| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

                                                                  الأربعاء  29 / 10 / 2014



دروس رائدة ... عسى ان يتعلم منها شعبنا في العراق

د. صادق إطيمش     

مرة اخرى يثبت الشعب التونسي بانه شعب يستحق الإحترام فعلاً. فبعد ان بدأت انتفاضات الشعوب العربية في تونس والتي فجرها بوعزيزي، تلتها هذه المرة الثورة الثانية الكبرى التي اججها الشعب التونسي حينما ازاح بتجمعاته المليونية ومظاهراته الصاخبة ونشاط حركته النسوية الرائدة، حكومة التخلف التي قادها حزب النهضة الإسلامي، ليواصل هذه الثورة الثانية اليوم بانتخابه حزب نداء تونس، ذو التوجه العلماني، كاكبر قوة برلمانية ستاخذ على عاتقها تشكيل الحكومة التونسية القادمة. تماماً كما فعل الشعب المصري البطل حينما خرج بعشرات الملايين لإزاحة حكومة الأخوان المسلمين التي تسلقت على الثورة المصرية تسلق اللصوص، نهض الشعب التونسي ايضاً واتجه بملايينه إلى صناديق الإنتخابات ليؤكد عزمه على رفض قوى التخلف والرجعية التي عاثت في هذا البلد الجميل فساداً طيلة مدة حكمها القصيرة والتي حل فيها القتل والدمار والتخريب ونشر ثقافة العداء للغير وشجعت على رمي كثير من الفتيات التونسيات في احضان بغاء جهاد النكاح وتقريب الإسلاميين دون غيرهم في مؤسسات الدولة وقتل المناضلين الأشداء بوقوفهم إلى جانب شعبهم وعلى رأسهم الشهيد البطل شكري بلعيد، والسماح لفقهاء القتل والتكفير من مملكة الإنحطاط الأخلاقي والتخلف الفكري، مملكة آل سعود، بنشر فتاوى البغض والكراهية والعداء بين ابناء الشعب الواحد.

لقد حول الشعب التونسي البطل إرادته التي عبر عنها على الشارع التونسي بمظاهراته واحتجاجاته إلى حقيقة واقعة تسير عليها سياسة الدولة التونسية القادمة والتي ستصب حتماً في طريق العمل الواعي والجاد لتجاوز كل تبعات المرحلتين السابقتين المظلمتين في حياة الشعب التونسي، فترة حكم بن علي بكل ما جرَّته على الوطن والشعب من نهب للمال العام وانتهاك لحريات المواطنين والتلاعب بارزاقهم وسبل معيشتهم، وفترة حكم حزب النهضة بكل ما انتجته من تخلف فكري وهمجية في التعامل مع الغير المخالف في الرأي والدين وكل ما اقترفته من جرائم قتل وترويع بحق بنات وابناء تونس.

إن شعباً كالشعب المصري والشعب التونسي، الشعب الذي لم يصبر على حكم الفاسدين واللصوص والمتخلفين وتجار الدين من احزاب الإسلام السياسي بكل مسمياتها، إن شعباً كهذا لابد له من الوصول إلى ما يسعى اليه من تقدم ورفاه ومواكبة تطور الحضارة العالمية وربما المساهمة بها، حتى وإن صَغُر حجم هذه المساهمة، فهي بالتالي افضل واجدى مما لو سار المجتمع على نظريات وخزعبلات احزاب الإسلام السياسي التي تعيش تناقضاتها القاتلة حينما تتعامل مع منتجات الحضارة الإنسانية بوجهين مختلفين تشيران الى سطحية هذا الفكر ولفه ودورانه. إذ يتعامل الوجه الأول مع المنتجات المادية لهذه الحضارة ويأخذ بها ويستفيد منها، في حين يلجأ الوجه الآخر إلى رفض النتاج الفكري لهذه الحضارة رفضاً تاماً واضعاً اياه في خانات الكفر والحرام وكل ما يسيئ إلى هذا الفكر، وكأن انتاج السيارة التي يستعملها دهاقنة الإسلام السياسي مثلاً وبكل ابهة وبهجة لا علاقة له بالتطور الفكري الذي يرفضه بعض الفقهاء والذي انتج هذه السيارة.

اكاذيب وهرطقات ولصوصية وعنف وتخلف احزاب الإسلام السياسي كثيرة وتكاد تشكل البرنامج اليومي لكل هذه الأحزاب الساعية للسلطة السياسية من خلال المتاجرة بالدين. إلا ان بعض الشعوب اكتشفت هذه السيئات بمدة قصيرة بعد ان وقفت على ممارستها من قبل هذه الأحزاب التي كان الكثير من الناس مخدوعاً بورعها الكاذب وادعاءاتها الإنسانية الباطلة ودعواتها الدينية المضللة التي اتضحت للناس على حقيقتها حينما استلمت السلطة السياسية ومارست قيادة العمل السياسي. وألامثلة الحية التي قدمها لنا الشعبان العظيمان المصري والتونسي ادلة دامغة تشير إلى ذلك.

وهنا يتبلور السؤال الذي لابد منه والمطروح على الشعب العراقي الذي تحالفت عليه قوى الإسلام السياسي لتستمر في ممارسة الكثير الكثير من سياسة البعثفاشية المقبورة في الفساد الإداري والمالي وفي الإنتقاء الوظيفي الذي لم يعط الكفاءات ما تستحقه من مواقع في ادارة البلد والإعتماد على الإنتماء الحزبي والولاء الشخصي في تسيير امور الدولة حتى بلغ الإنحطاط في جميع مرافق الدولة ما بلغه من سوء وتراجع وسرقات ولصوصية وارهاب.

كما واصلت قوى الإسلام السياسي في العراق سياسة دكتاتورية البعث المقبورة بالضغط على الحريات العامة وخاصة الثقافية والفنية والمجتمعية منها بنفس تلك الحجج التي وظفتها دكتاتورية البعثفاشية باستخدامها الدين من خلال الحملة الإيمانية لشل مثل هذه التحركات المجتمعية والنشاطات الثقافية والعلمية والسياسية التي تمارسها منظمات المجتمع المدني في العراق. كل ذلك تمارسه قوى الإسلام السياسي منذ اكثر من احد عشر عاماً ولم يحاسبها الشعب العراقي على ذلك من خلال صناديق الإنتخاب كما حاسبها الشعبان المصري والتونسي ووضعاها في مكانها المناسب بعد المدة التي جربا فيها نتائج تسلطها وسطوتها على العملية السياسية، وهي مدة اقل بكثير من الأحد عشر عاماً ونيف التي لا يزال يعيشها الشعب العراقي مع هذه القوى.

فهل سيتعلم الشعب العراقي من تجربة الشعبين العظيمين في مصر وتونس ؟ ام انه لا قدرة له على التعلم بعد ان سلبته القوى المتخلفة كل امكانيات التفكير الحضاري العلمي وذلك من خلال تمسك قادة السلطة السياسية التي انتخبها الشعب العراقي واعاد إنتخابها لتمارس نفس تلك الأدوار التي تمارسها منذ نيسان عام 2003 والتي لم تبتعد عن سياسة المحاصصات الطائفية والقومية المتطرفة والمناطقية والعشائرية، هذه الممارسات التي لم تجلب للشعب العراقي سوى النكبات والإرهاب وسرقة المال العام وانتشار المحسوبية على حساب الكفاءات، والجهل على حساب العلم، والطائفية على حساب التسامح والإنفتاح على الغير، والتعصب الشوفيني الأعمى على حساب المواطنة، كل ذلك رافق إعادة انتخابها ووقوفها على قمة الهرم السياسي في الدولة العراقية، بالرغم من توفر البدائل الإنتخابية في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق، والتي شكل التحالف المدني الديمقراطي احد اطرافها.

وبمناسبة الفوز الذي حققه الحزب العلماني في الإنتخابات التونسية الأخيرة ، حزب نداء تونس، فلا يسعنا إلا ان نقدم التهاني الحارة إلى الشعب التونسي العظيم ونحيي نضاله الذي يشكل مفخرة كبرى في نضال الشعوب، خاصة نضال المرأة التونسية التي بلورت شعار مظاهراتها الرائع والموجه إلى الإسلاميين : ربي المخ قبل ان تربي اللحية.

كما نوجه نداءنا، بمناسبة فوز حزب نداء تونس، إلى مؤسسة ابن رشد التي قررت منح جائزتها لرئيس حزب النهضة في تونس الإسلامي المتخلف الفكر الغنوشي الذي رفضه ولفظه هو وحزبه اكثر من سبعين بالمئة من الشعب التونسي في الإنتخابات الأخيرة التي جرت يوم الأحد الماضي، بسحب قرارها هذا والتراجع عنه ومنح الجائزة إلى الشعب التونسي.

ولابد لنا هنا من تكرار الأمنية التي تراود كل من يتعلق بوطنه ويحمل هويته قبل كل الهويات الأخرى والمتعلقة بشعبنا العراقي بشكل خاص وإمكانية صحوته وتعلمه من تجارب الشعبين المصري والتونسي واتخاذه الموقف اللائق بتاريخه ونضاله مما جرَّته عليه احزاب الإسلام السياسي طيلة السنين الماضية من مصائب وويلات وحرمان وتخلف ولصوصية.

 

free web counter