| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الأربعاء 24/6/ 2009



تخبط ملالي ولاية الفقيه

د. صادق إطيمش
 
بعد بضع ساعات من صدور بيان مجلس صيانة الدستور الذي إعترف فيه بتزوير الإنتخابات في خمسين مركز إنتخابي قام ممثلو هذا المجلس باختبارها وأثبتوا وجود ثلاثة ملايين صوت أكثر من عدد الناخبين في هذه المراكز الخمسين ، حتى جاء تكذيب هذا الخبر من المجلس نفسه الذي إنبرى ليؤكد صحة الإنتخابات وعدم صحة ما صدر عن ممثله قبل ساعات . فماذا يعني كل هذا التخبط في دياجير هذه الإنتخابات التي لم يعرف الشعب حقيقتها لحد الآن والتي ضاعت بين أهواء الملالي حيث يعزف كل منهم على هواه ويصرح بما ينسجم مع هذا الهوى المتباين الرؤى الذي طبع الساحة السياسية الإيرانية بطابعه ، خاصة بعد إعلان النتائج الرسمية لإنتخابات رئاسة الجمهورية والتي أقرت الفوز الساحق لمرشح المرشد الأعلى خامنئي بفارق أصوات تجاوز الأحد عشر مليون صوتاً ؟

إن ذلك يكشف عن طبيعة الصراع الدائر الآن بين أزلام ولاية الفقيه أنفسهم وضياع تلك القاعدة التي كانت تجمعهم على السير ضمن المنظومة التي وضعها لهم مرشدهم الأول الخميني . ويدور هذا الصراع بشكل خاص بين اكبر ممثلي نهج ولاية الفقيه علي خامنئي وهاشمي رفسنجاني . هذان الرجلان اللذان مثلا أكثر رجال الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلتصاقاً بالخميني وفكره حتى إعتبرهما خليفتاه بالتساوي وأوصاهما بان يسند كل منهما الآخر . وقد كان ذلك بالفعل حينما أراد رفسنجاني أن ينصرف للتجارة فعمل على تهيئة الأجواء لأن يتبوأ خامنئي مركز المرشد الأعلى ليظل هو ( رفسنجاني ) يراقب الوضع السياسي من خلال حقول الفستق التي أصبحت تجارته المفضلة والتي أتت له بالمبالغ الضخمة التي جعلته يفوز بلقب القرش بين الأوساط التجارية الأيرانية ، إشارة إلى سمك القرش الذي يلتهم كل ما حوله ، خاصة الأسماك الصغيرة . أما الآن فيعمل رفسنجاني بكل ما يملكه من نفوذ سياسي ومالي على تنحية المرشد الأعلى خامنئي من موقعه هذا . لقد أكد كافة من راقبوا الساحة السياسية الإيرانية في الأيام العشرة الماضية التي تلت الإنتخابات على أن رفسنجاني يسعى الآن لتصفية حسابات إندلعت منذ الحملة الإنتخابية السابقة لرئاسة الجمهورية ، حيث رمى خامنئي بكل ثقله في كفة أحمدي نجاد ، بينما أعلن رفسنجاني عن معارضته الشديدة له آنذاك . لقد إستمر هذا العداء بين أحمدي نجاد ورفسنجاني حتى وصل حد القطيعة التي تبلورت بشكل اكثر وضوحاً في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة حيث رمى رفسنجاني بثقله في كفة موسوي ، المنافس الأكثر حظاً لأحمدي نجاد . وعلى هذا الأساس وضع رفسنجاني نفسه في صفوف الإصلاحيين لا حباً بالإصلاح ، بل نكاية بابرز ممثلي المحافظين خامنئي وأحمدي نجاد . إن الشعب ألإيراني يدَّخرلهذا الإصلاحي الجديد رفسنجاني أسوأ الذكريات التي برزت في الملاحقات والإعدامات والتنكيل الذي مارسه رفسنجاني بحق المعارضين أثناء وجوده على رئاسة جمهورية ولاية الفقيه .

إن تكذيب التزوير جاء لينسجم مع التصريحات التي أطلقها المرشد الأعلى والتي أكد فيها على سلامة الإنتخابات وسيرها بالشكل الذي ينسجم والقوانين السائدة في نظام سياسي يتمسك بالقيم الدينية التي لا تعرف التزوير والخداع والتضليل ، كما وصف خامنئي نظام ولاية الفقيه بهذه الأوصاف . إذ لا يصح أن يصرح المرشد الأعلى لهذه الدولة بنزاهة النظام ثم يتنكر مجلس صيانة الدستور لهذه النزاهة التي إنطلق منها المرشد الأعلى لولاية الفقيه ، خامنئي.

ظاهرة صراع الأقطاب في دولة تقدم نفسها كنموذج للنظام الإسلامي الذي يمكن أن يقتفيه المسلمون الآخرون تؤكد مرة أخرى على تسيييس الدين لا من أجل المبادئ الدينية الحقة ، بل من أجل الأهداف السياسية التي تختفي وراءها أو تسير إلى جانبها في كثير من الأحيان الأهداف الإقتصادية التي يريد المتربعون على نظام الحكم تحقيقها بكل الوسائل التي يتيحها لهم هذا التسلط على مقدرات البلاد والعباد . وهذا هو بالضبط النموذج الذي يسعى دعاة الإسلام السياسي في وطننا العراق إلى تطبيقه ليحققوا من وراءه في العراق نفس الأهداف التي يسعى قادة نظام ولاية الفقيه إلى تحقيقها في إيران .

قد يبدو للوهلة الأولى وبعد مرور عشرة أيام على الأحداث الدامية التي هزت كيان ولاية الفقيه بان الملالي قد كسبوا الجولة الأولى من الصراع مع الشعب ولكننهم لم يحسموا صراع جبهاتهم فيما بينهم لحد الآن . إلا ان حتى هذا الهدوء النسبي الذي تعيشه الساحة السياسية الإيرانية الحبلى بالترقب الشديد قد يتبلور عن إفرازات جديدة لتوجيه التحرك الجماهيري الذي إرتبط لحد الآن بقيادات من داخل النظام نفسه هدفها الترقيع وليس التغيير.

إن تطور الوضع السياسي على الساحة الإيرانية يسير الآن ، من وجهة نظري ، على خطين متوازيين . الخط الأول الذي تحاول السلطة السياسية القمعية لولاية الفقيه من خلاله إستثمار الهدوء النسبي خلال اليومين الأخيرين لتوجيه المعركة إلى خارج إيران وافتعال الأعداء الخارجيين أعداء الإسلام الذي يريدون الإطاحة بالنظام الإسلامي ، حسب ما يدعيه كل نظام دكتاتوري رجعي متخلف حينما يواجه تحركاً شعبياً مضاداً ، كهذا الذي يواجهه نظام ولاية الفقيه في الوقت الحاضر . ويسير الخط الآخر منطلقاً من صنع القيادة الشعبية الحقيقية التي تسير بهذا التحرك الجماهيري نحو التغيير الجذري في صلب هذا النظام ،وإبداله بنظام ديمقراطي يتماشى وتطلعات شعوب القرن الحادي والعشرين من عمر البشرية ، حيث أثبتت الأحداث صحة ما ذهب إليه الكثير من المراقبين لما يجري على الساحة السياسية الإيرانية بأن القيادات الإصلاحية التي هي جزء لا يتجزأ من هذا النظام ستقف عند بعض التغيرات السطحية التي تصب أولاً وأخيراً في مصلحة قادة هذا النظام جميعاً إصلاحين كانوا أم محافظين .

إن العالم كله يراقب التطورات المستقبلية في إيران حيث أصبح الفرز واضحاً بين الجماهير التي عبرت عن رفضها للتسلط الثيوقراطي الدكتاتوري الرجعي وقدمت عشرات الضحايا في سبيل ذلك وخلال ايام قلائل . وبين التكالب على السلطة السياسية الذي يمارسه ملالي ولاية الفقيه والذي ادى إلى نشوب الخلافات بينهم إلى الحد الذي وصل إلى التأليب على بعضهم البعض كذاك الذي يجري الآن وبكل وضوح وعلى مختلف الأصعدة والمستويات بين رفسنجاني وخامنئي .

لقد اشرنا أكثر من مرة إلى قناعتنا الراسخة بقدرة الشعوب ، والشعب الإيراني قدم ويقدم أروع الأمثلة على ذلك ، على إقتلاع الأنظمة القمعية التسلطية ورميها في مزبلة التاريخ حتى وإن إستغرق ذلك وقتاً قد يبدو طويلاً ، فالشعوب قد تُمهل إلا أنها لا تهمل ، وهذا هو ديدن نضال الشعوب . أما ما يجب القيام به في الوقت الحاضر فهو الدعم اللامتناهي لنضال الشعب الإيراني ضد دكتاتورية ولاية الفقيه . إنه الواجب الإنساني الأممي الذي يضع كافة قوى التحرر في العالم أمام مسؤوليتها التاريخية بسلوك كل وسائل النضال التحرري الإعلامية والمادية والمعنوية والسياسية لنصرة الشعب الإيراني ضد الدكتاتورية القمعية الجاثمة على كاهله ثلاثة عقود من الزمن . إن هذا الإسناد الأممي يجب ان يترفع في الوقت نفسه عن تلك الأصوات التي تنطلق من التوجه الطائفي المقيت لتضع نفسها في موقع المدافع عن حقوق الشعب ألإيراني المبتلى بهذا الحكم الدكتاتوري . إن هذه الأصوات الطائفية المقيتة لا تريد خيراً للشعب الإيراني من خلال طروحاتها هذه ، بل أنها تسعى إلى الدفاع بشكل مباشر أو غير مباشر عن دكتاتوريات أخرى تعمل هي تحت ظلالها ولكن بتوجه طائفي آخر . إن مثل هذه الصراعات القائمة على أسس دينية طائفية مقيتة مرفوضة تماماً من قبل قوى التحرر الديمقراطي الأممي الساعي إلى نصرة الشعوب وحركاتها التحررية دون أخذ الدين أو القومية أو اي شيئ آخر غير الإنحياز للإنسان بنظر الإعتبار.

 

 

free web counter