| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

                                                                  الأربعاء 6/3/ 2013



النائبات النائبات *

د. صادق إطيمش 

تحية إلى المرأة في عيدها الأممي
لقد أصبح من تقاليد الديمقراطيين في العالم الإحتفال بالثامن من آذار كعيد أممي للمرأة ورمزٍ للنضال في سبيل الدور الذي تستحقه في المجتمع ومساهمتها سوية مع الرجل في كل ما يتعلق بالتطور الإجتماعي والحداثة في مختلف مجالات الحياة الإقتصادية والثقافية والسياسية والعلمية . وحينما نؤكد هنا على الديمقراطيين باعتبارهم حملة راية المساواة في المجتمع فإننا نعني بذلك أولئك النساء والرجال في اي مجتمع من مجتمعات هذه الدنيا المؤمنين إيماناً حقاً بمبادئ وأسس الديمقراطية وكل المفاهيم العلمية المتعلقة بها . أي لا يدخل ضمن هذا المفهوم أولئك النساء والرجال الذين يلهجون تبجحاً بالديمقراطية ، لأنها اصبحت سمة العصر ، دون ان يعوا مبادءها على حقيقتها ولم يفقهوا الأسس التي يجب ان يقوم عليها هذا النمط الإجتماعي في تنظيم حياة الناس ضمن النظام السياسي والإجتماعي القائم في هذا البلد أو ذاك .

وهذه الظاهرة بالضبط ، اي ظاهرة التبجح بتبني الديمقراطية دون توفر الفهم الحقيقي لهذا المصطلح ، هي التي نعيشها منذ عشر سنين في العراق الجديد القائم على انقاض دكتاتورية البعث الساقطة . رجال ونساء ركبوا موجة الحداثة التي اصبحت الديمقراطية من سماتها اللازمة ، فأعلنوا " ديمقراطيتهم " التي برزت منذ إعلانهم عنها كالوليد المشوه بدرجة لا تسمح بالتنبؤ باستمرار حياته إلى امد بعيد . لقد حسب هؤلاء ان ما تعنيه الديمقراطية لا يتجاوز سيادة رأي الكثرية وبالتالي تصرف هذه الأكثرية ومَن يمثلونها بما تلذ وتشتهي دون ان تحسب اي حساب لأسس هامة تشكل العمود الفقري للديمقراطية إلى جانب تمثيل الأكثرية . لقد نشأ هذا الفهم المشوه للديمقراطية ، والذي قد يكون صحيحاً في منطلقاته الأولى، في الوقت الذي كانت الأكثرية المطلقة من العبيد والفلاحين تعيش حياة الذل والخنوع والإستغلال في المجتمعات التي كانت تتحكم في شؤونها ألإقتصادية والإجتماعية وحتى الدينية شلة ضئيلة من الملوك والقياصرة تساندها الكنيسة في ذلك بحيث إجتمع كل هؤلاء لإستغلال الفئات الإجتماعية التي شكلت الغالبية العظمى من المجتمع والتي لم ترضخ لهذا الإستغلال وعبَّرت عن رفضها له بنضال إستمر مئات السنين حتى إستطاعت أن تبلور مفهوم الحكم ليكون حكم الأكثرية فعلاً . فأوجدت صناديق الإقتراع لتكون الفيصل في الصراع الإجتماعي على حكم الأكثرية هذا . غير ان صناديق الإقتراع هذه لم تكن بحد ذاتها سمة الديمقراطية الحقة ، بل ان الوسائل المتبعة لإستخدامها اصبحت هي المؤشر الأساسي لصحة أو عدم صحة هذه الديمقراطية . فصناديق إقتراع تُملأ بأي نوع من التأثيرات لا تشكل بأي حال من الأحوال مظهراً من مظاهر الديمقراطية . أي ان الديمقراطية لا تعني بأي حال من الأحوال وجود واستعمال صناديق الإقتراع فقط ، كما يحلو لبعض الأنظمة الدكتاتورية ان تسمي مثل هذه الممارسات التي تقوم بها بالشكل الذي تخطط له هي بنفسها ، كما يجري الآن في النظام الدكتاتوري لولاية الفقيه في إيران ، او كما كان يجرى في عهد دكتاتورية البعث في العراق مثلاً ، او في كل ممارسات الأنظمة السياسية في المجتمعات العربية والإسلامية .

كما ان تطور الحياة الإجتماعية لدى المجتمعات التي مارست الديمقراطية بصدق ونزاهة أدى أيضاً إلى تطور مفهوم الديمقراطية هذا وسبل تحقيقه بحيث اصبح تعريفه على أساس انه حكم الأكثرية فقط ، أو سيادة رأي الأكثرية فقط ، تعريفاً لا ينسجم وواقع التطور الحضاري في جميع مرافق الحياة. فقد برزت مفاهيم ومن ثم وثائق حقوق الإنسان التي جعلت مفهوم الديمقراطية مرتبطاً بمدى الحرص على هذه الحقوق دون النظر إلى الأغلبية او الأكثرية في هذا المجال ، سواءً شكل هذا الإنسان فرداً واحداً او مجموعة صغيرة في المجتمع. إذ تحتم على ذلك تشريع القوانين لضمان هذه الحقوق والتي قد لا تتفق ورأي الأكثرية الحاكمة ، إلا انها تتماشى بما لا يقبل الجدل مع المفهوم العلمي الحديث للديمقراطية.

وفي كثير من هذه الديمقراطيات كانت الممارسة الديمقراطية تتعلق بالجانب الذكوري فقط من المجتمع . أما النساء فقد أُبعدن عن ذلك ولم يُسمح لهن في مزاولة هذا الحق الإجتماعي إلا بعد مرور حقب تاريخية مختلفة على تطور هذه المجتمعات وبالتالي تطور النظرة إلى ألمرأة وتقييمها ليس على اساس إنتماءها الجنسي فقط . وقد كان لنضال المرأة الذي إكتسب طابعاً أممياً الدور الفعال والحاسم في تحقيق ألإنتصارات الإجتماعية والسياسية التي اعطت لها كثيراً من حقوقها المشروعة كنصف المجتمع المنتج في كافة مجالات الحياة . ولا زال نضال المرأة مستمراً لإنتزاع المزيد والمزيد من حقوقها التي لا يزال يعرقل تحقيقها بعض المنتفعين من عملية الإنتاج الإجتماعي بحجج واهية يهدفون من وراءها الإستمرار باستغلال القوى البشرية العاملة من النساء والرجال متخذين من بايولوجية المراة بشكل خاص سبباً لإستغلالهم وجشعهم ، مستندين ، في المجتمعات العربية والإسلامية ، لتبرير ذلك إلى معونة بعض القوى المتخلفة ، بما يُسَمَون رجال الدين الذين يهيئون الفتاوى اللازمة لمثل هذا الإستغلال ، وكأن تاريخ دور كنيسة العصور الوسطى يعيد نفسه اليوم ، خاصة في المجتمعات العربية والإسلامية . إلا ان إستمرار وتيرة النضال الأممي للمرأة عبر تنظيماتها النقابية والمهنية سيرغم هؤلاء المستغلين على الإذعان لحقوقها المشروعة وتطويرها ، كما أذعن لذلك أقرانهم في الحقب التاريخية البائدة .

وفيما يتعلق بوطننا العراق فإن الحكم التسلطي القمعي الذي مارسته البعثفاشية على ربوعه لأربعة عقود من الزمن ترك بصماته السوداء على جميع مفاصل حياة الشعب العراقي وبين مختلف طبقاته ومكوناته. ولم تكن المرأة العراقية بمنجى من هذا التسلط الذي عاشته بمختلف صنوفه في أقبية السجون تحت أجهزة التعذيب وأساليبه التي طالما أدت إلى الموت أو الشلل ، والتشرد في ربوع المنافي ومن خلال عذاب وآلام فقد الأحبة وعِبر إجراءات التهميش والتغييب والإذلال التي تمارسها القوى التي تبرر ممارساتها المتخلفة هذه بالحجج الدينية والنزعة الأخلاقية التي أثبتت المعايشات الحقيقية لمثل هذه المعاملة للمرأة ومن يقوم عليها بأنها والدين والقيم والأخلاق الرفيعة على طرفي نقيض ، وهي لا تمثل إلا آراء حفنة من المتعصبين المستغلين للدين وليس الدين بتعاليمه الحقة الغير مؤولَة تأويل فقهاء السلاطين .

وحينما آلت دكتاتورية البعث إلى السقوط نهضت المرأة العراقية مجدداً بعد كل هذه الأجواء القمعية التي عاشتها والتي لم تثن عزيمتها في مواصلة النضال مع كل فصائل الشعب العراقي . نهضت رافعةً لرايات الحرية والديمقراطية التي ناضلت من أجلها جنباً إلى جنب أخيها ورفيقها الرجل فأعطت بذلك الصورة الحقيقية لشخصيتها الفذة التي يحاول بعض المتخلفين من الرجال والنساء ايضاً ، مع الأسف الشديد ، طمسها اليوم بين خزعبلات الفكر المعادي للمرأة الذي لا يزال يرفع شعار الإنتقاص من المرأة والإستهانة بقدراتها والنيل حتى من إنسانيتها . لقد دأب هذا الفكر ، خاصة ذلك الذي تبرقع ببرقع الدين وأُجبر على الإعتراف ببعض حقوق المرأة العراقية التي إنتزعت هذا الإعتراف بشموخها وعلو شأنها وجسامة تضحياتها وقدرتها على الإبداع ، دأب على إغتنام أية فرصة تتيحها له السلطة السياسية التي تربع عليها بعد سقوط دكتاتورية البعث لتقزيم هذا الإعتراف من خلال سحب بعض المكتسبات التي سبق وأن إنتزعتها المراة العراقية بنضالها وفي مقدمتها قانون الأحوال الشخصية الذي جاءت به ثورة الرابع عشر من تموز المباركة . كما ظل هذا الفكر يسعى حتى الوقت الحاضر إلى تهميش دور المرأة في العملية السياسية الجارية في وطننا بالرغم من تبجحه بين الحين والآخر بعكس ذلك ، مستنداً بكل ذلك على قوانين القرون الوسطى متجاهلاً الدور القيادي والريادي الذي تلعبه المرأة محلياً وعالمياً.

ومما يؤسف له جداً هو مساهمة بعض العناصر النسائية في التنكر لدور بنات جنسها ووقوفها إلى جانب أعداء حريتها وحقوقها التي ينبغي ممارستها في مجتمعاتنا حتى ضمن تلك الخصوصيات التي يضعها البعض عائقاً امام ممارسة المرأة لدورها الطبيعي في المجتمع العراقي . والأنكى من ذلك ان تمارس مثل هذا الدور المعادي لحقوق المرأة بعض مَن تبوأن مقاعداً في مجلس النواب العراقي . إذ طالما ينطلقن هؤلاء النائبات وغيرهن من تفسير فقهاء السلاطين لبعض النصوص الدينية ليبررن بها تصرفاتهن تجاه التعامل المتخلف مع المرأة والمستند على خضوعها التام للرجل ، حتى ان بعضهن يربط تنفيذ مهماته الوظيفية برضى أو عدم رضى ازواجهن ، وكأنهن يمثلن ازواجهن في مواقعهن هذه وليس المجتمع الذي أتى بهن إلى مثل هذه المواقع سواءً كان هذا المجتمع حزباً سياسياً او طائفة دينية. أو انهن لا يحضرن مجلساً من مجالس عملهن دون وجود شخص محرم إلى جانبهن.

ليس هناك من يريد القفز على التراث الإجتماعي والعادات الموروثة والتقاليد المتداولة في مجتمعنا . إلا أن الذي يجب ان يكون في القرن الحادي والعشرين من تاريخ البشرية هو دراسة هذا التراث وتمحيص هذه العادات واستجلاء هذه التقاليد بحيث يتم فرز الزَبَد منها ورميه خارج المنظومة الإجتماعية وجمع ما ينفع الناس وتثبيته ضمن الحياة اليومية ، وبعكس ذلك فإن مجتمعنا سيتحول إلى مجتمع تحكمه الأموات وتتحكم فيه قوانين الصحاري ، ويظل مراوحاً في مكانه أمام موكب البشرية الزاحفة إلى الأمام دوماً والتي لا تلتفت إلى المتخلفين .

وهنا يجب ان تأخذ المرأة العراقية دورها الكامل وحقوقها المشروعة وواجباتها التي تساهم من خلالها ببناء العراق الجديد .

فإلى النضال الدؤوب والنشاط المستمر للمرأة العراقية أينما حلت في مفاصل الدولة المختلفة وفي كافة المؤسسات ألإجتماعية وعلى مختلف الأصعدة . ولا يسعنا في هذه المناسبة بالإحتفال بيوم المرأة العالمي إلا أن نؤكد على ضرورة تبني المرأة العراقية لمعطيات العملية السياسية الجديدة في العراق والتعامل معها من باب التكافؤ مع الرجل والنهوض بمستوى المنظمات النسائية الديمقراطية المهنية منها والإجتماعية بالمستوى الذي يدفع بالمرأة إلى مراكز الصدارة ومراتب القيادة دون أية عوائق قد يحاول البعض من النساء والرجال المتخلفين فكرياً أن يضعوها أما تحقيق هذه الأهداف . وما على الرجل إلا ان يكون الدافع والمساعد والعامل على تحقيق ذلك من خلال الدعم اللامحدود الذي يجب عليه تقديمه ، خاصة في هذه الظروف التي يمر بها وطننا .

تحية أممية إلى المرأة في عيدها العالمي في الثامن من آذار وتحية لنضالها الدائم والثابت في سبيل إنتزاع حقوقها في كافة الميادين وعلى مختلف الأصعدة .

تحية إلى المرأة العراقية المناضلة في هذا العيد الأغر ، التي لم تتوان يوماً عن خوض سوح النضال في سبيل وطنها وشعبها.

تحية إلى رابطة المرأة العراقية ، الرابطة التي قارعت أنظمة التسلط والجريمة وحملت راية المرأة العراقية ببسالة وشموخ طيلة عهود حكم هذه الأنظمة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى يومنا هذا .

تحية إلى كل المنظمات النسوية وكل منظمات المجتمع المدني برجالها ونساءها التي لا تتوانى عن النضال الدؤوب في سبيل كسر الطوق الذي تضربه قوى التخلف على نضال المرأة العراقية في سبيل مساواتها في الحقوق والواجبات والوقوف بوجه النيل من كرامتها وإنسانيتها حتى وإن جاء ذلك ممن يعتقدن بانهن يمثلن المرأة في المرافق الإجتماعية الرسمية منها والخاصة .
 

* يفسر قاموس المنجد في اللغة والاعلام مفردة النائب وجمعها نوّاب كونها تعني : مَن قام مقام غيره في أمر أو عمل . ولم يذ كر هذا المنجد صيغة المؤنث لمفردة المذ كر هذه . وانسياقاً مع قواعد اللغة العربية فإن تاء التأنيث إذا دخلت على مفرد المذ كر تحيله إلى المفرد المؤنث كما في مدرس ومدرسة او عامل وعاملة وهكذا يمكننا الإستنتاج بأن مؤنث مفردة المذ كر : نائب ، ستكون نائبة على هذا الأساس وجمعها هو جمع المؤنث السالم : نائبات . إلا ان القاموس المنجد يذ كر مفردة : النائبة وجمعها نائبات أيضاً او نوائب على انها تعني : النازلة او المصيبة . وبهذا المعنى جاء بيت يُنسب إلى الإمام علي (عس) :

وما اكثر الأخوان حين تعدهم                 ولكنهم في النائبات قليل

 

free web counter