د. صدام فهد الأسدي

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

السبت 19/4/ 2008

 

تشظيات الموت عند رشدي العامل

د.  صدام فهد الاسدي

قال رشدي في تشظيات الموت (الموت يتوزع على مساحات واسعة من قصائدي ويختفي احيانا وراءها كخلفية لامرئية ويقف كفزاعة بل اذا امكننا ان نصف الموت سنقول انه لامرئي وراء كل صورة يقف هذا اللامرئي وربما يحرك قصائدي ويتحرك داخلها ويكون دم تلك الولادة هو الموت) انظر قوله:
زارني الموت/ما العن الموت/ما ابعد الموت/ما اقرب الموت/ما اجمل الموت/يدنو/وما ابعد الخطوات القصار)
لو امعنت النظر في هذه السطور النثرية والشعرية كيف تتفاعل معها محللا مفسرا انها تنطلق من عقل مفكر وشاعر معري واقول حقيقة انه معري عصره لما يخلق من رؤى فلسفية وصوفيةوقد نتابع اقوال النقاد لنجد دالتنا فالناقد الدكتور حاتم الصكر يقول (يعبر عن واقعة الموت بالظمأ والجفاف مجازيا) وللشاعر يوسف الصائغ قول في صوفية رشدي(كان رشدي يتلذذ بمصاعبه بصوفية لايجيدها سواه وحين حاصره الرحيل ارتضى ان يرحل بهدوء ووداعة) كما قال رشدي الموت يتوزع على مساحات وقد وجدنا هذا واضحا,فالموت الزائريحلم به واخرى يتمنى ان لايدنو اليه :

وليت الموت لا يدنو أحس الموت في أهدابنا يقظان
ويراه زاحفا كما يزحف الفيضان انظر قوله:
أحس الموت يا أختاه يزحف دونما رحمه
أحس العالم المفقود في عيني بلا ألوان
أحس الموت يقطر في فمي سمه
إن الموت المهاجم كالأسد الكاسر بمخالبه وعيونه المنتظرة لاقتناص الصيد او الطريدة مشخصا عيونا للموت(عيون الموت – ان الموت المطبق الإحداق,ومرة الموت كالفأس المثلم اللسان :
ناموا بلا حلم
كأن الموت يأتي
حين يأتي فأسا مثلمة اللسان
وطعنة من غير صوت
تطأ الجباه فتشجب الأضواء في خفت العيون
وينز عند الصدر بركان من الدم في الجفون
إن الشاعر ينوع الأساليب ليعبر عن ارتباط الحب الصوفي بالموت وقد حلل( ليوبر دي) هذا الارتباط النفسي بين الحب والموت قائلا(حينما تغزو القلب عاطفة حب عميقة تنشأ في نفسه رغبة رخية مريضة من الموت لعل العلة أن الوجود يبدو حينئذ مقفرا كأنه العدم إذا لم يغمره الحب العميق,وعندما لا يجده يعتريه القلق فيكون هذا مصورا للجزع والعذاب لا ينقطع إلا بالفناء التام وهكذا ينتهي الشعور بالحب الى نشدان الموت,لقد اعتز بوطنه الذي سماه وطن المدافن:
وطن المدافن لاتقل جاءوا غدا تأتي الإشارة
كفن وجمجمة مهشمة الجوانب في مغاره

لقد قرأنا الرثاء في الأدب العربي ولقينا مستويات تتشابه عند الشعراء منها رثاء الموتى ووصف اخلاقهم وعلمهم وفعالهم والتالم على رحيلهم لانهم تركوا ثلمة وفراغا في الحياة لايعوضهم البديل ولكن عند رشدي للرثاء مستويات خاصة متناقضة للميت والحي ينظر للموت كما ينظر للحب وفي لقاء معه قال رشدي(الحب كالموت يأتي بلا انتظار ولدي عالمان الحب والموت يمتزجان ببراءة ويعانق احدهما الاخر فالحب لايثقل كاهلي كما الموت الذي احسه عذبا عندما ياتي)
هذا الذب الموت ينفرد به رشدي معبرا عنه بمستويات منها
أ - مستوى عدم المبالي له واللاهي بالشرب والخمر:
فاترع الكأس رحيقا واسقني منه لماما
واترك النوم لشخص عشق الموت فهاما
ب - ان للموت كاسات مختلفة وليست كاسا واحدة
اسقنيها واذا شئت بكاسات المنون
ج - الموت له رعشة ويكون ابرد من الظلام:
اريد ان اندس في صمتي الثم حتى رعشة الموت
تسحقني الظلمة في بيتي باردة أشقى من الموت
د - عدم تساوي الأموات في قبورهم فمنهم بلا قبور:
وأمواتك من غير قبور
في كهوف الموت جوعى
يسألون الله ضرعا
ويموتون من الموت فلا يعطى لهم غير البخور
ه - توجيه النداء للميتين مع فهمه للموت:
ايها الميتون ,ايها افتية الطيبون
لاتردوا صلاة الاله فاني بشر
مثلكم في عراء السماء
و - الانفعال اول طريق للموت وذي رهبة مريرة انظر أقواله
ابعد غد اهو مسك الختام ويسدل ستر على المشهد-
دع الموت يعصف في سمعنا ودعنا بعالمه البارد
نعم تلك الوداعة التي اشار اليها الصائغ قد تلمسها رشدي مؤمنا قائلا:
ذاك عمري أخذت منه نصيبي حالما ناعما شقيت وعشت
فاذا ما رحلت عن هذه الدنيا فتطوافها حياة وموت

شخوص الموت عند رشدي
كلنا نعلم ان الرثاء فن الموت ولغة الحزن ومجال الياس ومعرض الوفاء والحزن على حد تعبير الاستاذ احمد الشايب في كتابه الاسلوب وكلنا نعلم ان الرثاء في الشعر العربي ليس سوى موقف فلسفي من الحياة تتجسد فيه نظرات الشاعر واحاسيسه من الموت ولكن رشدي يخصص الموت لغرض سياسي وتحريض اجتماعي صرف وهو يتدرج من المرثية ويسفر بها بهدف مقصود:
اقول لكم غادروا مرفا/غادروا مرفأ
كان في الفجر صبحا وفي الليل اشرعة من نهار
لم يعد في مواجهة البحر حتى الفنار
هاجرت منه كل الصواري وكل المراكب والاشرعة
غادرت مسرعة حملت النساء واللالئء
وخلت لنا الرمل في صدفات المحار
وهذا جديد رشدي ففي رثاءالاصدقاء يقول الدكتور حاتم الصكر(كان يدهشني رشدي بوفائه للموتى من اصدقائه والبعيدين من الذاكرة,كان يسجل اليهم ادق الذكريات) ومن هؤلاء الشعراء حسين مردان وعبد الامير الحصيري ويحيى جواد واول من رثاه رشدي في شعره الرسام العراقي الكبير جواد سليم في قصيدة كلمات لم تبتسم:
حزينة وادعة طيبة عيونه
تحت الثرى متعبة
متى يراني الناس في كل دار
حديقة يحضر حتى الجدار
وقد اعتاد رشدي في ختام القصيدة على الشعر العمودي وفي قصيدة اخرى يركز على الطبيعة رمزا وشريكا للانسان في حيرته وهو يرثي الاديب رئيف خوري من لبنان:
قد هوى الروح فاصمتي ياحمائم وارحلي عن نوافذي يانسائم
ياصديق الدرب الطويل ترفق فشراعي ممزق الصدر نائم
اتعبته الرياح حتى تعدى وسفيني على الرمال الجوائم
ويبقى رثاؤه لصديق العمر عبد المجيد الونداوي :
لم اخن موعدا ولم انس عهدا انت تدري باننا صنوان
وهبتنا الحياة ايد سخيات وللموت في ربيع الزمان
نترع الكأس بالظى ونغني ونديف الافراح بالاحزان
عرسنا ان نرى صباحا جديدا ومدانا مطافنا المتداني
غير انا والموت لاياسر الحلم وراء التراب والاكفان

تداعيات العاطفة في ذكر الموت في رثاء زوجته الحية التي تركته وحيدا انه شاعر عذري في العصر الحديث بعد جميل وكثير وقيس بن الملوح على حد تعبير الشاعر يوسف نمر ذياب(مجموعة هجرة الالوان لها خصوصية فقصته مع زوجته تشبه قصة قيس بن ذريح على طلاقه زوجه فندم ولات ساعة مندم فاستطير عقله) نعم لقد اشرنا في بحثنا في الماجستير عن تداعيات الحرمان بعد انفصال زوجه ام علي في مطلع السبيعينات برحلة امتدت من 1960 وبالدقة في 6/10/1960 الى 1975 انظر الى صدق مشاعره لفراقها:
تعبت من الاحلام أي مليحة يشيرلها وجه جديد ولاتغرى
اردت شراء الحب وهو ميسر ولكنما الحب المراوغ لايشرى
رويدك ذاك الحقل انت زرعته وساقيته نارا واطعمته جمرا
وانت التي كالطفل يصنع لعبة تحطمها كفاه في اللحظة الاخرى
تروحين لابرد الصباح يضمنا ولاتذكر الايام ايامنا الغرا
هذه القصيدة بحق من اروع ما قرات في العصر الحديث من مراثي لاتطاق وصفا وصورا مجازية وبامكان الدارسين التعمق في تحليلها ولكن للاسف اختلط الحابل بالنابل في زمننا وضاع الشعر وقطع من الجذر وبدأنا نبحث عن القصيدة القدحة التي لاتكلفنا جهد فكر
ثم جاءت مرحلة الياس ورثاء الذات مشيرا الى وحدته :
هل اتنبأ انك عدت الان
ومعطفك الاسود
مبتل بالمطر الناعم والاشذاء
ان الحزن مستمر عنده مما جعله يعود الى قصائده القديمة كما اشار الدكتور الصكر(لماذا يعود الى قصيدة قديمة بعد سنوات لينظمها من جديد اهو شعور بان الحالة قائمة او هو احساس بقيمة تلك القصيدة ) ففي عام 1957 كتب قصيدة الرحيل منها :
لاتقربي مني فاني وتر يعيش بلامغني
بعض الجراح وبعض ما تركت رياح الصيف مني
وعاد عام 1966م ليكملهاان الحالة تنبيء عن عزلة تتغنى بوتر حزين حتى غدا متشبثا بطيف المراة التي احبها كما اشار الشاعر هادي الربيعي(ان القلب الكبير يابى ان يصدق انه عاش حالة وهم كبيرة وخدعة كبرى ضاعت منها سنوات العمرالجميلة :
شراعك في ليلي يعانق مرفاي ويبحر عند الفجر للضفة الاخرى ولم ينس حديثها عن الطفلين محمد وعلي:
كانت عيونك تسأل/هل ارضع الطفل/صدري يجف الحليب به
ارضع الطفل طعم المرارة منه وانت ابوه السجين
هذه استرجاعات الذاكرة الرشدية بعد سنوات الفراق
ولعل الخمرة هي السبب كما اشرت في بحث سابق فللشاعر زهير القيسي رأيه في لقاء معه عام 19973 مباشرة في وزارة الاعلام عندما كنت ادرس الشاعر(انه تزوج من امراة احبها ولكن بسبب انصرافه الى الخمر الذي فاق به الحدود وتجاوز الضوابط ادى الى انفصام تلك العلاقة وتحطيم منزله العائلي)
واكد الراي هذا الناقد الكبير طراد الكبيسي(كان رشدي مدمنا والسبب ذاته جعل زوجه تنفر منه فبقي ضائعا وحيدا مشردا بين الحانات والمقاهي لانه كان مفصولا عن العمل بسبب موقفه السياسي فكيف يهيء لعائلته احتياجاتها مما سبب الانفصال)
وبعد ام علي ير ثي اخاه الشاعر ماجد العامل في قصيدته الشاعر راحلا:
اسدلت حوله الستائر ارخى
حاجبيه وظل يرنو جبينه
نام طفلا في حضنه يسكن االفجر
وتجفو على العيون جفونه
ايقظ الليل حلمه فتنادى
بين امواجه ورفت عيونه
انه يتخذ من واقعة المرض تمهيدا لغياب بشكل لافت فقصيدة الذبول من اكبر قصائده التي رثى نفسه فيها:
ضاع صوتي وجف نبعي وغارت في عروقي تلك الدماء الغوالي
فجبيني المعصوب لايلمس الضوء وكفي موثوقة بالحبال
لقد لمح فيها الى زمن لايفرق بين الشوك والورد والبريء والمدان وبين الذل والكبرياء
وسؤالنا هل تكفي امراة واحدة لتدمير حياة شاعر كبير كما دمت بالامس بثينة جميلا وعزة كثيرا واليوم ام علي تدمر رشديا
انها خسارة فادحة لنا ان يموت الشاعر الكبير محروما من الامل فيموت صوتهسريعا ولن يموت موقفه وشعره في ضمائر العراقيين ابدا
وفي مسك الختام اقدم للقراء قصيدتي المتواضعة في رثاء الشاعر بعنوان عذابات رشدي العامل


حين اخذت شهادة الماجستير عام 1993 في رشدي العامل تركت الشيء الكثير عنه وهذه القصيدة تحكي بعض عذاباته
1
حين دخلت الى مملكة الشعر ,رأيته يمسك شيئيين عكازا وقلما
2
كان العكاز يتسلق هم الايام والوجه الشاحب من تلك الاورام
يسال ما زالت شمس الوطن يخنقها الاقزام
ما زال القيد يشد الشرفاء ويضحك في وجه الاصنام
رشدي العامل لن يطلب من وطني شيئا (يطلب حبة نوم لينام)
3
ارجع رشدي واسال عن قافلة الشعراء بهذي الايام
تسمع ما لاتسمع وترفض ما لا ترفض وترد تنام
4-
ادخل من باب (ام علي) تفتحه تنتظر العودة بعد رحيل
وحديقة ابنك قد ذبلت ؟من يسقيهابماء الاحلام
كانت ترقص حتى الماء يغزل صمت الاقلام
كرسيك في ألجهة الاخرى,والمكتبة البيضاء,
امك قد وضعت صورتك الاولى في كتب الدمعة والاوهام
5
ابنك لا أدري يا رشدي عاد من الغربة
ابنك محمد هل ينجو من ذبح الارهاب؟
هل غادر رشدي العامل ذاك الحي المعروف بحي العامل؟؟
6
قلبك يا رشدي في جسد مختلف عن كل الناس
وجهك مصلوب بالاحزان لحد القيد,ولكن لايغفو الاحساس
روحك تلك النجمة ,ليس تحلق الا فوق سماءالمظلومين
شعرك بستان يزرعه الحب ويسقيه الطين
شعرك من جنات الادب,يقص حكايا عشق النسرين
شعرك ضوء يشمس في الليل وحيدا ويكشف خوف المحرومين
شعرك نهر يسقي الناس المحتاجين
شعرك شعر لايعرف اين الممدوحين
شعرك فيض يركب بحر الخوف ويصب على الناس المنسيين
شعرك سيف لايعرف غمد الخوف ويشهر ابدا في وجه الطاغين
7
ابصق فوق الصفصاف لانك ليس تخاف من السجن ولاتخشى السجانين
همك ان تفتح باب السجن لتخرج كل المسجونين
8
عندي نداء يمتطي خرافة الظلال
والشاعر القادم من انبارنا قد غلب المحال
قال الى الطغاةالف قولة(في كفي النعال)
ثمانية اطفاله عشروت والالوان
طريقه الحجرلاي في عيون بغداد يقسم الالحان
وانتم قد بثها مثل نزيف الموت والقتال
غنى لنا اغانيا تصعد فوق السحر والامثال
وسد باب حبه في كلمات ذبحت في مرض السعال
وجاء بالسيف لنا ويشهر النصال
واخر الشوط له حديقة قد فيحت بالماء والزيتون والرمال
وقد سقاها دمعه الخلاب
وكان يوما صاحبا للفارس السياب
قال له (هل يأتي للعراق)


 


 

Counters