| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

د. صادق البلادي

 

 

 

 

 

                                                                                   الأربعاء 1/ 2/ 2012



في ذكرى وثبة كانون المجيدة

د. صادق البلادي   

بعد الحرب العالمية الثانية وإنتهاؤها بالنصر على الفاشية شملت العالم كله موجة واسعة من التحركات الشعبية تطالب بإقامة نظام ديمقراطي، وتحقيق الأستقلال الوطني ،وإنهاء النظام الإستعماري. ولم يكن من الممكن أن يبقى العراق بعيدا عن هذه الموجة. وقد لعب الحزب الشيوعي دورا كبيرا في تعبئة وتقوية حركة ديمقراطية، مستفيدا من ظروف الحرب التي أتاحت له النشاط بشكل أفضل ، وبقيادة الرفيق فهد الذي أعاد تنظيم الحزب تنظيميا لينينيا. وسعى الى تأسيس أحزاب ديمقراطية علنية، منها ما أراده أن يكون واجهة علنية للحزب الشيوعي، فكان تقديم طلب لتأسيس حزب الوحدة الوطني في سنوات الحرب، ثم تقديم طلب تأسيس حزب التحرر الوطني، عام 1946 ونشاطه باسم الهيئة المؤسسة بدون إنتظار إجازته، التي رفضت رسميا، وجرى إعتقال قادته.

عندما تأسس الحزب الشيوعي العراقي في 31/03/1934 كان قد مضى على نيل العراق "إستقلاله" السياسي ما يقرب من العام والنصف، ففي أكتوبر 1932 أصبح العراق عضوا في عصبة الأمم، كأول دولة عربية، وهو الأمر الذي جرى الإتفاق عليه في معاهدة 1930التي وقعت في الثلاثين من حزيران، في الذكرى العاشرة لإنفجار ثورة العشرين، وما كان إختيار هذا اليوم بالذات مجرد صدفة بل محاولة لطمس أو التقليل من ذكرى ثورة العشرين الوطنية على الأقل، تلك الثورة التي أجبرت الإستعمار البريطاني، الذي ما كانت الشمس يومئذ تغيب عن إمبراطوريته ،على التخلي عن الإحتلال ووضع العراق تحت الإنتداب، الشكل المبطن للإحتلال ، وبشرعنة دولية. ولقد جرت محاولة لإعتبار 3 تشرين أول العيد الوطني للعراق، بإعتباره اليوم الذي جرى فيه قبول العراق عضوا في عصبة الأمم عام 1932 ، أي دولة مستقلة، معلنا بهذا إنهاء الإنتداب البريطاني الذي فرضته العصبة على العراق عام 0192 .

لقد كانت وثبة كانون ثاني 1948 واحدة من أولى الحركات الشعبية السلمية، التي إستطاعت تحقيق هدفها سلميا دون الرد بالعنف ، عن طريق الإستمرار بمواصلة التظاهرات والإضرابات الطلابية والعمالية رغم لجوء سلطة النظام الرجعي الملكي الحاكم الى العنف وضرب المتظاهرين بالسلاح حتى من على منائر الجوامع ، مما أدى الى سقوط عدد من الشهداء، ومع ذلك لم ترد الجموع على عنف السلطة سوى بالهتافات، وتكاتف المتظاهرين، وبالرد على الشرطة برمي الحجارة. وأذكر مقاطع من قصيدة يومذاك تصورالطابع السلمي للجماهير:

صفقوا إن سقطت منكم لدى الزحف ضحية
و تعالت تخرق الجو هتافات الفتية
ولشباب قد تصدوا بالحجار البندقية.

لقد حققت الوثبة هدفها بإسقاط حكومة معاهدة بورتسموث الجائرة،حكومة صالح جبر، ولم يكن إسقاط النظام غايتها، فما رفع شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " بل كان الشعار "تسقط معاهدة بورتسموث" ، وتحقق ما أراده الشعب.

ولقد كان الحزب الشيوعي أواخر عام 1947،بالرغم من مرور أقل من عام على إعتقال فهد ورفاقه( 18 كانون ثاني 1947) قويا ، واستطاع غلغلة مطلب إلغاء معاهدة حزيران 1930، خاصة خلال نشاطه المتواصل من أجل التحرر الوطني والديمقراطية، والإستفادة من العمل العلني "لعصبة مكافحة الصهيونية" ،و حزب التحرر الوطني" بقيادة حسين محمد الشبيبي، الذي نشر عام 1946العديد من الكراسات من اهمها " الجبهة الوطنية الموحدة طريقنا وواجبنا التاريخي" و " الإستقلال و السيادة الوطنية"، الذي كتب له فهد مقدمة هامة وضافية عن مفهوم السيادة والإستقلال الوطني، بين فيه كيف أن تنازل بريطانيا عن الإنتداب على العراق واعترافها باستقلاله جرى بعد تقييده بمعاهدة 1930 التي ضمنت لها المصالح والإمتيازات، وكيف أن (بعض الساسة إعتبروا معاهدة 1930 خطوة الى الأمام ، بينما لم يكن الشعب ليرضى بها لوكانت له الوسائل التي يستطيع بها التعبير عن رأيه بحرية) وأكد على أن الإستقلال و السيادة الوطنية يتطلبان قبل كل شئ إلغاء معاهدة 1930 ، ولقد حققت ثورة الرابع عشر من تموز1958 هذا الهدف، وإن إلغاء الإتفاقية الستراتيجية مع أمريكا هو من أولى مستلزمات تحقيق السيادة والإستقلال لوطننا اليوم.

وقد كان للحزب الأثر الكبير في تشكيل " لجنة التعاون الوطني " في تشرين ثاني 1947 والتي ضمت ممثلا عن كل من الحزب الشيوعي، وحزب الشعب ، وحزب رزكاري والجناح اليساري من الحزب الوطني الديمقراطي، واختير كامل قزانجي ليكون رئيس هذه اللجنة . وبتوفر الوحدة بين القوى الديمقراطية أمكن قيادة الوثبة ونجاحها الكبير الذي ظل يلهم الشعب على النضال من أجل تحقيق الأستقلال الوطني و الديمقراطية حتى حل يوم الرابع عشر من تموز 58.

وهذه المقاطع من تقرير كُتب أواخر عام 1948 يبين أهمية الوثبة ، ويجد مصداقه فيما كتب عن الوثبة في ذكراها الرابعة والستين، هذا الشهر :

" سيبقى عام 1948 من الأعوام التي يتذكرها العراقيون دوما... ذلك أنه في أواخر كانون الثاني تمكن الشعب ، وبعد سلسلة من أعمال العنف الواسعة النطاق ( من قبل السلطة الرجعية)، والتي شملت العاصمة بغداد، وبدرجة أخف بعض الألوية ( المحافظات ) من إفشال وإسقاط معاهدة بورتسموث ، التي وقعها رئيس الوزراء صالح جبر في اليوم الخامس عشر من ذلك الشهر في ميناء مدينة بورتسموث في جنوب بريطانيا، حيث كان يقضي زميله وزير الخارجية البريطاني إرنست بيفن عطلته.

لقد كانت التظاهرة التي إنطلقت في شوارع بغداد يوم 5 كانون الثاني بداية لسلسة من الأحداث الداخلية العنيفة التي شهدها العراق في العام 1948. لقد طالبت تلك التظاهرة بنصرة شعب فلسطين الذي كان بأمس الحاجة الى دعم الدول العربية له لغرض مواجهة الإعتداءات وعمليات الإرهاب التي أخذت ترتكبها العصابات الصهيونية ضده. كما كانت التظاهرة التي وقعت في يوم مغادرة الوفد العراقي المفاوض لتعديل معاهدة التحالف العراقية- البريطانية لعام 1930 الى لندن كانت مناسبة لإعلان القوى الوطنية العراقية عن رفضها لأية إتفاقية جديدة لا تضمن حقوق العراق وتطلعاته.

وهكذا وفي الأسبوع الرابع من كانون الثاني وبعد أحداث دامية استطاع الشعب العراقي وعبر وثبته المعروفة خلال ذلك الشهر إجبار الوصي الأمير عبد الإله على إعلان أنه لن يؤيد إتفاقية لا تضمن حقوق العراق وتبع ذلك دفعة لأن يبدل حكومة صالح جبر بحكومة جديدة. ". هذه المقاطع هي من تقرير السفارة البريطانية الى وزارة الخارجية البريطانية عن أحداث العراق عام 1948.

ولا أدري كيف يمكن مقارنة الوثبة الخالدة وما حققته وتركته من أثر شديد في تطور العراق الحديث بالقول أن تاريخ " هذه الوثبة المجيدة يعاد اليوم بعد ان أصرت الجماهير العراقية والقوى الوطنية والديمقراطية على التنفيذ الكامل لبنود الاتفاقية العراقية – الأمريكية وبالتالي تحقق الجلاء الكامل للقوات الأجنبية المحتلة وبهذا ينتقل العراق الى مرحلة أخرى من مراحل التحول الديمقراطي بعد سقوط الطاغية في نيسان 2003..

إننا ..... نبارك فيه لشعبنا ذكرى وثبتهم ويوم الجلاء" كما جاء في بيان الإتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق ، فهل حقا تحقق للعراق إستقلاله وسيادته بسحب القوات العسكرية المقاتلة،ألا تعطي أمريكا لنفسها وعلى لسان أوباما الحق في أن تقوم طائراتها بدون طياروعددها 24 بالتحليق في سماء العراق ، إضافة الى آلاف المسلحين بحجة حماية السفارة الأمريكية، السفارة الأمريكية الأضخم في العالم.

أيمكن أن تتحق السيادة والإستقلال الوطني مع بقاء الإتفاقية الستراتيجية مع أمريكا ، أم ينبغي الإطاحة بها كما أُطيح بمعاهدة بورتسموث وبحلف بغداد؟

كنت أيام الوثبة تلميذا في الصف السادس الإبتدائي في العشار/ البصرة، وكانت تظاهرات الديمقراطيين تنطلق من الحزب الوطني الديمقراطي/ فرع البصرة، ومقره في محلتنا، فكنا نشهد التحضيرات ونشارك في التظاهرات السلمية، وفي اضراب الطلبة عن الدراسة. ومن الشعارات التي تغلغلت في الذاكرة وأسهمت في تكوين الوعي والموقف اليساري، فالشيوعي إنتماءا منذ ما يزيد عن نصف قرن : " نحن إخون اليهود وأعداء الصهيونية " ، الموقف الأممي من القضية القومية العربية، على نقيض الموقف القوماني للقوى القومية العربية :

" فلسطين عربية فلتسقط الشيوعية "، اكتشفت التضليل والأباطيل في أساليب القوميين فقد كانوا ،عندما تصل التظاهرات الى مركز تجمعهم في مكتبتهم ، يأخذون بالزعيق : " يسقط إخوان اليهود "، دون أن يكملوا الشعار بــ : " وأعداء الصهيونية "، ويكون الرد عليهم من الديمقراطيين: " يسقط أيتام هتلر "، ومن هنا جذر مناهضة الفاشية، بأي لون أو عباءة ظهرت و تبرقعت.







 

free web counter