د. صدام فهد الأسدي

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 14/7/ 2008

 

احتراق مطر الشعر عند رشدي العامل

د. صدام فهد الاسدي

منذ صدور ديوانه الأول (همسات عشتروت) عام 1951 ثبت رشدي صورته في مقدمة الديوان وكتب تحتها .. فأنظر الرسم .. فيه تلميح طيفي / وأقرأ الشعر فهو ينبيك عني .

وفي دراستنا نريد أن نقرأ الشعر حتى ينبينا عنه ويوصلنا إلى فهم شاعريته .. فكيف كان يفهم الشعر ؟ كان رشدي يرى في الشعر عالما وبنيانا شاهقاً لا يستطيع أن يحدد أبعاده وعندما تقدم مع الشعر عمرا وكتابة كان يتعذر عليه أن يقرر مفهومه للشعر ، يقول أقول بأسف لا أملك مفهوماً خاصا للشعر ، إنه غابة هائلة الأتساع والكثافة ، هي خلاصة قراءاتي الشعرية منذ بداية وعي الطفولي لهذا العالم الساحر الغريب – الشعر [1].

وفي مقابلاته ومنشوراته المتواصلة في الصحف ذكر رشدي تعريفات منها ( هو الكلمات التي تدهش الآخرين وتدفعهم إلى اقتفاء رصيد جديد من المعرفة الحسية) [2].

ومن رؤيته تلك كررت لفظة ( كلمات) وأراد بها الشاعر حتى سمى ديوانه الرابع (للكلمات أبواب وأشرعة) عام 1971 واستخدمها مجازيا (ملعب الكلمات) (منفى الكلمات ) (ضلوع الكلمات) (مزارع الكلمات ) في الشعر أيضاً قوله :

تدرين إني لا أملك غير الكلمات[3] .

والشعر عنده ضرورة حياة وهاجس عالمه الذي يعيش داخله والشعر بالنسبة إليه (هو الطعام والشراب والنوم واليقظة والحلم والتوجس وهاجس حياتي كلها )[4].

والشعر وسيلة إلى المرأة التي يغريها قائلاً ك أدخل قصرا كله جواري ، أغريه ، أغريهن بالأشعار[5] . ويرى الشاعر أن الشعر مثيراً للأخريات فيشدهن إليه ويصطنع حواراً مع أمرآة ما عندما تسأله هل يكتب الشعر ؟ أسمع قوله :

هل تكتب الشعر
أجل سيدتي الحسناء
أكتب والظل حولي
وخطى النساء
[6]

وفي أكثر من قصيدة يشير رشدي إلى عملية الكتابة وصعوبتها كما في قوله : يتيبس في حنجرتي نهر الكلمات[7] ، ومرة لا يجد تلك الكلمات فيبحث كما في قوله :

مررت عليك يوما
كانت للكلمات
في قلبي مخبأة
وكان الصمت في الأهداب
[8]

ومثلما ساد في الشعر العربي (أن لكل شاعر شيطانا يقول الشعر عن لسانه)[9]، عبر رشدي عن هذا بقوله :

ويزهر في دمي أيار
وترقص في فمي جنية الأشعار
[10]

ويقول في قصيدة أخرى : تسكنني الأشعار والأشباح[11] ، وربما أراد رشدي أن يشير إلى الإلهام عند الشاعر والوحي أيضاً وهذا ما يرفضه الشاعر زهير القيسي قائلاً : (كان رشدي ممن لا يؤمنون بما يسمى الإلهام أو الوحي بل كان يؤمن بالمقولة التي تؤكد أن بوسع العامل اليدوي الذي لا يحس القراءة والكتابة أن يكون شاعراً جيداً بالدراسة والبحث المتواصل )[12] ، ولكننا وجدنا بعض الإشارات تميل إلى هذا الرأي قد تطرق إليه رشدي في إحدى قصائده يقول : للشعر موعده ، وللرؤيا نبوءتها[13] ، وينظر رشدي إلى الأسلوب نظرة دقيقة يعتبره روح المنشئ (الأسلوب قبل أي اعتبار آخر ليس شكلاً محضاً يتحدد به البناء اللغوي الذي يتمثل موضوعا معينا بل ما في البناء من قواعد نحوية وعرفية وسواها ، والأسلوب روح المنشئ التي يشيعها فيما يكتب)[14] ، ويرى الشعر كما يرى ويعرف قلبه في الجهة اليسرى[15] قائلاً: ولكن الأشعار ، نبع زاوية القلب اليسرى ، وبجمع بين الشعر والحبيبة وهما توأمان بالنسبة إليه قوله :

أنت والشعر توأمان بقلبي
ورفيقا دربي
إذا ما خطوت
  [16]

وعملية الكتابة الشعرية عنده عسيرة كالنبتة التي يزرعها وتحتاج إلى جهد عبر مخاض يقول : (عندما يأتيني هاجس الشعر لا أفكر أين أنا)[17] ، وعن مبعث الكتابة عنده وما يسميها العملية الشعرية يقول : (في مرات نادرة فقط تكون الفكرة المؤداة في قصيدة معينة جاهزة للتمثيل الشعري وفي أغلب الحالات يجلس الشاعر إلى منضدته دون معرفة ما سيكتب إنه فقط يريد التعبير عن زخم يرهقه ) [18] .

وتلك العملية لا يدري بها رشدي أين تقوده وإلى أي مدى لم يكن يتوقعه ستأخذه ومن ثم تكتمل إلاّ بعد أن انتهى من آخر بيت فيها ولا أعود إليها إلا لتهذيبها قبل النشر[19] . ويلمح رشدي كثيراً في قصائده إلى تلك الحالة قائلاً :

لأني أحمل الكلمات
أخجل أن أغاويها ، أمد يدي
فأهجسها على شفتي تستلقي
أهدهدها وأقصيها
وأعرف في سراب الليل
أعرف كيف أغويها
أحيل لهاثها المحموم ثديا في فم الورق
يجاذبه ويدفعه ، وتغويه ويغويها
[20]

وكذلك يرى أن تلمس الأفق للكاتب وزوايا تفكيره تتبين من خلال الأسلوب ومع الأسلوب يؤكد رشدي على وضوح الأفكار (إن وضوح الأفكار في ذهن الشاعر تنسحب على أسلوبه وهي معادلة لا ينال من صحتها ارتفاع الأسلوب التعبيري ومتانته ورشاقته )[21] .

والعاطفة أحد عناصر الأسلوب تمثل لديه مساحة من الأهمية ويصفها بالهمسات التي تنطلق من أغانيه نفسه (الشعر اقتراب من النفس وتعبير عنها والقصيدة عندما تبدأ فأحياناً يبدأ معي بيت من الشعر ولا أدري أين سيقودني )[22]، فيشبه ذلك المخزون العاطفي بالجراح قائلاً :

أنت يا موقظ الجراح بصدري
كيف تغفو وظل جرحي ، حائم
[23]

ويهتم رشدي بالمضمون قائلاً :( القصيدة الحقيقية هي التي يكون فيها المضمون هو الأساس لبنائها وتكون قمة فنيتها على إمساكها بمضمونها )[24].ويشترط في المعاني الوضوح ( ان الوضوح لايعني أبداً المعالجات الساذجة ، ولا التسطيح الفارغ في تناول القضايا الفكرية والاجتماعية ) [25]. ( وعن بساطة الشعر له رأي مفاده أن يكون الشعر بسيطاً ومفهوماً لأن الشاعر الممتاز هو الذي يحترم قارئه فلا يقدم له عملاً جاهزاً بل يشركه يشركع معه في أدق عمليات التصور والبناء ) [26]. وطالما رفض رشدي ( الغموض ) كثيراً وكان يصرح بصوت عال( أنا لا ألهث وراء الغموض) [27]. فقد استمر في غنائيته المعروفة مبتعداً عن الغموض وأصر على عدم تجزئة القصيدة فهي كل كامل ( إن من الأعتساف أحباناً معاملة قصيدة ما تجزئتها أي فصل عناصرها الجوهرية عن بعضها)[28]. وقد رأى هوراس هدفاً للشعر حين قال: ان غاية الشاعر اما الإفادة أو الإمتاع أو إثارة اللذة وشرح عبر الحياة في آن واحد وعندما يرى للشعر أهدافاً فهو أداة كفاح يومي ضد العبودية وللشاعر دور في مساندة الجماهير وانتصارها كما في قوله :

يا أيها الشاعر.. في متاهة الطريق
رنح ضلوع الليل ، فالشعب قد انتصر
[29]

ويوصي ولده علياً ان الشعر لاشيء عذب مثله :

لا أعذب ياولدي –أن تخطو في غابات الشعر
وأنت صغير -تقطف من بستان الشعراء
أزهاراً حمراء -
تهديها ، باقة حب ، للفقراء
[30]

والأدب عنده طريق طويل وكأنه يستغرب قائلاً :

أيمل من يرجو الوصول الى الأدب [31]

ولذا أصبح الشعر عنده ضرورة حياة وتعويضاً فالحياة تقدم له الألم وهو يقدم لها الشعر ، ويرى الشعر خبزاً للمحرومين وسلاحاً للثوار قال :

يا سيدتي الأشعار
خبز الشعراء المحرومين وبوح القيثار
يا ولدي الأنهار تجري والأزهار
تمنح أثمار الكرم وأعذاق النخلة
والثوار ينتظرون الأشعار
[32]

وللشاعر دور في عملية التطور الاجتماعي وعليه أن ينهض بمسؤولية مع الآخرين كما يرى أحد النقاد (كان رشدي وجهاً وطنياً معروفاً زاوج في تجربته الشعرية بين الهموم الذاتية والاجتماعية بالنسبة اليه يرى في الشعر شقاءاً أيضاً لكنه راض عن هذا الشقاء) ، أنظر قوله:

وأضل أبحث في الجريده
في كل يوم جائع العينين أبحث عن قصيده
عن ظل حرف ربما أشقى لأيام عديده
[33]

ويسمع رشدي الشاعر ( الحالم ) وأحياناً يعطيه صفة( التائه ) أو ( الضائع) أو ( المأسور) أو ( الغريب ) مشبهاً ذاته في أكثر الصفات قوله :

الطائر المأسور
فر إلى جزيرة النسور
[34]

وقوله :

ستقولين للسري شاعر سل أدمعه
الشاعر الضائع في رعشة شبابه
[35]

ولذا يرى الشاعر الحقيقي (الكائن الوحيد الذي يعيش في الصمت ويموت بهدوء) [36]. ويرفض رشدي الشعراء الذين يستطيعون التصفيق العابر ( ويؤكد على اقناع الشاعر فيما يكتب وينبغي أن يوفر لنفسه قناعات الذاتية أولاً قبل الشروع في اصطياد المصادر والأسماء التي يتوكأ عليها ) [37]، وعنده الاقناع والصدق مع النفس صفتان للشاعر الصادق قال : ( حسبكم أن تواصلوا معركة الصدق مع النفس فاسية وضارية لأنها يومية ونهائية لاهدنة فيها ، وهي النسغ الذي لايخون شجرة الشعر)[38]. وينصح الشاعر أن يترك الأضواء والشهرة السريعة التي يصفها قائلاً : ( الأضواء لاتخلق شاعراً فالشاعر من يمنح الضوء لا من يتلقاه والشاعر من يعطي الوردة لونها لا من يقطفها) ، ويؤكد على الشاعر أن يتقبل نقد تجاربه ذاتياً ( يمارس الشاعر تجاربه الإبداعية ماندعوه بالنقد الذاتي خلال عملية الخلق بزمن قصير أو يطول ، هذا الرصد هو المران القاسي الأكثر غنى وحيوية ) [39]. وبعد من صفات الشاعر أن يبتعد عن الخوف ويغامر فالقصيدة مغامرة ( ان القصيدة مغامرة خاصةمع الكلمات فالشاعر اذ يجلس لكتابة قصيدة لايفكر حتى بنفسه ) [40].ويرى كذلك أن الشاعر من يألف الخزن ويعتاده لأنه المحرك الرائع للعمل الشعري مادام الشاعر يعاني التناقض من الحياة وكأنه يتفق مع رؤية الشاعر علي محمود طه المهندس والتي أشارت الى السيدة الناقدة نازك الملائكة في دراستها شعر علي محمود طه حيث قالت : ( يؤمن علي محمود بأن الشاعرية في صورتها الصافية ملازمة للحزن والكآبة والشحوب) [41]. وهذه الأحزان تحتل نسبة كبيرة في شعره حتى نكاد نسميه شاعر الأحزان ، استمع الى قوله :

أنا لا أعرف حتى طعم حزني
خبزي اليومي ياسيدتي الحزن
وأزهارك لوني
[42]

ونجد تبرير رشدي لذلك معقولاً ( الشاعر لا يجد بين يديه ما يدافع به عن نفسه ازاء العتمة التي يسقطها العالم في عينيه غير تلك الأوزان السحرية القديمة للكلمات ) [43]، ويرى الشعر مع الحزن تميمة نافعة تقي الشعراء أعراض الجنون والموت والنضوب حيث أنهم لم يتعلموا معي كلمات السعادة ولأنهم لا يجدونها فصدعوا في هذا الجانب أو ذاك ولأنهم كم يعبر بدقة ( لم يتنفسوا بحرية طويلاً ) [44].

فالشاعر عنده من يعبر عن الحرية ( الشعر عبير الحرية) [45]،أما الديمقراطية فعندما تغيب تتدفع الشاعر الى الأحتجاج فهو القائل ( حين يشقى ملايين الفلاحين وحين يجوع آلاف العاطلين وحين تضرب الظهور بالسياط يجب أن لا ننتظر من الحركة الديمقراطية أن تقف معجبة بقصيدة تتغنى بساق أمرأة ) ، ويرى الشاعر أن الموهبة والثقافة من ملزمات الشعر ، فالشاعر الكبير من يملك الموهبة مع المتابعة والثقافة قائلاً : ( ان الشاعر المبدع ليس بحاجة الى ارضاء أحد وان كل حواجز العالم لم تستطع ولن تستطع أن تقف بوجه الموهبة الحقيقية الأصيلة ، وأن الأضواء لا تصنع شاعراً )[46]،وينظر الشاعر للموهبة والأبداع قائلاً فيهما ( المبدع الموهوب لا يرشي أحداً حتى ولا نفسه من أجل قبول نصوصه ) [47]،فالأبداع شرط مضاف الى الشاعر والموهبة التي يقول فيها رشدي ( الموهبة تفصح عن نفسها بعيداً عن التلقين، وتأخذ مداها الأرحب خلال التجربة الحقيقية لصاحبها من خلال صدقه ومعاناته وأن أدواته خميرة مباركة طبيعية تنضج بالخبرة والثقافة والمران الطويل الذي لايعرف حدوداً)[48]، ويضيف للموهبة والإبداع شيئاً ثالثاً وهو الالتزام سمة للشاعر الناجح وثبات شخصيته الذي يحترمها الناس ويعتدون بها ، قائلاً ( إنني رجل ملتزم ، ربما أنا في الحدود القصوى من الالتزام كانسان عاش ومازال مأساة عصره بكل مافيه من أحداث وتحديات ، تلك قضيتي مواطناً وانساناً وشاعراً )[49].

أما موقفه من التراث فقد أكد عليه مراراً وفي أكثر مقابلاته الشخصية وقد بينا في تمهيدنا كيف أن الشاعر قد نهل من التراث فقد قرأ المعلقات متأثراً ببشعراء العصر الجاهلي والأموي والعباسي ذاكراً أسماءهم وخير دليل على أعتزازه بالتراث كتابته القصيدة العمودية التي ابتدأ بها ديوانه ( همسات عشتروت ) عام 1951 وانتهى بها في آخر ديوان له حديقة علي عام 1986.

كان رشدي يزاوج بين الشعر العمودي والحر وله قول في الشعر العمودي ( أفادني كثيراً هذا الشعر لأنه غذى عندي الموسيقى الشعرية والتدفق الشعري والمخزون اللغوي ، ولا أزعم أنني نجحت دائماً في هذه المحاولة وكنني بذلت طاقتي كلها كي أنجح)[50].

ويوصي الشعراء أن يبتعدوا عن الصيغ الجاهزة المكررة التي يتلمسها في قصائدهم مؤكداً ذلك في قوله ( ان كتابة الشعر العمودي تحتم كونه شعراً جديداً ان كان النص الشعري جديداً في موضوعه ومضمونه وحتى شكله)[51]، وقد رفض رشدي ترجمة الشعر قائلاً ( ان ترجمة الشعر مستحيلة فايقاع الوزن الغربي مختلف عن الايقاعات الاخرى ، ولا يمكن توفير الموسيقى الشعرية في القصيدة العربية عندما تترجم الى لغة أخرى)[52].

ولرشدي موقف من الحداثة فقد وضع مقياساً للمنافسة بين الشعراء ولكن فيها شيء من النقد قائلاً ( نظرياً نحن مع لاجديد مع التطور مع النمو ، أننا بارعون جداً عندما يتعلق الأمر بطرح الشعارات ، وقد نجيد بكثير من البراعة الحديث عن النظريات ، ونناقش الهموم المشتركة لكننا نتحصن في الغالب وراء أسماءنا القديمة ، وراء متاريسنا عندما تنفتح شاعرية جديدة واعدة وعندما تشق موهبة جديدة طريقها بثقة راسخة ) [53].

ان مفهوم الشعر عند رشدي ضرورة حياة وعالم كبير ، ورسالة على الشاعر أن ينقلها بصدق للناس ، يراد بها تغيير المجتمع وتحفيزه على الثورة والمطالبة بالحرية ، وليس الشعر محطات للمدح والغلو ، فالشاعر ليس من يبحث عن التصفيق والأضواء السريعة والشعر عنده حياة أخرى يحيا بها الأنسان ، أما الموت بالنسبة اليه فهو قانون ، ويرى كتابة الشعر صعبه وهي عملية مخاض عسيرة ، ويرى في الكتابة مباعث وعنده الشعر لغز مبهم ، ويرى الشاعر الذي يعيش الحزن حقاً ويعبر عنه ويتكلم عن ذاته المتمثلة للناس كلهم ، فليس عند الشاعر سوى الشعر سلاح للدفاع عن نفسه ، ويريد من الشاعر الحقيقي البوح الصادق والتزام الصدق مع النفس والمغامرة حتى وصول محطات الابداع ، وفي مفهومه هذا لايفرط رشدي بالتراث القديم بل يؤكد عليه باحثاً عن المضمون الجديد والموضوع والشكل الجديدين أيضاً ، ويحرص رشدي على الوزن والايقاع ويؤثر كثيراً الأوزان الراقصة ، لهذا امتاز شعره بالنائية والذاتية المفرطة فأنت تقرأ قصيدة للشاعر تشم رائحة الحزن والأسى تفوح من كلماتها دون أن تحتاج الى جهد وفكر ، أن المطالع لمجاميعه الثمان يكشف بسهولة ذلك النفس الحزين المنبعث من حياة شاعر كتب مأساة أيامه بالدموع وقد وظف تلك الهموم العائلية الخاصة بأسرته توظيفاً رائعاً حتى كان مصيباً من أطلق عليه ) شاعر الأسرة ) . وبعد هذا المفهوم عن الشعر عند رشدي نتسائل في مسك ختام هذا الفصل ، هل كان رشدي راضياً عن نفسه ؟ ونجد الجواب عند الشاعر حين قال بصراحة ) رضائي أو عدمه لاقيمة له ، لكنني أريد أن أضيف ان الشاعر عندما يرضى كل الرضى عما قدمه فهو يسير في طريق الانطفاء [54] .

ويرى ( أن كل شيء يتجدد ويستمر بينما يختفي الى الأبد قلب الشاعر ليعيش في قلوب الآخرين حياة متجددة )[55]. وهكذا كانت سيرة الشاعر مفعمة بالصدمات والأحزان وكانت ثقافته متنوعة بقراءة متواصلة وسعي حثيث وهاجس شعري مستمر وروافد متنوعة لدعم ثقافته ، وهكذا تنوعت آفاق رشدي للأدب فقد كان شاعراً وناثراً يكتب القصة والمسرحية والرواية وظل الشعر عنده ضرورة حياة ، ومع ذا العطاء الكثير كانت الكتابة عنده كالنبتة التي تحتاج الى جهد لسقيها ورعايتها ولم يضع الشاعر نفسه خليفة على الشعراء بل كان يعبر عن وجهة نظر عما يراه في الساحة الأدبية من مخاض صعب وشمولية غير مستقرة لفنون الأدب .واراه شاعرا كبيرا حلب الفكر من سحابات الابداع وسقى بها ارض الجفاف.

 

free web counter