السبت 28 /1/ 2006

 


 

ألإختطاف بإسم الدين 

 

د. صادق إطيمش 

مآسي ألإختطاف التي يعيشها العراق الجريح منذ أن حلّت العصابات السائبة ذات ألرداء ألأسود محل شقيقاتها البعثفاشية ذات الرداء الزيتوني بالأمس, ظلت الشغل الشاغل لكثير من العوائل العراقية في مناطق مختلفة من البلاد وليس بالضرورة في تلك المناطق التي تتحكم فيها عصابات ألإرهاب فقط , بعد أن فقدت الحكومة العراقية المحترمة سيطرتها حتى على المناطق التي لجأت إليها كالخضراء , وعلى وزاراتها ومؤسساتها وذويها وذوي ذويها . تحت ألظروف الإقتصادية المريرة التي يعيشها كثير من ألشباب ألآن وتحت ضغط البطالة التي تجاوزت في بعض المناطق من الوطن أكثر من سبعين بالمئة, أصبح ألعمل في صفوف العصابات التي تجوب الشوارع ألآن لتقتل وتحرق وتسلب وتنهب وتختطف مهنة العصر للبعض الذين لا يريدون أن تفوت عليهم هذه الفرصة الثمينة التي إختفت فيها ألأجهزة الحكومية المسؤولة عن حياة وأمن المواطن وإنخرطت لتنفيذ ما يخططه لها السياسيون المنهمكون بتثبيت مواقعهم الطائفية وتأمين محاصصاتهم المذهبية وتأمين روافد عنجهيتهم القومية وتقويم دعائم إصطفافاتهم العشائرية .

جرى تنفيذ عمليات ألإختطاف لحد ألآن على وتيرتين . الوتيرة ألأولى تتم على النطاق الداخلي والتي تتعرض لها بعض العوائل العراقية من قبل عصابات لا تخفي نواياها ألإجرامية بإعلان هدفها ألأساسي من عمليات ألإختطاف هذه وذلك عبر مطالبتها بالفدية المالية من ذوي الضحايا. وكثير من يتحدثون داخل القطر وخارجه عن ألأثرياء الجدد ألذين يتهافتون على تكديس ألأموال خارج الوطن على شكل سيولة نقدية أو عقارات أو شركات وهمية كتلك التي كان يديرها المراهقان المقبوران ومن لف لفهم من مجرمي النظام البعثفاشي الساقط . وليس هناك من يتحرى من ألحكومة المحترمة عن هذه الظواهر التي أزكمت روائحها النتنة أنوف حتى فاقدي حاسة ألشم , وسبب ذلك , كما أسلفنا , إنشغال ألحكومة وأجهزتها ألأمنية والعسكرية والمخابراتية بالمعارك الدائرة على سوح الطائفية والعشائرية والقومية .

إن برزو وتفاقم هذه الظاهرة داخل الوطن يظل موضع قلق المواطنين ألآملين بتغيير ألأوضاع يومآ ما نحو ألأحسن , بالرغم من كل المؤشرات التي تُقتع أبسط الناس يوميآ بأنها تسير نحو ألأسوأ, إلا أن ألأمل يظل يداعب الأجفان كسراب الصحراء الذي يداعب أجفان ألعطشى . لقد تحمل الإنسان ألعراقي طويلآ وقاسى كثيرآ وكان يأمل أن ينتهي عهد عصابات البعثفاشية إلى غير رجعة ولم يضع في حسابه يومآ أن تجوب شوارع مدنه عصابات ترتكب نفس الجريمة بحقه مما جعله يستعيد إلى ذاكرته ذلك المثل العراقي الشهير الذي لم يرَ ألتغيير إلا في ( جلال ) ألحمار.

أما ألمأساة التي تُعرِض العراق برمته , وليس المواطنين داخل الوطن وحسب , إلى سوء سمعته الدولية ووصولها إلى أدنى المستويات وربطها بالبدائية والهمجية من قبل كثير من الذين يتابعون أخبار إختطاف ألأجانب في العراق , فذلك أمر ليس بالهيّن الذي يمكن التخلص من نتائجه السلبية بسهولة وفي فترة زمنية قصيرة . والأنكى من ذلك أيضآ هو ربط هذه العمليات ألإجرامية بإسم الدين من خلال تبني منظمات لم تترك صفة دينية إلا وتغنت بها أمام آلات تصوير الفضائية القطرية الموالية للأرهاب , الجزيرة , والتي تنشرها على المستويات العالمية ليصبح العراقي خاصة والمسلم عامة ليس إلا واحدآ من طينة هؤلاء المختطِفين في نظر مواطني الدول المضيفة لملايين العراقيين والمسلمين الهاربين من جحيم أوطانهم ألإسلامية إلى جنات أوطان ( ألكفر والإلحاد ) كما يحلو لبعض المعممين تسمية الدول التي تكفلت هؤلاء لعشرات السنين , في الوقت الذي لفظتهم به دول ( ألأخوّة العربية ألإسلامية ) . ألأسماء ألدينية المختلفة التي تطلقها عصابات جرائم أختطاف ألأجانب بالعراق على نفسها تقود كل ذي بصيرة إلى كثير من ألتساؤلات التي لم تزل غامضة وليس لها من جواب . لماذا إختيار الدين وربطه بالإرهاب والخوف والجريمة , بحيث تجعل حتى مَن له أدنى رغبة من ألأجانب بالتعرف على هذا الدين , ناهيك بالإنضمام إليه , أن يبتعد حتى عن مجرد ذِكر إسمه .....؟ هل يتم ربط أسماء هذه المنظمات ألإرهابية بمسميات إسلامية عن عقيدة وقناعة من قبل هذه المنظمات التي تعتقد أن ألإسلام هو دين ألسيف والبطش والقوة , كما ينظر لذلك بعض المتفقهين , قبل أن يكون دين الرحمة والمحبة والعدالة ألإجتماعية ....؟ ربما سيجيب البعض بتلك ألإجابة التي باتت تثير التقيؤ والغثيان لكثرة تكرارها والتي تؤكد دومآ بأن ألإسلام وتعاليمه السمحاء من كل ذلك براء . وربما سيبادر بعض رجال الدين إلى تكرار إستنكار مثل هذه ألأعمال ألإجرامية التي تسيئ إلى تعاليم الدين ألإسلامي الحنيف وشجبها والتبرؤ منها والدعوة إلى عدم تكرارها وإجتنابها . وهذا ما رأيناه وسمعناه فعلآ من قبل بعض رجال الدين . ولكن هذا ألأمر بدوره يفتح أمامنا أبوابآ للأسئلة والإستفسارات أكثر من ذي قبل . فإن صح ما يدعيه هؤلاء ألأخيار من رجال الدين برفضهم لكل صور ألإرهاب بما فيه ألإختطاف , فلماذا وكيف يجري ألإستمرار على هذه ألأعمال الإجرامية التي يندى لها جبين كل من يحمل صفة ألإنسانية دون أن يكون مرتبطآ بأي دين أو عقيدة سماوية كانت أم وضعية ....؟ هل أن الخاطفين لا يعيرون أي إهتمام لنداءات شيوخهم , وإن كان هؤلاء ليسوا بشيوخهم , فمن هم شيوخ هؤلاء المجرمين يا ترى ولماذا لا يتحرك شارع الدين الحق لفضح هؤلاء المتسترين على الخاطفين بل وإعلان الحرب عليهم علنآ بإعتبارهم يسيئون إلى المبادئ السامية للدين ألإسلامي الحنيف.....؟ وكيف نفسر الظاهرة التي تكررت في كثير من عمليات إختطاف ألأجانب بالعراق إلى لجوء ممثلي الدول المفاوضين على تحرير رعاياهم إلى جهات تدعي القيادة الدينية للتفاوض معها حول الفدية التي ستُقدم لإخلاء سبيل ألمختطَفين.....؟ ألا يحق لكل عراقي أن يتسائل عن ألإجراءات الحقيقية الفعالة , لا ألإستنكارات الورقية والتصريحات الدونكيشوتية , التي إتخذتها المؤسسات الدينية والقائمين عليها لإعطاء الغير صورة أخرى عن الدين الذي هم عنه مسؤولون بإعتبارهم من ذوي الخبرة والإختصاص وبإعتبار إن ذلك من إحدى الواجبات الرئيسية الملقاة على عاتقهم.....؟

لم يعد ألأمر يحتمل أكثر من هذا السكوت وهذه أللاأبالية , ولا يوجد هناك أي أمل على المستوى القريب بأن تسير ألأمور بالعراق على الشاكلة التي كان يرجوها المواطن بعد سقوط البعثفاشية , ولم تُجد كافة ألإجراءات التي إتخذتها الجهات الحكومية والدينية لإنقاذ أهل الوطن بالداخل وسمعته بين شعوب ألأرض خارج الوطن , بل أن ألعكس هو ألصحيح حيث أصبح الوضع المأساوي المنفلت في عراق اليوم ورقة رابحة بيد الحكومات الشمولية وأجهزتها القمعية في المنطقة تكبح بها جماح أي حركة تحرر من القمع الدكتاتوري مشيرة إلى الوضع بالعراق الذي ينتظر, كم يزعم الجهاز الدعائي لهذه ألأنظمة المتهرئة , كل من يريد التغيير ويسعى إلى الخلاص والتحرر.


موقع الناس     http://al-nnas.com/