| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الأربعاء 20/5/ 2009



إبدأوا بإصلاح أنفسكم أولاً ... يا فرسان الحملة ألإيمانية الجديدة

د. صادق إطيمش

الحملة التي بدأها بعض المعممين وتلاقفها بعض مَن يحسبون أنفسهم نواباً عن الشعب العراقي في البرلمان والتي صبت جام غضبها على محلات بيع الخمور داعيةً إلى تشديد الرقابة على مثل هذه المحلات وسن القوانين الكفيلة بمنعها او تشديد الرقابة عليها باعتبارها غزواً أجنبياً يُراد منه ألإخلال بالمجتمع العراقي والنيل من تقاليده ، حملة لها أسبابها التي أجبرت القوى الداعية إليها لسلوك هذا الطريق في هذا الوقت بالذات .

كلام هذه الحملة كلام تُشم منه رائحة الدجل بكل ما في هذا المصطلح من معنى . الدجل الذي يلجأ إليه المفلسون الذين يتشبثون بالدين لإنقاذ أنفسهم مما هم فيه من ضلال مبين . لقد كان مثل هذا الدجل من السمات التي رافقت النظام المقبور وجرذه الذي سعى لنشر ما سماه بالحملة الإيمانية التي إستعار نداءاتها فرسان الحملة الإيمانية الجديدة ، والكل يعلم أن الجرذ المقبور لم يلجأ إلى توظيف الدين تحت واجهة الحملة الإيمانية إلا لأنه فقد جميع مستلزمات وجوده بين الجماهير التي نبذته ونبذت تصرفات مؤسساته التي جلبت إلى الشعب العراقي الكثير من المآسي والويلات ، فهل يسير فرسان الحملة الإيمانية الجديدة على ذات الطريق الذي سلكته البعثفاشية قبلهم ..؟

لقد كان ألأجدر بكم ، ايها السيدات والسادة فرسان الحملة الإيمانية الجديدة ، أن تبدأوا حملتكم ضد أنفسكم أولاً إن كنتم تسعون حقاً لترسيخ مبادئ الدين والأخلاق والقيم الإجتماعية وذلك للأسباب التالية :

أولاً : لم يعد خافياً حتى على الطفل العراقي بانكم سواءً فيما تحتلونه من مناصب أو ما تسعون إليه من عمل أو ما تملأون به الوزارات ومؤسسات الدولة من أتباع وأقارب ومعارف أو ما تنشرونه من سماسرة تستنزف أموال الناس لغرض التعيين او الوساطة هنا وهناك في مؤسسات الدولة التي تسيطرون عليها ، أن ذلك كله أصبح بؤرة للفساد المالي وانتشار الرشاوي والمحسوبيات بحيث اصبح العراق بفضل سيطرتكم على مؤسساته المالية والخدمية في المرتبة الثالثة بين دول العالم في شدة الفساد المالي وسعة إنتشاره . فهل تذكرتم الدين والأخلاق والقيم والمبادءئ التي تنادون بها الآن لتوظيفها ضد محلات بيع الخمور والعاملين فيها حينما أطلقتم ندءات حملتكم الإيمانية الجديدة هذه....؟ أم أن ما تقومون به من نشر الفساد المالي وتعميق الخلل في عمل أجهزة الدولة التي أصبحت شبه مشلولة بفضل تصرفاتكم اللادينية هذه ، هو من صلب الدين الذي تدعونه..؟

ثانياً : في جميع المراحل التاريخية التي مر بها العراق لم ينقطع بيع وتعاطي الخمور في المجتمع العراقي ، وقد عشتم أنتم وترعرعتم في هذا المجتمع . فهل كان هذا المجتمع الذي نشأتم وكبرتم وتربيتم فيه مجتمعاً فاسقاً فاجراً فاقداً للقيم والأخلاق بعيداً عن الثوابت الدينية بسبب بيع وتعاطي الخمور....؟ لا أضنكم ستجيبون بنعم على هذا السؤال ، إذ بعكسه فإنكم سوف تضعون جل تربيتكم في هذا المجتمع وحياتكم فيه موضع الشك والريبة الدينية والأخلاقية . إن ذلك يعني ، يا فرسان الحملة الإيمانية الجدد ، أن المجتمع العراقي كان وظل وسيبقى أيضاً حريصاً على القيم التي تربى عليها ألإنسان العراقي متأثراً بالعائلة وبالتراث وبطبيعة العلاقات الإجتماعية التي لم يؤثر عليها تعاطي الخمور ، هذه الظاهرة التي ظلت ملازمة لكل الحقب التاريخية التي مر بها العراق وستظل ترافق هذا المجتمع مع إستمراره على بيع وتعاطي الخمور ، شئتم ذلك أم أبيتم . وبعكسه فإن ألإجراءات القانونية الإجبارية التي تريدون إتخاذها ضد محلات بيع الخمور وضد من يتعاطونها ستخلق جواً من الفوضى الإجتماعية التي ستتخذ من الجريمة وسلوك الطرق الغير مشروعة وسيلة للحصول على ما هو ممنوع . وعندها سينفلت التقيد بالقيم وستنتشر الفوضى وتعم الجرائم وتزداد حالات التسمم من خلال تعاطي ما هو أشد وطأة على صحة الإنسان من تعاطي الخمور ، ولكم فيما يجري في البلد الذي قد يعتبره بعضكم مثله الأعلى ، إيران ، خير مثال على ذلك.

ثالثاً : يعيش في العراق مواطنون غير مسلمين لا يُحرم عليهم دينهم بيع الخمور او تعاطيها . وهنا لابد لحملتكم ألإيمانية ، يا فرسانها الجدد ، أن تحارب على عدة جبهات . الجبهة الأولى التي تشمل المسلمين الذين تريدون إكراههم على التخلي عن تعاطي الخمور إكراماً للتعاليم الدينية ، حسب إدعاءاتكم . إن قتالكم على هذه الجبهة مكتوب له الفشل من الآن وذلك لسبب بسيط جداً وهو عدم وجود من ينظر إليكم باعتباركم تمثلون الواجهة الحقيقية التي تدافع عن الدين وتعاليمه حقاً ، حيث أنكم تخالفون ابسط القيم الدينية من خلال الفساد المالي والإداري المنتشر بينكم ، إضافة إلى عدم وجود شرعية تخويلكم على إكراه الناس على ألإلتزام بالتعاليم الدينية لأن الله منع ذلك على رسوله (ص ) حينما أمره بأن لا يكون وكيلاً على الناس وحينما جعل الإلتزام بالثوابت الدينية أو عدمه قضية شخصية بحتة . ثم أن الإكراه ، وكما تدل جميع التجارب والدراسات العلمية في هذا الشأن ، لم يأت بأية نتائج إيجابية في أي مجال من المجالات التي جرى توظيفه فيها ، بل بالعكس فإن نتائج ألإكراه قد تكون كارثية في بعض الأحيان . اما الجبهة الثانية فهي جبهة غير المسلمين من المواطنين العراقيين الذين يبيح لهم دينهم بيع وتعاطي الخمور. فما هو موقفكم من هؤلاء ...؟ هل ستأتون ثانية بالنغم النشاز القائل بأن الغالبية في المجتمع العراقي غالبية إسلامية وما على المسيحيين وغيرهم غير الخضوع لدين هذه الأغلبية...؟ إن سرتم على هذا النهج فإنكم سوف لا تكذبون أقاويلكم التي تطلقونها أنفسكم بين الحين والحين حول المساواة التي تدعونها وتدعون إليها فحسب ، بل وستتنكرون لمبادئ الدين الذين تدّعون الإنتماء إليه ، ناهيك عن تمثيله ، وموقفه من الديانة المسيحية . فلجوءكم إلى إجبار المسيحيين على ما تخططونه للمسلمين في هذا المجال لا ينم إلا على واحد من أمرين وهما : إما أنكم تؤمنون ببعض الكتاب وتتركون بعض ، وهذا ما نهى عنه الدين ألإسلامي نهياً قاطعاً ، أو انكم تتاجرون بالدين بجعل مبادءه بضاعة في أسواق العرض والطلب السياسي الذي تلجأون إليه كلما ضاق عليكم الخناق وانسدت الطرق أمامكم ، والظاهر ان الحالة التي تمرون بها الآن تشير إلى ذلك . ولا أخفي عليكم سراً ، يا فرسان الحملة الدينية الجديدة ، إن قلت لكم أن بائع الخمر الذي يكسب قوته وقوت عائلته عبر هذا الطريق الذي لا يُحرِمه عليه دينه ولا يعتدي به على حقوق الآخرين هو أشرف عندي من ذلك الذي يسرق المال العام بكل الطرق التي يسلكها من خلال تبوءه مركزاً حكوميآ أو سلطة حزبية أو حماية طائفية .

أما ما تعرض له الشيخ جلال الدين الصغير حول وجود منظمات أجنبية تزود بعض منظمات المجتمع المدني بالمبالغ المالية لفتح محلات خمور بغية تخريب القيم الإجتماعية في المجتمع العراقي ، فذلك امر يحتاج إلى كثير من النقاش والتفتيش عن ماهية هذه المنظمات المانحة للأموال وأسباب منحها لهذه الأموال . وكما ذكر الشيخ الصغير بان لديه معلومات أكيدة عن هذا الأمر ، فلا بأس إذن من الإعلان عن ذلك لنرى فيما إذا كانت هذه المنظمات الأجنبية هي من طراز المنظمات الأجنبية المسيحية ألأوربية التي سبق وأن تلقى الشيخ جلال الدين الصغير عشرات الآلاف من الدولارات منها بغية توظيفها في مشاريع إنسانية داخل العراق ولم يسأل الشيخ عن مصادر هذه الأموال التي إستلمها شاكراً بكل سرور .

أيها السيدات والسادة الفرسان الجدد ، تذكروا الجرائم التي مارستها البعثفاشية من خلال حملتها الإيمانية التي أرادت بها إصطياد المعارضين بهذه الحجج الواهية بعد أن أفلست سياسياً ، فهل أنتم على درب البعثفاشية هذا سائرون ....؟

 

 

free web counter