| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الجمعة 5/1/ 2007

 

 

شيوعية باب ألأغا

 

د. صادق إطيمش

المثل العراقي المعروف عن خبز باب الأغا جعل أهل العراق , خاصة أولئك الذين غادروه على مضض, يتشوقون إلى هذا الخبزكلما جرى ذكر هذا ألإسم , باب ألأغا , تلك المنطقة البغدادية التي كانت , نعم كانت , تضج وتعج بكل ما تريد أن تعرفه عن بغداد سياسيآ واقتصاديآ واجتماعيآ وثقافيآ , إذ تجد فيها أو قريبآ منها منابع هذه الظواهر التي تعطي لبغداد نكهتها الخاصة التي تجدها مجتمعة في خبز تلك المحلة التي يصح عليها سؤال الشاعر لقلبه : فما لك كلما ذُكرت تذوب ؟
يبدو أن البعض ممن يعشقون كُل أو بعض الشهرة التي إكتسبها خبز باب ألأغا , لا يتوانون عن ولوج أي باب يحقق لهم ولو بعض تلك الشهرة , حتى وإن تعلق الأمر بمبدأ سياسي تبنوه يومآ ما ضمن عملهم الجماهيري التنظيمي في حزب ما . الشهرة والشهرة فقط هي الهاجس الرئيسي لكثير من ضعاف النفوس الذين ينشدونها بأي ثمن . فمنهم من يتبنى قاعدة : خالِف تُعرَف حيث يمكن أن يقوده ذلك حتى ألى أرتكاب الجريمة التي قد تؤدي إلى شهرته . ومنهم من يسلك طريق السياسة الذي سبق وأن سلكه ضمن عمل سياسي وتنظيمي معين إلا أنه لم يحقق ما كان يصبو إليه من الشهرة من خلال نشاطه السياسي هذا . وغالبآ ما يسلك هذا الطريق أولئك الذين إنتظموا بأحزاب سياسية , حيث خبروا طبيعة العمل الحزبي وآليات العمل الجماهيري ومقتضيات التنظيم السرية منها والعلنية وكل ما يتعلق بالكسب الحزبي والنشاط التثقيفي الذي لا غنى عنه في عمل كهذا . فيتم إستنادآ إلى ذلك إستنساخ الفكرة والطريقة والتوجه وكل ما تم إكتسابه وجرى تعلمه وممارسته نظريآ وعمليآ من ذلك الحزب أو ذاك التنظيم الذي قضى فيه طالب الشهرة هذا وقتآ طال أو قصُر ولم يتحقق به ما كان يصبو إليه من الإشارة له بالبنان والتحدث عنه في كل مكان . ويجري من خلال هذا ألإستنساخ وضع المسار الجديد الذي أصبح الهاجس الوحيد الذي لا يمكن تأجيله أو التراجع عنه إذ يتم البدء بخطوة الألف ميل التي يفكر أن تنتهي به إلى الهدف المنشود .
لقد عاش الجو السياسي العراقي مثل هذه الظاهرة مُمَثلة ببعض ألأشخاص الذين سعوا بكل جدية وعزم نحو إكتساب شهرة خبز باب الأغا وعانت بعض الأحزاب السياسية العراقية من طالبي الشهرة هؤلاء . إلا أن المتتبع المنصف لتطور الوضع السياسي بالعراق خلال العقود السبعة الماضية من التاريخ يستطيع أن يسجل بكل ثقة علمية وأمانة تاريخية من أن الحزب الشيوعي العراقي هو أكثر ألأحزاب السياسية العراقية القديمة منها والحديثة النشوء ممن عانى من هذه الظاهرة وتضرر بسببها نتيجة لما كانت تسببه له من إنقسامات في الجهاز الحزبي وخلل في العمل الجماهيري وتشتت في القوى العاملة ضمن صفوفه . والمتتبع المنصف يستطيع أن يثبت أيضآ بأن هناك ظاهرة أخرى لازمت هذه الظاهرة ورافقتها إلا وهي القدرة التي إكتسبها الحزب الشيوعي العراقي بإحتواء ظاهرة طالبي الشهرة هؤلاء , الذين سرقوا إسم الحزب وتاريخه والتفوا على نضاله الجماهيري وزيفوا شعاراته المبدئية, إذ تختفي هذه الظاهرة وروادها لوقت يطول أو يقصر حتى يبرز إلى الساحة السياسية طالب شهرة آخر يجرب حظه كما جرب ألآخرون . إن الخبرة التي إكتسبها الحزب الشيوعي العراقي خلال السبعين ونيف سنة من نضاله السري والعلني في مواجهة التكتلات والإنقسامات مكنته من التعامل مع ظواهر كهذه بفكر علمي وتوجه عملي يقلل من تبعاتها السلبية ويتعامل مع نتائجها بكل ما يؤدي إلى ألإستمرار بالعمل لتحقيق البرنامج السياسي الوطني , إنطلاقآ من الظروف الآنية والموضوعية التي يمر بها الوطن والتي يعيشها الشعب محليآ واقليميآ وعالميآ .

نلاحظ في الآونة الأخيرة , وتحديدآ بعد إنهيار البعثفاشية المقيته واكتساب الجو السياسي العراقي فسحة في حرية التعبير عن الرأي , نلاحظ بروز بعض طلاب الشهرة هؤلاء ومرة أخرى على حساب الحزب الشيوعي العراقي أيضآ . لقد إنتحلوا إسم الحزب بعد أن أضافوا عليه بعض ما يحسبون أن يجعله شهيآ كخبز باب ألأغا , واطلقوا لأنفسهم وتفسيراتهم العنان الذي يفلت من أيديهم في أحيان كثيرة فلا يعلمون ماذا يقولون بالضبط وعن أي شيئ يتحدثون . لقد إختفى هؤلاء خلف إسم الحزب الشيوعي العراقي المُعمد بآلاف الضحايا والمُطرز بالتاريخ النضالي المنير ليضعوا خلفه بعض المشهيات التي يحسبونها تخفي ما يبوح به فكرهم العقيم من ضآلة المستوى وظلالة النهج وتدني الأخلاق, إذ يحسبون الأسماء البراقة التي يلحقونها بأسم الحزب الشيوعي العراقي , كتنظيم الكادر أو الوطني الديمقراطي أو إتحاد الشعب أو العمالي وما أشبه من هذه المشهيات التي يريدون بها تسويق شيوعيتهم الجديدة والتي يعلمون بأنها لا قدرة لها على سرقة تاريخ حزب كالحزب الشيوعي العراقي ولا تزييف مجد نضالي بطولي كتبته دماء مئات الآلاف من شهداء الحركة الوطنية العراقية التي ساهم فيها هذا الحزب بكل نشاط ومبدأية وتضحية منذ تأسيسه قبل أكثر من سبعين عامآ وحتى قبل تأسيسه من خلال المنظمات والتجمعات الوطنية التي قادها وعمل بها مؤسسوه الأوائل , ودماء شهداءه بالذات رفيقات ورفاق الدرب النضالي البطولي الذي لا يستطيع أن يغفله كل من يسعى لتسجيل تاريخ الحركة الوطنية العراقية منذ تكوين الدولة العراقية الحديثة وحتى يومنا هذا . فهذا الأسم اللامع لا يحتاج إلى مشهيات وفكره لا ينال منه الطغاة ما دام تاريخه سجل حافل بالتضحيات .
تتحفنا منابر شيوعية المشهيات هذه بكل ما تجود به عقول مسوقيها من أفكار وأراء ومواقف وتحليلات لا يربطها رابط ولا تستند على نظرية ولا تلتزم بمبدأ . هوس منظري هذه التجمعات , التي كانت تتبنى الفكر الشيوعي يومآ ما من خلال عملها ضمن تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي , أوصلها إلى التخبط في المواقف التي تطرحها الساحة السياسية العراقية حتى باتت تصريحات قادتها وبيانات منظماتها تشكل ظاهرة هزلية يتداولها مروجو النكتة السياسية , ولا غرابة في هذا ألأمرإذ أن مشهيات باب ألأغا لا تفعل فعلها في الفكر الشيوعي الذي خبره الشعب العراقي فكرآ وطنيآ وقوميآ وأمميآ علميآ نيّرآ لا تأخذه في المبدأ لومة لائم .

إن آخر النكات التي خرجت بها علينا بعض هذه التنظيمات المسخ هي نحيبها وحزنها على إعدام مجرم العصر واحتجاجها على تنفيذ حكم الشعب العادل بواحد من جبابرة العصر الحديث ودعوتها إلى ألإلتحاق بصفوف النفاق العربي التي أقامت المآتم لقاتل الشعب العراقي , فعبرت بذلك عن مدى تخلفها الفكري وعزلتها الجماهيرية وحقدها الأسود على مجمل عملية التغيير التي أطاحت بحكم البعثفاشية المجرمة . وبالرغم من إستغلال بعض المواقع الألكترونية لمثل هذه الزعانف ومحاولة تسويق مواقفها هذه , لمن يجهل بالأمر طبعآ , على أنها مواقف صادرة عن الحزب الشيوعي العراقي , إلا أن نور الحقيقة الوهاج لا يمكن حجبه بنسيج خيوط العنكبوت الواهية . فلقد عبر الحزب الشيوعي العراقي عن موقفه المبدأي سواءً بالنظام البعثفاشي أو بقادته , وبياناته المتكررة ومواقفه الثابتة الداعية إلى إجتثاثهم وتحرير الشعب والوطن من جرائمهم التي عانى منها الحزب الشيوعي العراقي نفسه من خلال آلاف الشهداء من رفيقاته ورفاقه , لا تحتاج إلى برهان .

إنه لأمر لا يقبل الشك والجدل من إختفاء هذه الفقاعات يومآ ما كما إختفت الفقاعات التي سبقتها , مهما كبر حجمها وطال أمد إنتفاخها الفارغ, وظل ويظل الحزب الشيوعي العراقي يتصدر سوح النضال الوطني الذي لا يعرف الفتور والهوادة طالما تعلق ذلك بحرية الوطن وسعادة الشعب . إن مثل هذه الظواهر الهزلية على الساحة السياسية العراقية والمحاولات السابقة والحالية واللاحقة للنيل من الحزب الشيوعي العراقي بسرقة إسمه وتاريخه ونضاله وتسويق هذه السرقة بمشهيات يراد من خلالها الظهور بمظهر التنظيم المنافس لحزب كهذا الحزب تذكرنا بقصة الفراشة الصغيرة التي وقفت على ظهر فيل ضخم ثم أرادت أن تطير فقالت له وهي تشمخ برأسها الخافت : إنتبه لنفسك وحافظ على توازنك فإنني سأطير.