| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

                                                                  الجمعة  23 / 5 / 2014



الجدل حول الحكومة العراقية القادمة

د. صادق إطيمش 

بعد ان إنتهت زوبعة الدعاية الإنتخابية وجرت الإنتخابات وانتشرت بعدها بيوم او يومين " النتائج الأولية " للتخمينات والتوقعات التي جرت على اساسها وضع التحالفات للكتل الفائزة، التي كانت جميعها تتحدث عن التغيير في واقع العملية السياسية العراقية وتجاوز ما خلفته هذه الكتل بالشعب العراقي من نكبات ومصائب وتخلف في الأمن وابتزاز وسرقات وفساد إداري ومالي لم يشهد له التاريخ مثيلاً تحت حكم من يبدأون حديثهم بالبسملة والحوقلة متضرعين بجباههم المكوية ومحابسهم الفضية إلى ربهم لكي يزيد في نعمهم المسروقة ويبارك ثرواتهم التي جنوها عبر اللصوصية والإغتصاب والقتل باسم الدين الذي جعلوه سلعة يومية يجري عرضها حسب الطلب عليها ومن كل لون وصنف. ومنذ ان بدأ حديث الكتل الحاكمة عن إدعاء الفوز الساحق لكل منها، بدأت كذلك التكهنات حول طبيعة الحكومة القادمة والتحالفات التي قد تجري لتحقيقها. فما مصلحتنا في هذا الجدل القائم حول الحكومة القادمة، نحن الذين إتخذنا موقفاً سياسياً مخالفاً ومعارضاً لهذه الكتل الحاكمة طيلة سنين تحكمها بالبلاد والعباد والتي تجاوزت الإحدى عشر عاماً ؟

بالنسبة للقوى المدنية الديمقراطية وكل قوى اليسار العراقي بتوجهاته العلمانية وطروحاته البعيدة كل البعد عن النهج الطائفي العشائري المناطقي والقومي الشوفيني الذي إتخذته أحزاب الإسلام السياسي والقوى المتحالفة معها كأسلوب للحكم وطريق للتحكم، لا نرى في الأفق ما يشير إلى التغيير الذي جعلناه شعاراً أساسياً في حملتنا الإنتخابية ولم نتخل عنه حتى بعد سرقة هذا الشعار من قبل مَن جمعوا الخبرة الكافية باساليب وطرق السرقات في كل شيئ، فالذي يسرق اموال الفقراء وقوت الشعب ويكنز من خلال ذلك ما تيسر له من المال والعقار والذهب والفضة داخل وخارج الوطن، فهل يستعصي عليه سرقة شعار؟

إن ما نراه في الأفق هو عودة تلك القوى التي جلبت الدمار للشعب والوطن خلال الإحدى عشرة سنة الماضية لتمارس نفس ذلك الدور القيادي للعملية السياسية بالرغم من مجيئها باسماء براقة إبتعدت كثيراً عن مسمياتها الدينية السابقة. وهذه الظاهرة لوحدها، اي إبتعاد هذه الأحزاب عن مسمياتها الدينية، كافية لأن تبين لنا مدى إستهتار هذه القوى بالثوابت الدينية والتجارة بها لتحقيق اهدافها السياسية. فماذا تعني هذه العودة اللامحمودة بالنسبة لكل القوى المؤمنة حقاً بالديمقراطية والمدنية وحياة الحداثة لشعبنا والتقدم لوطننا؟

إنها تعني، اولاً وقبل كل شيئ، واستناداً إلى ما تمخضت عنه النتائج النهائية للإنتخابات، بكل ما رافقها من سيئات وسلبيات وانتهاكات، إلى عدم إمكانية اية كتلة من هذه الكتل من تشكيل الحكومة بمفردها وتحقيق ما كانوا يداعبون مشاعر الناس به بحكومة الأغلبية السياسية.

وهي تعني ايضاً ان طريق التحالفات اصبح مفتوحاً لعودة حليمة إلى عادتها القديمة بالتفتيش عن تلك النفوس الضعيفة التي قد تبيع كتلها السياسية التي إنضوت تحتها في العملية الإنتخابية مقابل منصب وزاري او اي منصب آخر يقود إلى الإثراء السريع، إذ ان الذي باع وطنه وشعبه مقابل الكسب الحرام من خلال الحكم في السنين الماضية، مستعد لبيع كتلته الإنتخابية مجرد ان يجري التلويح له بالمرسوم الجمهوري لأي منصب إبتزازي وموقع لصوصي.

وهذا يعني ايضاً إستمرار المساومات والمزايدات لتحقيق الأهداف السياسية التي ترجوها كل كتلة من هذه الكتل لنفسها أولاً ولمنتسبيها ثانياً ولمن يتبعها ثالثاً وهكذا حتى تنتهي هذه السلسلة من المنافع والمكاسب التي سوف لن يكون لما يسمى بالشعب العراقي او الوطن العراقي ناقة فيها ولا جمل.

وكذلك يعني هذا كله إستمرار سياسة المحاصصات والشراكات الطائفية والمناطقية والعشائرية التي أتت أؤكلها لممارسي هذه السياسة طيلة مدة ممارستهم لها والتي لم يجن الشعب منها غير الأمن المفقود والبطالة المستشرية والنهب المبرمج لموارد الدولة العراقية والفساد الإداري وانعدام الخدمات العامة الضرورية للحياة الإنسانية في القرن الحادي والعشرين من عمر البشرية ووضع العراق بكل ما يملكه من طاقات بشرية ومادية وعلمية في الموقع قبل الأخير في تصنيف المنظمات الدولية.

وهذا يعني ايضاً ان الكتل السياسية الكبيرة التي " فازت " في الإنتخابات الأخيرة لم تغير من منهجها بالنسبة لتقيمها للعمل السياسي، وإن غيرت اسماءها الدينية واتخذت من بعض الاسماء والشعارات المغرية سبيلاً لوصولها للجماهير. فجميع هذه الكتل يسعى للوصول إلى السلطة السياسية من خلال تواجدها في الحكومة، إذ ان مفهوم المعارضة البرلمانية القوية مفهوم غريب على عملها السياسي الذي لم تفقه منه غير الإستيلاء على مصادر الثروة في الوزارات المختلفة وبالتالي العمل على الإثراء السريع والفاحش ايضاً، إذ ان وقت اللصوصية مرتبط بمدى السيطرة على هذه الوزارة او تلك، وذلك امر لا يدوم إلى الأبد. إن ما يشير إلى جشع هذه الكتل السياسية وتطوير سبلها لإبتزاز المال العام وإنهاك الوطن هو جهلها التام بدور المعارضة السياسية داخل البرلمان. فالمعارضة القوية تشكل الرقيب المهم والأساسي على عمل كافة مؤسسات الدولة بما فيها البرلمان نفسه. والمعارضة القوية التي قد لا يستطيع اعضاءها الوصول إلى منابع المال والإثراء السريع، إلا ان ممارساتها التي تنطلق من التبني الحقيقي لهذا الدور وليس الشكلي، قد تطيح باقوى الحكومات وتعزل اقوى الوزراء وتنحي كبار المسؤولين عن مناصبهم إن اساءوا إستغلال هذه المناصب، وما اكثر ذلك اليوم في عراقنا المسلوب المنهوب؟

كل ذلك سيواجهنا في السنين القادمة التي نعتقد بانها ستكون عجافاً كسابقاتها من السنين التي أُبتلي فيها هذا الوطن بتجار الدين وجهلاء السياسة وعباقرة اللصوصية وفقهاء الطائفية ودهاقنة العنصرية وشيوخ العشائرية. ولكننا حينما نفسر هذا البلاء فمن المفروض ان لا نبتعد كثيراً عن الواقع المر الذي يحقق فينا مقولة : كيفما تكونوا يولى عليكم. فهذا البلاء إذن هو إرادة الناخب العراقي الذي لا مناص لنا من الإعتراف بها والقبول بها اليوم بغية تغييرها بكل الوسائل الديمقراطية السلمية غداً، وما ذلك على الشعوب بعسير.

 

free web counter