د. صدام فهد الأسدي

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأربعاء 10/12/ 2008



مهيمنة الشظايا في بكائيات الشاعر عبد الزهرة لازم شباري

د. صدام فهد الاسدي

أجدني اقطف الحجر على قمة الجبل لاهيا بسقطات الرذاذ متوقعا من يجيبني على السؤال الغريب (الشعر ليس عملا سهلا ساذجا بل عمل معقد غاية التعقيد تصنعه النبوءة)

ولعل قول اليوت نافعا الذكر (ليس أطلاقا للانفعال لكنه هروب من الانفعال,وليس تعبيرا عن الشخصية بل هروب منها)

من هنا ابدأ مع بكائيات الربيع مبتعدا عن المجاملات الذاتية المقللة لشأني والشاعر معي ولست اشك مطلقا في شاعريته المهمشة خارج أسوار النقد بل أصر على قوة إبداعه وعدم التقليل من تأمله وخياله وكأني أعيد سؤالي عليه ما سأله الحجاج على المساور بن هند قائلا لم تقول الشعر فقال له اسقي به الماء وأرعى الكلأ وتقضى لي به الحاجة وان كفيتني تركته)

هنا يتوقف الشاعر عن إعلان غايته عند سؤالي فليس عبد الزهرة شاعرا متكسبا طالبا لغاية مثل المساور بل شاعر صادق بصوره البسيطة الأليفة وغوصه المركز باحثا عن لؤلؤة ضائعة اسمها الحقيقة يستقي من بصرته ومينائها وسيابها ونخيلها الشعر:

البصرة منذ ذلك الزمن الأجوف
كنت في عيون البحارة
القا يبوح بتنهداتك الدافئة

لكنها الشظايا مهيمنته الخائف منها عالنا دون تردد

في زمن الشظايا والمصابيح الموقوتة
ترى الشوارع أكثر ازدحاما

ماذا تأخذك هذه الصورة إلى البصرة المتناقضة وهو يقارن الفرق بينها وبين المدن التي قريبة منها وهو يسافر ويتحسر ألما على مجريات الخراب في مدينته فمن هو السبب

وينكتم الصوت من حولي
الا من هدير القنا بر
وأزيز الشظايا فوق الرؤوس؟

ماذا تعطيك هذه الصورة المرئية والمسموعة لدى الجميع إلا صورة بسيطة من صور البصرة الخربة المحطمة المحرومة من كل شيء سوى الخراب الكثير والدائم و لذا بات يتشظى ذاته المهزومة بعد سيل الصبر وحطام الذاكرة قائلا:

ابحث عن قوس
في قلب الصحراء
انسج منه خاتمتي
واتشظى مصلوبا في كل الأجزاء

هذا هو الشعر الكبير وهذا الخيال الخصب عند هذه الصورة أتوقف كثيرا متسائلا أن الشعر الهام ووحي ونبوءة ولايأتي من فراغ أبدا حتى غدت الشظايا مجمعة كالزمهرير حينما اشتد البكاء وكبرت العاصفة وتأزم الموقف

تؤجج المراثي في شتاء
كان يبكي قذائف وزمهرير شظايا

أما قلت لكم أن المهيمنة عند زباري (الشظايا) ولكنها تفتح نوافذ للشعر متنوعة ومبدعة

ان للشوارع أصداء الشظايا

هنا يصف الحاملين أسمالهم العتيقة هاربين بالأصداء وكم يكون الحكم قاسيا عندما تحمل الزهور الألم وهي الضعيفة وتغتسل بالشظايا انظر قوله:

حديقتي الخالية من الزهور
تغتسل بالشظايا
وتسقي نخلتها الوحيدة بالدم

وهكذا يمسرح الشاعر شظاياه بلغة متقنة لا يقدر عليها ناظم للشعر يكتب الوزن والقافية بل شاعر يخلق صورته بإتقان:

والشمس التي سافرت
مع زخات الشظايا عند الأصيل

قل أنها لعبة بنقل الأفكار ولكن كيف استطاع الشاعر أن يؤلف لغة الزمن الأصيل وهو يعلن عن نهاية المطاف ونهاية الكون

ادنفت عن تغسيل جنازة الأرض
وكم يعترف صادقا بشظايا هزيمة المدينة
مولع بالشظايا التي دخلت قلب البصرة ام الخليل

وفي اعتراف آخر يصب جام غضبه من خطر الشظايا على الشتاء القارس:

رأيت عيونكم كومضة برق
في شتاء الشظايا

ويتحول النسيان عنده في رصف شظاياه إلى المارقين في قوله:

كنورسة قطعت أطرافها
شظايا المارقين

وهو يعتب على وطنه الذي ألقاه في المحن وقدمه هدية رخيصة للجلاد,حتى غدا يومه كله متخما مترعا بالشظايا

ليل وخوف مترع بالكهولة
مترع بالشظايا والتماعات العيون
وقد يصوغها حكمة
لان شتاء الشظايا في الليالي المظلمة
ارحم من الكنوز في الدروب المعتمة

تقف القافية هدفا في تلوين فكرته,وتتكرر الشظايا أكثر من مرة بزمهرير ها القاتل:

لا عزاء لقصائدنا التي عطرتها
الليالي المشبعة

حتى تغدو الشظايا تفرض ذاتها عليه بفضولها قائلا :

إلى جزر ليست على خارطة الوطن
وابكي حاملا فضول الشظايا
والحراب في جسدي

وبعد هذه الشظايا كلها ما لذي تصيبه ومن الذي تحطمه غير الإبداع وغير الشاعر فثمة إبعاد تتناسل تحت لحمة الرمز في قصائده وهي كثيرة تتأرجح بين الخوف واللاخوف باحثا عن حياة قهرها السراب وطعنها الطغاة بسنين العوز والفاقة والحرمان .

وما هذه الشظايا الساقطة كالمطر إلا دلائل على الظلم والتعدي على حقوق الإنسان انه شعور بالخيبة في هذا البلد الذي لا يعطي قيمة للشعر ولا الشاعر وعنده برخص التراب إلا الشاعر السلطوي المنتمي للقائد, انه شاعر يقف في مقدمة ينبوع الشعر كالفراشة المكافحة يستهويها الحركة والتنقل والطيران على مسارات الرحيق وليس الرحيق نفسه .

واجد في بكائيات الربيع هنات نحوية كاد الشاعر أن يصوبها قبل الولادة لهذه المجموعة. وأقول للحقيقة أني ظننت الشاعر عبد الزهرة شاعرا عموديا ولكن هذه المجموعة قدمته لي شاعرا تفعيليا مميزا محافظا على إيقاعه وسرده وصوره المكثفة وان بكاءه على البصرة بكاء صادق لا تنساه الأيام
 


Saturday, 22 November 2008


 

free web counter