| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الأحد 5/9/ 2010



الثورة الكوردية بين جنوحها للسلم والقارعين طبول الحرب

د. صادق إطيمش

في العشرين من الشهر الجاري ستنتهي فترة وقف إطلاق النار التي أعلنتها الثورة الكوردية في شمال كوردستان بقيادة حزب العمال الكوردستاني . لقد أعلنت الثورة الكوردية هذه الهدنة في بداية شهر رمضان لهذا العام معبرة بذلك عن قناعة هذه الثورة بالحل السلمي للقضية الكوردية واستجابة للنداءات المتعددة التي طالب بها قائد الثورة الأسير عبد الله أوجالان وتواصلاً مع المواقف السلمية التي مارستها الثورة منذ إنطلاقتها قبل عشرات السنين وحتى الآن . إلا أن كافة هذه النداءات السلمية لم تلق إلا العنجهية العسكرية والعنصرية المتطرفة من لدن الحكومة التركية وجهازها العسكري الذي صعَّد من عملياته العسكرية في نفس الفترة التي دعت فيها الثورة الكوردية إلى إيقاف العمليات العسكرية من جانبها . فعلى أي شيئ يدل هذا الموقفان المتباينان ، الموقف السلمي للثورة الكوردية والموقف الحربي العنصري لسياسة الحكومة التركية وجهازها العسكري . إن لهذين الموقفين كثيراً من الدلالات التي ينبغي النظر إليها بدقة وتحليلها بغية خلق التصور الواضح عن مسيرة الثورة الكوردية مستقبلاً وأبعاد هذه المسيرة . وأهم هذه الدلالات هي :
1. إن الفكر البرجوازي العنصري المُشبَع بالروح العسكرية التركية يقف حاجزاً أمام الإعتراف بالأمر الواقع . إذ أن هذا الأمر الواقع يشير ويبرهن المرة تلو المرة إلى أن هذا الفكر العنصري المتخلف والسياسة القمعية التي يلجأ إليها ضد الشعب الكوردي في كوردستان الشمالية لم يستطع الوصول إلى الحسم في الموقف العسكري الذي سار عليه ضد هذه الثورة . فهي مستمرة منذ عشرات السنين بحيث لم يستطع واحد من أقوى جيوش حلف الناتو حتى على إيقافها في منتصف الطريق ، ناهيك عن القضاء عليها . بل أن العكس هو الصحيح تماماً، فقد إزداد زخم هذه الثورة من خلال إندماجها المتزايد بالجماهير الكوردية وتبنيها طموحات وأماني هذه الجماهير ومن خلال إلتحاق مجاميع كبيرة من الشابات والشباب الكورد بالثورة والعمل بكل نكران ذات وقناعة مبدئية في صفوفها .
2. تشير جميع التقارير العالمية وحتى تلك المعادية للثورة الكوردية إلى أن هذه الثورة تمتلك من الطاقات الجماهيرية والقيادية التي تمكنها من مواصلة القتال في سبيل قضيتها العادلة ، إلا أنها تسعى في نفس الوقت لحل القضية الكوردية حلاً سلمياً ليس في كوردستان الشمالية فحسب ، بل وعلى جميع ربوع كوردستان . لقد أعلنت هذه الثورة عن سعيها للحل السلمي الديمقراطي أكثر من مرة تبنت فيها ونفذت وقف إطلاق النار ومن جانب واحد في كثير من ألأحيان لتثبت للعنصرية التركية وسياستها الخرقاء ضد الشعب الكردي بأنها ثورة سلم لا ثورة عنف . وما وقف إطلاق النار الأخير بمناسبة شهر رمضان إلا مثالاً واحداً من كثير من الأمثلة التي سبقته طيلة عمر هذه الثورة الشعبية التحررية .
3. لقد إكتسبت الدعوات الأخيرة للسلام والتي أطلقها قائد الثورة ألأسير في السجون التركية السيد عبد الله أوجالان بعداً أُممياً حيث تلاقفت آخر دعواته قبل أسابيع منظمات وشخصيات عالمية طالبت الحكومة التركية بأخذ هذه الدعوة مأخذ الجد وحثتها على إنتهاز هذه الفرصة التي منحها لها السيد أوجالان والرجوع إلى الحكمة والعقل ، والرجوع أيضاً إلى تجربتها العسكرية المريرة التي لم تحصد فيها السياسة التركية تجاه الشعب الكوردي وثورته سوى الهزائم المتتالية والخسائر البشرية الجسيمة ، إضافة إلى ما جرته هذه السياسة العسكرية من تدمير لقرى السكان الآمنين في شمال وجنوب كوردستان .

لقد إضطرت السياسة التركية في الأيام القليلة الماضية إلى فتح الحوار مع قائد الثورة الكوردية السيد عبد الله أوجالان في سجنه وذلك على أضيق القنوات التي أرادت لها السياسة التركية أن تظل محصورة فيها . إلا أن هذه الحكومة تنفي بتصريحاتها الرسمية حدوث مثل هذا الحوار بالرغم من تأكيده من قبل أوجالان نفسه ومن قبل محاميه أيضاً . إن هذا التصرف الذي تمارسه العنصرية التركية لا يخرج عن سياسة المراوغة والتبجح بامتلاك زمام المبادرة الذي فلت في الواقع من يد السياسة العنصرية التركية ومراهناتها على الحل العسكري . وحتى الرسالة الأخيرة التي وجهها رجل الدين والسلم العالمي في جنوب أفريقيا توتو نيابة عن مجلس الحكماء الذي يضم نيلسون مانديلا وكوفي أنان أيضاً ، تشير إلى ان الحكومة التركية ليس أمامها إلا طريق الحوار مع أوجالان باعتباره القائد الذي يمكنه قيادة عملية السلام ، ذلك الطريق الذي أجبر حكومة جنوب أفريقيا العنصرية آنذاك على التفاوض مع أسيرها وسجينها مانديلا .

وفي الحقيقة فإن تاريخ نضال الشعوب وثوراتها التحررية يشير إلى هذه التجارب التي يتبوأ بها مثل هؤلاء القادة الموقع الأساسي في إيجاد الحلول السلمية . إلا أن ذلك يجب أن يقابله التوجه لدى الجانب الآخر بالنزوع إلى السلم واحترام حقوق الإنسان واحترام حق الدفاع عن هذه الحقوق فيما إذا جرت أية محاولات لإنتهاكها . وهذا ما لم تستوعبه العنصرية التركية لحد الآن ، إلا أنها ستُجبَر على إستيعابه غداً.

 

free web counter