| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الأربعاء 21/3/ 2007

 


التجارة بالدين الإسلامي
لم تعد مربحة بالعراق
 

د. صادق إطيمش

الإستطلاع الأخير ألذي أجرته بعض وسائل الإعلام ألأمريكية والألمانية والبريطانية في 18 محافظة بالعراق في الفترة بين الخامس والعشرين من شباط والخامس من آذار من عام 2007 لا يبشر بذلك التفاؤل الذي كان يخالج ألإنسان العراقي والذي جاءت به نتائج الإستطلاع الذي أجرته أل " بي بي سي " في تشرين الثاني من سنة 2005 , حيث أشار ذلك ألإستطلاع إلى تفاؤل 71% من العراقيين بتحسن الوضع الجديد وإنهم راضون عن أوضاعهم , كما أكّد 64% منهم أن ألوضع سيتحسن في ألإثنتي عشر شهرآ المقبلة . أما عدد ألذين أبدوا عدم ثقتهم في الحكومة آنذاك فقد كان 33% فقط من مجموع السكان فما هي النتائج التي جاء بها ألإستطلاع الجديد بعد مرور 16 شهرآ تقريبآ على إستطلاع تشرين الثاني من عام 2005 , وبعد مرور أربع سنوات على سقوط البعثفاشية..؟

لقد أكّد 53% من العراقيين في هذا ألإستطلاع ألجديد على عدم ثقتهم بحكومتهم , كما أشار أقل من 40% من المواطنين إلى إحتمال تحسن الوضع . وبيّن هذا ألإستطلاع أيضآ أن 69% من المواطنين لا يحصلون إلا بصعوبة كبيرة على المياه , و 88% منهم إلى أن التزود بالكهرباء سيئ جدآ. وبصورة عامة يرى ثلثي السكان أن ألأمور المعاشية عمومآ سيئة جدآ وإن 12% فقط من السكان تأمل في تحسن الوضع , حيث يربط المواطنون ذلك بسوء الوضع الأمني مباشرة. كما يشيرألإستطلاع إلى سوء الخدمات الصحية والوضع المأساوي للمستشفيات .

إلى جانب هذه ألأرقام المفزعة والتي يتحرق لها قلب كل عراقي كان يأمل أن يرى غير ما يراه اليوم بعد سقوط البعثفاشية وانهيار نظامها الإجرامي , هناك بعض ألأرقام التي يمكن إعتبارها بعض البلسم لجراحنا العميقة التي تنزف دون توقف منذ عشرات السنين . فبالرغم من تكالب الفئات الطائفية على الحكم وجعل الشعب العراقي كبش فداءها في هذا التوجه ألإجرامي المقيت , فإن 56% من الشعب العراقي لا ينظر إلى إقتتال الطائفيين بعضهم ببعض على أنه حرب أهلية , أي أن ألإنسان العراقي لا ناقة له في هذا ألإقتتال الديني ولا جمل . كما جاء هذا الإستطلاع بنتيجة مفرحة,إذا إعتبرنا حسابات ألأكثرية والأقلية من أنها تصب في هذا المجال , حيث أعلن 58% من المواطنين تمسكهم بوحدة العراق.
ما هي دلالت هذه ألأرقام وكيف يمكن تفسيرها وما هي ألأسباب التي أدت إلى مثل هذه النتائج المخيبة للآمال...؟ أسئلة وأسئلة ترتسم على الشفاه يواجهها بعض القائمين على أمور البلاد والعباد من قادة ألأحزاب ألإسلامية الدينية ألعراقية بشقيها الشيعي والسني والذين وجهوا احزابهم وجهة التمحور الطائفي والإقتتال المذهبي الذي جرّ البلاد إلى الوضع التي هي فيه الآن . المعاناة التي يعانيها الشعب العراقي اليوم تنهال عليه من جبهات ثلاث تخصصت في تنفيذها ضد هذا الشعب , الذي جردوه من كل مقومات ألحياة الإنسانية في القرن الحادي والعشرين من عمر البشرية , وحوش بشرية تنهال عليه كصيد لا حول له ولا قوة . وبالرغم من تناقض المصالح الذي يسود صفوف هذه الجبهات الثلاث , إلا انها تشترك جميعآ بالوسيلة التي توظفها لتحقيق ما تصبوا إليه على حساب الملايين المحرومة البائسة . إنها وسيلة الدين والتجارة به كسلعة يتبادلونها في أسواق الإنتهازية والوحشية والجريمة . إن الربح الذي جناه تجار الدين هؤلاء لفترات من إتجارهم بدأت تضيق عليهم يومآ بعد يوم وبدأت تجارتهم تكتب ألأرقام الحمراء , كما يُعبر الإقتصاديون عن التجارة الخاسرة . فمن هي هذه الجبهات الثلاث يا ترى ...؟ وما هي المجالات التي تخصصت بها لتنهش من لحم الشعب العراقي , هذا الصيد المسكين ...؟

ألجبهة ألأولى جعلت وسيلة ألإرهاب ألأعمى من إختصاصها لعرض بضاعتها الدينية المتمثلة بالتكفير والإقصاء والتبشير بالتخلف , ومحاربتهم ألفكر على أنه كفر لتشابه حروف هذين الكلمتين , وفرض شريعة الملالي والأمراء على أنها شريعة ألله , وهاج سوقها وماج بمن يسوِّق لهذه البضاعة الدينية الدنيئة , من باعة متخلفين فكريآ , معدومي الشخصية , مسلوبي ألإرادة , يقودهم تنظيم القاعدة ألإرهابي الذي أزاح أللثام عن قباحاته كلها خلال السنين العجاف التي حلّت بأفغانستان أثناء تسلط مجرمي الطالبان على الحكم في هذا البلد الذي أعادوه إلى ما قبل القرون ألأولى بتخلف أفكارهم وانعدام برامجهم وتزييف المعتقدات الدينية الحقة لتوجيهها الوجهة التي تحقق لهم رغباتهم الوحشية. وحينما تناثرت فلولهم بعد إسقاط جبروتهم في أفغانستان قدمت عصاباتهم من أعراب وغير أعراب لتعيث الفساد بالعراق وبين أهله , فكان القتل والذبح والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وتفجير ألأسواق بباعتها وروادها وقتل العمال في مواقف إنتظارهم للحصول على رغيف العيش اليومي والأطفال في مدارسهم والمسافرين في وسائط نقلهم وهدم البيوت وتخريب البنى الوطنية العراقية ومحاربة الثقافة والمثقفين وسلوك طريق نظيرهم هولاكو في هذا المجال والعمل على شل ألإقتصاد وتخريب كل ما تناله أياديهم القذرة التي ظل الدم العراقي يسيل منها حتى يومنا هذا .

لم تكن عصابات القاعدة وفلول التكفيرين وكل من إنخرط في عصابات هذه التنظيمات ألإجرامية بقادرة على تنفيذ الكثير من مخططاتها ألإجرامية هذه ما لم تُمهد لها الطريق أعمال الجبهة الثانية التي لا تقل عنها جرمآ ولا ترقى عليها في تخلفها الفكري وبدائيتها وتسويقها الرخيص لبضاعة الدين في أسواق تجارتها الطائفية وعلى حلبات صراعاتها المذهبية وفي أروقة محاصصاتها السياسية وعلى ربوع الإنتماءات العشائرية والقومية الشوفينية , بين أحزاب وكيانات , أغلبها حكومية , وهذه هي الطامة الكبرى , جعلت من عصاباتها السائبة المنظمة منها والتي تعمل لحساب هذا التنظيم السياسي الحكومي أو ذاك أو تلك التي تعمل على شكل " مقاولات " إنفرادية لحساب هذا السياسي البرلماني أو ذاك , جعلت من هذه العصابات أشباح ملثمة تجوب الشوارع لتقتل وتختطف وتذبح من لا يروق عمله أو منظره أو إعتقاده لسيدهم وقائدهم ومرجعهم وإمامهم , وما أكثرهم في هذه الأيام العجاف وكأن ظهورهم الكثيف والمفاجئ هذا قد إرتبط تاريخيآ أو عن طريق الصدفة بسقوط البعثفاشية , ألله أعلم . فكان القتل والإعتداء والتخريب والإذلال من نصيب الحلاقين وبائعي المسجلات الغنائية وبائعي المشروبات الروحية والنساء السافرات , ثم التهجير القسري للعوائل وتفكيك البنى ألإجتماعية التي صبغت المجتمع العراقي بتلك ألألوان الزاهية للفسيفساء العراقي الجميل وحولت مقراتها الدينية إلى بؤر للتخريب ومراكز للتخطيط لنشر الرعب والجريمة وجعلت من المنائرمواقع لقناصتها ومن غرف المساجد مخازن لأسلحتها ومن المناسبات الدينية فرصآ لنشر سمومها وتسويق بضاعتها التي سمَّتها الدين الذي لا دين غيره والطائفة الناجية التي لا يحق لغيرها الوجود وأضفت على توجهها هذا الوكالة على تدَّيُن الناس , هذه الوكالة التي لم يسمح بها الدين الحق لصاحب الرسالة نفسه حينما قال له " وما أنت عليهم بوكيل " .
لقد أدّت جرائم هذه العصابات البدرية والمهدية والعمرية والمحمدية وكل العصابات التي تسترت بالإسلامي أو ألإسلامية خلف أسمائها وما رافق ممارساتها من سوء ألأوضاع المعاشية وانعدام الخدمات العامة وفقدان ألأمن والتكالب على المناصب واستشراء الفساد الإداري ونهب خيرات الدولة وانتشار العصابات السائبة وتفشي المحاصصات بين الأحزاب الدينية التي سيطرت على السلطة السياسية والإثراء السريع الفاحش لبعض الرموز الحاكمة اليوم بعد أن كانت بالأمس لا تملك شروى نقيرواستغلال الإنتماء الطائفي لخلق دكتاتورية معممة أو محجبة والإهمال المتعمد للجماهير الكادحة الفقيرة التي عانت الويلات من النظام البعثفاشي المنهاروخدع الجماهير بالشعارات الزائفة التي إستغلت التعلق الفطري لكثير من الجماهير الشعبية الكادحة بالتعاليم الدينية التي جعلتها إحدى ملاذاتها ضد الجور والظلم والدكتاتورية في عهودها المختلفة , ونشرت ألأفكار الظلامية من خلال ألأبواق المعممة الجاهلة التي تُسوِق الدين كما يمليه عليها فكرها البدائي , إذ أنها لا تفقه من الدين الحق شيئآ والتلاعب بمشاعر الناس من خلال الوعود الكاذبة التي ما زال المواطن بانتظارها , إلا أنه يفقد الأمل بالحصول عليها يومآ بعد يوم , كما تشير ألإحصائية أعلاه إلى ذلك , وسوف يطول بنا الحديث ويطول جدآ إذا ما أردنا التطرق إلى كل " منجزات " ألأحزاب الدينية العتيدة السنية منها والشيعية التي سيطرت على أمور البلاد والعباد في السنين ألأربع الماضية بعد سقوط البعثفاشية المقيتة . إلا أننا نعود ونقول بأن ذلك كله قد قادنا , أرضيت ألأحزاب الدينية الطائفية الحاكمة أم أبت , إلى تمزيق الهوية العراقية الصلبة الصلدة وتشذيبها إلى هويات بائسة تافهة تخلت عن العراقي لتضع مكانه الطائفي أو العشائري أو القومي أو المناطقي , الهويات المتعددة هذه التي نشرتها ألأحزاب السياسية الدينية جميعآ على الساحة العراقية والتي أخذت تتعامل معها كبديل عن الهوية العراقية أصبح تمزيقها وتشتيتها سهلآ على عصابات القاعدة التي لم تكن تجرأ على النيل من الهوية العراقية الواحدة التي إستمد المواطن العراقي قوته من قوتها وصلابته من صلابتها وشموخه من شموخها . وعلى هذا ألأساس فإن التبريرات التي يرددها البعض بجعل الإرهاب التكفيري القاعدي الطالباني هو المسؤول وحده عن هذا الوضع المأساوي الذي يمر به وطننا وأهلنا, لا تصمد أمام الحقائق التي مهدت الطريق لهذا ألإرهاب أن ينفذ مشاريعه ألإجرامية هذه بحق الشعب والوطن .
أما الجبهة الثالثة التي إستكلبت على وطننا وأهلنا فهي جبهة البعثفاشية التي أعادها فقد الهوية العراقية وتمزق الصف العراقي المعادي للبعثفاشية إلى طوائف ومذاهب وقوميات وقبائل ومناطق يسهل النفوذ من خلالها والعمل من داخلها . مَن يعود بذاكرته إلى ألأيام ألأولى لسقوط الصنم يتذكر كيف إختفت جرذان البعث ولاذت بجحورها هربآ من غضب الشعب وتجنبآ لردود الفعل التي كانت تخالج نفس كل عراقي عانى من ويلات البعثفاشية ونظامها المقبور , وهم بلا أدنى شك الغالبية العظمى من بنات وأبناء الشعب العراقي . إلا أنها سرعان ما عادت إلى الظهور بزي آخر بعد أن مهدت لها أحزاب ألإسلام السياسي , التي إستلمت السلطة السياسية , طريق الظهور هذا ولتسهل لها ألإنضمام إلى هذا التنظيم السياسي الديني أو ذاك ولا بأس من التبرك بالزي الجديد من العمائم والجُبب أو الحجاب والنقاب , بعد خلع الزيتوني والتوبة على يد السيد القائد الجديد حفظه ألله ورعاه , أو غسل الذنوب بفتوة من عالم أو هيئة أو مرجعية ترى باجتثاث البعث أمرآ معرقلآ للعملية السياسية التي ما آن لها ألأوان أن تبدأ بشكلها الحقيقي بعد . وتواصلت المسيرة البعثفاشية الطائفية الشوفينية العشائرية المناطقية المشتركة لتضع الوطن أمام خيارين أحلاهما أمرّ من ألآخر , مد اليد إلى تلك ألأيادي التي إنتهكت كل ما يمس شرف وضمير ووطنية ومبادئ الإنسان العراقي , إلى أيادي المجرمين من البعثيين القتلة بحجة المصالحة الوطنية , أو ألإستمرار بهذه الدوامة من القتل والتهجير وسوء الحياة المعاشية وتدهور الوضع ألأمني وكل المآسي التي يتحملها ألمواطن العراقي البسيط الذي لا يجد منطقة خضراء يلوذ بها ليكون قريبآ على قادته الجدد أو ليتسنى له رؤية من إنتخبهم على ألأقل , بعد أن إفتقدهم طيلة هذه المدة في جلسات البرلمان العامر بأثاثه الجديدة ,حيث يقضون أغلب أوقاتهم خارج الوطن بين الحج والتبضع والدورات التدريبية والسفرات التجارية أو اللقاءات الحميمة خارج الوطن مع رفاق ألأمس و" مقاومة " اليوم .

هذا ما جناه الشعب العراقي من التجارة الجديدة بالدين بعد أربع سنوات من سقوط التجارة القديمة بالدين من خلال الحملة ألإيمانية التي جاءت بالإحتلال الذي حرر الشعب والوطن من نفايات هذا السوق التجاري العفن . فإلى أين تسير بنا اليوم هذه التجارة الجديدة بالدين ...؟ وهل لهذه البضاعة الكاسدة نصيبآ من الرواج بعد كل هذا ألإنحطاط الذي تواجهه أسهمها في سوق البورصة العراقية الشعبية الكادحة المنسية والمتروكة بين مطرقة ألإرهاب التكفيري وسندان الطائفية والعشائرية والقومية الشوفينية والمناطقية والبعثفاشية .