| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الأحد 4/4/ 2010



لغط لا معنى له

د. صادق إطيمش

النقاشات الساخنة والحوارات الطائلة التي تشغل الساحة السياسية العراقية بعد إعلان نتائج الإنتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من آذار الماضي والتي عجّت بها أندية القوائم " الفائزة " في هذه الإنتخابات تتمحور حول موضوعين أساسيين وكأن ساسة العراق الجدد قد قضوا على كل ما يواجه البلد من مشاكل يومية ليضعوا هاتين المشكلتين على قمة أولويات مؤتمراتهم ولقاءاتهم وتصريحاتهم اليومية وليشغلوا الشارع العراقي بها وليس هناك بين هؤلاء الساسة مَن يسعى فعلاً إلى تدارك أمر العملية السياسية برمتها التي يشكل التلكؤ في مسيرتها مجمل التوجه الديمقراطي في العراق الجديد . إلا أن هؤلاء الساسة ، الذين أطلق عليهم واحد منهم لقب " سياسي الصدفة " ، أثبتوا إنطباق هذا الوصف عليهم . هذه الصدفة اللعينة التي أفرزت بعض الحثالات الطائفية والقومية الشوفينية لتضعها في الموقع القيادي الذي لا تعي منه شيئاً فجاءت رياح سياستها العرجاء بما لا تشتهيه سفن الشعب العراقي الذي لا يزال ينتظر التغيير الحقيقي بعد أن تم التغيير الشكلي على الساحة السياسية العراقية.

المشكلة الأولى التي برزت بشدة على السطح السياسي العراقي بعد الإنتخابات هي مشكلة مَن سيقوم بتأليف الحكومة الجديدة ...؟ وكأن لسان حال القوائم الإنتخابية اللتي " فازت " بأغلبية الأصوات في هذه الإنتخابات يقول : إن هدف خوض الإنتخابات هو الوصول إلى السلطة السياسية من خلال إستلام الحكم . هذا المنطق الذي يرى في العمل السياسي النافع للبلد والمجتمع من خلال إستلام مسؤولية الحكومة فقط ، منطق لا يفقه أوليات السياسة في المجتمعات الديمقراطية الحقة التي يجري تحمل المسؤولية السياسية فيها عبر المؤسسات الديمقراطية ، والبرلمان هو مؤسسة هامة من هذه المؤسسات . إذ تحت قبة البرلمان يجري الصراع بين الكتل السياسية المختلفة الإتجاهات والطروحات على التخطيط والتشريع للسياسة الوطنية التي تصب في مجرى المصالح الحيوية للشعب والوطن ليُناط تنفيذها إلى المؤسسات المسؤولة عن ذلك في السلطة التنفيذية . والتخطيط والتشريع لمثل هذه السياسة تحت قبة البرلمان لا يمكن أن يتم بشكل صحيح وفعال إذا لم تجر مناقشة ذلك مناقشة جذرية ودقيقة وواعية بنفس الوقت لكل ما يتعلق بالمصلحة الوطنية أولاً وأخيراً وليس بمصلحة هذا الحزب أو ذاك أو هذه الجهة أو تلك . أي ان البرامج السياسية المطروحة للنقاش خاصة تلك التي تُطرح من قبل الحكومة بغية سن القوانين التي تؤهلها لتنفيذها لا يمكن أن تمر مروراً عابراً بمجرد طرحها من قبل هذا الوزير أو ذاك باعتباره المعني بالتنفيذ ويجري التصويت عليها حسب طريقة " موافج " التي ألفناها في برلمانات العهد الملكي ، بل أن تمحيص مثل هذه المشاريع السياسية وتدقيقها من كل جوانبها إنطلاقاً من أهميتها لتحقيق المصالح الوطنية يعتبر من أهم مقومات مثل هذه المشاريع السياسية وإن إقرارها أو رفضها يعتمد بشكل أساسي على نتيجة هذا التدقيق والتمحيص . إن مثل هذا الإجراء سوف لن يتم بالشكل الذي يحقق مصالح الشعب والوطن فعلاً إذا لم تكن هناك قوى برلمانية معارِضِة قوية تتصدى لمثل هذه المشاريع بغية تفكيك مفرداتها والتعامل معها بالشكل الذي يؤدي إلى تحقيق القناعة الفعلية لإقرارها من قبل كل او اغلب البرلمانين . أي ان الدور الذي يمكن أن تلعبه المعارضة في البرلمانات المُنتخبة إنتخاباً ديمقراطياً حقاً سيكون له ، وليس للحكومة فقط ، الدور الحاسم والمؤثر في إيضاح الحقيقة للشعب وذلك من خلال التعامل مع البرامج الحكومية تعاملاً يؤدي إلى فضح مثل هذه البرامج في حالة عدم إنسجامها مع المصلحة الوطنية وبالتالي سيعمل الشعب من خلال كل مؤسساته على تولي أمر هذه الحكومة إذا ما تكرر منها مثل ذلك في عموم ممارستها السياسة ، أو أن المعارضة ستعمل على إجبار الحكومة على إجراء تغييرات جوهرية تتناغم والمصلحة الوطنية ، وتحقق بذلك تأثيراً واضحاً على سياسة البلد بشكل عام . وطالما قرأنا وسمعنا في كثير من الدول التي تتبنى النظام الديمقراطي البرلماني عن الدور الذي قامت به المعارضة والذي قد يؤدي في بعض الأحيان إلى إسقاط الحكومة أو إلى إجبار هذا الوزير أو ذاك المسؤول على التخلي عن منصبه الذي أصبح لا يستطيع المكوث فيه بسبب الأخطاء التي مارسها والتي إكتشفتها المعارضة والتي قد تقوده إلى الوقوف أمام القضاء لمحاسبته قانونياً على مثل هذه الأخطاء . فالمعارضة القوية الفعالة إذن هي جزء أساسي ومهم من السلطة السياسية ، وقد تتعدى أهميتها في كثير من الأحيان أهمية الحكومة . أما اللغط الذي مللنا من الإستماع إليه والداعي إلى تشكيل حكومة المشاركة الوطنية ، حكومة مسح الأكتاف ، التي تضم الجميع ، فإنه لا يتعدى أحد أمرين : أولهما إما أن يريد " الفائزون " بالإنتخابات إستمرار سياسة " داريني وأداريك " في السنين الأربع القادمة ، فيصولون ويجولون ، كما صال وجال الكثير من البرلمانيين الذين من قبلهم في " اللف واللغف " دون رقيب أو حسيب من قبل معارضة قوية لذلك ، خاصة إذا ما تعلق الأمر بهم وبرواتبهم ومخصصاتهم ومقاولاتهم وغير ذلك الكثير من سياسة محاصصاتهم . أو أنهم لا يفقهون معنى ومغزى السياسة الديمقراطية البرلمانية ليظلوا متشبثين بفكرة : إما الحكومة أو لا . إن على السياسين الذين سيجلسون تحت قبة البرلمان العراقي القادم أن يتدبروا أمرهم ويفكروا جدياً بمدى أهليتهم لمثل هذه المقاعد البرلمانية إذا ما ظلوا متمسكين بهذه الأفكار التي لا علاقة لها بالعمل الديمقراطي الحقيقي الذي تمارسه برلمانات الشعوب التي قطعت شوطاً بعيداً في هذا المضمار.

أما المشكلة الثانية التي أقام سياسيو الصدفة هؤلاء الدنيا عليها لحد الآن هي مسألة تفسير المادة الدستورية السادسة والسبعين " الكتلة النيابية ألأكثر عدداً " وما يترتب على ذلك من إجراءات تشكيل الحكومة . لأا أدري ما سبب كل هذا اللغط حول هذه المادة التي لا تشكل أي سبب يدعو إلى كل ذلك . فبالرغم من قرار المحكمة الإتحادية العليا الذي أوضح مضمون هذه المادة وبشكل مَدرسي تعليمي لكل أولئك الجهلة بمنطق القانون والتفسيرات اللغوية للمصطلحات القانونية ، موضحاً لهم وببساطة كل المراحل التي يجب أن تتم قبل الحديث عن التكليف بتشكيل الحكومة وعن الخطوات التي يجب أن تتحقق للوصول إلى تطبيق مفهوم الكتلة البرلمانية التي تشكل الأكثرية تحت قبة البرلمان وليست القائمة الإنتخابية التي حازت على أكثر الأصوات . أقول بالرغم من هذا القرار الواضح الصادر من المحكمة الإتحادية والذي لا جدال على أهميته في مثل هذه المناقشات ، ظلت المناوشات السياسية مستعرة . إن ألأمر لا يستوجب كل ذلك حتى لو إنطلقنا من الفهم الذي يجعل القائمة الفائزة هي التي يجب أن تُكلف بتشكيل الحكومة . إذ أن هذه القائمة سوف لن تضمن وجود الأكثرية التي تؤيد مساعيها لتشكيل الحكومة إذا ما تم إعتماد ألأسلوب البرلماني الديمقراطي الصحيح ، وليس إسلوب المحاصصات وتقسيم الغنائم ، كما جرى لحد الآن. أما التوكؤ على عصا العرف السائد والذي جرى فيه تشكيل الحكومة من قبل القوائم التي حصلت على أكثر الأصوات سابقاً ، فإن ذلك قد تم وبشكل حقيقي لمرة واحدة فقط مع كل ما رافق هذه المرة من تشويه للعملية الديمقراطية ولا يمكن وضع ممارسة هذا " العرف " خارج نطاق التشويه هذا الذي جاءت به سياسة المحاصصات. كما أن ذلك سبق وأن تم قبل سن الدستور العراقي بشكله الحالي ، وفي هذه الحالة فإن الأعراف لا يمكنها ان تلغي العمل بنص دستوري . أو هناك مَن يتشبث بما يجري في ألأنظمة الديمقراطية ألأخرى من تكليف القوائم الفائزة بتشكيل الحكومة ، فإن ذلك يعتمد على القوانين السائدة في تلك الأنظمة والتي تنص على مثل هذه الإجراءات ، تماماً كما ينص الدستور العراقي على الإجراء الذي فسرت مضمونه المحكمة الإتحادية العليا .

إن النصيحة التي يمكن توجيهها إلى ساسة وقادة ومنتسبي القوائم " الفائزة " بالإنتخابات البرلمانية الأخيرة في وطننا هي أن يكفوا عن مثل هذا اللغط الذي لا فائدة منه وأن يصبوا مناقشاتهم على الطرق والوسائل التي سيتبنونها في السنين الأربع القادمة لحل المشاكل المتفاقمة التي تركها التسلط البعثفاشي المقيت وسلطة المحاصصات الطائفية القومية الشوفينية العشائرية والتي لا زال الشعب العراقي ينوء تحت ثقلها . وأن يضعوا كل ما طرحوه في برامجهم الإنتخابية أمام أعينهم وعلى طاولاتهم سواءً جلسوا على مقاعد الحكومة أو المعارضة ، فالذي يريد خدمة الشعب حقاً يستطيع ذلك في الحالتين .


 

free web counter