| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الخميس 29/7/ 2010



قراءات شيطانية

د. صادق إطيمش

لا نريد بهذا العنوان التذكير بما كتبه سلمان رشدي حول " آياته الشيطانية " إذ أن هذا الموضوع لا علاقة له البتة بالدين من قريب او بعيد . إلا أن ذِكر الشيطان هنا بهذا الوصف يُراد به التحايل في قراءة بعض المصطلحات التي تخضع للتغير الكامل بالمضمون لا بالشكل وذلك حينما يجري تغيير حركات الحروف فيها ، وهذه إحدى ميزات اللغة العربية . فمثلاً حينما نكتب كلمة تتكون من حروف العين واللام والميم ( علم ) لوحدها ودون ربطها بجملة توحي بمعناها ، فإننا لا نستطيع في هذه الحالة أن نجزم بالمعنى المُراد دون وضع الحركات على الحروف . إذ في هذه الحالة فقط نستطيع أن نقول أن هذه الكلمة تعني عِلْمٌ أو عَلَمٌ أو الفعل عَلِمَ أو عَلَّمَ وهكذا . إلا أن هناك بعض الكلمات التي يمكن تحريف قراءتها لغرض شيطاني تهكمي حتى وهي داخل الجملة .
لقد قرأت مرة أثناء إستعدادات دول التحالف لإسقاط النظام الدكتاتوري البعثفاشي بالعراق بأن أمير قطر قد كتب رسالة إلى الجرذ المقبور . وذكرت الجريدة " بأن الأمير طلب من الرئيس العراقي أن يتنح فلم يستجب لنصيحته ويتنح " . وحينما قرأ أحدهم هذا الخبر علق قائلاً " هذا غير صحيح ، إذ ليس من المعقول أن يخاطب أمير قطر رئيس دولة بهذا الأسلوب اللاأخلاقي . إن سبب هذه القراءة لهذه الجملة والذي إعتبره هذا القارئ لاأخلاقياً يعود إلى القراءة العراقية التي يمكن لها ان تكون قراءة شيطانية إذا أُريد لها ذلك . ولتوضيح ذلك أكثر للقارئ غير العراقي أسرد القصة التالية التي رواها لي صديق كان يدرس في لندن . يقول هذا الصديق " جاءني من الوطن أحد أقاربي إلى لندن لإجراء عملية البواسير . وبما انه لم يكن يتكلم اللغة الإنكليزية فقد أخذني معه إلى الطبيب الذي سيقوم بإجراء هذه العملية له . وعند دخولنا على الطبيب أوضحت له سبب الزيارة ، فقال لي ألطبيب : يجب أن أقوم بفحصه أولاً قبل أن أقرر إجراء العملية أم لا ، واستمر الطبيب قائلاً أخبره أن يقف أمام طاولة الفحص وينزع سرواله ولباسه الداخلي ثم يفتح قدميه وينحني على طاولة الفحص بحيث أستطيع أن أفحص مؤخرته . وبعد هذا الشرح الطويل لتهيئة الحجي إلى الفحص ناديت الحجي قائلاً له : حجي ..... فقال الحجي نعم ...فقلت له : تَنِحْ .... فما على الحجي إلا وبدأ يقوم بكل الخطوات التي طلبها الطبيب . وهنا تدخل الطبيب ليسألني ماذا قلت له ، فأجبته بإنني أخبرته بما قلت لي به ، فقال الطبيب وهل كل هذا بكلمة واحدة ...؟ " .
بهذا الفهم ، وليس بمعنى التنحي عن السلطة ، أي ان يَتَنَحَ فلم يَتَنَحَ ، تمت قراءة رسالة الأمير القطري على أنه طلب من الجرذ المقبور أن يُتَنِحْ فلم يستجب لنصيحته ولم يُتَنِحْ .
هذه الكلمة نريد أن نخاطب بها حكومتنا التي أصبح الخطاب الجدي معها كمن يرجو من السراب ماءً . وأترك للقارئ الكريم أن يحرك الكلمة كيفما يشاء . إنني ، على أية حال لا أقصد بها قراءة شيطانية ، وإن لم أذكر عبارة " عن السلطة ".
فإذا تنحت هذه الحكومة فإنها ستقدم إنجازاً كبيراً آخراً لهذا الشعب الذي عجز عن تعداد هذه الإنجازات في كل المرافق السياسية والإجتماعية والإقتصادية ومن أبرزها المرافق الخدمية ، وعل الأخص تلك المرافق الخدمية المرتبطة بمقاولات ضخمة . إن هذا الإنجاز الذي ستقدمه ، إن تنحت ، هو إعطاء المجال لإعداءها المتربصين بها من التفتيش عما كانوا يدعونه من عورات وسيئات كانت تخفيها هذه الحكومة ، حسب إدعاءاتهم وظنونهم ، وإن بعض الظن إثم ، كما يقال . وطبعاً لم يستطع هؤلاء الأعداء الكشف عن هذه العورات قبل أن تتنح هذه الحكومة . وبذلك فقط يمكن أن نقطع الطريق على الأعداء الحاقدين على كل هذه المنجزات التي جاءت بها هذه الحكومة ، وتوضيح وقفتها إلى جانب الشعب في كل ما مرَّ عليه من مآسي أراد بها الأعداء الحاقدون تشويه سمعة هذه الحكومة التي ظلت صامدة أمام كل هذه الضغوط ولم تتنح لحد الآن وإنها سوف لن تتنح في المستقبل أيضاً .
كما أنها ، إن تنحت ، فإنها ستقدم الدليل الساطع على أنها لا تخفي شيئاً تعمد على إخفاءه قبل ان تتنح. فتقدم بذلك إنجازاً آخراً ودليلاً قوياً إلى الشعب الذي كان يثق تماماً بأن هذه الحكومة سليمة من كل الإتهامات والأمراض التي يوجهها الأعداء الحاقدون كوصول روائح الفساد الى عنان السماء بحيث لم يعد أحد تحمُل هذه الروائح الكريهة التي يتهمون هذه الحكومة وأجهزتها بأنها السبب في ذلك .
إن تنحت هذه الحكومة فإنها ستعطي مثالاً جيداً للآخرين بأن يتنحوا أيضاً في المستقبل لو وصلت بهم ألأمور إلى نفس هذه الحالة التي وصلتها حكومتنا الآن . وهذا درس لا مثيل له بإعطاء الآخرين فرصة التدريب على ذلك ، إذ ليس كل إنسان قادر على أن يقف الموقف الصحيح الذي يقود إلى أن يتنح المرء بكل ثقة وثبات أقدام إذا ما تطلب الموقف ذلك .
وهكذا نرى أنه ليس في هذا الأمر من عمل يُعاب عليه المرء إذا ما أراد أن يتنح سواءً كان ذلك ما يخص حكومة بكاملها أو شخص بمفرده ، وليكن شعار الحكومات العراقية القادمة : مَن لم يتنح اليوم فإنه سيُجبر على أن يتنح غداً ، والله في عون المتنحين .


 

 

free web counter