| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الخميس 9/4/ 2009



التاسع من نيسان......ما له وما عليه
(2)

د. صادق إطيمش

وإن كان هناك ما يُسجل للتاسع من نيسان ، رغم كل المآسي التي رافقته وتلته ، فهو فرز الغث عن السمين في العملية السياسية التي أفرزت من القوى التي بانت على حقيقتها فعلاً على انها ليست بمستوى الشعارات التي كانت تطرحها قبل التاسع من نيسان . لقد إتضح ذلك جلياً من خلال التمحور الطائفي والقومي المتعصب والنهج العشائري والتمزق المناطقي ، وكل ما تبنته القوى التي تقود العملية السياسية منذ التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الآن والذي أدى إلى ضياع الهوية العراقية التي مزقتها هذه القوى علناً لتضع هوياتها هذه بدلاً عنها . إن الشعارات التي تبنتها هذه القوى والتي رافقت الفرحة الشعبية العظمى بالقضاء على الدكتاتورية البغيضة ونظامها السياسي ألأسود ، قد وجدت أصداءً لها لدى المجتمع العراقي الذي عملت أحزاب الإسلام السياسي والقوى القومية المتعصبة على تمزيقه إلى مسميات طائفية وقومية ومناطقية وعشائرية ، إلا ان خططها هذه لم يُكتب لها النجاح دوماً ، إذ أن ممارساتها الفعلية في سياسة الدولة والتي إرتبطت بالفساد الإداري والإثراء اللاشرعي الفاحش والمحاصصات الطائفية والعرقية وانتشار المحسوبية والتخلي عن مبدأ الشخص المناسب في المكان الذي يناسبه والتعثر الدائم في تحقيق الخدمات التي ظل الشعب ينتظر تحقيقها طويلاً وحتى يومنا هذا ، كل ذلك فضح شعارات هذه القوى التي أخذ الناس يبتعدون عنها شيئاً فشيئاً ، وسيظل هذا التباعد يزداد فسحة مع الأيام شريطة ان تظل القوى العاملة على ترسيخ الديمقراطية فعلاً وعن قناعة وليس شعاراً فقط ، على كشف هذه الممارسات دوماً دون أي تردد ودون أي إعتبار لهذا أو ذاك إذ ان مصلحة الوطن والشعب فوق كل شيئ .

ومن المهم أيضاً ان لا نتجاهل ما جاء به التاسع من نيسان من فتح الآفاق لوضع أُولى لبنات التطور نحو مجتمع جديد يختلف عن المجتمعات المحيطة به عربياً وإسلامياً ، بالرغم من المجالات التي فتحها هذا التاسع من نيسان لبعض القوى المناوءة لبناء هذا المجتمع الجديد ولجوءها إلى كل وسائل الإرهاب والجريمة ضد المجتمع العراقي وضد تطلعاته نحو الغد الديمقراطي المشرق . فدول الجوار الإسلامي والعربي التي لم يرق لها هذا التوجه الذي بدأ الشعب العراقي بممارسته فعلاً في ألإنتخابات الأولى التي جرت عام 2005 والذي إقترن بحرية الصحافة وانطلاق حرية التعبير وكل الإجراءات الأخرى التي بدأت تتفاعل مع التفاؤل الشعبي بالتغيير نحو أجواء سياسية تختلف تماماً عن تلك الأجواء القمعية السائدة في دول الجوار هذه . فجمهورية ولاية الفقيه الدكتاتورية التي تعمل على قمع الحركات المناوئة لها بكل أنواع البطش والملاحقات ، شأنها في ذلك شان أية دكتاتورية أخرى ، لم تألُ جهداً في العمل مع كل أعداء التطور الديمقراطي في العراق وخارجه بغية قتل هذا الوليد الجديد. فجعلت من حدودها مع العراق معابر لعصابات القاعدة ومساعداً على تنفيذ جرائمها ضد الشعب العراقي . كما قامت أجهزتها الإستخباراتية والقمعية بممارسة أقذر الأساليب للنيل من النسيج الإجتماعي العراقي حيث عملت على نشر مراكز التجارة بالمخدرات التي يعاني منها الشعب الإيراني تحت ظل ولاية الفقيه هذه ، كما ونشرت الإنحطاط الإجتماعي والخلقي عبر مراكز ما سموه بزواج المتعة الذي ألبسوه لباساً شرعياً نشروا من خلاله ما يفهمه فقهاء ولاية الفقيه من هذه العلاقات الجنسية المشوهة (من يرغب بالمزيد من المعلومات عن مؤسسة الزواج المؤقت في إيران فاليطلع بإمعان على البحث العلمي القيم في هذا الموضوع والتي قامت به الباحثة ألإجتماعية الإيرانية الدكتورة شهلا حائري والمعنون : المتعة ، من منشورات شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ، بيروت ، السنة غير مذكورة) ليطلع على مدى التفسخ الخلقي الذي ينشره النظام الإيراني تحت هذه اليافطة التي ألبسوها لباساً دينياً يسعون إلى أن يلبسه العراق أيضاً .

أما الجارة " المسلمة " ألأخرى تركيا المعروفة بتوجهها الشوفيني العنصري ضد القوميات والشعوب الأخرى غير التركية منذ تأسيس جمهورية أتاتورك وحتى الوقت الحاضر فإنها عملت على إستمرارها بتنفيذ ما تعاقدت به مع البعثفاشية التي سمحت لها بانتهاك حدود العراق لملاحقة الثوار الأكراد مستغلة الضعف السياسي والعسكري الذي حل بالعراق بعد إنهيار كافة مؤسسات النظام السابق ، لتمارس سياستها الشوفينية هذه ضد الثوار الأكراد وضد التوجه العام في سياسة الدولة العراقية الجديدة المفضي إلى التأكيد على ممارسة الحقوق القومية للشعب الكوردي في العراق والذي سيؤدي بالتأكيد إلى إنتشاره في بقية مناطق كوردستان الأخرى في كل من تركيا وإيران وسوريا.

أما ما جاد به " ألأشقاء " العرب من الجيران وغير الجيران على وطننا بعد سقوط الدكتاتورية ، فلا يمكن لأي عراقي الحديث عنه دون أن تعتريه موجة من الغضب الحاد على تلك التصرفات التي واجهها العراقيون من أشقاء البلاء هؤلاء أثناء التسلط الدكتاتوري على وطنهم وبعد سقوط الصنم رمز هذه الدكتاتورية السوداء . لقد عامل هؤلاء العرب العراقيين وكأنهم مصابون بأمراض مميتة لهم ولكل مَن يقتربون منه . لذلك فإن طلب لجوء العراقي لدى أشقاء البلاء للخلاص من التسلط البعثفاشي المقيت كان أشبه بالمستحيل ، حيث لا يمكن الحصول على سمة الدخول إلى بلدان هؤلاء الأشقاء ، وحتى لو سنحت الفرصة لأحد العراقيين باختراق كل هذه الحواجز التي وضعوها امامه لدخول بلادهم ، كحيازة هذا العراقي مثلاً على جواز سفر دولة أوربية ، الذي يجله ويحترمه هؤلاء الأدعياء بالقومية أكثر من أي جواز سفر عربي ، حيث ان جُل تربيتهم تنطلق من مقولة : عبيد للأجانب هم ولاكن على أبناء جلدتهم أُسُودُ ، أقول حتى لو تجاوز العراقي كل هذه العراقيل التي يضعونها أمامه والدخول إلى بلدانهم فأنه لا يلقى من السلطات الرسمية وحتى من بعض أبناء الشعب إلا التمجيد بقاتل الشعب العراقي ونظامه الإجرامي . ولم يتوقف هذا ألإطراء على قَتلة الشعب العراقي حتى بعد ان سقطوا إلى الحضيض غير مأسوف عليهم من قبل كل أهل العراق الذين أكتووا بنار حقدهم الأسود ، وهم الكثرة الكاثرة من بنات وأبناء الشعب العراقي.

لقد أراد هؤلاء ألأشقاء البلاء أن يثأروا لضياع ما دأبوا على سرقاتهم من خيرات الشعب العراقي على شكل كوبونات نفطية او حسابات مصرفية او تعويضات مالية كبيرة أغدقها عليهم ولي نعمتهم المقبور ، فبادروا إلى إملاء الفراغ الذي تركته عصابات البعثفاشية من أجهزة المخابرات والأمن والإستخبارات العسكرية وأصدقاء الجلاد وفدائييه ولجان التعذيب والقتل والإختطاف التي نشطت جميعاً في قتل وتشريد وإرهاب الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية . لقد رأينا وسمعنا وقرأنا النواح على الجلادين والتشفي بما حققته مفخخات الجيران من الأشقاء البلاء وكيف عبثت في وطننا عصابات ألإرهاب القادمة من هؤلاء الجيران وجيران الجيران وكيف سخرت الأنظمة العربية المختلفة وسائل إعلامها ودعاياتها للنهش من العراق وإطلاق العويل والصراخ لإسترجاع عروبته وإسلامه ، وكأن النظام الدكتاتوري البغيض قد حقق كل ذلك خلال تسلطه الأسود على العراق لأربعة عقود من تاريخه .

لقد قدم لنا التاسع من نيسان خدمة لا تقدر بثمن حينما كشف لنا ، وبصورة أكثر وضوحاً مما كنا نتصوره ونتوقعه من جيران كهؤلاء ، وما يخبئه أعداء الديمقراطية والتحرر لوطننا الذي بدأ بوضع اللبنات ألأولى على هذا الطريق. إن التصرفات العدائية التي واجهها الشعب العراقي من جيرانه عرباً ومسلمين أكدت له صدق مثله القائل : كوم إحجار ولا هالجار .


 


 

free web counter