| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الثلاثاء 6/4/ 2010



شتائم تحت العمائم

د. صادق إطيمش

ما كنا نسمعه ولم يزل يتردد حتى اليوم عن المنابر الحسينية هو طابعها التوجيهي والتعليمي الديني بشكل خاص والإجتماعي وأحياناً السياسي بشكل عام . لقد أصبح لهذه المنابر ، خاصة بالعراق ، أهمية كبيرة جداً يمكن أن يعول عليها في التوجيه التربوي في كافة مجالات الحياة إذا ما تبنت الفكر التربوي التوجيهي الصحيح ، خاصة في تلك المجالات التي لم تلق الإهتمام في المؤسسات التربوية الرسمية . لقد برز كثيرون ممن أعتلوا هذه المنابر بالعراق وتعددت مواهبهم وقابلياتهم الخطابية وبروز شخصياتهم ، حيث تلعب الشخصية هنا دوراً لا يستهان به ، وبالتالي مدى الفائدة التي يمكن ان يجنيها رواد المجالس الحسينية من هذه المنابر .

لقد كان هناك البسطاء جداً من الروزخونية ، أي الذين يعتلون هذه المنابر ، والذين يتواجدون في الأرياف بين فترة وأخرى ويحاولون إستعمال هذه المنابر لمداعبة العواطف الدينية لأهل الريف بغية الحصول على ما قسم الله لهم من مكافآت عينية أو مالية ، دون التعمق في الحديث ، حيث أنهم أنفسهم لا علم لهم بهذا العمق الديني والأهمية التربوية للمنبر الحسيني . وهناك القسم الذي ينحى منحى الحديث العلمي الذي يربط الذكرى الحسينية بالأهداف النبيلة التي قامت من أجلها ثورة الحسين الرافضة للظلم والجور والإضطهاد وتوظيف هذه الأفكار من خلال عكسها على الواقع الذي يعيشه المجتمع . وهناك الصنف الثالث الذي يجعل من هذه المنابر أبواقاً لإفكاره وتحليلاته التي لا علاقة لها بالهدف الذي وُضع هذا المنبر من أجله. فتستمع من مثل هؤلاء إلى القصص والأحاديث التي تستغبي المستمعين وتمرر ألأفكار والآراء التي لا يمكن أن يعترض عليها أحد ، حتى وإن خالفها الكثيرون من الرواد ، حيث أن مثل هذه المجالس لم تتعود على طرح الأسئلة على الروزخون أو مناقشته فيما يقول .

وقد جرت العادة أيضاً أن يكون أغلب الذين يعتلون المنابر الحسينية من المعممين نظراً لما توحي به العمامة ، سوداء كانت أم بيضاء ، من الإلتصاق بالدين وبالتالي جواز الحديث في موضوع ديني كثورة الحسين واستشهاده في سبيل الحق والعدالة والعبر ألإيجابية التي يجب أن يأخذها المسلمون من كل ذلك . كما ان المعروف عن هؤلاء المعممين بأنهم يحاولون تقريب وجهة نظرهم إلى المستمعين من خلال العبارات البسيطة المفهومة ، إنطلاقاً من الوضع التعليمي المزري الذي تعاني منه أغلب المجتمعات الإسلامية . وكما يتجنب المعممون على المنابر الحسينية الكلمات والمصطلحات الصعبة فإنهم يتجنبون في نفس الوقت الكلمات النابية أو البذيئة والجارحة الخارجة عن المصطلحات الدينية المألوفة .

فمن المصطلحات الدينية المألوفة التي يُسمح بذكرها على المنبر الحسيني كلمة اللعين مثلاً ، إذا ما جرى التطرق إلى قتلة الحسين أو الفاسق أو الكافر أو غيرها من الصفات التي يوصف بها مَن أرتكبوا هذه الجريمة البشعة بحق الحسين وأهله . أما أن يتطرق رجل دين من الصف الأول لرجال الدين المراجع ومن على المنبر الحسيني إلى حدث يومي لا علاقة له بمقتل الحسين مستعملاً هذا المنبر لإعطاء مواصفاته الخاصة لأولئك المختلفين معه في الرأي على هذه القضية الدينية أو تلك وبكلمات سوقية بذيئة مبتذلَة ويكررها لعدة مرات متجاهلاً قدسية المنبر الحسيني وأهدافه ، وتبنيه خطاب الشتم المتدني بمصطلحات لا يمكن ربطها لا بالحادث الحسيني ولا بالحديث عن هذا الحادث ، فهذا أمر يستحق أكثر من الغرابة والإستفسار من أصحاب العمائم هؤلاء عن هذه المفردات التي يوجهونها من على هذه المنابر . وللتأكد من إستعمال كل هذه المصطلحات من قبل أحد المعممين الكبار لا بأس من مشاهدة الفلم أدناه :

هناك مقولة تنص على أن " النظر في وجه العلماء عبادة " ولا ندري إذا كانت العبادة هذه تشمل هذا الوجه أيضاً وتشمل الإستماع إليه ولمصطلحاته البذيئة من على منبر له مكانة خاصة في مجمل الفكر الإسلامي . في الحقيقة لا نريد هنا مناقشة جدوى أو عدم جدوى مثل هذه الحالات التي يريد بها بعض المعممين تمرير مثل هذه الأمور وغيرها على البسطاء من الناس وكأنها من صلب الدين، بل أن ما نريد تأكيده هنا أن مثل هذه التصرفات تبعث على تأجيج الصراع الطائفي على أسس بدائية ومن خلال تصرفات لا أخلاقية بدلاً من طرح الخلافات المذهبية بشكل علمي وعقلاني يهدف إلى نبذ التنابز بالشتائم وإحلال لغة العقل للحوار والتفاهم .

لقد وردت الكثير من النصوص القرآنية التي تدعوا إلى تبني الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن في حالة وجود خلافات بين الأديان المختلفة ، فكيف لا يكون الأمر كذلك بين منتسبي الدين الواحد الذي يتبارى فقهاء السلاطين فيه من مختلف الطوائف إلى المسابقة في خوض الجريمة للإنقضاض على الآخر المخالف في الرأي وكأن المنطق القرآني الذي يدعو إلى الحكمة والرحمة والتسامح والتآلف غريب عن مثل هؤلاء الذين أُبتليت بهم هذه الأمة التي سوف لا تقوم لها قائمة بين أمم الأرض طالما ظلت تضم مثل هؤلاء .
 

free web counter