| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الخميس 9/4/ 2009



التاسع من نيسان......ما له وما عليه
(1)

د. صادق إطيمش

تمر على وطننا وشعبنا الذكرى السادسة للتاسع من نيسان عام 2003 ويستعيد العراقيون معها ذلك اليوم الذي ظل مادة السجال بين الكثيرين من بنات وأبناء هذا الشعب الذي شهد في مثل هذا اليوم قبل ست سنوات سقوط واحدة من أبشع الدكتاتوريات التي شهدها العالم الحديث . إنه اليوم الذي ظل الشعب العراقي ينتظره لعقود من الزمن رافقت العقود الأربع التي تسلطت فيها البعثفاشية المقيتة على مقدرات هذا الوطن وأهله ، فكانت الحروب البعثية العبثية التي قتلت وشردت وعوقت الملايين ، وكان الحصار الإقتصادي الذي تلوى تحته الفقراء والمعوزين وذوي الدخل المحدود من الناس في الوقت الذي كان به النظام وزبانيته ينعمون برغيد العيش ، وكانت حملات الإبادة القتل والتهجير لكل من وقف ضد هذا الجنون الديكتاتوري، حتى وإن كانت وقفة سلمية ، وكانت الإعدامات المتواصلة التي نالت حتى المقربين من حزب البعث الفاشي ، لا بل والعاملين ضمن قياداته من أولئك الذين تجرأوا على فتح أفواههم بغير ما يؤمن به سلطانهم الأهوج . ولم تكتف هذه الدكتاتورية السوداء بكل هذه الجرائم والمصائب التي أنزلتها على هامات العراقيين وأرضهم ، حتى دفعتها عنجهيتها إلى تسليم الوطن للإحتلال الأجنبي ، الوطن الذي إستنزبته بكل شيئ إلا أنها لم تستطع الدفاع عنه وحتى لم تحاول ردع إحتلاله بتخليها عن ركوب رأس الجنون والبطولات الكاذبة التي لم تكن تنطلي على اهل العراق الذين ظلوا متفرجين على ما يجري في وطنهم دون ان تكون لهم القدرة الكافية على التصدي للإحتلال ودون ان تكون لهم الرغبة الحقة بالدفاع عن البعثفاشية التي اذاقتهم الأمرين لعقود عديدة من الزمن . وجاء التاسع من نيسان بوجهيه ، الضاحك والباكي . الوجه الضاحك الذي أعلن عن سقوط الدكتاتورية وصنمها الكريه ، والوجه الباكي الذي ربط هذا السقوط باحتلال الوطن من قبل قوى أجنبية يقودها قطب السياسة الراسمالية العالمية ، الولايات المتحدة الأمريكية .

فكيف نتعامل مع يوم كهذا يا ترى...؟ أنحتفل به على انه يوم تحرير العراق من أبشع دكتاتورية مقيته ما كان بمقدور الشعب العراقي ان يتخلص منها إعتماداً على قواه الذانية التي ظل يوظفها لهذا الغرض سنين عديدة لم ير خلالها إلا المزيد من التنكيل والقتل والدمار واشتداد الهيمنة البعثفاشية والتخطيط الجدي لبقاءها لكي يتوارثها الأبناء بعد الآباء، ولها في ذلك أمثلة عربية وغير عربية يُحتذى بها...؟ .

أو نجعله يوماً يُذكِر بالإحتلال الذي سببه النظام الدكتاتوري المقبور ونعمل على جعل هذا اليوم كمنطلق لشحذ الهمة الوطنية التي ترفض الإحتلال مهما كانت صوره وأسبابه ، ودفع إستمرارية النضال الوطني الذي كانت القوى الوطنية العراقية قد وظفته بالأمس لمقارعة الدكتاتورية، لمقارعة الإحتلال اليوم .

إنني ارى جواز الوجهين في مثل هذه المسألة المعقدة التي لا يمكن عزل الحلول الناجعة لها عن مجرى المسيرة التي شهدها وطننا في العقود الأربعة الماضية من تاريخه الحديث . فحينما نحتفل بسقوط الدكتاتورية فإن هذا الشعور ينبع أساساً من الشعور بالغبن والحيف والإجحاف والملاحقات والتعذيب والإبعاد والتجسس والتنكيل والإنهاء الجسدي والتشريد وانتهاك الحرمات والسلب والنهب والإثراء الفاحش لذوي السلطة والحظوة في النظام المقبور والحرمان من كل ما يمكن ان يتمتع به الإنسان من حرية العيش والعمل والتفكير في المجتمعات الحديثة . إضافة إلى كل الإجراءات الدكتاتورية الأخرى التي مارستها البعثفاشية طيلة فترة تسلطها على البلاد والعباد . إن شعور مَن تعرضوا إلى هذه الويلات وذاقوا مرارتها ، بزوال ذلك كله في التاسع من نيسان ، ولم يعد لهذه الدكتاتورية من وجود ، لا يمكن أن يتجاهله اي إنسان عانى من كل أو بعض ذلك وكان يحلم بذلك اليوم الذي يرى فيه سقوط هذا النظام . وبما ان معظم الشعب العراقي وبمختلف توجهات قواه التي عملت على مقارعة الدكتاتورية قد تعرض لمثل هذا القمع الدكتاتوري ، فإنه يمكن القول بأن أكثرية الشعب العراقي ترى في هذا اليوم كيوم جاء بالخلاص الأبدي من هذا الكابوس ، وإنه يوم لا يمكن إلا ان تعتبره من الأيام الخالدة في تاريخ العراق الحديث الذي سجل فيه هذا التاريخ خلاص الشعب العراقي وقواه الوطنية من براثن الدكتاتورية وهمجيتها .

والوجه الثاني الذي نرى فيه إرتباط هذا اليوم بالإحتلال الذي تعرض له وطننا ، فذلك لا يمكن التغاضي عنه والمرور عليه مر الكرام إستناداً إلى ما يرى فيه البعض كتجسيد لما يُقال بان الغاية تبرر الواسطة.

ألإحتلال امر مرفوض ترفضه كل الشعوب . والشعب العراقي سبق له وأن اثبت في مختلف مراحل نضاله الوطني على انه مُقارع شجاع للإحتلال بكل صوره وأشكاله القديمة والحديثة . وإن سوح النضال الوطني التي خضبتها دماء شهداء مقاومة الإحتلال البريطاني عام 1920 ومعاهدة 1930 ومعاهدة بورتسموث عام 1948 والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ونصرة الشعب الفلسطيني ضد الإحتلال الصهيوني منذ أن تواجد هذا الإحتلال على الأرض الفلسطينية ولحد الآن ، إضافة إلى مقارعة أعوان الإحتلال وإجراءاتهم القمعية في إنتفاضات الخمسينات من القرن الماضي ، كل ذلك يشكل خزيناً ثورياً لدى القوى الوطنية والتقدمية العراقية التي قادت هذه الإنتفاضات الجماهيرية وقدمت الكثير من الشهداء في سبيلها . إن كل ذلك يبلور ماهية وأهمية هذا الخزين الثوري الذي لا يأخذ الأمور على عواهنها مُغلفة بشعارات عاطفية آنية خالية من التجربة العلمية والعملية ومرتبطة بقوى لم يكن لها اي دور يُذكر لا في مقارعة ألإحتلال وأعوان الإحتلال سابقاً ولا بالوقوف ضد همجية البعثفاشية لاحقاً . إن التبجح بإطلاق الشعارات لمقاومة الإحتلال أمر لا يمكن أن ينحى منحى النضال الوطني الحق ، خاصة إذا إرتبطت مثل هذه الشعارات بقوى لم يكن بإمكانها ان تعمل على الساحة السياسية العراقية اليوم لولا هذا الإحتلال الذي رافق ولادتها بين أحضانه ، حيث لم يكن لها أي وجود وطني مسبقاً . والدليل الأكيد على فقر الدم الوطني لهذه القوى المتبجحة هو لجوءها إلى الطريق الذي لا ترى غيره في مقاومة الإحتلال تحت الظروف التي يمر بها وطننا اليوم ألا وهو طريق المقاومة المسلحة التي دفعها إليه فقرها السياسي وسطحية أفكارها . ولابد لنا هنا من كشف زيف مثل هذه الإدعاءات التي لا تصب في المصلحة الوطنية في هذا الوقت بالذات .

إذا كان العمل السياسي الناجح يستند إلى الإلمام بالظروف الذاتية والموضوعوية التي يمارسها السياسي ، فإن إستنباط هذه الظروف على حقيقتها وتحليلها تحليلاً علمياً بعيداً عن العواطف والأهواء يعتبر بحد ذاته أمراً غاية في التعقيد والأهمية ، إذ بدون ذلك لا يمكن التوصل إلى إتخاذ القرار الصائب على الساحة السياسية . وإذا ما عكسنا هذا الأمر على وطننا العراق وما مرَّ به من أزمات وحروب وانتفاضات كلفته الكثير الكثير من التضحيات البشرية والمادية والثقافية التي ستظل آثارها تسجل إهم مؤشرات العمل السياسي في هذا البلد ، فإن مشكلة الإحتلال وما تلاها من مشاكل أرهقت كاهل البلاد والعباد تتطلب من أية جهة تعمل على إنهاء هذا الإحتلال فعلاً لا قولاً التعامل مع المعطيات التالية :

أولاً : الوضع الوطني بصورة عامة ووضع الشعب العراقي بصورة خاصة ، وما هي الإمكانيات المتوفرة آنياً لدى الشعب والوطن للوقوف بوجه الإحتلال .

ثانياً : طبيعة الإحتلال وخاصة هذا الذي وقع على العراق والموقف الدولي منه .

ثالثاً : طبيعة السياسة التي يتبناها الإحتلال ، وإلى أي مدى .

رابعاً : الوضع الإقليمي ومدى تأثيره على الوضع العراقي بشكل عام وتأثره به سواءً فيما يتعلق بالإحتلال أصلاً أو ما نجم عن هذا الإحتلال .

إستناداً إلى ذلك كله ينبغي إتخاذ القرارات المتعلقة بهذا الأمر . إذ ان دراسة مستفيضة لما تقدم تجعلنا نؤكد بما لا يقبل الشك بان العمل السياسي والدبلوماسية الذكية تحت ظروفنا الراهنة هما الطريقان الأكثر حظاً بالنجاح لتحقيق تقدم أكثر بإنهاء الإحتلال في العراق والعمل على الإسراع في وتائر التقدم الإقتصادي والسياسي والإجتماعي والثقافي في آن واحد .

لقد إزداد نعيق الطارئين على العمل السياسي المطالبين بجدولة جلاء قوات الإحتلال ورفعوا الشعارات التي لا يفهمونها هم انفسهم ، وحينما توصلت العملية السياسية الجارية في العراق الآن إلى هذه الجدولة التي ربطت وجود قوات الإحتلال في وطننا بوقت معين ، إزداد نعيق هذه القوى مطالبة هذه المرة بالجلاء الفوري لقوات الإحتلال ، وهذا ما يتمناه طبعاً كل عراقي ، إلا ان تحقيقه لا يمكن ان يتم على هذا الشكل الذي يصوره هؤلاء وتحت هذه الظروف الذاتية والموضوعية التي يمر بها الوطن في الوقت الحاضر وانطلاقاً من الإنهيار التام الذي خلفته البعثفاشية . لقد حققت العملية السياسية ، بالرغم من سيرها المتلكئ ونواقصها الكثيرة ، طبيعة وجود قوات الإحتلال بعد ان أخذت بنظر الإعتبار المعطيات الآنفة الذكر . ولم يتم ذلك بسبب ما تدعيه القوى التي تتبجح بمقاومتها المسلحة للإحتلال ، إذ أن هذه القوى هي نفسها التي هربت أمام قوى الإحتلال بالأمس وفتحت له الطريق بعد أن لاذت بجحورها في الوقت التي كانت تدير به أقوى جيوش المنطقة عُدة وعتاداً ، فكيف تستطيع تحقيق المقاومة المجدية اليوم وهي في جحورها ؟ أللهم إلا إذا اعتبرت إزهاق ارواح الأبرياء من خلال الأعمال الإرهابية والجرائم التي تعرقل إنقاذ الوطن والشعب من تجاوز ما خربته البعثفاشية ، مقاومةً ضد الإحتلال .

وللحديث صلة

 


 

free web counter