الخميس 2 /2/ 2006

 


مدججون بالسلاح.....  ويرتعشون خوفآ من ألكلمة

 

الدكتور صادق إطيمش

هذا هو ديدنهم في كل زمان ومكان , الكلمة ترعبهم وتخيفهم رغم كل ما بحوزتهم من أسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة ورغم قدرتهم وتفننهم بطرق القتل والذبح والإغتصاب والإختطاف . الكلمة تخيفهم وترعبهم على جبهتين لا يجديهم فيهما كل ما يحملونه وما يخزنونه من ألسلاح بكل أنواعه وشتى مصادره, ولا كل ما يجيدونه من ثقافة الموت وإفناء ألآخر. ألجبهة ألأولى هي جبهة الفِهم , فِهم ألكلمة ومعناها وما تريد إليه , ألكلمة الهادفة والمعبرة والمُقْنِعة لا تستوعبها عقولهم الظامرة ولا تجد منفذآ لها من خلال جدران رؤوسهم المتحجرة. إنهم أوطأ من أن يرتقوا بأنفسهم المريضة وأرواحهم الشريرة إلى السمو الذي تتألق به الكلمة الواعية الهادية , الكلمة التي يشع نورها الذي لا يراه إلا ذوي ألبصر والبصيرة اللتان فقدها أعداء الكلمة , أعداء أصحاب الكلمة . الكلمة الخيرة المرشدة التي تفوق حدود إستيعابهم الضيقة تظل تهد عليهم مضاجعهم الخاوية ليل نهار, وهم حيارى من أمرهم وحيارى في سلاحهم الذي لم يجدهم نفعآ ولم يقِهم شرآ تجاه أهوال الكلمة التي لا يعون سرها ولا يفقهون كنهها. يظلون يتخبطون في حياتهم المليئة بالظلام , بظلام النوايا السوداء التي يضمرونها لكل ما يجهلون وهم يجهلون كل شيئ . هذا الجهل القاتل والفراغ الفكري الداكن السواد يرسم أشباحآ في مخيلاتهم الساذجة تلاحقهم أينما حلوا فتحيلهم إلى أعداء لكل ما حولهم ويقودهم غباءهم هذا إلى قطع ألأغصان التي يجلسون عليها ليجدوا أنفسهم بعدئذ في أسفل الدرك ألأحيائي الذي يحسبون أن الخلاص منه يكمن بالنعيق بالقتل والنباح بالويل لأصحاب الكلمة الحرة التي إستعصت على عقولهم .

الجبهة الثانية التي لا يستطيعون بها مواجهة الكلمة الهادفة الواعية هي جبهة مقارعة الكلمة بالكلمة والفكرة بالفكرة والمنطق بالمنطق . هذه الجبهة الواسعة العريضة التي ألوت الكلمة الهادفة زمامها وصيرتها طوع إرادتها, لها مساس مباشر وعلاقة وطيدة بكل مفاصل الجبهة ألأولى التي جعلت من ألإستيعاب مدخلآ لولوج ساحة ألخلق والإبداع والتنوير. وقد تبدو المسألة طبيعية جدآ لكل ذي عقل من أن الذي لا يفهم ولا يستوعب لا يستطيع أن يخلق ويبدع . فجبهة ألعجز عن ألخَلق وألإبداع إذن , أي العجز عن مواجهة الكلمة بالكلمة والحجة بالحجة , تقود إلى التخاذل والإستسلام الذي لا يجدي معه أمضى ألأسلحة المحمولة والثابتة . إلا أن عنجهية نفوسهم المريضة لا تشير عليهم بالإستسلام والعيش مع غباءهم بسلام , بل بمواصلة التشبث بالجهل والعمى وتُصور لهم جدوى إستعمال ما يحملونه من السلاح الذي يلجأون إليه لسد ثغرات الفراغ في حياتهم البائسة المظلمة .

هؤلاء الذين يحاربون أصحاب الكلمة الهادفة الواعية , طالبين منهم التخلي عن الكتابة وترك نشر الكلمة بين الذين يريدون التزود والتسلح بها , يعبرون في الحقيقة عن الهلع الذي يتنازع أفكارهم والخوف الشديد الذي ينتابهم , يرتعشون يتراجفون فيرتجف سلاحهم في أيديهم وعلى أكتافهم , يطول بهم الهلع والفزع هذا, وهم لا يجدون مخرجآ من كل ذلك إلا بالضجيج والصياح واللغو , تمامآ كمن يسير في درب أظلم مرعب فيحاول أن يتغلب على خوفه ورعبه بالصياح الذي يسميه البعض غناءً في بعض ألأحيان, وما هو إلا صيحات خائف مرعوب .

الكاتب المصري المرموق المرحوم خالد محمد خالد كتب سنة 1994 كتابآ بعنوان " في البدء كان الكلمة " جاء في مقدمته: " موضوع هذا الكتاب يتلخص في أن حرية الكلمة ( حق مطلق ) لا يخضع لأي إعتبار, ولا يملك قانونٌ حق تقييده , ولا يملك عرفٌ حق تحديده . ونعني بالكلمة هنا , تلك ألأداة العاقلة التي يعبر بها الفكر ألإنساني عن ذاته . فحرية الكلمة شيئ آخر , أكبر قدرآ , وأوفى قداسة , من حرية أللغو , والشغب , والمهاترة . والذي يميز ( الكلمة ) من ( أللغو ) هو الفكر نفسه...والفكر وحده حرية ألكلمة بهذا المفهوم حق مطلق ......إن حرية الكلمة لم تُعان أزماتها في جيلنا وحده , بل عبر التاريخ كله "

ومراجعتنا لتاريخ البشرية كلها يرينا بوضوح أين وضع هذا التاريخ من حاربوا حرية الفكر ومن ناصبوا الكلمة العداء وأحالو بينها وبين الإنعتاق , ولو لحين . لقد وضع التاريخ مَن سبق مِن هولاء في أسفل درجات مزبلته وسيلحق بهم عاجلآ أم آجلآ ما تأخر منهم , إذ لا يزال متسع من المكان هناك .


موقع الناس     http://al-nnas.com/