط العرب في ستينات القرن المنصرم وفي نهر جاسم .
انظر محطات حزنه عن الوطن الضبابي:
وانا لااملك الا اثنين
الوطن المدعو ضباب
والشمس
ايهما اثبت ام ايهما انفي
من هنا تبدأ القدحات الحزينة والفاهم يدرك مديات تساؤلاته خاصة وهو يعبر الخمسين ومازال يبحث عن اجابة لماذا وطنه غامض؟:
وطني هذا الغامض والمدعو ضباب الماضي
يعشق شمسا
ثم تلك التجليات الفائحة بنشيد الامال والتحسر:
لم تكن خفقة طين
عمرت نخلا وماء
وطني انت نسيج من دماء الشهداء
وان افاد من خفقة الحيدري بلند بالمستهل فقد اجاد في تثبيت علامة الشهادة(فالعراق بلد الشهداء في كل العصور)وحين تتداعى خلفه الدروب ويثور بعده السراب ماذا نتوقع من غربته ان تنزف وهو يرى الالم المزروع صمتا ونطقا هو المسؤول عنه :
افرغتنا المأساة من محتواها فنطقنا وصمتنا المسؤول
ان سألت الاقدار عني اجابت وطن ضائع وشعب قتيل
هكذا ينهي قصي الاجابة عن محاور عذابه ويفصح دون ستار ولف ودوران وسوف اسير في معتركات هموم غربته عن الوطن واقسم واقسم انه يموت حبا بالعراق ويحن للتنومة البسيطة كثيرا مهما اسفرت به الايام وكان يعيش فرادة الضباب وراى امراته النموذج تلبس عري الاشياء وراى غراب بينه ينقر في آفاق الضوءوفتش عن فيروز الصبر في اعماق البحار وحصد من حوت البحر لؤلؤة العشق الازلي وتجردت ذاكرته وحاشاه ذلك فهو دؤوب مكافح وان سماها سنينا ملساء ولكنها سنين طفولته وصباه ومراتع الاداب وشط العرب ومها ظل البرد يحاصره ويقطع من بين يديه غصن الشمس وهو يعترف بعظمة لسانه:
اغزو العالم وحدي
فلعلي اجد الماضي
يقبع في زاوية ما

وهنا يخطط مكانات حزنه منها بغداد الوطن والصليب الابدي المرفوع ؟:
كلما سرت خطوة
بعدت عن نظري خطوة
ودنت من قلبي خطوة
لا مهرب لقصي من حب وطنه وان لونه بالضبابية والملل وهو سعيد فرح بحزنه فلاشكوى لديه ولاحاجة الا ريح يوسف (وطنه) فهو يبكي عليه لايبكي على نفسه:
(يمكن ان تتلوث كل الاشياء
يمكن ان تجتاح الادواء العالم ويظل الحزن نقيا
)

ان عشقه ثابت كالقمرللوطن الام :
(زرعت بركة احلامي في صدر القمر الغائب
فيخضر القلب سرابا يلتهم الابصار
)
وهو شهريار عصره العائد الى شهرزاد عمره فيحن ويشتاق لتلك القصص الرائعة :
في الف ليلة وليلة
الف جناح وجناح
كي تحمل تلك الليلات الالف الى قلبي
وهو الراوي لعصره :
وادركت قبل الصباح بانك كنت سمائي
واني اغيب الى حيث يبدو نقائي الوحيد
وهذا النقاء الوحيد هو الوطن
ثم يطلق جناحيه للذكريات واولها مكان الالفة البصرة حيث ولد وترعرع ومشى على ضفاف شطها قريبا من تمثال السياب وقد لحق على الشاعر :
(لوجهك القديم
قافلة من الارق
كم زخت من السنين
مرت على ترابك الموثوق بالغيوم
فاي خوف شدني اليك
من بعدما قطفت وهج صبوتي

فما اغنك صبيا تعذبه البصرة الحبيبة وهكذا تتكرر ضبابيات قصي (ضباب قديم) ولم تتوقف لحظات شجنه واصفا ذلك الولاء المطلق للوطن:
(في كل مكان
ادعوه يجيب دعائي
في كل الاوقات
اناغيه ,اسمعه يغريني
باليوم التالي
هل انسج لي وطنا اخر
)
لكنه لايستطيع ان يخلق وطنا كالعراق فحتى البقع الجافة فيه والسجون احب الينا من كل وطن خاصة وهو يسجل: في ذاكرة الزمن البداية التي انطلق منها
كلمة قد قلتها منذ البدايه انا اهواك الى مالا نهايه
وقد تلمس متنبأ تلك الغربة في اوليات قصائده قائلا:
(غريب بارض العراق
ولكن عمقي هتاف ينادي
يموت الطغاة ويحيا العراق
)
وقد مات الطغاة ياقصي ولكن حلمك مازال بعيدا حتى الذي غنيت له قائدا شعبيا (عبد الكريم قاسم) قد شرحته مدى التاريخ ولوثت وطنيته وهو لايملك شبرا كما :
(انت في العراق
يامن رفعت على راس الجلاد نعال المظلومين
قالوا عنك شعوبي كافر
والتهمة تلصق دوما بالشرفاء
)
ومازالت التهم تهال ضد الوطني الكبير :
(ملعون هذا الزمن الجائر يا ابن الشعب)
ولم يفت الشاعر ان يتخذ فضاءا اخر وهو نهر جاسم الرمز الكبير عند الشاعر:
(نهر جاسم
حينما الذكرى استفاقت
هومت موجته في اضلعي
)

وبعد هل اجد الشاعر الكبير بلند الحيدري مجانبا الصواب حين قال (كيف تسنى لهذا الشاعر المرهف ان يضن على نفسه بالاعلان عن شاعريته طوال هذه السنوات)واجد الشاعر الدكتور اسعد علي مصيبا(شاعرية قصي تجري كنهر او كمطر) وكم اقدس كلمة مصطفى جمال الدين(قرأت في شعر قصي وعد الغيم بالمطروتململ الاحلام بالزهر)
وكم اصدق الدكتور رياض (ترك قصي على ضفاف بحيرة الالم رنة وجع )
وكم ارقص طربا لقولة الشاعرة الكبيرة لميعة (اوجع ما قرأت في ديوانك (وطن من الاسمال)
واختم قولهم بقولتي (لا تبن خيام حزنك في عاصفة الريح فالغبار موجع والاشجار العالية قدرها ان تسحقها العاصفة وانت وتد وسطي عليك بحماية خيمتك (الوطن) من مخالب الذئاب بالشعر والموت بالشعر واقفا)

 


 

Counters