موقع الناس     http://al-nnas.com/

الحكومة العراقية وبعض منتسبيها....تخبط ومعاناة

 

د. صادق إطيمش

الخميس 24/8/ 2006

إعلان البنك المركزي العراقي عن إرتفاع نسبة التضخم المالي في العراق إلى أكثر من 70 بالمئة والإجراءات التي إتخذها البنك للحد من السيولة النقدية وكبح التضخم , أخبار تزيد همومآ أخرى على هموم المواطن الذي يعاني منها في مجالات ألأمن والخدمات والوقود والعلاقات الإجتماعية التي تدهورت جميعآ حتى بلغ السيل الزبى ولم يعد المواطن ما يجده مقابل ذلك سوى الوعود ثم الوعود التي تنتهي بوعود ينتهي بها المطاف إلى ترديد تنويمة الجياع المشبعة بالحِكًم والنصائح وأهازيج العنجهية الطائفية وغطرسة العصبية العشائرية القبلية التي ما أشبعت المواطن من جوع ولا إنتشلته من فقر حتى بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على إجترارها يوميآ وعلى مختلف ألمستويات الحكومية وغير الحكومية .
يبدو من خطاب البنك المركزي بأن الإجراءات المتخذه للحد من التضخم المالي قد تكون بمجملها إجراءات صحيحة ومتناسبة مع الظرف ألإقتصادي الذي يمر به الوطن ألآن , إلا أن المثل الشائع يقول : أن اليد الواحدة لا تصفق , أي أن إجراءات ذوي الإختصاص بالسياسة النقدية القائمين على إدارة البنك المركزي العراقي ستتعارض مع رغبات وتوجهات القائمين على تنفيذ سياسة الدولة اليومية , وخاصة المالية منها , التي تحتوي هذه ألإجراءات بشكل مباشر أو غير مباشر . إن هذا الإحتواء سيخلق جوآ من ألإرباك في السياسة النقدية التي يتخذها البنك وبالتالي عدم جدوى الإجراءات المتخذة للحد من التضخم المالي رغم صحتها , إذا كانت الإجراءات المتخذة على صعيد السياسة الحكومية اليومية لا تصب في نفس ألإتجاه الذي رسمه البنك المركزي العراقي. أي أن فقدان التنسيق بين السياسة النقدية والسياسة العامة للدولة وخاصة السياسة المالية سوف لا يوفر المساحة الكافية لنجاح أي إجراء بإتجاه التغلب على مشاكل التضخم المالي الذي يسعى البنك المركزي العراقي إلى الحد من تأثيره على مجمل ألإقتصاد الوطني .

إن المتتبع لأخبار السوق الإقتصادي العالمي يرى ويسمع يوميآ التقلبات التي يعيشها هذا السوق والتي قد تحدث بالثواني أحيانآ . فأي تصريح من مصدر إقتصادي مؤثِر أو رئيس دولة كبرى يمكن أن يؤثر على مجرى التطور اليومي للخط البياني في البورصات العالمية المشهورة . كما قد ينهمك أخصائيوا السياسة النقدية بالعمل المضني لسنين طويلة لتحديد السعر العالمي لعملة ما أثناء التعرض إلى حالات ألإصلاح النقدي أو معادلة القوة الشرائية للعملة الجديدة . لقد تعرضت ألمانيا مثلآ إلى عدة إجراءات من هذا النوع في ألقرن الماضي , خاصة بعد الوحدة ألألمانية وتوحيد العملة لشطري ألمانيا الشرقي والغربي وإعتماد المارك الغربي كعملة للشطرين , أو من خلال ألإجراءات التي أُتخذت في أوائل هذا القرن لإحلال العملة ألأوربية الجديدة ألأويرو محل المارك الألماني . لقد سبقت كل هذه الإجراءات دراسات معمقة وأقترنت بوضع سياسة نقدية ثابتة ورصينه تتماشى والموقع ألإقتصادي العالمي للبلد وبالتالي تحديد القوة الشرائية للعملة الجديدة .
وحينما جرى إستبدال العملة العراقية القديمة بالعملة الجديدة بالعراق فإن الذي جرى هو إستبدال الشكل فقط وليس المضمون . إذ إن قيمة الدينار العراقي بالنسبة للدولار ألأمريكي لم تتغير كثيرأ بعد التحرير من البعثفاشية قياسآ إلى قيمته قبل ذلك . وهذا يعني أن الوضع السياسي الجديد لم يخلق لحد ألآن وضعآ إقتصاديآ جديدآ يستطيع أن يؤثر إيجابيآ على مجمل التطور الإقتصادي للبلد وبالتالي على إرتفاع القيمة الشرائية للدينار العراقي مقابل الدولار ألأمريكي على وجه الخصوص ومقارنه مع العملات العالمية ألأخرى عمومآ . ومن هنا تأتي الغرابة في تصريحات السيد وزير المالية الذي إقترح شطب ثلاثة أصفار من قيمة الدينار العراقي وجعله مساويآ للدولار ألأمريكي , وكأن المسألة هي مجرد الرغبة بتحقيق قيمة شرائية لعملة ما دون أن تكون هذه العملة مؤهلة إقتصاديآ محليآ وعالميآ لتحتل هذا الموقع بين العملات العالمية. وحينما نعود إلى مَثل ألأويرو ألأوربي نرى أن تقييم ألليرة ألإيطالية مثلآ والتي كانت قيمتها الشرائية أقل من الفرنك الفرنسي وهاتان العملتان أقل من المارك ألألماني , قد جرى إستنادآ إلى المعطيات والمؤهلات الإقتصادية لهذه الدول التي حددت بدورها قيمة عملتها النقدية ومقدار ما تعادله بالنسبة للعملة الجديدة الأويرو . إنطلاقآ من هذه الحسابات البسيطة والتي ينبغي أن تكون أول ألأولويات المعروفة للعاملين على وضع السياسة المالية للبلد وعدم أللجوء إلى إطلاق التصريحات الغير مدروسة دراسة إقتصادية نقدية مستفيضة , خاصة مع ذوي ألإختصاص في البنك المركزي العراقي الذي يعاني من تخبط الساسة العراقيين وما يجره هذا التخبط من ويلات على البلاد والعباد ليس في مجال السياسة المالية فقط , بل وفي مجالات أخرى كثيرة أيضآ .
ألأمثلة التي يمكن إيرادها على هذا التخبط من قبل بعض القائمين على توجيه سياسة البلد في هذه الفترة العصيبة من تاريخ العراق كثيرة كثر الساسة الجُدد وأحزابهم ومليشاتهم وطوائفهم ومذاهبهم التي أخذ الشارع العراقي يعاني منها معاناة يومية ولا معين له على ذلك . وحينما نتطرق إلى بعضها , فهذا لا يعني عدم أهمية غيرها . فحينما يتناول بعض الساسة العراقيين مسألة ألإحتلال فإنهم يتعاملون معها وكأنهم يمثلون الجهات التي تدعي أنها تقاوم ألإحتلال فتزهق بهذه الحجة من أرواح العراقيين أضعافآ مضاعفة مقارنة بما تتعرض له قوات ألإحتلال بالذات . هؤلاء الساسة العراقيون الذين يطلقون تصريحات كهذه ينتمون إلى الحكومة الحالية وهم جزء من تقسيماتها الطائفية التي أبتلي بها الشعب العراقي بفضل أحزابهم ومليشياتهم الجديدة . إنهم يعتبرون مقاومة ألإحتلال بقوة السلاح , بعكس ما تذهب إليه السياسة الحكومية المُعلَنة والتي تبنتها بعض ألأحزاب السياسية العراقية المشتركة في الحكومة العراقية الحالية أيضآ , إنهم يعتبرون هذه المقاومة عمل مُشرف ومشروع في عرفهم متناسين أن الحكومة التي يشكلونها هم قد طلبت من مجلس ألأمن الدولي رسميآ ألإبقاء على قوات الإحتلال لفترة زمنية أخرى معللة ذلك بعدم قدرة الحكومة العراقية الحالية بعد على السيطرة على الوضع ألأمني . فماذا تعني مثل هذه التصريحات إذن والتي يطلقها أبطال الوطنية الجدد من مروجي الفكر الطائفي وتوَجُه العصبية القبلية الجاهلي...؟ إن المفروض بهؤلاء الساسة الجدد أن يتعاملوا مع أشخاص ألإحتلال على ألأقل بالصيغة التي تفرضها آداب ومستلزمات وقيم ومبادئ هذه الدعوة التي صدرت من الحكومة التي يمثلونها ويعملون ضمن مؤسساتها المختلفة , خاصة وإنهم يتبجحون دومآ بإمتلاكهم لمثل هذه القيم والمبادئ , لاسيما وإن مثل هذه القوات موجودة في البلد بطلب منهم هم ولحمايتهم هم ولتوفير ألأجواء الآمنة لهم لتنفيذ سياسة المحاصصات التي أصبحت جزءً من إكسير حياتهم . كما أن المفروض بمثل هؤلاء الحكوميين , إن كانوا قد تعلموا ألف باء السياسة , أن ينسقوا عملهم وتوقيت محتوى تصريحاتهم هذه مع ألأحزاب والقوى الوطنية ألأخرى , بما فيها بعض من ينتمي إلى أحزابهم وتجمعاتهم , بإتجاه تكثيف العمل السياسي المؤدي إلى ألإسراع في تهيئة مستلزمات إنهاء الوجود العسكري الأجنبي وإستعادة السيادة الوطنية الكاملة والعمل على التخلص من تركة ألإحتلال بجوانبها المختلفة .

إن ما ينتظره المواطن من ساسته الجدد هو عدم زيادة الطين بلّة وإشغال الشارع العراقي , الذي لديه ما يكفيه من ألمآسي والآلام , بتصريحات غير مدروسة تسبب الغثيان أحيانآ وذلك بسبب تناقضها مع التوجه الحكومي العام سواءً في هذه المجالات أو المجالات ألأخرى المتعلقة بحل المليشيات التي أصبحت عبأً ثقيلآ على الحكومة والشعب معآ , أو في الموقف من حقوق المرأة ودورها في المجتمع العراقي الجديد , هذا الدور الذي يجب أن يتناسب ومكانه المرأة العراقية المناضلة التي أغمط الرجل المتعجرف حقوقها السياسية والمدنية والثقافية ليشل بعدئذ نصف المجتمع العراقي عن العطاء والإبداع الذي حققته المرأة العراقية بجدارة وشموخ . أو بالعمل على تكريس التنكر للهوية العراقية وإستبدالها بهوية التعصب الطائفي العشائري المناطقي المقيت . لا نريد ألإسهاب ... بمآثر... هؤلاء الساسة , إذ أن مجرد تعدادها , ناهيك عن تحليلها وتأويلها , لا يدع مجالآ إلا للإستفسار عن مدى جدية مثل هؤلاء بانتماءهم إلى هذه الحكومة . نصيحتنا لهم أن يلتزموا بما إتفقت عليه أحزابهم أثناء ولائم المحاصصات ويعملوا على التنسيق مع بقية أعضاء الحكومة التي يحتلون هم جانبآ فيها وإن لا تتفق أفكارهم عن نظريات أخرى جديدة فبلاء نظرياتهم السابقة لم ينحسر بعد . نصيحتنا لهم أن يلتزموا بما أقسموا عليه وذلك أضعف ألإيمان .