| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

                                                                                     الأثنين 4/4/ 2011



أصداء العيد السابع والسبعين للحزب الشيوعي العراقي

د. صادق إطيمش

المناسبة العزيزة على قلوب كل حملة الفكر التقدمي والتوجه اليساري والتضامن الأممي التي تتجلى في الحادي والثلاثين من آذار من كل عام مُعلِنَة عن تجديد الذكرى بولادة الحزب الشيوعي العراقي والتآم التيار الوطني الديمقراطي التقدمي في حزب طليعي لشغيلة اليد والفكر ، تشحذ همم الكثيرين ضمن هذه الشغيلة ليساهموا بإحياء هذه الذكرى من خلال ما يقدمونه من نتاجات ثقافية وفنية تعكس مدى تعلقهم بالحزب الشيوعي العراقي ، دون ان يكون هذا التعلق مرتبطاً بطابع تنظيمي او بتحمل مسؤولية رسمية من مسؤوليات العاملين فعلاً في صفوف هذا الحزب الذي أخذت جذوره تمتد عميقاً في تربة العراق سنة بعد أخرى حتى بات من المستحيل التطرق إلى تاريخ العراق الحديث دون ان يكون للحزب الشيوعي العراقي ذلك الدور المُتميز على الساحة السياسية العراقية . لذلك اصبح التعلق بهذا الحزب جزءً من التراث العراقي الذي صنعه كل قادة ومناضلي وأنصار ومؤيدي الحزب الشيوعي العراقي . ولم تختلف الذكرى السابعة والسبعين عن سابقاتها من حيث المساهمات الكثيرة التي عبرفيها أصحابها من اليساريين والتقدميين عن فرحتهم بهذه الذكرى العظيمة .

إلا أن الملفت للنظر هذا العام هو كثرة المساهمات التي حاولت ، من خلال الإحتفال بهذه الذكرى ، غمز قيادة الحزب الشيوعي العراقي وبالتالي الإجهاض على كل النشاط السياسي والثقافي والإجتماعي لكل العاملين مع هذا الحزب داخل وخارج ألأُطر التنظيمية التي يقوم عليها . لقد صوّر البعض ، مع شديد الأسف ، كل الجهود التي بذلها شغيلة اليد والفكر في وطننا منذ سقوط الحكم الدكتاتوري البعثي ولحد الآن وكأنها جهود عقيمة لا يمكن التعويل عليها حيث انها جرت تحت سلطة الإحتلال الذي جاءت به دكتاتورية البعث إلى وطننا . كما دعى أصحاب هذه المساهمات في نهاية القول إلى الهتاف بحياة الحزب الشيوعي العراقي وذكراه المجيدة هذه، رابطين ذلك بالنداء لإزاحة قيادة الحزب عن مواقعها ، ولم يبينوا لقرائهم ومستمعيهم طريقة الإزاحة هذه التي يفكرون بها ، معللين نداءهم هذا بإنخراط هذه القيادة ، وبالتالي إنخراط الحزب الشيوعي العراقي بمجموعه ، أعضاء ومؤازرين ، في العملية السياسية الجارية اليوم في وطننا باعتبار ان هذه العملية هي من صنيعة المحتل وأعوانه .

لمناقشة هذه الأطروحة نقاشاً نرجو من وراءه إلتحام قوى اليسار الديمقراطي التقدمي في وطننا ولمواجهة الفكر الظلامي الذي تبناه ونشره ولا زال يتبناه وينشره الإسلام السياسي على الساحة السياسية العراقية وذلك من خلال خطابه المُغلف بالوعود الكاذبة والأفكار الجوفاء التي يبرر فيها كل المآسي والآلام التي تعرض ولا يزال يتعرض لها المواطن العراقي كامتداد لتلك المآسي والآلام التي رافقت تسلط دكتاتورية البعث المقبورة ، لابد لنا من الوقوف على مجمل النشاط الجاري اليوم على الساحة السياسية العراقية وعلى القوى المساهمة في هذا النشاط الذي يُمارَس بوجود سلطة الإحتلال ومدى علاقة القوى التي تمارس هذا النشاط ببعضها البعض من جهة وبالإحتلال من جهة أخرى .

أرجو ان لا يُفهم من هذا الطرح باعتباره دفاعاً عن جهة ما ، بقدر فهمه على أساس تناوله للواقع الذي يعيشه وطننا الآن وذلك من خلال تفسيره للمعطيات الذاتية والموضوعية لهذا الواقع والبعيدة عن نظرية حرق المراحل التي يلجأ إليها البعض في الوقت الحاضر، إذ لم تشر التجارب التي سلكها هذا البعض إلى أي تحقيق لمصلحة وطنية حقة حتى الوقت الحاضر وبعد مرور ثمان سنوات على ممارستهم لتطبيق هذه النظرية .

لا اعتقد بوجود أي شخص عراقي شارك في العمل السياسي الوطني ، وخاصة في الجانب اليساري التقدمي منه ، لم تتبلور في منهجه السياسي فكرة مقارعة التسلط الأجنبي والوقوف ضد جميع أنواع هذا التسلط العسكرية والإقتصادية والثقافية . وتاريخ العراق الحديث يُرينا بشكل واضح وصريح كيف جابهت القوى الوطنية العراقية المعاهدات العراقية البريطانية وحلف بغداد وحرب السويس إبان الحكم الملكي المنهار في العراق ، وكيف جرى التعامل مع دكتاتورية البعث التي أسست للتدخل الأجنبي في وطننا بدءً من معاهدة الجزائر بين شاه إيران المخلوع والجرذ المقبور ومروراً بالحرب العراقية الإيرانية وحرب الكويت وانتهاءً بالحرب التي أدت إلى إحتلال العراق من قبل قوات التحالف الدولي وعلى راسها الولايات المتحدة الأمريكية والتي أطاحت بصنيعها بعد أن تجاوز الحدود التي رسمها له سادته. في كل هذه الظروف كان الشعار الأساسي المطروح من قبل اليسار العراقي والقوى الوطنية الأخرى هو الرفض القاطع للتدخل الأجنبي والدعوة إلى تحرير الوطن من أدرانه في الحالات التي كان لهذا الأجنبي قوات عسكرية في وطننا ، كما حدث بالنسبة للقواعد العسكرية البريطانية في العراق في النصف الأول من القرن العشرين . وكما حدث للموقف من القوات الإيرانية التي إحتلت مناطق عراقية إبان فترة الحرب العراقية الإيرانية . وكما حدث باحتلال القوات العسكرية التركية لمواقع في كوردستان الجنوبية وذلك من خلال المعاهدة مع الحكومة التركية التي أرادت بها دكتاتورية البعث المقبورة النيل من ثورة الشعب الكوردي في عموم كوردستان فأباحت الأراضي العراقية امام هذه القوات التي إستباحتها فعلاً . وكما يحدث اليوم بالنسبة لقوات الإحتلال الأمريكي ، وهذا هو موضوع حديثنا الآن الذي قد نختلف في شكله إلا أننا لا نختلف بالتأكيد في مضمونه.

الموقف الرافض لقوات الإحتلال الأمريكي للأراضي العراقية أفرز المواقف التالية على صعيد القوى اليسارية والتقدمية وقوى النضال الوطني الديمقراطي :

الموقف الأول الرافض للإحتلال والساعي إلى إنهاءه من خلال جميع مواقع العمل السياسي الرسمية وغير الرسمية .

الموقف الثاني الرافض للإحتلال والساعي إلى إنهاءه من خلال النشاط السياسي غير الرسمي .

ولا يهمنا في هذا الصدد القوى التي نادت ولا تزال تنادي بالتصدي للإحتلال من خلال الأعمال المسلحة التي أثبتت التجربة العملية لها بأنها لا تأخذ الواقع الموضوعي الذي يمر به البلد بنظر الإعتبار ، فضلاً على انها تسير في ذلك الخط الملتوي الذي وضعها جنباً إلى جنب مع قوى دكتاتورية البعث التي عاثت في الوطن فساداً لأربعة عقود من تاريخه الحديث . كما أثبتت احداث السنين الثمان الماضية تحالف دعاة المقاومة المسلحة مع القوى الإسلامية المتطرفة التي أشاعت الجريمة في وطننا وبين أهلنا . ولا يهمنا أيضاً ذلك النعيق الذي تمارسه بعض هذه القوى من خارج الوطن والتي وضعت يدها بيد المجرمين والعتاة وقاتلي الشعوب من أمثال القذافي وعلي عبد الله صالح وبشار الأسد والبيت الملكي السعودي وغيرهم من المتسلطين على مقدرات الشعوب العربية التي تجاهلتها قوى المقاومة المسلحة هذه لقاء فتات يقدمها لها هذا المتجبر أو ذاك ، كما رأى العالم بأسره ذلك بكل وضوح أثناء الوقوف الذليل لبعض أدعياء المقاومة المسلحة هذه وما يسمى بوفد المؤتمر القومي العربي أمام قاتل الشعب الليبي وليس بعيداً جداً عن النصب التذكاري الذي نصبه العقيد العتيد لرفيقه في الجريمة الجرذ العراقي المقبور . إن كل ذلك ليس موضوع حديثنا الآن ولا يهمنا في شيئ قدر إهتمامنا بالموقفين العراقيين الوطنيين أعلاه بالنسبة للتعامل مع الإحتلال من داخل الوطن .

القاسم المشترك بين هذين الموقفين هو ولوجهما العمل السياسي على الساحة السياسية العراقية التي يسيطر عليها الإحتلال عسكرياً ويعمل على التأثير على مجرياتها سياسياً . لذلك فإن البعيدين عن العمل السياسي على النطاق الرسمي هم أيضاً جزء من العملية السياسية الجماهيرية التي تبلورت بعد الإحتلال واستمرت بوتائر مختلفة طيلة فترة الإحتلال المستمرة حتى الآن . ومن خلال هذا العمل الجماهيري سواءً بصيغته التنظيمية أو الإعلامية تبرز طبيعة التوجه للوقوف بوجه الإحتلال الذي سيظل توجهاً سياسياً بعيداً عن أساليب العنف التي أدرك جميع العاملين ضد الإحتلال عدم جدواها في المرحلة الراهنة التي يمر بها وطننا المثخن بجراحات عنف دكتاتورية البعث سواءً من خلال حروبه العبثية أو من خلال أساليب القمع والعنف التي واجه بها الشعب العراقي . أما ما يفرق هذين الموقفين العراقيين الوطنيين بالنسبة للإحتلال هو مساهمة أحدهما ليس بالعملية السياسية الجماهيرية فقط ، بل وبالرسمية ايضاً . فهل سيغبر ذلك من الأمر شيئاً ؟ هنا قد تتباين وجهات النظر في تفسير جدوى هذه المشاركة الرسمية التي قد يعتبرها البعض تهاوناً مع الإحتلال أو إحتواء هذه القوى من قبل الإحتلال للتأثير على مواقفها الرافضة له . وفي هذه الحالة يمكننا الفصل بين المشاركة الرسمية الفاعلة والقادرة على التغيير والمشاركة الرسمية الناقدة التي وضعت كل إمكانياتها السياسية والفكرية والجماهيرية لتصحيح مسار العملية السياسية الرسمية التي تعمل ضمنها . وعلى هذا الأساس فإن عمل مثل هذه القوى سيتكلل بصعوبات وعراقيل أكثر من قوى الفريق الآخر المشارك في العملية السياسية من خلال نشاطه السياسي الجماهيري فقط . وعلى هذا الأساس ايضاً ستكون المسؤوليات الشعبية التي تلقيها الجماهير على كاهل هذه القوى أكثر بكثير ، إذ ان الجماهير لا تنظر إليها من خلال نشاطها الجماهيري فقط ، بل ومن خلال مشاركتها الرسمية في العملية السياسية ايضاً . وانطلاقاً من هذا الدور المزدوج تتبلور السياسات اليومية الناقدة والمُصححة التي قد تظل مجرد صيحات لا تحقق نتائج إيجابية في حينها ، بل قد يطول او يقصر بها الزمن كي تتبلور على شكل شعارات ومطاليب جماهيرية تملأ الشارع العراقي كما بدأ في الخامس والعشرين من شباط الماضي وكما تجري المحاولات لتفعيل حركة الشباب هذه لتشكل زخماً مؤثراً له أصداءه على الساحة السياسية العراقية . اي ان المشاركة بالعملية السياسية لا يتم من قبل هذه القوى على شكله السلبي ، بل أنه يتماشى مع النشاط الجماهيري الضاغط والمُطالِب بحل المشاكل التي تعاني منها ليس جماهير هذا التوجه فقط ، بل وجماهير الشعب العراقي جميعاً . وبكلمة أخرى يمكن القول ان مشاركة القوى الوطنية الديمقراطية اليسارية في المسؤولية السياسية الرسمية قد تدفعها الى اللجوء للإحتكام للشعب في حالة إستعصاء وصولها إلى إنجاز ما يصبو اليه الشعب من إنجازات وبذلك فهي تساهم فعلياً في فضح تلك الجوانب في السلطة المُشاركة بها فعلاً والتي تقف عائقاً امام الرضوخ للمطاليب الشعبية والسير بالعملية السياسية نحو الأفضل لا ألأسوأ . فمن المستفيد من كل ذلك : الشعب أو الإحتلال والقوى المساندة له داخل السلطة أو خارجها ؟

إنها دعوة مخاصة لنبذ الخلافات الثانوية في العمل السياسي على الساحة العراقية التي لا يمكنها ان تستغني ، خاصة في مرحلتها الراهنة ، عن مساهمة القوى التقدمية الديمقراطية وكل قوى اليسار العراقي والنظر إلى الهدف الرئيسي والعمل المشترك على تحقيقه حسب المعطيات الماثلة اليوم على هذه الساحة ، إذ بدون هذا العمل المشترك وبدون وحدة القوى الديمقراطية واليسارية لا يمكننا إنقاذ الوطن والشعب من موجات التخلف الفكري والتراجع الحضاري الذي يمارسه على أهلنا أعداء الديمقراطية والتحرر والواقفين بوجه سير العراق نحو ركب الإنسانية .




 

free web counter