| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

السبت 6/9/ 2008



باب التجيك منه الريح......سده واستريح

د. صادق إطيمش

مثل عراقي قديم أثبتت الحياة صحته في كثير من المواقف التي يمر بها الإنسان في حياته . أما ألأيام الأخيرة التي مرت على وطننا الذي أُبتلي بكل ما هو سيئ في هذه الدنيا ، وكأنه خُلق لهذه المآسي ، فقد أثبتت صحة هذا المثل مرة أخرى بشكل ينطبق معه شكلاُ ومضموناً من خلال تعرض الوطن إلى عواصف ترابية هوجاء عطلت الحياة الطبيعية في كثير من المواقع التي حلت بها بالإضافة إلى ما خلفته وما ستخلفه من آثار صحية على كثير من المواطنين الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي .                                                  
هذه المشكلة التي عانى ويعاني منها وطننا اليوم وسيظل يعاني منها دوماً على مدى الدهور لها علاقة كبيرة بالخصائص البيئية والجغرافية والمناخية للعراق ووقوعه ضمن منطقة جغرافية تتعرض إلى مثل هذه التقلبات الجوية . إلا انه ليس من الصعوبة تغيير هذا القدر ، إذا ما توفرت المساعي الصادقة حقاً لتغييره. لقد تطور العلم وإمكانياته التكنولوجية في هذا العصر إلى الحد الذي جعل هذه المشكلة  ،التي عانت منها كثير من الشعوب سابقاً وتخلصت منها الآن، مشكلة يسيرة الحل ، خاصة في وطننا الذي تتوفر فيه جميع الإمكانيات لحلها.            
السبب العلمي لمثل هذه العواصف الترابية ، كما يفهمه المختصون ، هو إختلال مناطق الضغط الجوي الذي يدفع بالرياح إلى التحرك بشدة نحو مناطق الضغط الواطئ . وذا كان إتجاه الرياح  يسيرعبر مناطق صحراوية او ترابية فإنه سيحمل معه الكثير من هذه المكونات إلى المناطق التي يكتسحها . ولحل هذه المشكلة يمكن نظرياً التفكير بطريقتين . الطريقة الأولى هي مكافحة التصحر بشكل عام والطريقة الثانية هي اللجوء إلى الحل الذي يُركز على هذه المشكلة بالذات من خلال إنشاء مصدات الرياح . إن مشكلة مكافحة التصحر مشكلة عالمية تشغل بال كثير من الدول والشعوب التي لا تستطيع التغلب عليها بمفردها لكثير من الأسباب التي لا مجال لتناولها الآن ضمن هذا الموضوع الذي نرغب ان نركز فيه على إنشاء مصدات الرياح كحل لمواجهة العواصف الرملية التي يتعرض لها وطننا بين الحين والحين ، وهذا الحل هو الأسرع والأكثر عملية مقارنة بالحل الأول .
لقد كان مشروع الحزام ألأخضر حول مدينة بغداد مطروحاً منذ خمسينات القرن الماضي . إلا ان الحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد لم تفكر بإنجاز هذا المشروع ، رغم توفر الكادر العلمي لإنجازه حتى في ذلك الوقت ، إذ لم تشكل  المعطيات التقنية  أي سبب يحول دون تحقيقه . إن السبب الأساسي لعدم تنفيذ مشروع كهذا هو عدم توفر النية الصادقة والعزيمة المخلصة لإنجاز مشروع حيوي ومهم كهذا . لذلك كانت التبريرات تتجه دوماً نحو التكاليف ألإقتصادية الباهضة التي لا يمكن توفيرها لهذا الغرض . ولو أستعرضنا البذخ المالي الغير مسؤول الذي مارسته الحكومات المختلفة سواءً بتوجهها نحو التسليح أو نحو المشاريع الفاشلة أو بسبب الصرف العشوائي الذي إرتبط بتبذير المال العام بشكل كبير جداً ، لأدركنا سبب هذه الحجة الواهية التي تجعل من مشروع كهذا ليس بالأهمية التي يستحقها فعلاً .
واليوم ونحن نتغنى بالعراق الجديد الذي يحكمه أبناؤه ، حسب المصادر الرسمية التي تسمي طبيعة حكمها  ، فإننا نأمل أن يخصص بعض ما يُسرق من واردات النفط ، حيث أعلنت كثير من الإحصائيات العالمية ان حجم سرقة واردات البترول العراقي تُعد بالملياردات . أو بعض ما يُصرف على كثير من مؤسسات الدولة التي لا (تحل ولا تربط ) . أو مكافحة الفساد الإداري والرشاوي التي أصبحت السمة الملازمة في التعيينات والإيفادات وإنجاز المعاملات وكثير من الواوات الأخرى . ولا نريد الإسهاب بتعداد " فضائل " المحاصصات الطائفية التي يمارسها حكام اليوم على مختلف أزياءهم وانتماءاتهم وطوائفهم ، بل نقول لو تجري إلتفاتة بسيطة إلى إحياء مشروع الحزام الأخضر حول بغداد ومصدات الرياح في المناطق الأخرى من الوطن التي تتعرض إلى مثل هذه الكوارث البيئية التي أصبحت في متناول العلم الحديث وتخضع لسيطرته ، لو يتم ذلك فعلاً في هذا العهد ليحقق فعلاً ما عجز الآخرون عن تحقيقه لأصبح العهد الذي يُشار له على مر التاريخ والذي يؤكد قولة الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري :

لآت  بما  لم تستطعه  الأوائل ........

توجد في وطننا الكثير الكثير من الطاقات الفنية التي تستطيع إنجاز مشروعي الحزام الأخضر حول بغداد ومصدات الرياح في مناطق أخرى من الوطن، وبدون الإعتماد على أية مساعدات خارجية. المهم في الأمر هو توفر النية الصادقة وتخصيص المبالغ اللازمة . فخطط التنفيذ الفنية يستطيع وضعها المهندسون الزراعيون العراقيون وكل ذوي الإختصاص البيئي والزراعي . والنباتات التي ستستعمل في تنفيذ هذين المشروعين يمكن إنتاجها محلياً سواءً في المشاتل المتوفرة حالياً أو في مشاتل خاصة تُنشأ لهذ الغرض أساساً , وهذا ليس بالأمر العسير نهائياً . والأيدي العاملة التي سنتفذ ذلك متوفرة في العراق بشكل يفوق الحاجة ، إذ لا يترتب على ذلك وجود قوى عاملة فنية ، بل مراقبة فنية لتوجيه العمل اليدوي الذي يتعلق بزراعة النباتات وطرق العناية بها بعد الزراعة . وإذا ما تم الإتزام الجدي بتنفيذ هذه المشاريع ومن ثم الإستمرار برعايتها فإن التكاليف ستنخفض بمرور الزمن وتصبح القدرة على حماية بغداد والمناطق التي ستُنشأ عليها مصدات الرياح لا تُقدر بثمن ، هذا بالإضافة إلى إمكانية إستخدام المناطق المحمية من الرياح لتوسيع المناطق الزراعية  وتحسين نوعية وكمية الإنتاج الزراعي .
إن إنجاز هذا المشروع سيكون مردوده للوطن عموماً . وليدرك القائمون على امور البلاد والعباد اليوم أن الرياح العاتية القادمة ، لا سامح الله ، هي أذكى منهم كثيراً ، إذ انها ليست طائفية في إختيارها ، وليست مذهبية في تدميرها  ، وليست عشائرية في عصفها ، وليست قومية في وقوعها ، فهي لا تفرق بين الأخضر واليابس . فهل تستوعب عقول السيدات والسادة الحاكمين مدى الأضرار التي  ستسببها مثل هذه الكوارث على مدى الأجيال وعلى كافة المستويات ...؟ إن الخيار متروك لكم سيداتي وسادتي إن اردتم دخول التاريخ من هذا الباب الوطني أو لا .
 


 

free web counter