نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

السبت 25/3/ 2006

 

 

 

إثنان وسبعون آذار...

 

د. صادق إطيمش

حبك يا آذار حب الربيع الذي لا يفارق القلوب , حب الخضرة والجمال , حب الطيور الوافدة من غربتها لتعانق الوطن والأهل والرفاق , حب العاشق المغرم بحبيب لا يقوى على جفاءه, المتلهف دومآ للقاءه المشدود أبدآ إلى وفاءه . وكيف لا يكون الوفاء لحبيب كآذار, آذار العراق, آذار موسيقى النهرين الخالدين ولحنهما ألأزلي الذي رددته وستظل تردده الجبال الشماء وذرى البطحاء .

زغاريدك يا آذار لم تزل تصدح بها الربابة فيرددها الناي كما كان ذلك قبل وقبل التاريخ الذي يؤرخ به العراقيون أعمارهم بأقل مما هي عليه فعلآ لتظل روح شبابهم زاهية مزدهرة دومآ, فكيف لا يكون ذلك معك يا آذار العراق وأنت العراقي ألأصيل الذي ما زال وسيبقى يعيش روح الشباب وينشد أناشيدهم حتى وإن بلغ من العمر عتيا , فعمر آذار تأبى أن تحتويه ألأيام والأشهر والسنين , فآذار العراق نشأ وترعرع وشبَّ مع العراق وسيظل يتناغم ونبضات قلب العراق , وليس لهذه النبضات مِن توَقف.

بيارق جنودك يا آذار تخفق مع خفقات قلوبهم , تردد ذاك النشيد الذي هد مضاجع الطغاة وعكر صفو حياة الجبابرة وأربك كل من لم يفقه ما تريد تحقيقه بنشيدك ألأزلي هذا , فتصدى لك الجبابرة الطغاة عن علم ودراية بما يفعلونه , وتصدى لك مَن سار خلفهم وربما عن علم ودراية أيضآ بما هم عليه قادمون . فماذا حصدوا وماذا حصدت يا آذار..؟

شموخك وتألقك كان حصادك الدائم يا آذار العراق , وسيظل حصادك هذا ما بقيت ألأرض التي نشأتَ عليها , الأرض التي شربتَ فارتويتَ من مياهها وتنفستَ عبيرها , ستظل هذه ألأرض الطيبة الكريمة المعطاءة تعطيك وتعطيك لأنها لم تر منك غير الوفاء لها, وسيظل عطاءها هذا , رمز الوفاء بينك وبينها , باقيآ ما دام بقاؤها, وستظل تحنو على وليدها الوفي .

ينابيع هذه ألأرض الطيبة المعطاء , يا آذار , لا تجف لأنها تحتفظ بخزينها في غور أعماقها , فلا تنال منها معاول الحاقدين ولا تطالها أيدي العابثين التي حاولت وحاولت إلا أنها تعود في كل مرة من حيث أتت بائسة كسيرة , لكنها تظل حاقدة وتظل أحلامها الشريرة تراودها كلما رأت آذار ينهل من هذه الينابيع ليقوم بعد كل كبوة , فلا خوف عليك إذن في أحضان أم كهذه يا آذار العراق .
وعيك يا آذار بما تنوء به من حِمل تجاه هذه ألأرض المعطاء وسهرك عليها وحرصك على سعادة أهلها ومن يحنو عليها مثلك , جعلك في مرمى سهام الحاقدين عليها مهما كثرت تبجحاتهم ومهما إختلفت أساليبهم , فأنت وأبناؤها المخلصون الطيبون يا آذارلا ترضون بهوان أم كهذه ولا تتهاونون ببذل الغالي والنفيس من أجلها , وهذا هو التاريخ يشهد لكم بذلك .
عظمتك يا آذار تتجلى بأروع صورها حينما تنهض بعد كل محاولة خسيسة بائسة تريد النيل منك ومن أرضك ألكريمة الحنون , من أرض العراق , أرض دجلة الخيروفرات العطاء , تنهض لتصرخ مرة أخرى بوجه الحاقدين , أعداء ألأرض والفكر...هاأنذا...هاأنذا, خسئتم وخابت فعالكم , فأرض كهذه لا تنال منها الوحوش حتى وإن وَجدت فيها جحورآ تحويها لحين أو بعض حين , فعيون آذار وصحبه وأهله تترصدكم دون كلل أو ملل وشمس آذار تكشف ظلمات مخابئكم مهما طال بقاؤكم فيها .

يومك هذا الذي يعود علينا هذا العام , تمامآ كما كان يعود كل عام ومنذ إثنين وسبعين عامآ , يا آذار الفكر والعطر , سيظل يعود ويعود لأن الفكر لا يتوقف عند مكان ولا يختزله الزمان مهما طالت سنينه وتشابكت أحداثه . الفكر , نتاج العقل البشري الذي زود ألإنسان بالوعي الذي نقله عبيقك , يا آذار, إلى حقول الفلاحين وصرائف المعدمين ومصانع العاملين ومكاتب شغيلة الفكر وحملة القلم .

عنفوانك عراقي أصيل يا آذار, وكيف لا يكون كذلك وأنت ألإبن البار الذي لم تنظر عينه لغير العراق ولم ينشد نشيده إلا لحرية العراق وسعادة أهل العراق , العراق الوطن , العراق ألأرض والمياه , الجبال والبراري , القبج والخضيري , الجوز والبلوط , عراق ألأديان والحضارات والأجناس والقوميات الذي لم يعرف ما ينادي به تجار سياسة هذه ألأيام في أسواق تجارتهم التي سيكتب لها الكساد حتمآ حتى ولو بعد حين , فتتفتح زهور آذار وتنتعش مرابع أرض آذار بعبيق عراق آذار الذي لم ولن يحمل غير عطور المحبة والإلفة لكل من يتجه نحوه لينضوي بين جناحيه فيظل ما ينفع أهل الوطن العراق في ألأرض , أما الزَبد فيذهب جفاء , وهذه إرادة التاريخ .

روعة أفكارك يا آذار تتجلى بذلك اليم الزاخر بالبذل والعطاء , لقد أصبح شعارك لفداء أرضك منقبة تتغنى بها ألأجيال التي عرفتك سخيآ كريمآ تجود ببناتك وبنيك بشيبك وشبابك دون عزة وحرية الوطن , عزة العراق , ودون سعادة أهلك , أهل الوطن , أهل العراق . فهل من وسام أشرف من هذا الوسام يا آذار ألفداء , آذار ألشهداء....؟
آفاقك يا آذار لا تعرف الحدود , فسعتها سعة فكر ألإنسان الذي ساهمتَ بإغناءه حينما رفدته بنبذ إستغلال ألإنسان للأنسان كعبد مأمور أو عامل مأجور أو فلاح مقهور, وقفت أمامهم يا آذار لتدفع عنهم كيد من لا يعرف غير المال دينآ وألإستغلال طريقآ لسبر أغوار الحياة , فحفزت فينا جميعآ الهمم التي أيقظها فكرك المُنير بإشعاعه الأممي وإبداعه الوطني حتى تعانقت قلوب تنبض سوية في الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب , لا ترى في أللون والعرق والدين والطبقة ما ينغص صفو هذا أللقاء وما يقف أمام هذا العناق .

قوتك التي لا تقهر يا آذار, رغم كل ما بذلوه لقهرها , وإرادتك التي لا تلين , رغم كل ما إبتكروه لليها , طبعتَها على صدور بناتك وأبناءك , شيبك وشبابك , فأحتضنتها أفئدة أجيال تعاقبت وسيظل التاريخ يدور ويدور عاصفآ كان أم هادئآ , مشرقآ ام عابسآ , والأجيال تتوالى وأنت تدورمع كل عصر وتتعانق مع كل جيل , دون كلل أو ملل , فقوتك لا تكل وإرادتك لا تمل , طالما ظل نهجك نهج الحرية والسعادة , حرية الوطن وسعادة أهله .

يومك الثاني والسبعين هذا , يا آذار , يتواصل به ربيع الحياة , يتعانق مع دفئ شمس الفجر, يتناغم مع صدح البلابل العاشقة , يُقبل شفاه البراعم المتفتحة توآ لتجود لك برحيقها , أيها الحبيب الذي عودها أن يكون أول من يغني لها نشيد الربيع ألأزلي , نشيدك يا آذار, فتصدح معك حناجر كل من يكره العتمة وكل من علمتَه , يا آذار, كيف تُزال ألظلمة وستظل هذه الحناجر تصدح وتصدح في هذا الربيع كما كانت وكما ستكون في كل ربيع .