| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق البلادي

 

 

 

 

السبت 19/5/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس


 

الحركة الشيوعية ومؤتمر الحزب الثامن


صادق البلادي

في الثلاثينات من القرن الماضي ولما يزل الحزب الشيوعي في المهد صبيا طلع الجنرال بكر صدقي بفتوى : أن العراق ليس تربة صالحة للشيوعية ، مثل عدم صلاح أرض السويد لزرع النخيل فيها. وتبعه في هذا الزعم والتمني نوري السعيد وانقلابيو شباط وأرباب الفاشية البدوية ، التي ما صارت عاقبتها بأحسن من عاقبة الطغاة الذين ولوا ، وأدبروا قبلها. النخلة وتسمو ، نخلة الشيوعية في العراق ، ذلك أن طلعها باق في سماء العراق ، وجذورها عميقة ، متشابكة في الأرض ، ولأن الفسيلة تجد دوما من يغرسها وهو موقن كل اليقين : " غرسوا فأكلنا ، ونغرس فيأكلون."

في العقود الاولى من سنيه التي جاوزت السبعين ، خاصة سنوات النضال ضد الفاشية وسنوات النهوض الديمقراطي بعد الحرب العالمية الثانية استطاع الحزب أن يكون المعبر عن التيار الديمقراطي ، فالتف الشيوعيون و الديمقراطيون اليساريون حوله طواعية دون حاجة لتذكيرهم بالضبط ، التصقوا بالحزب وثيق الصلة وهم يترنمون ترنم ذلك العاشق الذي يقول لمن يهواه ،وهو وسط حشاشته :

               
 لو كان من أهواه وسط حشاشتي            لقلت له ادن أيها المتباعد !.

في النضال من اجل ديمقراطية حقيقية ، ديمقراطية الكادحين والمظلومين ، ديمقراطية تحد من تحكم بيروقراطية جديدة ونهبها ، يشكل التيار الديمقراطي الموحد الضمانة الاوثق. ذلك لأن التيارات الاخرى ، خاصة القومانية و الاسلامية ، تحمل ارثينها التسلطني إذ أنها تركض وراء مصالح نخبها ، لا مصالح الذين تدعي الدفاع عن مظلوميتهم.
و قد أثبت تاريخ الحركة السياسية في العراق أن لا بد من حركة شيوعية موحدة ، سليمة النظرية ، قوية التنظيم من أجل تقوية التيار الديمقراطي ، فالحركة الوطنية . وتجربة العقود السبع أثبتت أن قوة التنظيم ليست بكثرة العدد و لا بقوة الضبط والطاعة العمياء، بل بعمق وعي العضو واحساسه بأنه حقا في اتحاد طوعي لمناضلين متكافئين ، يتسمون بسمو الخلق ونكران الذات ، مستعدين للشهادة من أجل حرية الوطن وسعادة الشعب ، لا طمعا في جنة وحور عين ، أو من أجل مبلغ لورثته. فالشيوعي عندما يتحدث عن الحزب فانما يتحدث عن ذاته ، يتحدث عن نفسه ، فهو يشعر أنه والحزب متوحدان في نسيج واحد ، يشعر أنه هو الحزب والحزب هو.
في العقود السبعة التي انصرمت كان التقيد بالضبط الحزبي على أشده قوة و نفعا وطواعية يوم كان خط الحزب السياسي هو الاقرب للصواب . هكذا كانت الحال خاصة في الفترة التي أعقبت الكونفرنس الثاني أيلول 1956 ، بعد اتحاد الكتل الشيوعية المتفرقة مع الحزب. واستمرت الحال هذه الى اجتماع اللجنة المركزية بعد أيار 1959، اجتماع ما سمي بالجلد الذاتي . فأن كان التياسرأحيانا عقوبة على المواقف اليمينية في السياسة فخرق الضبط الحزبي في الغالب كان عقوبة على البيروقراطية في التنظيم.
في سنوات مضت نسينا وأنسينا ، سهوا وسذاجة ، قصدا و دراية ، وان أدركنا فلم نجهر بذلك خشية على وحدة الحزب أن تتصدع ، خشية أثبت الواقع ضررها ، اذ أن وحدة على خطأ تميت . نسينا وأنسينا أن الوجود يحدد الوعي ، وأن الانسان في تبدل وتحول بيولوجيا ونفسيا ، واجتماعيا. فالفتى اليافع ، المندفع ، المتحمس ، المستعد للتضحية بحياته في سبيل مثله العليا ليس بالضرورة أن يبقى بنفس الخصال وهو يرتقي في المركز والوظيفة والمكانة الاجتماعية والعمر.
فنسينا و أنسينا أنه مثلما داخل نفس الطبقة فئات اجتماعية متعددة ذات مصالح متنوعة ، فان ثمة ذات الشئ داخل أي تنظيم. ففي الطبقة العاملة تبرز فئة الارستقراطية العمالية ، وفي تنظيمها تبرز فئة البيروقراطية ، نقابيا وحزبيا ، نسينا وأنسينا أن من يحترف العمل السياسي ، والحزبي جزء منه، يتسيس، يصبح سياسيا ممتهنا ،محترفا ،العمل السياسي مصدر رزقه. والبعد بين الاحتراف والارتزاق ليس كبيرا ، وأن من يتسيس يصبح عرضة سهلة للتسوس ، وللاصابة بأيدزالفساد السياسي.
وكم تناسينا قول الرفيق فهد " أن الماركسية ليست قفا نبكي تغنى على الربابة " وقوله " أن الاشخاص ليسوا مصدر الانحرافات بل نبتات جذورها الراسخة في تربة قطرنا " وقوله " أن طلاب التزعم والمراكز وعشاق حب الظهور تهافتوا على الحزب الشيوعي للعمل فيه " ، وساد ظن لا سيما في التطبيق ، بأن حمل اسم الحزب الشيوعي وحده يكفي تميمة و تعويذة للتحصن ضد نشوء فئة بيروقراطية قد تنزلق الى مواقع الانتهازية فتضعف الحركة العمالية والديمقراطية معا ، إذ أن البطاقة الحزبية ليست شهادة تطعيم ضد ايدز الفساد السياسي .

ونظرة الى قيادات كثير من الاحزاب والحركات اليوم نجد العديد بينهم ممن تربى في صفوف الحزب الشيوعي العراقي فترة من الزمن ، وانتقل الى ضفاف أخرى هيأت له شخصيا مكانة يعتقدها أفضل.

تجربة أكثر من سبعة عقود ، مليئة بالانتصارات والتضحيات والاخطاء أيضا - في التحالفات خاصة ، وفي التعامل مع الرفاق - أثبتت ما ورد في انجيل متى :" لا يقدرأحدكم أن يخدم سيدين الله والمال."، وكذلك " لا يقدر أحدكم أن يخدم في آن واحد : المبدأ والمنصب."

في هذه الظروف الصعبة ، والمتشابكة ، والمعقدة ، والخطرة التي يمر بها عراقنا نتيجة الحكم الفاشي والاحتلال عقد الحزب الشيوعي العراقي مؤتمره الثامن في بغداد بنجاح ، في بغداد التي شهدت انعقاد الكونفرنس الاول عام 1944 ، والموتمر الوطني الاول عام 1945 بقيادة الرفيق الخالد فهد ، فتحية لكل من أسهم في هذا النجاح ، الذي يشكل خطوة كبيرة لشد لحمة قوى اليسار الديمقراطي ، الآساس لتشكيل جبهة وطنية ديمقراطية.
فتحية لكل من أسهم في إنجاح المؤتمر ، وتحية للذين أولاهم المؤتمر ثقته.
تحية لكل شهداء الحزب ومناضليه ، خاصة المجهولين منهم و المنسيين ، شهداء الشعب الذين لم يتذكرهم رموز الحكم الجديد، وتحية لكل من أسهم وسعى يوما لتحقيق أهداف الشيوعيين العراقيين ، الذين اتسموا دوما بالوطنية الصادقة ، الاممية السامية.
و في الختام حري بنا أن نتذكر دعاء شهيد الغربة ،أبي كاطع ، شمران الياسري : " اللهم لا تبارك في زرع وضرع من قصر في فضح الفاشية ." و أكمله ..." أو قصر في السعي ضد الاحتلال والارهاب والفساد والطائفية ، والبيرقراطية " ، فان كل الاعداء والظلاميين خاصة ، يسعون لضرب وحرف الحزب والحركة الوطنية ، ويعملون لنخر كيان الحزب من الداخل ، ليمسي أعجاز نخل خاوية ، ونحن نريده أن يبقى في أرض العراق , بلاد الرافدين ، نخلة شامخة ، باسقة ، راسخة ، وافرة الظلال ، يساقط منها رطبا جنيا، ويستظل بها آخرون. بينما خاب وولى ، ونعال الشعب تطارده كل من رفع راية معاداة الشيوعية
الشيوعيون صدقوا ما عاهدواالشعب عليه بلسان الشهيد الخالد سلام عادل في نهاية الكونفرنس الثاني عام 1956 : " ان الشيوعيين العراقيين الذين يحملون في قلوبهم آمال الآمة و يجسدون في عملهم الكفاحي وفي ميزتهم الثورية ، أفضل سجايا المواطن العراقي الباسل الشهم ، سيتابعون الى النهاية رسالتهم التاريخية التي وهب حياته ثمنا لها قائدهم الراحل فهد والرفيقان حازم وصارم ، وغيرهم من الرجال البواسل في قافلة الشهداء ... سيظل الشيوعيون العراقيون يتابعون الى النهاية سيرهم الدائب النشيط في الدرب المقدس الذي سلكه من قبلهم شعلان أبوالجون ، والحاج نجم البقال ، والخالصي والشيرازي وشيخ محمود الحفيد وأبو التمن وحسن الاخرس ومصطفى خوشناو ... " ودرب شهداءالحركة الشيوعية والحركة الوطنية الذين استشهدوا لاحقا في النضال ضد البعث الفاشي.