| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الثلاثاء 24/8/ 2010



بغداد ـ برلين

د. صادق إطيمش

وليس برلين ـ بغداد ، ذلك الخط الحديدي الذي ساهم الألمان ببناءه لتسهيل إيصال الشرق بالغرب إقتصادياً . أنه خط بغداد ـ برلين الثقافي الذي أنشأه العراقيون لينقل الثقافة العراقية من العراق إلى ألمانيا . وللمرة السادسة على التوالي نقل هذا الخط الذي أسس له وقام ولا يزال قائماً على صيانته وديمومته نادي الرافدين الثقافي في برلين حيث أعدَّ ونفذ " مهرجان أيام الرافدين الثقافية العراقية السادس في برلين " للفترة بين الثامن عشر والحادي والعشرين من شهر آب الجاري ، والذي حرص فيه هذا النادي العراقي على أن ترفد بغداد برلين بمثقفيها الذين توافدوا منها أو من مناطق شتات العراقيين البعيدة عنها والذين حملوا معهم أنفاس بغداد وشذى عطرها ورموز ثقافتها لتنتعش بها اجواء برلين التي ظلت لأربعة أيام متتالية تعيش هذا العرس العراقي ألأصيل بكل ما ضمه من أدب وفن وعلم.

الثقافة العراقية التي عكسها الفنانون والموسيقيون والمسرحيون والشعراء والكتاب والأدباء العراقيون على أرض برلين وذلك من خلال ما قدموه من نتاجات فنية وشعرية وموسيقية وتاريخية وأدبية ، برزت إلى العالم بثوبها الذي عُرفت به كثقافة إنسانية أصيلة هدفها التنوير والتلاقح والتواصل مع حضارارت العالم التي يريد البعض من أشباه المثقفين اليوم إبعادها عن هذه الأجواء التي لا يمكن لأية ثقافة تنحى المنحى الإنساني التقدمي إلا وترتبط بها وبمفاهيمها وفلسفتها . ولقد تبلورت هذه الثقافة العراقية وبرزت في لقاء برلين هذا على أحسن صورها حينما عبّرت عن توجهها بالتواصل مع حضارات الأقوام المختلفة التي تنتمي إلى هذا الوطن مُجسدة هويته قبل كل شيئ . كما انها برزت وتبلورت كثقافة أممية من خلال تواصلها مع الثقافات الخارجة عن الإنتماء الوطني العراقي وذلك من خلال مد الجسور مع الحضارات في البلدان والأمصار التي إرتحل إليها العراقيون ، عن كره ، في كثير من ألأحيان هرباً من إجراءات النظام البعثفاشي القمعي .، حتى تمكن هؤلاء من إثبات وجود الثقافة العراقية على أجواء غريبة عنها وضمن أبسط المعطيات التي إقترنت بجهود هؤلاء العراقيين في غربتهم ، تلك الجهود التي سخروها لرفع شأن الثقافة العراقية خارج العراق . فلا غرابة والحالة هذه أن نجد أنفاس بغداد وقد هبَّت على برلين ليس من بغداد فقط عبر وفد وزارة الثقافة العراقية ، بل ومن فرنسا وإنكلترا والسويد وهولندا وبولونيا لتتعانق مع أنفاس بغداد في ألمانيا ذاتها وفي برلين على وجه الخصوص.

ألأسماء اللامعة من أدباء وفنانين وكُتاب والتي ساهمت بعطاءاتها في هذا المهرجان الثقافي العراقي كثيرة جداً ، ولا يعني عدم التطرق إليها بالتفصيل غير تزاحمها على ألأولوية في العطاء كماً ونوعاً . فهي أسماء لها ساحاتها في مجالات العلم والأدب والفن . إلا أن ألإسم الذي بدى وكأنه الوحيد في عطاءه على ساحة الشعر الشعبي ضمن فعاليات هذا المهرجان هو إسم الشاعر المعروف عريان السيد خلف .

لم تكن قاعة المحاضرات الكبيرة التي قُدمت فيها الفعاليات والمسرحيات مليئة تماماً في جميع هذه العروض . إلا أن الأمر إختلف تماماً حينما قدم الشاعر الشعبي العراقي عريان السيد خلف ، القادم من الوطن خصيصاً لهذا المهرجان ، بعض نتاجه الغزير من الشعر الشعبي العراقي . لقد غصّت القاعة بالحضور الذي كان صوت عريان يصدح فيها وبنبرته المعهودة المليئة بالثقة والروح الوطنية الوثابة التي تصل إلى قلوب السامعين قبل آذانهم ليتفاعلوا ، وبالبكاء احياناً ، مع ما مارسته وخلفته الدكتاتورية البغيضة ونظامها المقبورمن آلام ومآسي . وبالإبتسامة ، بل والضحك أحياناً ، مع قصائد الحب والغزل التي أراد بها عريان السيد خلف نقل الحضور إلى أجواء أخرى مليئة بالفرح والأمل .

التراث الذي تبناه نادي الرافدين الثقافي العراقي في برلين بتكريم شخصية عراقية فنية أو أدبية أو علمية في نهاية هذا المهرجان ، جدده هذا العام بتكريم المفكر العراقي الكبير علي الشوك الذي منعه ظرفه الصحي من المساهمة شخصياً في هذا التكريم . لقد جرى التكريم من خلال عرض فلم عن هذا المبدع العراقي ومن خلال شهادات عن حياته وأعماله وبعض ما قدمه من أبحاث وكتب ومقالات وروايات ونقد في علوم الريضيات والتراث واللغة والموسيقى ، هذه المجالات التي شملت إهتمامات هذا المفكر العراقي الكبير . ونيابة عنه تسلم الشاعر الكبير عدنان الصايغ الهدية الرمزية التي قدمها النادي للمفكر علي الشوك .

الفعاليات اليومية التي إكتضت بها الأيام الأربعة كانت مبعث غبطة وسرور بالرغم من إمتدادها حتى الساعة التاسعة مساءً في بعض الأحيان. إلا أن العراقيين الوافدين من مختلف أقطار أوربا ، وجدوا في مثل هذا اللقاء الفرصة الذهبية التي كان إنقطاع النوم فيها ليلاً ثمناً لإستغلالها . فكان مقر النادي ، الذي لم يكن يبعد كثيراً عن محل الإقامة وقاعة المحاضرات ، الساحة التي برزت فيها القابليات الفنية في الغناء العراقي الذي تناول الأغنية الشعبية العراقية والمقام العراقي وأبوذية الجنوب وأغاني جبال كوردستان والأغنيات الموصلية المشهورة . أما فترات الإستراحة التي كانت تتخلل هذه المقطوعات فقد مُلِئت بالنكات التي برع فيها بعض رواتها بشكل لا مثيل له .

إن الجهود الجبارة التي بذلتها الهيئة التحضيرية للمهرجان والهيئة الإدارية لنادي الرافدين في برلين جهود يُشكر عليها أولئك الذين ضحوا بأوقاتهم وراحتهم وابتعدوا عن عوائلهم لأوقات طويلة يعملون فيها ليل نهار لكي يحققوا نجاح هذه الفعاليات المختلفة لمشاركين قادمين من الوطن ومن بلدان أوربية مختلفة ، إضافة إلى توفير كل وسائل الراحة للقادمين خاصة فيما يتعلق بالسكن وتناول وجبات الطعام قبل بدء الفعاليات وبينها وبعدها .

إن كل ما نرجوه هو أن تحظى هذه المؤسسة الثقافية العراقية وكل المؤسسات الأخرى المشابهة سواءً في ألمانيا أو في أي بلد آخر بعون ودعم العراقيين كافة ودعم وعون وزارة الثقافة العراقية لتظل مشاعل هذه الثقافة موقدة على جميع بقاع الأرض .

 

free web counter