| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الخميس 24/9/ 2009



صموئيل هنجنتون وانهيار نظرية السلفية الغربية

د. صادق إطيمش

حينما أعلن صموئيل هنجنتون في أوائل تسعينات القرن الماضي عن نظريته حول صراع الحضارات تلقى كثيراً من ردود الفعل المعارضة والمؤيدة لنظريته هذه . وكان لكل من الفريقين حججه في الرفض والقبول . ولقد كان إنحيازنا الواضح منذ ذلك الوقت إلى جانب المعارضين لهذا الطرح الذي لم يفرق بين الحضارات كنتاج ثقافي للإنسانية جمعاء وبين المصالح المادية الإستغلالية لطبقات معينة في المجتمع والتي يصل بها الجشع وحب الإستغلال إلى الصراع بمختلف أشكاله لضمان هذه المصالح لأطول فترة ممكنة .

لقد كان أحد أسباب رفضنا لهذه النظرية ، إنطلاقنا من وجود فكر سلفي على الساحة الثقافية الغربية أيضاً ، يلجأ إلى توظيف كل ما بجعبته لتحقيق ما ذهب إليه دهاقنة هذا الفكر المعادي لتلاقح الحضارات ، وقد جاءت هذه النظرية لتصب في هذا المجرى . لقد كتبنا آنذاك بصدد ذلك " إلا أن مصطلح السلفية هذا لا يقتصر على الفكر العربي ألإسلامي فقط , بل أن هناك في الغرب أيضآ من يدعو إلى مثل هذه الأفكارالتي تصب في التيار الرافض لكل ما حققته المجتمعات في الغرب من التعايش بين الثقافات المختلفة سواءً الغربية منها أو الواردة إليها بسبب الهجرات وإنتقال ألأيدي العاملة وإزالة عراقيل ألإتصال المباشر بين الشعوب المختلفة وما تحقق أخيرآ في الثورة المعلوماتية التي جعلت الكل في متناول الكل دون أن تشكل الجغرافيا ومسافاتها وما يرتبط بهما من حساب الزمن دورآ يُذكر في ذلك. إذ يدعو هذا التيار السلفي الغربي إلى " تنظيف " المجتمعات الغربية من الثقافات الواردة والعودة "للأصالة" .

كما قلنا في حينه " إن الخلاف مع هذه النظرية هو خروجها بالنتيجة الحتمية لصراع الثقافات الذي سيولد صراع الحضارات , وهذا ما لا يمكن حدوثه إذا ما حاولنا فهم هذا الصراع على أنه يتعلق بالمصالح السياسية والإقتصادية بالدرجة ألأولى , وإذا ما علمنا ان التواصل الحضاري والثقافي العالمي سوف يستمر, وقد يفتر تارة ويشتد أخرى , ولا يمكن التوقف عنه , إذ أن مثل هذا التوقف يعني إنقطاع السلسلة الحضارية المتواصلة منذ ألأزل. أما التنافس بين الحضارات والثقافات فسيستمر حتمآ طالما إستمر التواصل بين بعضها البعض حيث سيشكل هذا التنافس الحضاري الثقافي قوة الدفع العاملة على التطور الدائم والإبداع المستمر. "

ولمن يرغب الإطلاع على تفاصيل وجهة النظر هذه في حينه ندرج الرابطين أدناه:

http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SAtemsh/8vesprint.htm
و
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SAtemsh/10vers2.httm

ومنذ ذلك الحين والمعاهد العلمية مشغولة بالبحث في حيثيات هذه النظرية ومدى إنطباقها على الواقع المعاش الذي أفرز تطور المراحل التاريخية التي لم يمنع إختلافها من تلاقح الحضارات الإنسانية مع بعضها البعض . وقد صدرت كثير من التنبؤات التي إستندت على هذه الدراسات وهي تميل إلى جانب الشك في معطيات نظرية صراع الحضارات هذه . إلا أن النتيجة التي خرجت بها مؤخراً الدراسة التي أجرتها مؤسسة بَرْتَلْسمان الألمانية في مدينة برلين تكاد تكون أدقها وأصدقها وأكثرها جرأة في إثبات خطأ نظرية هنجنتون .
فلقد جاءت هذه النتيجة التي نشرتها جريدة " لايبزكر فولكستسايتونغ " في عددها الصادر في السادس عشر من شهر أيلول الجاري ، وعلى صفحتها العاشرة ما يلي :(باختصار)
"
حرب الحضارات لم تحدث : إن التنبؤ السوداوي حول وقوع حرب الحضارات على بقاع الكرة الأرضية أثبت عدم صحته ، إستناداً إلى تقييم باحثي الصراعات . بالرغم من إرتفاع عدد الصراعات في الخمس وعشرين سنة الماضية والتي يلوح فيها ألإختلاف في التقييم أو التشتت الثقافي في اللغات والأديان أو الإختلاف في التجربة التاريخية ، إلا ان ذلك لم يشكل السبب الرئيسي لهذه الصراعات .هذه هي النتيجة التي توصل إليها البحث الذي نُشر في برلين عن مؤسسة برتلسمان وعن المعهد العلمي للدراسات السياسية في جامعة هايدلبرج. إن التوقعات التي جاء بها البعض حول صراع الحضارات والتي أشارت إلى إصطدام الغرب بالإسلام ، لم تتحقق على المستوى العالمي ولم تجر ملاحظتها ."

إن هذه النتيجة العلمية هي إشارة واضحة إلى تأكيد نظرية التطور البشري الذي يشكل تلاقح الحضارات مع بعضها البعض عاملاً أساسياً . هذا التلاقح الذي يمهد الطريق لتقدم المجتمعات وتخطيها للحقب التاريخية المختلفة جاعلة من هذاالتراكم الحضاري ، أياً كان مصدره ، سبيلها نحو بناء المجتمعات المتطورة الحديثة الساعية لتحقيق سعادة الإنسان ورفاهه باعتباره أثمن رأسمال في الوجود .
 

free web counter