| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الأحد 5/12/ 2010



قوانين الدكتاتورية في خدمة ديمقراطية الملالي

د. صادق إطيمش

الظاهرة المنتشرة في كثير من مؤسسات الدولة العراقية الجديدة هي إستمرارية العمل في معظم مفاصل نشاط هذه المؤسسات حسب القوانين التي صاغتها دكتاتورية البعث السوداء طيلة فترة تسلطها الأهوج على مقدرات البلاد لأربعة عقود خلت من تاريخه الحديث . فكثيراً ما يلاحظ المرء إستناد بعض موظفي هذه المؤسسات على قرارات مجلس قيادة الثورة السيئ الصيت أو على قرارات أُتخذت من هذه الوزارة أو تلك في وقت ما من التسلط البعثفاشي الأسود لتمرير هذه السياسة او تلك التي خطط لها النظام المقبور ، خاصة في الفترات التي واجهت فيها الدكتاتورية الرفض الشعبي الصامت أحيانً والمدوي أحياناً أخرى لسياساتها الخرقاء والتي ارادت تجاوزه ببعض التشريعات الهستيرية التي دلت مجريات تطبيقها منذ ساعاتها الأولى على مدى التخبط والإنعزال عن الجماهير الذي كان يعيشه النظام المقبور . لقد ظل العمل سارياً بهذه القوانين حتى يومنا هذا ، دون أن يلتفت المنفذون بعد التاسع من نيسان عام 2003 إلى خطورة مثل هذه القوانين التي تتعارض والنهج الديمقراطي الجديد الذي ضمنه الدستور العراقي وخاصة فيما يتعلق بحرية المواطنين وممارسة قناعاتهم الفكرية والتعبير عنها بمختلف الوسائل التي لا تتعارض والنهج الدستوري . ومن جملة قوانين الدكتاتورية البعثية السارية المفعول لحد الآن هو القانون رقم 82 لسنة 1996 الذي نص على الحملة الإيمانية التي قادها الجرذ المقبور آنذاك لصرف نظر الجماهير عن الجرائم التي كان يمارسها النظام ، محاولاً إعطاء جرائمه القمعية بحق معارضيه صفة أخلاقية ربطها بممارسات موهومة نشرها مهرجوه من الإعلاميين وأجهزة مخابراته المتعددة الوجوه ليصوروها وكأنها دفاعاً عن الدين والقيم الأخلاقية . لقد بدأت الحملة الإيمانية التي إستندت على القانون السيئ الصيت أعلاه بنشر الرعب بين المواطنين بتعليق رؤوس ضحايا تطبيق هذا القانون في شوارع بغداد ، رافق ذلك حملة إعلامية سوداء إختلطت فيها الشعارات الدينية الكاذبة بشعارات تمجيد الطاغية باعتباره حامي حمى الدين والمرشح لخلافة المسلمين . وبعد سقوط النظام وخلاص البلاد والعباد من قوانينه الجائره وتسلطه الدكتاتوري البغيض وتوجه الجماهير لممارسة ما فقدته من الحريات العامة وحرية الرأي التي إنعكست من خلال عمل منظمات المجتمع المدني وبروز الصحافة والإعلام الديمقراطي ومن خلال حرية التظاهر والإجتماع وعقد الندوات الفكرية وممارسة النشاطات الثفافية والفنية ، برزت في نفس الوقت مع هذه المحاولات الديمقراطية الجديدة حملة العداء لها التي أخذت تزداد يوماً بعد يوم واتسمت بالتحجر الفكري والتخلف الحضاري الذي طغى على ممارسات أحزاب الإسلام السياسي بما يحمله من توجهات مذهبية طائفية ونشاطات تفتقر إلى روح العصر ، محاولاً بكل ذلك إستدراج الجماهير ، خاصة تلك التي عانت من قهر وطغيان وتسلط البعثفاشية المقيتة ، إلى الركض وراء السحاب ، عاملاً على إبعادها عن التفكير باستمرار سيئات الدكتاتورية عبر سياسة أحزاب الإسلام السياسي التي برزت على الساحة العراقية لتستخلف الدكتاتورية وتعمل ضمن قوانينها وتنسق عملها إستناداً إلى تعاليمها التي كانت قد أسست لكل إجراءات الفساد الإداري والإثراء على حساب الصالح العام منذ أن بدأت بسياسة التسيير الذاتي لمؤسسات الدولة التي فتحت الطريق واسعاً للرشوة والإبتزاز وإثراء القلة المتنفذة على حساب الجماهير المعدمة . لقد وجدت أحزاب الإسلام السياسي وعصابات المليشيات الطائفية التي أسستها ومولتها وأشرفت على كل نشاطاتها التخريبية ، وجدت في قوانين الدكتاتورية الساقطة هذه خير وسيلة تستطيع من خلالها الوصول إلى مآربها الشريرة في النهب والسلب والتزوير وممارسة الجريمة وكل ما تجلى في سياساتها البليدة وتوجهاتها الفكرية المتخلفة خلال السنين السبع ونيف الماضية . ولم يكن قانون الحملة الإيمانية للنظام المقبور إلا واحداً من قوانين الديمقراطية الملائية التي تحاول ان تبرر به تصرفاتها الرجعية المتخلفة في عداءها للفكر والثقافة والنشاطات الإجتماعية من خلال النوادي ومراكز منظمات المجتمع المدني ، فتعمل بذلك على إستمرار الحملة الإيمانية البعثية السيئة الصيت وكل ما يكمن وراءها من مآرب سياسية جعلت طريق الجريمة هذا وسيلة لتنفيذها ، بعد أن عجزت فكرياً وثقافياً ، كما تعجز أحزاب الإسلام السياسي اليوم ، عن إقناع الجماهير بما تطرحه من أفكار وممارسات إرتكز تنفيذها على العنف والإكراه والتمحور حول قشور الدين التي قدموها للجماهير وكأنها دين السماء وليس دين الفقهاء .

لقد أحسن بعض الكتاب والمفكرين العراقيين الذين رصدوا وواجهوا ورفضوا بشجاعة وعلى مستوى الشارع العراقي مثل هذه الظواهر اللاديمقراطية التي تمارسها أحزاب الإسلام السياسي ومنظماته الطائفية المختلفة المتمثلة في بعض مجالس المحافظات التي تقف ضد العلم والثقافة والفن وكل النشاطات المتعلقة بهذه المفاصل الهامة في حياة الشعوب ، والشعب العراقي هو واحد من هذه الشعوب الذي دأب على تبني مثل هذه الممارسات التي أصبحت جزءً من وجوده الثقافي بحيث لم تستطع أعتى الدكتاتوريات التي عرفها تاريخ البشرية الحديث ان تنهيه ، وسوف لن تستطع فلول العصابات الطائفية ، مهما مارست من إرهاب وتسلط وعنجهية ، ومهما تزودت بالتحجرالفكري والتخلف الحضاري أن تنال من هذا الإرث الحضاري للشعب العراقي . وما الإحتجاج الجماهيري الذي دعت إليه ونظمته دار المدى والإعتصامات التي جرت في المحافظات العراقية المختلفة إحتجاجاً على التعرض لنادي مؤسسة أدبية فكرية لها تاريخها النضالي المشرف ونشاطها الحضاري المرموق كإتحاد الأدباء العراقيين ، والدعوة التي رافقت هذه الإحتجاجات والإعتصامات إلى تحييد وزارة الثقافة العراقية وجعلها تحت إشراف المثقفين العراقيين ، لا تخضع للمحاصصات الطائفية والتوجهات الفكرية التي لا تعي ماهية الثقافة أصلاً ، ما كل هذه التظاهرات والإحتجاجات التي نرجوا لها أن تتعاظم يوماً بعد يوم ، إلا إنعكاساً طبيعياً في بلد كالعراق ، وصورة من صور ردود الفعل الغاضبة بحق على إلتزام أحزاب الإسلام السياسي بقوانين النظام المقبور التي كان يجب أن تُقبر معه ، إلا أن ذلك لم يتم بسبب توجهات بعض القوى التي لا تريد ان تفارق النهج الدكتاتوري ، فتلجأ بين الآونة والأخرى إلى خزينها من تعليمات وقوانين هذا النهج لتكون عوناً لها على تمرير طروحاتها التي لا تستطيع إقناع الناس بها ، وهذا ديدن الدكتاتوريات دائماً ، لا فرق بينها بأي دين إلتصقت وتحت أية شعارات سياسية عملت .

 

free web counter