د. صدام فهد الأسدي

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

السبت 24/11/ 2007



دراسة نقدية في قصيدة الشاعر مجيد الموسوي

نهوض الفينيق من رماد غابة خمبابا

د. صدام فهد الاسدي

لم تتطفل هذه القصيدة على حلم ماضوي خاوٍ من التناسل وهي تبصق على خيط الوهم الحالم بحدود الأمس الماضي – والمستقبل الذي لا نراه أبداً وهي تبتعد عن سيوف الآباء التي سكنت أغمادها وصرخات الأجيال التي اصطدمت بجدار الصمت .قل هي غابة خمبايا نظرات ورؤى في الحياة تخترق علاقات المجتمع الخرب الذي يعلق قيمه على لافتة أتعبت من المسح والتبديل ، قل إن خمبايا تبدأ بالملحمة المتجذرة عن عفريت مخيف ينفخ في فمه الناري الاخضر واليابس فتجف الغابة ولكن كلكامش عصره المتمرد على ضجيج خمبابا يعقد صفقة مع انكيدو العاشق للانتقام من خمبابا ولم يبذرا الا الجراح لولا اله الشمس الناري القابع تحت سيف الحرية وتنتهي اسطورة خمبابا بالموت الذي بدا مخيفا للانسان في كل زمن وكيف بمن يلقاه في غابة متناهية الابعاد
قصيدة ترسم تمازجاً محكماً بين صورتين قابعتين في الظلمة ، لا يريدان إنفكاك الستار عن شيء ، إنها خطوط تسير على الورق وتتبدل فوق الصفحات كلما حذفت في أبعادها رائحة الظل الخفي الذي لا يكشفه إلاّ متبحر في شخصية الشاعر وفلسفة الشعر,في حالة محسوسة نراها بأم أعيننا .
أهي الطائر البكر يخفق في منتهاه
,أهي العشبة المستدقة في عالم لاتراه
أهي الروح تختص مذعورة في المتاه
في تساؤلات موسوية ثلاثة عن طائر وعشبة وروح وفضاءات تتلاقح في مدارها (منتهى عالم غائب ، متاه مطلق) هنا تقفز الفكرة إلى الذهن ويتصاعد غبار المخيلة باستدعاء إيحائي لا يختلف فيه اثنان فالادب الرفيع لايمكن ان يكون تجريديا فيسفر بناالى تجريد اكبر في قوله:
كيف ارسم خارطة المنتهى<واقاوم وحشة روحي<كيف انزع خوفي من الموت يفجؤني<كيف اكتم ذاكرتي واغطي على الوهن سر جروحي
وفي هذين المستهلين بدأت غابةخمبابا تتشظى دمى وتتفيح اشجارا وتزرع على كل حد وقفة اعدام لشاعروجودي منهك يخرجك من مساحة التأويل والضرب على الفكر بقدحات وتشكيلات محرقةوهو يربط بين السؤال ويقاربك من المشابهة بين ما اراد وما اعلن كي يخرجك الى الطريق المفتوح وليس المغلق
للطريق الذي قادني,للطريق التي تتخافق خلف ردائي,للبلاد التي عبرتني للسماء التي اسا قطت ,لمن يريد الوصول؟للطريق التي قادني لها العمر الخرف للظلال التي تتخافق خلف ردائي وقد جاءت دلالة الرداء واضحة مايغطي الجسد ويترك الروح بعيدة عن الراحة والامان ونيل الاماني ثم تاتي البلاد
للبلاد التي عبرتني للسماء التي أساقطت كسفاً .
هنا دالة الشعر وقدحته فمن يرى الفعل اتساقطت يشعر بقوة نزول المطر والحجر وكل ثقيل يسقط من الاعلى فوق الرأس فماذا يفعل؟وليس امام الشاعر الا ان يحمل الوهج المتصاعد حوله وهو الامل والكبرياء وعزة النفس حتى لايسلم اوراقه للريح كي يسأل سؤالا محددا اين الدليل؟أي طريق يسير عليه ؟ طريقه الذي قاده للظلال الخربة والبلاد المتساقطة كسفاً من أحزانه ولكنه يستسلم بطريقه المتعب ..
أمنح للوجع المتصاعد حولي ؟
ثمة أمل يبرق يبعدك به الموسوي عن مشاغلك الماضية إلى حاضرته المكتفة بسيل الهم وهو لا يسقط أمام الريح ولا يتلقى الغبار عالقاً عينيه بل :
أسأل أين الدليل ؟؟؟
هكذا أقف الأن ومن يرى الانية التي يلمح اليها الشاعر الان وكل وقت انه مستعد لتلقي العاصفة وقول شعره على مصلب الحرية,ثمة عاصفة يقف أمامها الشاعر ولا يمتلك غير خيارين
أرضي التي ولدتني ,وغربة هذا الرحيل
هنا يعطيك الموسوي مفتاح روحه بهذه الإٌجابة بعد كذا عبر عن مديات أحزانه
أنها ليست لعبة سطحية تجرفك الى شاطيء بلا أمل ...
ولا غابة بلا انتظار .. انها الغربة التي يجلس معك الشاعر وجهاً لوجه يحكي عن التفاصيل التي أشار اليها ثانية ولم يذكر لنا المرة الأولى لأنه تعب من ارهاصات زمنه المرير .,( لنقل ماسألنا ولنقل أين ثوب القتيل )
بهذا المدخل المباشر الذي يدخلك به الشاعر الى رغبة الإفصاح عن الشقاء.
هكذا تستقيم تفاصيل ماقد سألنا ,المكان والزمان ، البراري ، الجبال ، ليالي السهوب ، المياه ) ,هنا تجلس الفضاءات مستقرة تبدأ بالمكان غير الموجه والمحدد والزمان المفتوح أبداً ثم تلك الخريطة المتكونة عن طبيعة تافهة براري صامته مسطحة وجبال مرتفعة بعيدة وسهوب تموت أشجارها وترحل طيورها ومياه لاتشبع أناسه.
وكل هذه الحواريات احتراق في ذاكرة الشاعر ، ولم يتوقف فالمياه تواصل مسيرها بعد كل عاصفة وتسهم الكلمات المنتقاة بدقة ، من الشاعر حتى يعطيك المشهد الثاني .,( ثم يعتدل المشهد المتموج ثانية )
فالمشهد كان يتحرك في انزياحات مظلمة وزمن مقهور ووعي لاتقيده الرسوم والأفكار .يتخلص الشاعر بقناعه الأسطوري ويهرب أولاً لأنه لم يزل متأملاً مفكراً ماذايطرح ,( ويغدو البطل الأسطوري وتابعه في قلب الشهد )
لاتتساءل عن رمزية البطل المطلوب فلك أن تصبح في قلب المشهد لتنظر ماذا يدور وتفهم كيف تسلقت العاصفة ذرى أرضك وسقمت ربيع آمالك .
ثم يحدد الجهة المكان ( ومن حولها تتغير النظم والستائر والأفكار والناس والبلاد ) ,هذه الغنائية التحليلية عند الشاعر المبدع صاحب التجربة الأصيلة بل الفريدة لماذا تتغير تلك النظم ولماذا تخط الشعائر بلون آخر ولماذا تكتب الأفكار بزمن سحيق ولماذا تغيرت الناس والبلاد والطرق ، ماذا جرى بالزمن كله ؟ هذا تساؤل وجودي ولم يفتح الباب على مصراعيه كما يقال بل نقلك الى موروث لابد من الاستذكار ,( ينبثق ترتيب آخر لشكل الأيام
الأحد يوم الخلق الاثنين يوم التكوير والثلاثاء يوم الصعود والأربعاء يوم النشور والخميس يوم الرحلة والجمعة يوم العرش) .
هذه قصة خلق الكون محسوبة بالأيام في ستة أيام ولكنها عند الشاعر مقاسات .( هل نبدأ بالتقاويم التي تتغير -هنا بدأ المشهد الثالث بالاستفهام
هل يطول مكث البطل والعبد عند تخوم الغابة
من يتقدم كضحية؟,من يتربص كجلاد؟
كل هذه الأسئلة اقنعة افكرتها واحدة مفادها ايضاح الغربة والموت البطيء غدا مطمئناً يائساً فرحاً يلعق الجروح وطرباً أمام نزف القلب والمأساة ا تتكرر لماذا لأنه يصر عليها معانداً على حقيقة ابدية
[ ليس ثمة شاهد غير الريح ],هنا قدحة القصيدة ولب السؤال ومدار الغابة إنها ريح سمها ما شئت ريح جنوب شمال ، ريح يوسف لا تضحك للشاعر سناً فهو اليأس المكبل بثوب النسيان والمقيد بأغلال العاصفة.
ثم يفتح لك ألباب الأخير في غابة خمبابا كي تدخل لتنظر ماذا فيها ناصحا إياك قبل ترتيب أشيائك والاستعداد للرحيل والموت ,فالغابة غامضة والمصير مجهول والهاوية تتسع والخوف يحدق والموت يتربص
ذا إذاً أخر المنتأى يا صديقي ,آخر هذا الطواف الطويل
هنا النهاية الخاسرة المتعبة التي ناح عليها المعري.,وبكت حمامته الحزينة بتساؤل غريب,يناديك بأمل [ يا صديقي] أهذا الطريق الطويل قادم حول القبرالذي بنتظرك ، مادام الغابة غامضة ومصيرك المجهول والهاوية تعصف بك منسقة والخوف يحدق عينيه والموت الأكبر يتربص وهكذا نهاية الإنسان وكيف تكون خاتمة القصيدة مدعاة لحس جميل .
فلنقل ما سألنا,ولنقل اين ذاك السراب الجميل
وكنت أتمنى أن لا يكتب حاشيته الأخيرة في الطريق الى الموت ماذا نقول
هذا سؤال لنا هل نجيب عليه ؟؟
هكذا ورثت خمبايا حرائق في دروب التائهين برمزيةعذبة غير محددة أتى بها الغائب المجهول في البصرة الغريب في وطنه وداره
يريد أن يقول لنا أن حضوره وغيابه حاضران لامفاجاة للحدث .
إنه حكواتي عصره يجيد أساليب التأثير والتوسل بكتابة شعرية رأئعةدون أن يلبس ثوب الخرافة إنها خمبابا الاحتراق والموت .
قل إنه شاهد مع طائر الفينيق التي تحترق وتخرج من بين أكوام الرماد .
وفي مسك الختام ارى قولا مفيدا للدكتور ريكان ابراهيم(ان القصيدة تفصح عن ثقافة الشاعر وهمومه ومهما حاول ان يدعي غير ذلك تفضحه قصيدته ومهما مارس الشاعر التمويه والتعتيم يمكن للناقد ان يقرأالشاعر قراءة نفسية خاصة


 

Counters