| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الثلاثاء 29/5/ 2007

 


 

الرهان على ورقة العراق

د. صادق إطيمش

توصلت بعض وسائل الإعلام العالمية إلى تحليل نتائج أللقاء ألأمريكي ألإيراني في بغداد على أنه بادرة يمكن أن
تؤدي إلى تهدئة الوضع ألأمني في هذا البلد الذي تتقاذفه أمواج المصالح الطائفية والقومية الداخلية والمصالح ألإقليمية العربية ألإسلامية والمصالح الدولية السياسية واالعسكرية والإقتصادية. وتعزوا وسائل ألإعلام هذه سبب هذا التفاؤل إلى إمكانية تأثير القيادة الدينية ألإيرانية على الطائفة الشيعية في العراق التي تًعتبر هذه القيادة مرجعيتها الدينية الواجب طاعتها وتنفيذ ما تراه هذه القيادة, حسب رأي وسائل ألإعلام هذه . هذا التحليل للواقع العراقي وعلاقة سياسة ولاية الفقيه به , وإن كان سطحيآ , إلا أنه لا يخلو من بعض الحقائق التي شهدها أهلنا على ساحات وطننا منذ سقوط البعثفاشية في التاسع من نيسان ولحد الآن .

الحقيقة ألأولى تتجلى في عجز المرجعيات الشيعية العراقية على إثبات وجودها أمام العالم كمرجعية لها وزنها لدى شيعة العراق , وتركت لقادة ولاية الفقيه , التي يختلفون معها فقهيآ , الساحة العراقية لينفذوا إليها ويؤثروا فيها عبر شخصيات جوفاء إحتضنوها ومولوها وسلحوها لتكتسب الشارع العراقي الذي يئن تحت طائلة البطالة والعوز والفاقة من خلال تنظيمات عسكرية إتنظم فيها كل من نطق بالشهادة لقائدها, دون أن يكون لنوعية المنتمي سياسيآ واجتماعيآ وثقافيآ أي دور يذكر في هذا ألإنتماء , إذ أن الولاء للسيد القائد هو الشهادة الوحيدة التي يقبض على أساسها المنتمي ما تجود به آيادي أصحاب النعمة في إيران . وعلى هذا ألأساس جاء تدفق ألأموال والأسلحة ألإيرانية عبر الحدود مع العراق دون أن يكون للمرجعيات العراقية التي نسمع بين الحين والآخر عن ولائها للعراق كوطن بالدرجة ألأولى وليس للطائفة , خاصة لبعض قادة الطائفة خارج حدود الوطن , وبالأخص في إيران , إذ صرحت بعض المراجع الشيعية العراقية بخلافها الفقهي مع توجهات ولاية الفقيه واطروحات مرشدها ألأعلى , وهو الحاكم بأمره في هذه الولاية .
والحقيقة الثانية التي جاءت منسجمة مع عقد هذا أللقاء بين أمريكا وإيران على ألأراضي العراقية وبدعوة عراقية, بذلت فيها الدبلوماسية العراقية جهودآ مضنية لإقناع الطرفين بالجلوس وجهآ لوجه بعد سبعة وعشرين عامآ من الجفاء والعداء , تتجلى بتأكيد ما ذهبت إليه كثير من ألأوساط العراقية حكومية وغير حكومية , وانطلاقآ من حِسِِّ وطني أو حقد طائفي , على التدخل الإيراني السافر في ألشأن العراقي والذي ظلت القوى العاملة لحساب إيران على الساحة السياسية العراقية تتنكر له وتنفيه حتى بعد أن جاء الإعتراف من الحكومة الإيرانية نفسها التي وافقت على ألإشتراك في هذا اللقاء المخصص لبحث الشأن العراقي فقط وليس لأي شأن آخر بين أمريكا وإيران. فسياسة ولاية الفقيه إذن كانت مُنصًّبة منذ سقوط البعثفاشية على الهيمنة على العراق واستغلال وجود ألأكثرية الشيعية فيه لجعل الإنتماء المذهبي شبكة الصيد التي تستطيع من خلالها , وبمساعدة أعوانها من قادة المليشيات وباستعمال وسائل الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى , إحتواء العراق أو الجزء ألأكبر منه واخضاعه لمشيئة المرشد ألأعلى بتوسيع رقعة ولاية الفقيه . لقد أثبتت الحرب العراقية ألإيرانية التي أشعلتها البعثفاشية سنة 1980تحت الواجهة القومية العنصرية الشوفينية ولتنفيذ المخططات ألإقليمية والدولية ضد الدولة التي قامت على أشلاء النظام الديكتاتوري الشاهنشاهي , حليف البعثفاشية , وبعد أن إستولت طبقة الملالي على ثورة الشعب ألإيراني , خطأ هذه الحسابات الملائية التي برهن شيعة العراق من خلال وجودهم في الجيش العراقي آنذاك بنسبة عالية جدآ بين المقاتلين الحقيقيين من جنود وضباط صف على أن إنتماءهم المذهبي لا يسمو على إنتماءهم الوطني , وقد إستغل النظام البعثفاشي المقبور هذا التوجه الوطني ليزج بمئات ألآلاف منهم في أتون حرب أراد بها توسيع رقعة الديكتاتورية البعثفاشية , تمامآ كما تسعى ولاية الفقيه اليوم لتوسيع رقعة الديكتاتورية الدينية الطائفية على حساب العراق وأهل العراق وممستقبل هذا الوطن الذي أثخنت فيه الجراح التي خلفتها البعثفاشية وعمقتها العصابات التكفيرية والإرهابية الدينية والسياسية .
والحقيقة الثالثة التي أكدها هذا أللقاء واستعمال أيران لورقة العراق في عداءها مع أمريكا تعكس ما رددته ألأوساط ألإيرانية دومآ بأنها تخشى من وجود القوات ألأمريكية على أراضي دولة مجاورة لها , خاصة وإنها تناصب أمريكا العداء السافر وكثيرآ ما دعت إيران حلفاءها إلى ألإضرار بالمصالح ألأمريكية داخل وخارج أمريكا . لذلك أجازت حكومة ولاية الفقيه لنفسها التدخل في الشأن العراقي , أي أنها جعلت من وجود القوات ألأمريكية على ألأراضي العراقية حجتها ألأساسية لهذا التدخل السافر العابث في شؤون العراق والذي لا يجيزه أي قانون دولي ولا يحظى بأية شرعية سياسية كانت أم دينية . وهنا تتجلى كذبة أخرى من أكاذيب سياسة ولاية الفقيه التي لا تحرك ساكنآ ضد التواجد ألأمريكي على أراضي دول الخليج المجاورة لها أيضآ والتي تتحرك فيها القوات ألأمريكية بكل حرية ولها فيها أكبر القواعد العسكرية الموجودة في قطر والتي تستطيع النيل من إيران بشكل مؤثر أكثر مما هي عليه في العراق . ومساهمة أيران السافرة والمُخزية في زعزعة أمن العراق بالتعاون المنسق وغير المنسق مع قوى ألإرهاب الديني والبعثفاشي ألأخرى يصب في مجرى السياسة الملائية الباحثة عن مناطق النفوذ في المنطقة والتدخل الرامي إلى زعزعة أمن الشعوب متسترة بالدين تارة وبالطائفة تارة أخرى أوبالحفاظ على الأمن الوطني , على حساب أمن الشعوب ألأخرى . والتدخل السافر في شؤون لبنان من خلال الراكضين وراء جنة المرشد ألأعلى في هذا البلد , أو العلاقات التي تربط ولاية الفقيه بالبعثفاشية السورية , ما هي إلا أمثلة قليلة لسياسة التسلط والهيمنة التي تمارسها حكومة الملالي في طهران لا ضد شعوب المنطقة , وعلى رأسها الشعب العراقي , فقط , بل وضد الشعب ألإيراني أيضآ بكافة قومياته ومناضليه في سبيل التحرر من الديكتاتورية الدينية المتمثلة بولاية الفقيه .
السؤال الذي يتبادر إلى ألذهن حول هذا أللقاء هو : ما الذي سيجنيه الشعب العراقي من ذلك ... ؟ خاصة بعد هذه التجربة المريرة والمليئة باللقاءات والوعود والبروتوكولات التي كُتبت ووقع عليها في مكة والقاهرة وشرم الشيخ وبغداد وواشنطون ومدريد وغيرها وغيرها الكثير من اللقاءات الفردية والجماعية والتي إقترنت جميعها بوعود معسولة لم يذق الشعب العراقي منها لحد الآن غير مرارة الموت بسلاح المتحاورين الذين إختلفوا في كل شيئ إلا بقتلهم لأهل العراق وتقطيعهم لأوصاله . ثم حتى إذا تم تحييد السياسة ألإيرانية الرسمية بالنسبة للوضع ألأمني في العراق , فهل يعني ذلك تخلي إيران عن عصاباتها المسلحة ضمن المليشيات التي تزودها بالمال والسلاح وإعداد معسكرات التدريب التي تستخدمها كورقة رهان ضاغطة كلما وأينما يحلو لها ألأمر, والحجج الداعية لإستعمال هذه الورقة أكثر من القش في الزريبة . أو هل تتخلى هذه العصابات نفسها عن جرائم القتل والتهجير والإختطاف وإرهاب الناس , أو هل سيتوقف نشاط العصابات المسلحة ألأخرى التي إتخذت من التوجه الطائفي السني ورقة أخرى تستلها منذ سقوط البعثفاشية وحتى اليوم كلما أرادت أن تحقق طموحات بعض منتسبيها الذين إنفضحت عوراتهم بعد سقوط الصنم , فلجأوا إلى محاولات سترها بأحزاب دينية وتجمعات مذهبية التي لم يُعرف عن قادتها ومؤسسيها نضالآ وطنيآ ضد التسلط والقمع الديكتاتوري الذي عانى منه الشعب العراقي لأربعة عقود من الزمن .

من هنا لابد لنا من التساؤل عن موقف الحكومة العراقية والقوى الوطنية العراقية التقدمية الرافضة للتقوقع الطائفي واستغلال الدين في سياسة القمع والإرهاب التي أصبحت سمة ملازمة لتوجهات ألأحزاب الدينية على إختلاف مذاهبها وتباين طوائفها , هذه الظاهرة التي لم نشاهدها اليوم في العراق فقط , بل وعلى نطاق العالم ألإسلامي كله الذي جعلت فيه أحزاب ألإسلام السياسي الدين ألإسلامي وكأنه رديف للعنف والقتل والتكفير والتهجير , حتى أصبحت الصفة الغالبة للعاملين في صفوف ألأحزاب ألدينية ألإسلامية ثرائهم الفاحش في منطق القوة وفقرهم المدقع لقوة المنطق . إن الحكومة العراقية , إن أرادت أن تثبت لمواطنيها أولآ وللدول التي تتدخل في شؤون العراق عروبيآ وإسلامويآ ثانيآ وللعالم أجمع ثالثآ على أنها أهل لحملها إسم حكومة لبلد إسمه العراق لا يفرق أرضه وأهله محتل أجنبي ولا عروبي حاقد ولا إسلاموي جاهل ولا وريث للبعثفاشية نزع البدلة الزيتونية ليلبس الجُبة والعمامة والحجاب والنقاب , إن أرادت الحكومة العراقية أن تكون كذلك فعلآ فما عليها إلا السير مع القوى الوطنية الديمقراطية الرافضة لجميع توجهات تمزيق العراق إلى طوائف ومِلل ونِحل وعشائر ومناطق تضيع في زحامها الهوبة العراقية التي يجب أن تكون الهوية الوحيدة لكل عراقي . كما يتوجب على القوى الوطنية الديمقراطية الفدرالية العلمانية الرافضة لكل توجه غير التوجه العراقي , وهي ألأكثرية الساحقة التي لم توحد صفوفها بشكل جدي حتى الآن , أن تبادر وتساهم في إنهاء هذا الوضع المأساوي الذي يتعرض له وطننا وشعبنا . هذه القوى الوطنية الخيرة عليها أن توحد صفوفها في جبهة رفض الطائفية ومحاربة العنصرية الشوفينية ونبذ تسويق الدين سياسيآ وفضح الزمر الإسلاموية العروبية وجرائمها التي تقترفها يوميآ بحق الشعب والوطن . جبهة إنتشال الوطن من المستنقع الذي رمته فيه البعثفاشية المقيتة . جبهة إعادة ما خربته حروب الصنم منذ أن نصبته المخابرات المركزية ألأمريكية وحتى أسقطته . إذ بدون الجبهة الوطنية التقدمية الفدرالية العلمانية هذه سوف لا يهدأ لأهلنا بال ولا تصل سفينة وطننا إلى بر ألأمان .