موقع الناس     http://al-nnas.com/

قمة الجامعة العربية في الخرطوم.. وهل يُصلح ألعطار ما أفسد الدهر.؟

 

د. صادق إطيمش

الأحد 26 /3/ 2006

مؤتمر القمة القادم للجامعة العربية في الخرطوم سيبحث, من جملة ما يبحثه من مواضيع عربية آنية ,الوضع بالعراق وسيدعو , حسب إشاعات وكالات ألأنباء , إلى بذل الجهود لمساعدة العراق على الخروج من المأزق الذي يعيشه اليوم والمتمثل بإستفحال قوى ألإرهاب التكفيرية والبعثفاشية والطائفية التي تسعى إلى عرقلة المسيرة الديمقراطية التحررية لشعب عانى من ويلات التسلط الشوفيني البعثفاشي الأعمى على مدار أربعة عقود من الزمن.
لا نريد أن نستبق ألأحداث والتنبؤ بما سيفرزه هذا المؤتمر إنطلاقآ من إفرازات مؤتمرات كهذه لمنظمة كهذه المنظمة, إلا أن كل من له أدنى معرفة بتاريخ الجامعة العربية والظروف التي إكتنفت تشكيلها وطبيعة عملها طيلة مدة وجودها يعلم تمامآ بأن هذه المؤسسة هي مؤسسة للحكومات العربية قبل أن تكون للشعوب . فإذا علمنا مدى سعة الهوة التي تفصل الحكومات العربية عن شعوبها علمنا بمدى إبتعاد هذه الجامعة العربية عن الشعوب التي تتبجح , وبصفاقة أحيانآ , بتمثيلها في المحافل الدولية وفي مجمل نشاطها ألإعلامي . ولا نريد سرد ألأدلة لتبرير ذلك , إذ أن دليلآ واحدآ فقط في هذا المجال يغنينا عن السرد وهو القرار الذي تتبناه الجامعة العربية منذ تأسيسها بعدم السماح للعاملين في مؤسساتها ذات الطبيعة الدبلوماسية أو ألإدارية الهامة دون موافقة حكومات هؤلاء والسماح للجامعة العربية بإستخدامهم في مؤسساتها . وإنطلاقآ من هذه ألإلتزامات التي تربط هذه الجامعة بالحكومات ,إتخذت مواقفها بالنسبة لتحرير العراق من الحكومة البعثفاشية التي تجاوزت علاقتها بها محاور العلاقة الحكومية التقليدية لتصب في مجرى العلاقات المرتبطة بالمنافع الشخصية بين بعض المتنفذين بها وبإعلامها حكومات وأفرادآ وبين النظام البعثفاشي المقبور بالعراق , وكوبونات النفط أوضحت جانبآ واحدآ فقط من جوانب مثل هذه العلاقات . وإستنادآ إلى كل ذلك تلكأت الجامعة العربية طويلآ بإتخاذ الموقف المؤيد للعراق الجديد بعد تحريره من البعثفاشية وكانت صدمتها قوية جدآ بحيث إستهانت بالمبادئ التي وضعتها بنفسها وفقدت توازنها فاستقبلت , وربما لأول مرة , وفود ما يسمى بالمعارضة العراقية للعراق الجديد والتي كان يقودها زملاؤهم بالأمس من البعثيين الملطخة أياديهم بدماء الشعب العراقي . لقد كان عدم لقاء ممثلي الجامعة العربية مع أي وفد من وفود المعارضة العراقية للبعثفاشية طيلة سيطرة هذا الحكم الجائر على ربوع وطننا ينطلق أساسآ من مبادئ عملها القاضية بعدم جرح مشاعر أعضاءها من الحكومات العربية العتيدة . إلا أنها سرعان ما تجاهلت هذا المبدأ بعد سقوط النظام البعثفاشي بالعراق
ثم إستمر موقف الجامعة العربية هذا من العراق الجديد والذي لم يتجاهل التحريروحسب بل سعى إلى التأليب والتشويه ونشر ألأكاذيب التي كانت تنشرها فلول البعثفاشية المنهارة . أذ أن التلكؤ والتباطئ المقصود بإرسال أي ممثل للجامعة العربية إلى العراق الذي يشكل أحد ألأعضاء الرئيسيين في تمويل هذه المؤسسة كان يُفسَر دومآ بأسباب ألأمن الذي تربطه هذه الجامعة بما يسمى بالمقاومة التي أعمت عيون العاملين بها عن ألإرهاب الذي يعاني منه الشعب العراقي والمتمثل بالقتل والذبح والإختطاف وترويع الناس ألآمنين وتخريب الإقتصاد وتدمير المؤسسات الخدمية بحيث لم نسمع , إلا في وقت متأخر جدآ, عن أية إدانة مباشرة أو غير مباشرة لمثل هذه الجرائم بحق الشعب العراقي .

ولكن لماذا العجب لكل ذلك , فقد سبق القول بأن هذه المؤسسة هي مؤسسة حكومات , فكيف نطلب منها أن تقف إلى جانب الشعب العراقي إذن....؟

وأخيرآ وبعد مرور ثلاث سنين على تحرير العراق إنتبهت هذه المؤسسة إلى الحقيقة التي لم تهضمها بعد ألا وهي وجود عراق غير ذاك الذي كان بالأمس , عراق تختلف طبيعة الحكم فيه عن العرف العربي السائد القائم إما على حكومات القهر والإضطهاد أو على الكذب والتزوير أو على كليهما معآ . ولم تجد جامعة الحكومات العربية هذه بدآ من العمل والتعامل مع العراق الجديد هذا بعد أن رأت أن هناك أرادة عراقية شعبية حقة على مواصلة المسيرة الديمقراطية رغم ألإرهاب ورغم العزلة التي حاولت هذه الجامعة فرضها على ارادة الشعب العراقي هذه . فجاء أمينها العام ليستطلع الوضع الذي تعامى عنه لمدة سنتين ونصف وليجد مدخلآ يستر به ما تبقى من ماء الوجه وليدعو إلى ما أسماه , وما أطلق عليه من قبل بعض أصدقاءه القدامى , بالمصالحة الوطنية . لقد عبر ألأمين العام لجامعة الحكومات العربية عن موقفه صراحة وعما يعنيه بالمصالحة حينما بادر , وبتعمد مقصود , إلى إعطاء ما يسمى بهيئة علماء المسلمين صفة رسمية بزيارته لها وهو يعلم تمامآ ما هو دور هذه الهيئة التي ساهمت وبشكل مباشر في عمليات الإختطاف التي كانت معظم أموال الفِدية , خاصة بالنسبة للمُختَطَفين ألأجانب , تُدفع عن طريقها فأراد بذلك عدم التنصل عن سيرة منظمته التي ظلت تداري هواها للحبيب البعثفاشي المفقود عن طريق أكثر الناس إلتصاقآ به , وليس أفضل من هؤلاء العلماء المسلمين الجدد من يحقق ذلك ,ولم يعكر صفو لقاءه بهم تبديل زيهم الذي إنقلب من زيتوني ألأمس إلى عمامة اليوم . لقد أراد ألأمين العام لجامعة الحكومات العربية بلقاءاته هذه إيصال رسالة , ربما غاب فهمها عن البعض , محتواها توجه الجامعة ورغبتها بإشراك البعثفاشيين في المؤتمر الذي عقدته هذه الجامعة فعلآ في القاهرة تحت واجهة المصالحة الوطنية أو الحوار أو الوفاق الوطني .

مؤتمر الخرطوم القادم الذي سوف لن يأتي بما يختلف عن المؤتمرات السابقة التي إقتصرت على إبراز العضلات التي كانت مدار نكات بعض المشاركين على البعض الآخر وحفلت بالولائم التي أثقلت الكروش المتهرئة , هذا المؤتمر بالرغم من هزالته وإفلاسه لابد وأن يطرح فيه ممثل العراق الجديد الذي سيكون الوحيد الذي يمثل شعبه حقآ وحقيقة أسس العمل الهادفة إلى إرغام جامعة الحكومات العربية على فهم موقف الشعب العراقي الذي لفظ البعثفاشية وليس هناك أية قوة عربية كانت أو غير عربية قادرة على إيقاف مسيرة التاريخ العراقي الجديد الذي لا مكان فيه للنهج التسلطي القمعي الذي تمارسه الحكومات العربية داخليآ وتضطلع به جامعتها خارجيآ . الموقف العراقي الموحد من أمر كهذا هو إيفاء لبعض الديون التي في رقابنا لشهيدات وشهداء شعبنا الذين عصفت البعثفاشية بأرواحهم الطاهرة في العقود ألأربعة الماضية .
لا نريد أن نكون قساة على هذه المؤسسة الحكومية العربية , فلا نمنحها الفرصة لتكفرعن بعض سيئاتها تجاه الشعب العراقي ولتسترد بعض ما فقدته من ماء الوجه , وذلك برفضنا الأساسي والفوري للمشاركة في مؤتمراتها وفعالياتها , إلا أن المشاركة يجب أن تكون مشروطة من قبلنا , نعم مشروطة بعدم إشتراك كل من أجرم بحق الشعب العراقي والوطن العراقي بأجمعه في مثل هذه اللقاءات التي لا يرتضي أي إنسان عراقي شريف لنفسه أن يجلس فيها وجهآ لوجه مع قتلة ومختطفي ومشردي ومرعبي إخوته وأخواته وأطفاله ومخربي إقتصاده الوطني ومن يضعون العصي في عجلة تقدمه وإزدهاره ولحاقه بركب العالم المتحضر المتحرر الذي حرمته منه البعثفاشية لأربعة عقود مضت . ولنضع أمام الجامعة هذه إرادة الشعب العراقي الذي سوف لن يسمح بإعادة البعثفاشية على أرضه أو أي نوع من ألأنظمة التسلطية القمعية التي تباركها هذه الجامعة يوميآ , ولنقل لهم بما لا يقبل التأويل وسوء الفهم : هكذا قرر الشعب العراقي وتلك هي إرادته التي سيستجيب لها القدر حتمآ .

إرادة ألشعب العراقي هذه ربما ستكون المبادرة ألأولى التي يطرحها ممثلون حقيقيون منتخبون إنتخابآ ديمقراطيآ من قبل شعوبهم أمام قمة من المتسلطين على رقاب شعوبهم , هولاء الذين يتوجه لهم صديقهم بالأمس وولي نعمة بعضهم , الجرذ المذعور حتى في زنزازته , برسالته إلى زملائه القدامى لنصرته ونصرة عصاباته السائبة التي تستمر الآن بننشر الذعر والرعب بين الناس ألآمنين بوجوه قذرة ملثمة بعار الجريمة التي مارستها أربعة عقود من التاريخ الأسود. إرادة الشعب العراقي هذه يجب أن تدركها وتعيها هذه الجامعة , ولتبرهن مرة واحدة على ألأقل على أنها تستطيع أن تقف إلى جانب الشعوب أيضآ , فإن لم تفعل فإن مصير قمتها هذه سوف لن يختلف عن مصير القمم ألأخرى التي آلت إلى قمامة التاريخ.