| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الخميس 25/12/ 2008



التجارة بالأصوات الإنتخابية ...تجارة خاسرة

د. صادق إطيمش

في خطبة الجمعة الماضية تطرق سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي ، ممثل السيد السيستاني إلى موضوع هام من المواضيع التي رافقت الإنتخابات السابقة حيث أعلن سماحته بعدم جواز شراء الأصوات الإنتخابية موضحاً ذلك بوجود مَن " يبذلون المال لشراء اصوات الناس وهذا ما يُعد محرماً على الطرفين ويمثل خيانة للوطن والضمير والدين " .

طبعاً لم يكن من الممكن التطرق إلى هذا الموضوع من قبل سماحة الشيخ لو لم تكن هناك سوابق لهذا التصرف المشين الذي مارسته بعض القوى السياسية في وطننا والتي يتشدق بعضها بالتزامه بالدين وتعاليمه . إن بعض هذه القوى من الإسلام السياسي لم تكتف باستعمال هذه الطريقة في رشوى الناخبين ، بل انها فرضت عليهم القَسم الديني ( حِلف اليمين ) بأن لا يخل المرتشي بالإتفاق ويعطي صوته لغير الجهة التي إستلم منها ثمن صوته . إن هذا التخلف الفكري في ممارسة ظاهرة ديمقراطية وظفتها كثير من شعوب الأرض لتطوير وتحسين أساليب حياتها ، يدل لا على تخلف القائمين به ، بل وعلى جهلهم المطبق بأهمية الإجراءات الإنتخابية الديمقراطية في حياة الشعوب . ربما لم يسمعوا بذلك خلال العقود الأربعة التي مارست فيها البعثفاشية تسلطها القمعي على وطننا واهلنا . إلا انهم يعيشون منذ اكثر من خمس سنين عملية سياسية يدّعون الحرص على تطورها بالإتجاه الديمقراطي ، والإنتخابات الحرة النزيهة هي إحدى المؤشرات الهامة لهذا التوجه ، فلماذا يجري التجاوز عليها والإخلال بها إذن..؟ ومن هي القوى المصرة فعلاً على سلوك هذا الطريق..؟ وماذا يمكن ان تجنيه هذه القوى من كل ذلك..؟

أما لماذا يجري التجاوز على العملية الديمقراطية والإخلال بها فإن ذلك نابع من المستوى الفكري والثقافي لهذه القوى ، ذلك المستوى الفكري والثقافي المتدني جداً والذي لا يرقى إلى فهم العمل الجماهيري الديمقراطي القائم اساساً على مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل المقابل ، كل ذلك في ظروف سلمية وضمن إمكانيات قد تكون متساوية او متباينة ، إلا ان مجالاتها متوفرة لكل من يريد المساهمة في هذه اللعبة الإنتخابية التي لها قواعدها وشروط تحقيقها الخاصة بها.

أما طبيعة القوى المّصرة على إتباع هذا الطريق فهي تلك القوى التي وجدت في التجارة بالأصوات الإنتخابية خلال الإنتخابات السابقة تجارة مربحة إقتصادياً فعلاً . لقد أصبح بعض مَن وصلوا إلى البرلمان أو إلى مجالس المحافظات من ذوي الثروة والسلطة بالرغم من عدم توفر أية مؤهلات وقابليات لديهم لإحتلال مثل هذه المواقع في سياسة الدولة العراقية الجديدة . إن كل مؤهلاتهم تنحصر بانقيادهم التام إلى قادة أحزابهم وتجمعاتهم وتنفيذ كل ما يخططون له سواءً تعلق ذلك بتقسيم الأموال على الناخبين وشراء أصواتهم أو بالإنخراط في تدبير وتخطيط وتنفيذ كل ما من شأنه الإطاحة بالخصم السياسي او الديني وبإية وسيلة كانت ، حتى قاد بعضهم ما يستطيع عليه من قوى ميليشيات حزبه أو تنظيمه ليواجه بها الآخرين ، ولا يهم إن كان هؤلاء من مذهبه أو طائفته أو قوميته ، إذ ان مثل هذه المفاهيم لم يعد لها وجود في فكرهم المتخلف ما دام التجاوز على مفهوم الوطن والمواطنة لم يعد يعني شيئاً بالنسبة لهم .

ماذا يمكن أن تجنيه هذه القوى من تزوير العملية الإنتخابية من خلال ممارسة التجارة بأصوات الناخبين..؟ قد يجعل بعضهم التجربة السابقة " الناجحة " في شراء الذمم ، مثالاً يقتدي به لتحقيق الوصول إلى نفس الهدف . ومن الممكن ان يتحقق بعض او كل هذا الهدف ، إذا إستمر العمل بهذه التجارة دون ان يُتخذ اي إجراء مضاد لإيقافها . إلا أن المؤكد في الأمر بأن هذه التجارة ستكون تجارة فاشلة كاسدة خاسرة عاجلاآ أم آجلآ .

إنها تجارة غير رابحة سياسياً لأن القائمين بها سوف لن يستطيعوا تحقيق اي هذف سياسي يصب في مجرى التوجه الديمقراطي الجديد ويتناغم مع العملية السياسية التي يرجو لها ومنها المواطن كل ما هو جدير بتقدم الوطن وازدهاره وخير اهله . إنهم لن يستطيعوا تحقيق ذلك مستقبلاً تماماً كما عجزوا عن تحقيقه في السنين الخمس الماضية التي وضعوا أنفسهم فيها ضمن المواقع القيادية في الوطن . إن مَن وصلوا إلى هذه المواقع عن طريق شراء الذمم والتجارة بالأصوات الإنتخابية يجدر بهم أن يتعظوا من فشلهم هذا ، إن كانوا يمتلكون ولو جزءً يسيراً من تأنيب الضمير ، وأن يتعظوا بانهم لم ولن يكونوا أهلاً لمثل هذه المهمات التي تتطلب الخبرة السياسية ومقداراً من الثقافة والقابليات التي ترتبط بهذه الثقافة لتتحقق فعلاً مقولة الشخص المناسب في المكان المناسب .

وإنها تجارة غير رابحة وكاسدة إجتماعياً لان الشعب العراقي برمته قد أدرك عمق المأساة التي قادته إليه هذه الفئة التي تاجرت بمستقبله وبإمكانيات تطوره وتقدمه بالعملية السياسية وذلك من خلال تلاعبها الفض واللامسؤول بواحد من أهم المبادئ التي كان المجتمع برمته يتطلع إلى تحقيقها بعد زوال النظام البعثفاشي المقبور . لقد أوصلت هذه التجارة البائسة بالأصوات الإنتخابية ، إضافة إلى كثير من الإجراءات الفاشلة الأخرى التي سببها جهل القائمين بها في مختلف شؤون الوطن ، أوصلت الشارع العراقي لأن يضع المقارنات بين النظام القائم الآن بعد سقوط الدكتاتورية وبين النظام الدكتاتوري نفسه . وهنا يكمن الخطر الشديد الذي لا يمكن تجاوزه والسكوت عنه ، وما على الناخبين إلا التوجه نحو صناديق الإقتراع وإلغاء هذه المقارنة الخطرة ، وذلك لن يتم إلا من خلال إيصال ألأكفاء إلى المراكز القيادية في الدولة ، وإلا من خلال إنتخابات حرة يضع فيها الناخب ضميره على ورقة الإنتخابات قبل ان يخط عليها هذا الرقم أو هذا الإسم أو ذاك .

وإنها تجارة فاشلة إقتصادياً ، حتى وإن بدت بأنها قد أتت بالثروات الطائلة على منفذيها سابقاً ، ويعتقد هؤلاء بأنها ستحقق نفس المردود الإقتصادي من مال وعقارات لاحقاً . إن هذا المردود ألإقتصادي البائس ، رغم كثرته ، سوف لن يقلل من إحتقار الناس لهم والنظر بعين ألإنتقام إليهم . إن أموالهم وعقاراتهم وكل ما جمعوه بهذه الطرق البدائية الهمجية التي إستعملوا فيها كرامة ألإنسان بضاعة يتاجرون بها مستغلين حاجة البعض إلى المال ومن خلال تمرير بعض الطروحات الدينية كحلف اليمين أو طلاق الزوجة أو ما شابه ذلك من التصرفات الجاهلة والبدائية ، إن كل ذلك سوف لن يحعلهم يهنأون بما جمعوه من خلال هذه الطرق الملتوية ، أللهم إلا إذا إنعدمت ضمائرهم تماماً وذابت شخصياتهم بين ما جمعوه من مال وعقار . فإن كان الأمر كذلك فمثل هؤلاء لا يحتاجهم الشعب والوطن الذي يراهن على بناته وأبناءه المخلصين الذين لا زالت ضمائرهم وأفئدتهم ترتبط بالوطن وأهله.

وإنها تجارة خاسرة دينياً لأنها تعتبر في عداد الرشوة والتداول بالمال بطريقة غير شرعية . وهنا لابد لنا من التوقف قليلاً لدى بعض أو أكثر ، إن لم نقل كل ، ألأحزاب التي وضعت الشعارات والصور الدينية كدعاية إنتخابية لها والتي سلكت هذ الطريق المُحرّم دينياً ولم تأبه بما صرحت وأفتت به المرجعيات الدينية في هذا الصدد . ونحن الآن أما فتوى جديدة وطازجة من إحدى المرجعيات الدينية الكبيرة ، مرجعية السيد السيستاني ، التي تعتبر التجارة بالأصوات الإنتخابية مُحرّمة ويتحمل تبعاتها الدينية البائع والمشتري على حد السواء . أي ان القائمين على هذه التجارة يجب ان لا يوغلوا في أمر كهذا لا يقره الدين الذي يتبجحون بالإلتزام به وبتعاليمه التي تمنعهم عن ممارسة هذا العمل الحرام . كما انه يجب على بائعي أصواتهم ان يكونوا على بينة من الأمر بتحملهم النصف الآخر من المسؤولية ، ليست الدينبة فقط ، بل والسياسية والإجتماعية أيضاً ، في حالة بيعهم لأصواتهم الإنتخابية والتصرف بما لا يرضي ضمائرهم ولا يصب في مصلحة الوطن.

ما نخشاه أن تلاقي هذه التصريحيات من قبل ممثل السيد السيستاني التجاهل التام من قبل تجار الأصوات الإنتخابية ويجري التعامل مع مثل هذه الأقوال التي تُعد في عداد الفتاوى الدينية ، تعاملاً شبيهاً بما جرى مع تصريحات وفتاوى مشابهة أخرى تنكر لها مَن يدعي تقليد هذه المرجعية والعمل بوصاياها . لقد كان لنا بفتاوى عدم الذهاب إلى الحج ، على سبيل المثال ، حينما يمر البلد بأزمة تستدعي حضور النواب في محلات عملهم ، مثلاً واضحاً في تجاهل مثل هذه الفتاوى إذا كان الجشع ، وليس إداء فريضة الحج، هو المحرك الأساسي لمثل هذه التصرفات اللامسؤلة التي أدت بهم إلى التنكر لما أفتت به مرجعياتهم .


 

free web counter