| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق البلادي

 

 

 

 

الخميس 26/7/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 


التطور التأريخي وتأسيس الجمهورية العراقية في 14 تموز 1958


د. صادق البلادي

القسم الثاني
من المحاضرة التي قدمت ضمن الأيام الثقافية
لنادي 14 تموز في ستوكهولم احتفالا بذكرى 14 تموز 1958


المرحلة التي سبقت ثورة تموز كانت طوال الوقت منذ أن وطأت قوات الاحتلال البريطاني أرض العراق ، بحجة أنهم جاؤوا محررين لا فاتحين ، كانت مرحلة النضال في سبيل التحرر الوطني الديمقراطي. وللأفكار التنويرية والتحررية التي نشرها الحزب الشيوعي صار النظر للتحرر الوطني العراقي كجزء من نضال العالم العربي من أجل الاستقلال والوحدة القومية باعتباره جزءا عضويا من النضال العالمي ضد الامبريالية في سبيل الديمقراطية . وأن تحقيق أهداف الحركة الكردية في العراق مرتبط بالنضال المشترك من أجل استقلال العراق والديمقراطية.

وقد أدركت القوى الوطنية العراقية آنذاك هذه الحقيقة ، حقيقة كون النضال الوطني—القومي جزءا من النضال العالمي ضد الامبريالية واعتبرت القضية الوطنية العراقية جزءا مهما في هذا الصراع ، وأن العراق جزء من العالم العربي. ولقد وجد هذا الادراك تعبيره في هدفين من الاهداف الخمسة لجبهة الاتحاد الوطني الذي أعلن في آذار 1957 :

2- الخروج من حلف بغداد وتوجيه سياسة العراق مع سياسة البلاد العربية المتحررة.
3- مقاومة التدخل الاستعماري وانتهاج سياسة عربية مستقلة أساسها الحياد الايجابي.

وتوفرت مرجعية وطنية استطاعت أن تضم كل القوى ذات المصلحة الموضوعية بالتحرر من الاستعمار في اطار جبهة وطنية - جبهة الاتحاد الوطني - أثرت في القوى العسكرية وفي تعبئة رأي عام وطني ديمقراطي كبير.

وبهذا الارتباط وبوحدة القوى الوطنية ، المدركة أن النصر يحدده بالأساس نضالها هي ، فالعامل الداخلي لا العامل الخارجي هو أساس النضال انتصرت ثورةالرابع عشر من تموز .

وتتالت الانجازات ، والانتصارات واشتدت في المنطقة الحركات المناهضة للآنظمة الموالية للآمبريالية ، بفعل استمرار نجاح الثورة حتى أصبح العراق في ربيع 1959 [ أخطر ما في عالم اليوم ] بتعبير آلن دلس مدير وكالة المخابرات الامريكية ". ،فقد أضحت خطرا راهنا يشكل تهديداً كبيرا للنظام الرأسمالي العالمي.

ومع اطراد توالي الانتصارات اشتدت المؤامرات والمكائد ضد ثورة تموز، وسياسة المستغلين ، لأنها قائمة على الباطل لا تبتغي الحق ، مجبرة على أن تعتمد المؤامرة والتضليل والخداع من أجل شق القوى ، فآليتها منذ عهد فرعون فرق تسد ، وقد وصفه القرآن : " ان فرعون علا في الارض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين " القصص 4 .

و تجاه هذه المؤامرات المدروسة ذات الخبرات المتجمعة والمكدسة عبر القرون ، والمستندة على آخر دراسات العلم في التضليل والتأثير على الوعي وغسل الادمغة ، ودراسات علم النفس في استخدام مختلف وسائل الاعلام لم تثبت النخب السياسية في العراق كفاءة وقدرة في التصدي لهذه المؤامرات فانجرت وراء التناقضات الثانوية ، وكادت تنسى التناقض الرئيسي ، وراحت في نشاطاتها تتيه في مستنقعات ردود الفعل ، بدل الامساك بالنهج القويم في تتبع المهام الأساسية ، فغاصت في حمأة الانشقاق ، واشترك في تعميق هذا الخلل قادة حركة التحرر العربية أيضا.

وكانت بذور هذا الانشقاق مبثوثة في كل مكان و منذ بداية تأسيس العراق ، و كانت في الغالب من بذار الاستعمار، يتعهدها وينتظر ثمارها المرة لوقت بعيد ، وكان من أهمها بذور العداء للشيوعية ، الى جانب زرع بذور الطائفية ، والتمييز القومي.

فمنذ ما قبل ثورة العشرين كان الحديث عن الشيوعية والبلشفية معروفا في العراق ،.اتهم أبن الشيرازي على أنه على علاقة وصلة بالبلاشفة ، وكان عداء فيصل الاول للبلشفية أحد العوامل التي استندت اليها الخارجية البريطانية لتفضيله على غيره ليكون سدا أمام الشيوعية في العراق وفي المنطقة. وعرفت معاداة الشيوعية بفترة طويلة قبل تأسيس الحزب الشيوعي. وبعض القوى القومانية وهي تعمل للخلاص من الانكليز وقعت تحت تأثير النازية ، انطلاقا من مبدأ عدو عدوي صديقي. وانطلاقا من لزوم توفيرعدة قنوات وأساليب وجهات ضد الحركة الوطنية باسم مكافحة الشيوعية جرى السعي لجر رجال الدين الى محاربة الشيوعية ، فلم يفلحوا في محاولاتهم قبل تموز ، رفض الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والعديد من رجال الدين المشاركة في نشاطات المستعمرين لجرهم ضد الشيوعية، الخطر المحتمل افتراضا ونسيان الخطر القائم فعلا: الاستعمار والصهيونية ، الا أنهم أفلحوا قبيل تموز في بذر بذور حركة اسلامية تقف بوجه " الاعصار الأحمر" حسب قول مؤسسي الحركة الاسلامية نفسها ، وتتصاعد لتسفر عن وجهها في فتوى تكفير الشيوعية التي لعبت دورا كبيرا في اسقاط الجمهورية الاولى ، وما زالت هذه الفتوى قائمة رغم أنها اصبحت مناقضة للدستور الذي أثر الاسلاميون في صياغته وهو يحرم الافكار التكفيرية.

كان العراق من أوائل الدول العربية وفي العالم الذي لعب فيه العسكر دورا فعالا في رسم سياسة البلاد ، سواء عبر كون الجزء الاعظم من سياسيي العهد الملكي من أصول عسكرية ، أواستخدام الجيش لآحداث تغيرات سياسية.

و كان انقلاب بكر صدقي عام1936 أول انقلاب يقوم به الجيش واعتمد في البداية على جماعة الاهالي وجمعية الاصلاح الشعبي ، وسرعان ما انقلب ضد اليسار ، وصرح بكر صدقي " أن الشيوعية لا تصلح للعراق مثل عدم صلاح أرض السويد لزرع النخيل ".

وبلغ الامر بحكمت سليمان ، كما يورد عزيز سباهي في الجزء الاول من عقوده ، أن أعلن في مجلس النواب من تخوفه حتى من استخدام كلمة ( الفقراء ) لئلا يفهم المقصود بها هو الشيوعية و قال " وبصفتي رئيس الحكومة أقول يا جماعة ان هذه الحكومة بعيدة كل البعد عن الشيوعية وعن كل كلمة يشتم منها رائحة شيوعية " مما دفع النائب الشاعر معروف الرصافي للرد قائلا :" ان الذي أفهمه من كلام فخامة رئيس الوزراء في هذه المرة وفي غيرها أنه يتحفظ و يتحذر كل الحذر من أن يسمع أوأن يتكلم بكلمة تدل على الشيوعية أو يشتم منها رائحة الشيوعية و أفهم أيضا أن هناك أناس يريدون في طي الخفاء أن يضعوا تحت أقدام هذه الحكومة مزالق من ثلوج الشيوعية . ان هذا الشئ غريب.

الشيوعية مبدؤها معلوم ، و مبدؤها عال و سام جدا ، فليت شعري من هم هؤلاء الذين يريدون أن يقاوموا هذا المبدأ السامي ان هذا المبدأ لا يقاوم الا بشيئين اما بثقافة عالية أو بقوة غاشمة " ج1 ص181

وتركت تجربة هذا الانقلاب وضربه تأثيرها في الحذر من التعامل من الانقلابات العسكرية ، كان من المفروض أن تكون هذه التجربة تحذيرا من القبول بمبادرة العسكريين القيام بالثورة ، وقد طرح قبيل الرابع عشر من تموز رأي أن تكون المبادرة في اسقاط النظام يكون بتوسيع الانتفاضة الفلاحية في الفرات الأوسط ثم يقوم الضباط الأحرار بمساندتها ، لكن الضباط الأحرارلم يقبلوا ذلك ، فتركت لهم فرصة المبادرة ، رغم ان الضباط الآحرار كانواعلى قناعة تامة أن النجاح لن يكون حليفهم دون اسناد الجبهة لهم ، كما يذكر الراحل محمد حديد في مذكراته.

وكان يفترض التمسك بهذا الرأي، مثلما تمسك الضباط الاحرار باشتراط قيام الثورة فقط عندما يكون أقطاب الحكم الثلاثة : الملك فيصل الثاني ، وولي العهد عبد الآله ، ونوري السعيد متواجدين كلهم داخل البلاد ، مستذكرين هروب الوصي ونوري السعيد أثناء حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 ، ثم عودتهما لضرب الحركة واعدام قادتها.

ومعروف كيف جرت الإطاحة ببكر صدقي وحركته ،ذلك بتحالف القوى القومية في الجيش مع أعوان الاحتلال ، الاحتلال الذي ربط أعوانه العراق بمعاهدة ضمنت لهم القواعد العسكرية وربط العراق بعجلتهم وسوقهم والسيطرة على نفطه وثرواته ، ثم منحهم استقلالا شكليا أنهى الانتداب الممنوح من عصبة الامم ، والموازي لقوات التحالف اليوم بتفويض من الامم المتحدة انتزعته الولايات المتحدة بما يشبه الفرض والاكراه ، وصار العراق عضوا في عصبة الامم يوم 3 تشرين 1932 ، اليوم الذي يريد أعوان الاحتلال الجديد جعله عيدا وطنيا بدل الرابع عشر من تموز.

وأخذ العسكر للمبادرة في الثورة أسهم في عدم تحقيق اقامة النظام الديمقراطي وطالت الفترةالانتقالية.

ومثلما أطيح بذلك الانقلاب بعد ما أبعد اليسار الديمقراطي ، أطيح بحكم عبد الكريم قاسم بتجمع القوميين والرجعيين والاسلاميين ، سنة وشيعة ، وصارت فتوى تكفير الشيوعيين ، الراية التي تلمهم ، وكان المستفيد الاول والاكبر هو الاستعمار الذي جهزالخطط و القطارليأتوا به مستخدمين القوة الغاشمة ، بشكل لم يتخيله الرصافي يومئذ لتصفية قاسم والشيوعيين واليسار الديمقراطي عموما ، والحركة القومية الكردية التي نالها بعد الاطاحة بثورة تموز ما نالها من جرائم الانفال وحلبجة ،و حروب إبادة لم تنته الا بعد الانتفاضة عام 1991 و صدور قرار مجلس الآمن 688، كما ونالت الحركة الاسلامية نصيبها الوافر من الضحايا. أما تصفية الشيوعيين فلم تتوقف يوما حتى في "" زمن الجبهة "".

جفف صدام الاهوار ولم يعد اهاليها يتمنون غير ما قالته أمرأة مسنة من الاهوارفي فلم عن تجفيف الاهوار:" يمـة ما نريد شئ، بس ماي " ، وعم خوف شديد أن الأهوار لن تعود ثانية ، لكن مياه الاهوار بدأت تعود ، وعودتها تبقي جذوة الامل متقدة في النفس ، تستصرخ كل ذي ضميرألا يبقى بعيدا أومنعزلا في بركة آسنة ، بركة يستعيد فيها النماذج السيئة ، والكبوات والنكسات التي حدثت وشهدها وعايشها عن قرب ، كانت نكسات وكبوات - وليتها كانت واحدة فحسب - بل عليه مستفيدا من تجربته الذاتية أن يسترجع في ذكرى الرابع عشر من تموزكيف تراكمت النضالات الصغيرة ، المتكررة والمتصاعدة ، حتى انفجرت كالبركان من حيث الأثر في ذاك الاثنين من الرابع عشر من تموز 1958 ، وبعد أن تجمعت القوى والطاقات في تنظيم موحد في جبهة الاتحاد الوطني ، وبتنسيق مع الضباط الآحرار فكان الانقلاب العسكري وسيلة وأداة تنفيذ التغييرالثوري ، باحتضان الجماهير العارم للأنقلاب منذ لحظته الأولى وصيرورتها ثورة ، وبالأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي حققتها أوأعلنتها الثورة، وبالتضامن العربي والعالمي.

كان لطبيعة الصراع العالمي ضد الامبريالية وقوة الافكار الاشتراكية تأثيره الكبير على ثورة الرابع عشر من تموز ونجد تأثيرات روح العصر ، سمة العصر تجد لها انعكاسا في وثائق 14 تموزالأولى فالبيان رقم واحد يعلن قيام جمهورية شعبية ، ولهذا المصطلح مفهومه يومذاك ، وكانت الصين جمهورية شعبية ، كما نجده في الموقف حتى من الملكية الخاصة الذي ثبته الدستور المؤقت وما كان في لجنة صياغته شيوعي واحد ، فنصت مادته الثالثة عشرة على :

" الملكية الخاصة مصونة وينظم القانون وظيفتها الاجتماعية " ما يعني رفض اقتصاد السوق المنفلت ، والأخذ باقتصاد السوق الاجتماعي .

والاستفادة من دروس الرابع عشر من تموزخاصة تحالف القوى الوطنية في جبهة تضم كل القوى السياسية من كل القوميات والاديان والطوائف ، دون محاصصة ، واستنهاض رأي عام في العالم العربي من أجل تمتين تضامن قوى التحرر العربية يلعب ذاك الدور الهام الذي قام به في اسناد ثورة تموز في فترتها الحرجة الاولى ، وعدم نسيان الدور العالمي الذي لعبه القطب الآخر في التوازن الدولي عام 1958 ، المعسكرالاشتراكي آنذاك ، والذي يتمثل اليوم في الرأي العام العالمي ، الذي تجسدت طاقته الكامنة في تظاهرة الملايين العالمية ضد غزو العراق في الخامس عشر من شباط 2003 ، حيث وصفتها إحدى كبريات الصحف الأمريكية بأنها القطب الجديد الذي بدأ يتكون مقابل القطب الاوحد ، إضافة الى الاعتماد على الامم المتحدة ، التي اضطرت أمريكا اليوم الى التأكيد على ضرورة تقوية دورها في العراق على لسان ممثلها خليل زاد.

لم تستطع هذه القوى الجديدة وقف الغزو ومنعه في آذار 2003 غير أن تأثيره حتى داخل الولايات المتحدة آخذ في التصاعد والنمو مطالبا بانسحاب القوات وانهاء الاحتلال ، هذا الاحتلال الذي يعرقل بناء واعداد قوات مسلحة عراقية قادرة على التصدي لجرائم التكفيريين والبعثيين ، وللجريمة المنظمة وعصابات المافيا ، وقادرة على حل الميليشيات ومحاربة الفساد.

¤ القسم الاول