نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الأربعاء 24/5/ 2006

 


 


" بغداد ماذا دهى بغداد ما صنعت بها الذئاب وما سوى أبو كرب "

 

د. صادق إطيمش

لا أستطيع أن أجزم بإسم الشاعر الذي كتب هذه القصيدة العصماء التي كان يرددها سجناء نكرة السلمان كلما يتذكرون حبيبتهم بغداد وما صنع بها ألأوباش بعد إستيلائهم على السلطة عام 1963 .

              ياموطن الوحي يا أُنشودة العرب             يا قبلة المجد يا قيثارة الطرب

هذا المطلع وما تتلوه من أبيات تتغنى ببغداد كانت أنشودة على لسان كثير من السجناء آنذاك, وأرجو أن لا تكون ألأيام قد أخذت مني مأخذها فأختلطت عليَّ ألأمور سواءً في النص أو في التاريح , وإن كان الأمر كذلك فأرجو المعذرة والتصحيح.

وتعود هذه الأنشودة اليوم لتتغنى ببغداد التي تنهشها الضواري في كثير من مواقع جسدها الطاهر المتعب المثقل الجراح. حقيقة أن الجبناء الذين يزيدون النزف نزفآ لجسد متعب ما إنفك يزيل عنه ضمادآ حتى يُبتلى بأكثر من جرح وأكثر من ضماد , إن مثل هؤلاء لا يحترمون حتى ما يتبجحون به من الدين الذي يوظفونه لإقتسام غنيمتهم التي تمثل ألأم الرحوم الرؤوم التي ما أساءت لهم يومآ حتى ينهالون عليها اليوم طعنآ ونهشأ وتقسيمآ لهذا الجسد الطاهر الذي لا يجد النصير الذي يُبعد عنه ألأوباش الجدد الذين بدأوا بإقتسامه بينهم كما يقتسم الصيادون صيدآ كبيرآ كهذا الكبيرحقيقة في كل شيئ إلا في نصرة النصير .
ومن يتسائل عن أسباب كل هذه الهمجية والتنكر لأبسط قواعد ألأخلاق فلا يجدها إلا كنتيجة للسياسة العرجاء التي رافقت مسيرة بعض ألأحزاب الدينية بعد أن خرجت هذه ألأحزاب إلى ساحة العمل السياسي العلني بعد التحرر من البعثفاشية بالعراق , أو التي وُلِدت مجددآ بعد ألتحرير ولا تملك من الرصيد السياسي شيئآ يُذكر , حيث أوصلتهاهذه السياسة إلى طرق وعرة لا تستطيع أن تتجاوزها بسهولة دون أن تجد ما يعينها على ذلك . فإضطهاد وجور الديكتاتورية البعثفاشية على الشعب العراقي برمته والذي سوقته هذه ألأحزاب بإعتباره إضطهادآ طائفيآ فقط لم يعد يتمتع بالمصداقية , حيث أن التمحور الطائفي الذي خلقته هذه ألأحزاب جميعآ, إنطلاقآ من هذا المفهوم , أوصل الشارع العراقي إلى تجاهل هويته ألعراقية ألأصلية التي لم تعطها ألأحزاب الدينية على إختلاف مللها وطوائفها ذاك ألإهتمام الذي أعطته , وبكل وضوح , إلى الهوية الطائفية .

كما أن الممارسات التي كانت تمارسها البعثفاشية ضد الشعب العراقي من خلال إنتشار أزلامها المدججين بالسلاح والقابعين في كل زاوية وكل حارة يتربصون حركات الناس وسكناتهم , حلّت محلها ممارسات الميليشيات الدينية المدججة ليس بسلاح الرصاص فقط , بل وبسلاح الدين أيضآ , حيث لم ينجو من هذين السلاحين الحلاقين والفنانين وباعة ألأشرطة الغنائية وباعة المشروبات الكحولية ودور السينما والنساء السافرات والشباب غير الملتحين ولابسي الملابس الحديثة من الرجال والنساء وغير ذلك ممن تصدر بحقهم الفتاوى الملائية بوضعهم في مصاف الفاسقين المارقين الخارجين عن الدين , حيث يقرر هذا الذي نصب نفسه أميرآ أو وكيلآ على الدين بتطبيق الحد الذي يراه ويقرره هوعليهم بالقتل أوقطع ألرزق وذلك ضمن تعريف الدين بما يتطابق ومقاسات هذه ألأحزاب الدينية التي تقف وراء مثل هذه الأعمال ألإجرامية وبما يحقق بعض المكتسبات السياسية الدنيوية وينشر التعصب الديني والطائفي . وهذا ما ينعكس اليوم في مناطق متعددة في بغداد التي قطع أوصالها ألأوباش الجدد ليقيموا فيها حدودهم التي يعتبرونها دينآ وما هي إلا دَيدَ نآ للجريمة وحبآ لسفك الدم وسدآ لخلل فكري أونقص إجتماعي أو فقر سياسي .

وكما تبنى التسلط البعثفاشي ألأسود القمع الفكري لكل الآراء والأفكار المخالفة لأفكاره المقبورة والذي مارسه النظام الدكتاتوري البعثي المقيت, فجابه هذه ألأفكاربالكبت والتمويه والتشريد والقمع والإبادة , حيث كان الهدف سيادة ثقافة الفكر الشوفيني التعصبي , ثقافة التضليل والتشويه لفكر الآخرين . وعلى هذا الطريق أيضآ سار ولا يزال يسير التوجه الفكري لبعض الأحزاب الدينية التي تعمل على تسويق النظرية تلو الأخرى للعن وإقصاء كل من لم يشاركهها منهجها السياسي جاعلة من خصومها السياسين خصومآ للدين وممن يخالفون توجهاتها السياسية وكأنهم يسيرون على طريق الكفر والإلحاد والتنكر للتراث الديني ورموزه.

لا ندري حقآ إلى أين تسير بهذا البلد هذه ألأحزاب التي تسعى لتوظيف الدين التوظيف السياسي الذي لم يجن منه الشعب العراقي حتى الآن غير التعصب الطائفي والتمزق المذهبي الذي قد لا تحمد عقباه إن إستمرت هذه ألأحزاب على هذا المنوال الذي بدت بعض بوادره تلوح في ألأفق والذي تبلور عن إقتطاع مناطق من بغداد لوضعها تحت سيطرة هذه العصابة أوتلك تطبق ما تراه من همجية وبربرية على ألناس الذين لا حول لهم ولا قوة أمام هؤلاء الطغاة الذين لا يجدون ردعآ من حاكم عادل ولا قمعآ من جهاز أمني فاعل . إن غياب الدولة وغياب القانون عما يسمى بالإمارات أو المقاطعات الجديدة في بغداد مقطعة ألأوصال سوف لا يشكل إنطلاقآ موفقآ للحكومة الجديدة التي وضعت هدف القضاء على هذه العصابات على رأس برنامجها السياسي للدورة البرلمانية الحالية . فيا أيتها البرلمانيات ويا أيها البرلمانيون ويا أيتها الوزيرات ويا أيها الوزراء يا بنات وأبناء العراق الغيارى لا تسمحوا بتقطيع أوصال أمكم بغداد إلى إمارات ومقاطعات يسودها الحقد الطائفي وتنتشر فيها خفافيش الظلام . إن من يعمل على تقسيم بغداد اليوم يريد شرآ بالعراق , بكل العراق غدآ , فهل ترضون بهذا المصير.....؟