د. صدام فهد الأسدي

abo_aayan53@yahoo.com

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأحد 1/8/ 2010

 

عندما تغرد البلابل دون صباح
ومضات سريعة في شعرية عبد الكريم البصري

د. صدام فهد الاسدي

 بدء  امسك البحر قليلا متاملا الوعي الشعري ضمن منهج المعاينة وطريقة رؤيا العالم واختراق قشرتها الى لباب التناقضات الحادةعن طريق رؤية شمولية باصرة ومؤكدة بومضات سريعة لان الشعر كما يعبر عنه الدكتور محمد مبارك نهج في المعاينة .

وهذه قدرة تنم عن موهوب وشاعر ذي تجربة وموهبة قبل كل شيء مبتعدا عن الدراما الذابحة والصراع المقيت لنسج الاشياءوالاطالة المسفرة عن مفارقات لا تنفع ؟

انه شاعر يكشف عن تجربة شعرية مبكرة اسميها الومضات وظني هو   شاعر بصري يجيد صنعها بقدرة وتمكن واطلب من ادباء البصرة تسميته شاعر الومضات القاتلة .

ليس الشاعر بعيدا عن قلبي وحياتي بل كان احد طلبتي الاعزاء عام 1983 في اعدادية الفاروق المسائية وكنت اكتشف في داخله شاعرا هادئا صاحب ومضات وفكر دقيق حتى وجدته في تراتيل الصمت على مارسمته في ذهني.واقول كشاعر وناقد احفر في النص الشعري قبل الشاعر فقد رميته من قلبي واعرفه شاعرا رقيقا مولعا بالافكارانه الشاعر عبد الكريم البصري ابو حيدر؟

ولابد لي من الاختراق لهذه المجموعة (تراتيل الصمت) وهي افكار تطلق من وجهات نظر وقراءة متوقعة تستوفز الانتباه وتقول ان البصري بعيد عن الخواطر اولا وعن القص السطحي المبتسر .

والسؤال هل حقق لنا عبد الكريم البصري في ينابعه ورموزه وومضاته شيئا ؟انها صور وراء صور بالرغم من قصر القصيدة فلا تكاد المسافة الرقمية تتجاوز الفكرة حتى يلهبك بصور جميلة  وكلنا نعلم ان الصورة الشعرية مزيج بين دلالة الالفاظ وايحاء المعنىلذا فهو يحقق انموذجا جامعا بين اللفظ والمعنى وكم تحيط صوره ملامح السكون وتدل على صور ثابتة لاحياة فيها على حد الناظر لها لكنها تقول شيئا اخر واول تلك الصور معذبتنا في الدنيا شريكتنا في الحياة سالبة راحتنا مفجرة طاقاتنا المراة.المراة في ذهنه كما ارى حسرة طائرة في ريح عاصف

وحمامة وديعة تساق الى القسر ةدون ارادة ورغبة تاركة دموع الندم والاسف على ضياع هذا المحب وذاك العاشق في قوله:

من الجمال لها نصيب

تحب الاطر والمسح

بهذه الصورة يخبرنا في ومضته حال اية امراة ثم يعبر الى من راى يلبسها ثوب الزهد لماذا "

تدعي الزهد

كي تصطاد زاهدا مغفلا

وفي طاقة يعترف بانه يبعد عنها لانه لايطيق مغامراتها"

روحي التي تسكن جسدي

اظنها سكنت جسدا اخر

قبلي

فانا لااطيق مغامراتها

بسطور وومضة عاجلة قدم لنا البصري رؤيته وهو يومض باشارة سريعة عنوانها هي المجهولة في غياهب النسيان"

لا اعرف

فالحكمة القديمة تجوف الكلام

تغامر على امراة فقدت الانوثة

تبعثر الاوراق

اننا ازاء حالتين لاامراة مغيبة تنطلق من الحكمة التي اشارت الى قداسة المراة العفيفة والتي تغامر في انوثتها فمالذي بقي لديها من اوراق قل ان البصري يربك المتلقي ليفكر كثيرا كي يفهم نصه .

والمشكلة ان الشاعر يضغط على فكرك ويبتسم لانه يهزمك بالسحب الى رؤاه ولكنه الكمين حيث البس النساء ثوبا جديدا سماها الافاعي في قوله"

هنالك

تضاجعك الافاعي

تغازلك السكرات

وهنالك تصافحك الاطراف المغمسةبالخطايا

تغريك بالرحيل

حيث الفخ السرمدي

وما اجمله من فخ ولكنه اعطاه صفة السرمدية بل انه عاجز عن البحث عن الحلم وغير الواقع امام تلك المتاهات فلم يترك البصري سوى هيكل  على حد تعبيره"

الحب الذي ازهق روحي

عاد ليجهز على ماتبقى

لكنه لن يجد سوى هيكل عشقي

الشاعر لايقف في دائرة الاتهام انه برء فهذا هيكل العشق جماد مادام اعطاه صفة الهيكل اما عبد الكريم الروح لم يجدضالته بعد

ودليله الابتسامة الاولى من المراة تحول حياته الى حرب طويلة قائلا:

الابتسامة الاولى

اطلاقة لحرب طويلة

وليس هذا افتراءا على الشاعر وهو الساقط في الحفر بل افكاره حفرية وهو القائل"

في الطريق حفر

حفر حفر

لهذا كانت افكارنا حفرية

كم ضحكت لهذا القول بالرغم من بساطته فقد رمى المراة بطلقة مباشرة وهو يراها خرافة الزمن الاولى التي تيهت ادم وضيعت الرجال ويبدو ان صبره قد نفد فيختار من النساء الداخلات سن الاربعين قائلا"

يافاكهة المساء

قليلا من ....

للغروب احكام جديدة

هنا يضع اصبع الاتهام لماذا عمر ارعين انها العنوسة المبتسرة والمقيدة للمراة في العراق خاصة لما مر به من حروب وفتن وعذابات عزلت المراة من كل شيء حتى من حقها الزواج لذا يضع لنساء الاربعين حدا مسميهن فاكهة المساء فكما ياكل الفاكهة ليلا هكذا يسميها واقول لاول مرة اقرا من يطلق على النساء فاكهة المساء .

ولنقف في مداعباته ومشاكساته بل يستمر في رصد المراة في ومضته عصفورة التي صغر بها المراة اي تصغير قائلا"

لانها مغرورة

سجنوها بقفص انفرادي

مدى العواطف

ولم يصبر البصري بل اهداها نصا اطول من ومضاته وربما يظن المتلقي لنصه انها صور جامدة كما اشرت لكنها تتحرك مع عوالمه النفسية ضمن احالات متنوعة مجسدة بشخوص حية وجامدة مثل اقوالهمثل ريح نافرة"

شبقة

تنتزع ثياب الشجر

انظر الى دينامية الحركة ريثح نافرة وثياب مستقرة او قوله":

لبن متحجر متحلل يتنفس عطر الماء

انتبه الى الحركة متحجر لكنه يعطيه ديناميكية الحركة التنفس لمن لعطر الماء وهنا تراسل حواس فليس للماء عطرومثلها قوله

تتقرفص مثل ضباب مختنق في العروق"

مثل دم مسفوح على وجه الغروب

ان المسافة بعثيدة بين القرفصاء للضباب والدم المسفوح للزن الغروب ,هذه الافكار لاتاتي سدى الا لشاعر موهوب ومتمكن في لعبة اللغة الشعرية وترتيب الصورة كما يفكر وهي ناجحة الى حد ما

وهكذا يركز على الثبات قوله:

مع غياب الماء

يبدا الرمل حكايته

الشاعر ليس بناءا بل صانعا للفكر الناضج والممتد الى البعيدة لذلك يلعب بقلب الافكار فكلنا نعرف الليل ليس ادميا وعند البصري يستيقظ قوله:

يستيقظ الليل تقترب الحقيقة

وان حدث بتر وانزياح في الفكرتين فشتان بين ليل يقظ وحقيقة مقتربة لكنه الشعر يوحي للمتلقي الاشياء .

وكلنا نعرف ان عملية النخر للديدان للطيور لكنها تصبح عند البصري للشكوك فقد انتزع الفعل نخر الى رؤيا اخرى اكثر عمقا قوله:

الجدار الذي نخرته الشكوك

ثم هذه الصور المترابطة في نسيج التحدي في قوله"

ابعثي ماشئت من الطيور

فلن تحلق في سمائي

الصورة تبدو واضحة طيور نراها كلنا في السماء ولكن للشاعر خصوصيته بجعلها من حق سمائه الا تطير فيها ولن نسمع غير بساط الريح في قوله:

اوراقي المغتصبة على بساط الجلد

ارايت الشاعر كيف يبدل الاشياء من بساط ريح الى بساط الجلدبل يلبس القمر اجزاء البشر فالشفاه للانسان وعنده للقمر في قوله:

يهوي القمر بشفتيه على اثدائها الحارة وهذه الاثداء الجمع للارض فالمراة لها ثديان وهذه فلسفة الشعر انه الغموض اللازم

وكذلك تلبس فسحة الامل وتتحول الى مسحة امل في قوله:

التدبير اعطاه مسحة من الامل

وانظر كيف استخدم التبعيض في رؤيا الامل وهو ينطلق من قول سابق لولا فسحة ا لامل وهكذا الصور المجسدة ثوب الاحتشام وعيون ليزرية وهذه اكبر من عيون ميدوزا وزرقاء اليمامة انه يسير مع التمدن والحداثة خاصة والطباعة الليزرية تعم العالم الان .

وكي يسحر المتلقي يدعوه الىمعنى اصعب وابلغ في التعبير قائلا:

استمر الليل بالابتهالات

حتى ضحك الفجر من بلادته

انها صورة مؤثرة حقا فكيف يتحول الدعاء الى بلاده ومن الفجر دلالة البداية هكذا يجسد البصري رؤاه الفكرية ضمن منظومة شعرية واثقة من نفسها وتصحر معه في فضاءات اصعب في قوله:

بعثري ماشئت

مخالب الشفاه ستلتقط كل شيء

ان الشعر عد البصري فن يخترق جمال الطبيعة ليخلق منه جمالا اكثر تاثيرا في الذوق والشعر يحتوي على بنى متنوعة ولكن الشاعر المقتدر من يزرع في بساتين الابداع ولانترك لعته على شفير الهواء الطلق بل نؤكد عليها ويبدو تاثير التداعيات الدينية مؤثرا في الشاعر وهو يتناص مع قول الامام علي في الفقر والقناعة في قوله

لان زادي كثير وطريقي قصير

ويتناص مع رؤيا الصوفيين في قوله"

فاللذة والالم بينهما عناق قديم

ويتناص مع رؤيا فرويدية في نظر الذات في قوله"

الانا التي قادتني الى مضارب الغجر

انه يبريء نفسه من كل التهم بل هو البلبل المغرد ولكنه المغفل يغرد دون صباح في قوله:

اصبحت كالبلبل المغفل

اغرد دون صباح

فماذا تريد هنيئا مريئا لك يا اباحيدر انت بلبل مغفل وتغرد هنيئالك بالصباح واين الصباح من زمنك الرديء هذا .

حتى غدت الجدران تتسلق لتبحث عن الضوء الذي انقطع والامنيات مثلها ترتقي السلم واختفت تقلسيم الشعر وسجنوا عواطفه بقفص انفرادي دون ذاته هذه افكار دنقلية من الصميم وافكار خليل حاوي المفكرين العربيين .

انني بكل تواضع ولا اسمي نفسي ناقدا بل محبا للقراءة والتاويل للنص تالشعري ولايسهمني الشاعر ابدا انه خطط كثيرا لتلك المجموعة وقال لنا نتيجة اخيرة

من هنا كان الطريق

فافترقنا

لقد وفق البصري اي توفيق في هذه المسرحة الشعرية الرائعة فهو ينحو صوب افاق الغروب منتظرا وليدا جديدا ربما امراة ديوان شعر .

ان البصري متقن لتوظيف صوره ولمحاته بل ومضاته والطبيعة كما اشرت وقفت ركنا في تكوين معجم الشاعر تنتزع ثياب الشجر .

- على وجه الغروب - تحاكي قرارة البئر-يستيقظ الليل-الشلال يتدفق-حوافر الخيول –مد بصره مع الافق-هذه وعشرات الصور متحركة وثابتة زرعها الشاعر البصري في حدائق التراتيل واغنانا بتجسيدها حقا فالريح تحمل الاوجاع والافق دلالة الانتظار وبين جمل اسمية وفعلية الدموع التي ترسم الظل .

هذه فكرة شعرية مقنعة ومؤثرة حقا فالاسمية فيها واضحة وقوله يهوي القمر الفعلية فيها واضحة ايضا .

زد الى هذا الحكم المتبادلة هنا وهناك قوله"

عندما تحيط الهالة شخصا

تبدو اعماله كبيرة حتى لوكانت فقاعات

وقوله"

عندما اكل البحرالاجساد

تجشاء الخطايا

وقوله:

الربيع لااعرفه

لكنني اتذكر وريقات الاس على الحيطان القديمة

اي منا لايفهم ولايميز ولايفسرقوله"

السلال المملؤة توقظها الايادي

وقوله"

القبور المتخمة بالاحاسيس تلفظ الزبائن

وهو يخاطب صديقه الشاعر عبدالسادة البصري يسميه الجنوبي لبراءته وصدقه لكنه يقدم ومضة احلى في الوصف:

لاتثق بالنوارس

لان عشقها طاريء

لقد ادهشتنتي صورته تلك خاصة وانا اعرف من عبد السادة ومن النوارس المجهولة ضمن معنى بعيد في قلب الشاعر

ولم يتوقف البصري غاضبا من الاقدار في مباراة لائقة شعريا قائلا"

الاقدار العتيدة تنافس الحياة

 

وتظل الارواح عنده تتسلق الجدران وهذه اشارة طيبة في دلالات الرقي للانسان وعدم الخوف من المصير .

والامنيات ترتقي السلم بالرغم من تكسره وتحجره .

وبين صعود في الومضات ونزول في الافكار اجد البصري مجيدا للغته دون غلطة ابدا في المجموعة كلها .

واراه غير منصف مثلي واخرين فلايحسب للشعر الجيد حسابا في زمننا التنين هذا فقد اختلط الحابل بالنابل وتساوى الخرنوب بالتفاح على حد وصف الوائلي .

ولكن المبدع لا تهزه الايفادات والكراسي والنتخابات الشكلية والكوؤس الظما للحقيقة ، فيظل عبد الكريم البصري شعرا مبدعا يطلق ابواب التقدير ويقول اكتبوا الشعر ولاتصرخوا في عنق زجاجات فارغة بحجم كؤوسكم الظماى فكم شارا مثل البريكان لم يدخل باب الاتحاد يوما وظل رائدا في الضمائر .

فالاتحاد لا يصنع شاعرا بل يزرع العداوة بين المبدعين ويكثر المشاكل فكل ذي نعمة محسود وهو القائل"

ايها المسافرون

لقد شربتم الخدعة

حد الثمالة

فهل يصحو الشاعر الشاعر ويبتعد عن نيران الفتنة ويكتب للناس فقد سالوني يوما

لماذا لم تشترك في المربد فقلت

يقولون اذا انت شاعر

لماذا الاتقرا في المربد

فقلت لهم ان شعري دماء

فكيف اصب الدماء على الموقد

ساقرا شعري الى الفقراء من يفهمون ارتعاش يدي

ساترك كل مرابد عمري

 ويبقىالحسين هنا مربدي

وفي مسك الختام ارسم لصاحب الومضات البصري تحية من القلب واهنيه على قدرته في رصف الافكار ورسم الصور وتحريك الشجون .

 

 

free web counter