| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الأثنين 2 /1/ 2006

 

 

 

ما قيل عن الشعر والشعراء

 

د. صادق إطيمش

بمناسبة إختتام مهرجان ديوان الشعر ألأول بالعراق , لا بأس من إستذكار بعض ما قيل عن الشعر العربي وبعض من قالوا هذا الشعر , لا لسبب معين بل للإبتعاد شيئآ عن جو السياسة الذي أخذ يتكهرب أكثر فأكثر هذه ألأيام حتى بات البعض يتخوف من ألإقتراب منه .

أرجو أن لا يصار إلى فهم هذه الممازحة على أنها تهدف إلى ألإنتقاص من الشعر والشعراء , إذ أن العكس تمامآ هو الحقيقة بعينها . إنني من المفتونين بالشعر العربي خاصة العمودي المقفى منه , قرأت الكثير منه ولا زلت أداري هذه الهواية كلما سنحت لي الفرصة ولم أتخل عنها حتى في ديار الغربة التي يصعب سبيل بلوغ هذا ألأرب فيها . إن هذه الخواطر هي جزء من كثير من المواقف المُسلية التي طالما تتميز بها المجالس الشعرية على وجه الخصوص , وهي إن ترمي إلى شيئ فإنها ترمي إلى مساهمة بسيطة في هذا التراث الثري .

نستطيع أن نجعل من موقف القرآن الكريم من الشعر والشعراء بداية مباركة لمدخل كهذا , حيث قال تعالى : " والشعراء يتبعهم الغاون . ألم ترَ أنهم في كل واد يهيمون . وإنهم يقولون ما لا يفعلون " ( سورة الشورى ) . إن ما يعنيه هذا الوصف الرباني للشعراء هو توجههم للإطناب والتضخيم في الألفاظ لإعطاء القصيدة القوة في السبك غير مبالين بمدى إنسجام اللفظ مع الواقع . لقد أكد زهير بن أبي سلمى وجهة النظر القرآنية هذه حينما قال واصفآ الشعراء : ما أرانا نقول إلا معارآ أو معادآ من لفظنا مكرور
وإنطلاقآ من نفس الفكرة كتب العالم ألإجتماعي العراقي المرموق الدكتور علي الوردي في كتابه القيم " أسطورة ألأدب الرفيع " قائلآ : " ألا يجوز أن نقول بأن الشاعر يبدأ حياته كذابآ وينتهي منها كذابآ "

أما الشاعر ألبحتري فقد وصف زملاءه من الشعراء بقوله : الشعراء فاعلمن أربعة
فواحد يجري ولا يُجرى معه
وواحد ينشد وسط المعمعه
وواحد من حقه أن تسمعه
وواحد من حقه أن تصفعه

لم يحظ شعر النساء بالقبول والإستحسان في كثير من مجتمعات الوطن العربي . وفي حديث دار بين بعض الشعراء حول النساء ونظمهن الشعر , إستهجن أحد الحاضرين بهذا النوع من الشعر وقلل من قيمته ألأدبية . وهنا إنبرى له أحد المشاركين في المجلس بسؤال قائلآ له : فما رأيك في شعر الخنساء إذن ....؟ فرد عليه ذلك قائلآ : وهل تحسب الخنساء من النساء...؟...إن لها أربعة خصي .

في منتصف القرن الماضي برزت موجة الشعر الحديث كإطلالة جديدة في عالم الشعر والأدب العربي الذي ما عرف هذا النوع من الشعر بعد . ونظرآ لتحرر هذا النوع من الشعر من الوزن الواحد والقافية الواحدة في نفس القصيدة فقد بدى لبعض هواة الشعر وكأنه قفزات من صورة إلى أخرى , تختلف عن تلك الصور التي ألِفها في الشعر العمودي . لقد وصل أمر ألإلتباس ببعض هؤلاء الهواة حدآ جعله يقول : يحدثني فلا أفهم عليه كأن حديثه الشعر الحديث

طلب أبو العلاء المعري من زوجته أن تصف نفسها له كي يتمكن أن يصنع صورة لها في عقله بعد أن منعه فقد بصره من رؤيته لها كم هي حقآ وحقيقة . فبدأت ألإمرأة بوصف نفسها وأخذت تطنب في وصف قدها الغض وشعرها ألأسود الطويل ووجهها القمري الجميل , وبالغت في الوصف حتى أوقفها أبو العلاء قائلآ : لو كنتِ كما تدعين لما ترككِ لي ألمُبصرون .

وجاء إلى المعري يومآ أحد المتنفذين قائلآ له : " يا أبا العلاء لقد سهرت ليلة البارحة بنظم قصيدة وأريد منك أن تسمعها وتعطني رأيك فيها " . فقال له أبو العلاء المعري : " ما كنت أعلم عنك بأنك تنظم الشعر". فقال الرجل : " لقد جاءني وحي الشعر على غفلة فنظمت هذه القصيدة " . فقال له المعري : " تفضل وأسمِعنا " . فبدأ الرجل بإلقاء قصيدته حتى إنتهى منها وطلب من المعري رأيه فيها . فقال له المعري : " قبل أن أقول لك رأيي في قصيدتك هذه أرجو أن تعلم بأن الشعراء ثلاثة , شاعر وشويعر وإبن زانية ". واستطرد المعري قائلآ : " أما أنا فشويعر , وأما ما تبقى فأقسمه بينك وبين أمرؤ القيس ".

تطاول أحد مدعي ألأدب من المصريين يقال له النويهي على شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري منتقدآ هذا الشاعر العملاق وشعره بطريقة أغضبت الجو الأدبي العراقي . وكان أحد من تصدوا لهذا النقد الشاعر العراقي المعروف محمد سعيد الصكار حيث خاطب هذا النويهي قائلآ له :

نقد النويهي لأشعارنا منقصة ما بعدها منقصة
قد كتب ألله على أُسته سيدخل الجنة من بعبصه

ونعود في الختام إلى المعري والقصة التالية التي ذكرها عنه مارون عبود في كتابه " زوبعة الدهور" حيث جاء فيها : صعد أبو العلاء إلى جبل قرب المعرة يعرف اليوم بجبل ( الزاوية ) , وأخذ يصيح : هو ذا جبل أعلى من الطور , ورجل أعظم من موسى , فكلمني يا من كلمت موسى ... وفعل ذلك ثلاثآ , ولم يجبه أحد فانحدر من الجبل وهو يردد :
لقد أسمعت لو ناديت حيآ ولكن لا حياة لمن تنادي