| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

السبت 28/7/ 2007

 

 


أخلاق........وأخلاق 

د. صادق إطيمش

حدثان عالميان مفزعان جلبا إهتمام الدبلوماسية العالمية في ألأسبوع الماضي تمخضا عن معان وقيم أخلاقية كادت أن تطغى على آثارهما السياسية , خاصة لدى من ينظر إلى أمور كهذه ليس من زاويتها السياسية وحسب , بل ومن معطياتها ألإنسانية والأخلاقية أيضآ . ومرة أخرى كانت الساحات العربية وألإسلامية مسارح هذين الحدثين كسابقاتهما من الحوادث المفزعة التي أصبح إرتباطها بالمجتمعات ألعربية ألإسلامية إرتباطآ يكاد أن يكون طبيعيآ لدى مراقبي ألأحداث العالمية الهامة , خاصة تلك المتعلقة بالقتل والإختطاف وانتهاك الوجود ألإنساني الذي تمارسه بعض المنظمات الإرهابية المنتشرة بين المجتمعات العربية والإسلامية أو ذلك ألإرهاب والقمع الذي يمارسه السلاطين العرب من مواقعهم التسلطية تجاه كل من لا ينضوي تحت ألوية هؤلاء الحكام الطغاة .
كانت الساحة ألرئيسية للحدث الأول الجماهيرية الليبية العربية ألإستراكية العظمى وفارسيها قائد هذه الجماهيرية القذافي وولده سيف ألإسلام , المرشح لخلافة والده على عرش الجماهيرية , كما تجري العادة اليوم في الجماهيريات العربية ألأخرى حينما يتعلق ألأمر بشخص الخليفة الجديد . هذه العادة التي تحققت فعلآ في سوريا, والذي يجري العمل على تحقيقها مستقبلآ في مصر أو في اليمن , حيث يجري السعي نحو هذا الهدف بسرعة أصبحت ملفتة للنظر , خوفآ من أن ينتهي هذا الحلم الملكي في هذه الجماهيريات إلى ما آل إليه حلم المقبورين صدام وخليفته عدي . ألساحة ألليبية التي أخرجت فيها أجهزة القذافيين معمر وسيف ألإسلام مسرحية الدم الملوث, الذي ذهب ضحيتها مئات ألأطفال, على أنها حدثت بسبب إهمال ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني . لا نريد الخوض بتفاصيل هذه المسرحية التي كان أبطالها أجهزة النظام الديكتاتوري الليبي والفساد ألإداري المتفشي فيه , قبل أن يتعلق ألأمر بالممرضات أو ألطبيب الفلسطيني الذين يتلقون أوامر ووسائل عملهم من مرؤوسيهم قادة أللجان الشعبية الممنتشرين كالجرذان في كل زاوية من زوايا هذا النظام المتعفن , وإلا كيف وصل هذا الدم إلى المستشفيات ....؟ من الذي إشتراه ومن أي مصدر وما هو مقدار المبلغ المدفوع لهذه الصفقة ومتى وكيف تمت ...؟ وأسئلة أخرى كثيرة لا نريد أن نناقشها من هذه الزاوية . ولكن يمكن القول بكل بساطة بأن كل هذه ألأعمال لم تكن من واجبات الممرضات البلغاريات ولا الطبيب الفلسطيني . إن ما نرغب التطرق إليه هو النتائج التي تمخضت عنها المحاكمات التي جرت لهؤلاء المتهمين والتي انتهت بصدور أحكام ألإعدام بحقهم التي تم تخفيضها إلى السجن ألمؤبد من قبل العقيد وولي عهده , بعد وساطات وصفقات مالية تم ألإتفاق عليها بين ألإتحاد ألأوربي وولي العهد ألليبي على أن تحصل الحكومة الليبية على مليون دولار عن كل طفل متضرر, ولا أحد يعلم ما ستحصل عليه عوائل ألأطفال المتضررين . واستمرت المحاولات بعدئذ لإطلاق صراح المتهمين وإبعادهم عن ليبيا . وحينما نشطت الدبلوماسية ألأوربية ممثَلة بالدبلوماسية البلغارية والألمانية والفرنسية لتحقيق هذا ألأمر, رفض القائد ألليبي العربي المسلم القذافي أن يشمل قرار التسفير الطبيب الفلسطيني وحجته في ذلك أن التعامل جرى على سعر ألأوربيين فقط , أما هذا العربي الفلسطيني , الذي لا وطن له , فسيظل من حصة النظام الليبي لينفذ به ما يشاء من ألأحكام . وهنا بيت القصيد الذي يثير الشجون , إذ حينما إطلع الوسيط ألألماني وزير خارجية ألمانيا شتاينماير , ألذي تربطه علاقات صداقة مع ولي العهد ألليبي سيف ألإسلام , حينما إطلع على قرار العقيد القائد العربي المسلم, إتصل مباشرة بزميله ألبلغاري طالبآ منح الجنسية البلغارية للطبيب الفلسطيني كي يشمله ألإتفاق المالي المعقود بين القذافي والإتحاد ألأؤربي على إعتبار أنه من الجالية ألأوربية . وبالفعل فقد سارع وزير الخارجية البلغاري إلى تحقيق هذا ألأمر وأصدر فورآ جواز سفر بلغاري بإسم الطبيب الفلسطيني مع وثيقة رسمية من الحكومة البلغارية تؤيد التبعية البلغارية للطبيب الفلسطيني وتطالب بشموله بالإتفاق وتسفيره إلى بلغاريا إسوة بزميلاته الممرضات . وهنا لم يجد القائد المغوار وولي عهده سيف ألإسلام وفلتتة الزمان إلا ألإنصياع لهذا ألأمروتسفير الرجل إلى وطنه الجديد بعد أن لفظه وطن العروبة والإسلام . ومن راقب الحدث بالصوت والصورة فإنه لاحظ ولا شك كيف إستقبل والدا الطبيب الفلسطيني هذا النبأ وكيف تم نقلهما إلى بلغاريا لملاقاة ولدهما في وطنه الجديد . هذا درس أخلاقي قدمه ألألمان والبلغار , الكفرة !!! , إلى بعض دعاة ألأخلاق ألتي يربطونها بالدين ألإسلامي الذي يتبجحون به , وهم أبعد ما يكون عنه . فهل يرعوي مثل هؤلاء الدعاة يومآ ما......؟
أما ساحة الحدث الثاني فقد تجلت في أفغانستان وكان مخرجوها دعاة آخرون بالقيم والأخلاق الإسلامية من منظمة القاعدة ألإرهابية وفرسان ألإختطاف وتجار المخدرات . لقد وقع إختيار هؤلاء " المسلمون !!! على بعض المسيحيين من الكوريين الجنوبيين الذين لم يعرفوا التعامل مع أي نوع من السلاح سوى سلاح إيمانهم بمساعدة ألإنسان , أيآ كان هذا ألإنسان . لقد جاءوا إلى هذا البلد ليقدموا الدواء والغذاء للآلاف من أبناء الشعب ألأفغاني الذين أوصلهم حكم الطالبان إلى مستوى معيشة القرون البدائية , ثم منعوهم من أن يستفيدوا من مساعدة العالم لهم للنهوض بمستواهم الصحي والمعاشي والتعليمي حتى بعد سقوط نظامهم الوحشي . لقد إختطف المدججون بالسلاح من عصابات الطالبان أشخاصآ عُزَّل جعلوا من نكران الذات في مساعدة ألإنسان هدفهم في هذه الحياة . ألسلاح الوحيد ألذي كانوا يحملونه هو قنينة الدواء وضماد الجراح وقلوب عامرة بحب الإنسان , أي أنسان.
يُبرر الطالبان همجيتهم هذه بالتهمة الجاهزة دومآ والمتعلقة بالعمل التبشيري للمسيحية الذي يمارسه هؤلاء الكوريون . فإن كان ألأمر كذلك حقآ, فلماذا يتخوف هؤلاء الجهلة من ذلك إن كانوا يؤمنون بدينهم على أنه الدين الحق الذي لا يضاهيه أي دين آخر...؟ لماذا لا يواجهون التبشير السلمي بتبشير سلمي وإقناع منطقي والإسلام الذي يتبجحون به يدعوهم إلى كلمة السواء والجدال بالتي هي أحسن ...؟ إنهم إذ يلجأون إلى هذه ألأساليب البدائية أللاأخلاقية تجاه من جاء ليعين أبناء جلدتهم ويقدم لهم المساعدة على التغلب على مشاكل حياتهم التي سببها لهم الطالبان أنفسهم أثناء تسلطهم على حكم هذا البلد , فإنما يثبتون مرة أخرى أنهم لا يجيدون غير الجريمة التي أصبحت سمة من سمات أخلاقهم والعلامة الفارقة لدينهم وعقيدتهم .
هؤلاء , من يجلس منهم على كرسي الحكم أو من ينضوي تحت عصابات القتل والجريمة , يرددون في أهازيجهم بعض مقولات التراث الذي يتبجحون به ويتحدثون عن أخلاق ألأمة قائلين :

                وإنما ألأمم ألأخلاق ما بقيت             فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وكل من تعلم ألدروس ألأولى في ألأخلاق يعلم تمامآ أن تصرفات هؤلاء , أكانوا من الحكام أو من العصابات, تشير بكل وضوح إلى فقدانهم لأبسط مبادئ ألأخلاق . ألم يحن الوقت إذن لذهابهم إلى حيث هم فيه ينعمون , إلى قمامة ألشعوب تلاحقهم لعنة التاريخ......