| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الأثنين 20/4/ 2009



رجوع الشيوخ إلى صِباهم

د. صادق إطيمش

مَن لا يعرف جمعية الطلبة العراقيين في ألمانيا عن كثب ولم يعش مؤتمراتها السنوية ولقاءاتها في مناسبات مختلفة وطنية ومهنية ، قد يُفاجأ بظاهرة غريبة حينما يشارك لأول مرة في مثل هذه اللقاءات . إن المفاجأة هذه تكمن فيما قد يراه المرء تناقضاً بين الجهة التي تقوم بتنظيم مثل هذه الفعاليات ، وهم الطلبة العراقيون في ألمانيا وبين ما يراه حين دخوله قاعة الفعالية . فمنظمو اللقاء هم الطلبة ومناسبة اللقاء قد تكون طلابية مهنية خاصة بهم ، وعلى هذا الأساس فإن المرء يتوقع اللقاء بوجوه الشابات والشباب من الطلبة العراقيين. لا لم يكن الأمر كذلك في كثير من هذه اللقاءات ، كما لم يكن كذلك أيضاً في الإحتفال بعيد التأسيس الخمسيني لهذه الجمعية الطلابية المناضلة الذي أقامته في الثامن عشر من الشهر الحالي (نيسان) في برلين ، تزامناً مع عيد تأسيس إتحاد الطلبة العراقي العام في الرابع عشر من نيسان الذي إنطلق من ساحة السباع في بغداد عام 1948.

تدخل قاعة الإحتفال فتُفاجأ بكثرة الرؤوس التي أخذ منها الشيب مأخذه ، هذ إن وُجد على الرأس شيئاً من الشعر أصلاً . وتشخص إليك ، إما مباشرة أو من خلال نظارات سميكة، عيون تعبة لا تكاد تراها بوضوح لدى البعض الذي غطت وجهه غابة كثيفة من الشيب الذي تحايل هذا أو ذاك على لونه ، في حين تركه الآخرون يشع ببياضه . ولا يمكن للمرء ان يتجاهل الظهور المحدودبة التي لا تستقيم بنهوضها إلا على مراحل إنتقالية يستقيم معها العمود الفقري المتآكل الفقرات . هذه المفاجأة التي لم يكن يتوقعها زائر إحتفالات جمعية الطلبة العراقيين في ألمانيا لأول مرة ، حيث يتوقع هذا الزائر لقاء وجوه شابة تعكس اعمار الداعين إلى هذا اللقاء من الطالبات والطلبة . لقد إعتادت هذه الجمعية ان تتذكر المؤسسين الأوائل لها والعاملين القدامى في صفوفها لتحتفل وإياهم في مثل هذه المناسبات التي تُعيد شيوخ اليوم إلى شباب ألأمس بكل ما فيه من حلو ومر . إنها إلتفاتة جميلة حقاً وتقليد يستحق كل التقدير من شبابنا اليوم أن يُشاركوا آباءهم وأعمامهم الذين كشفوا لهم هذا الطريق ، واكتشاف الغد للأجيال فن ، كما عبر عن ذلك شاعر العراب الأكبر محمد مهدي الجواهري .
إنه تقليد جميل أن يشارك الشيوخ مع الشباب ليس في إحياء المناسبات الوطنية فقط ، بل وحتى في القضايا المهنية التي قد يساهم بها هؤلاء الشيبة بما لديهم من خزين التجربة في العمل الذي أنجزوه في شبابهم في هذا المجال .

في الخامس من كانون الثاني من عام 1959 تأسست جمعية الطلبة العراقيين في ألمانيا الإتحادية وبرلين الغربية ، كما كانت تُسمى آنذاك ، كامتداد لإتحاد الطلبة العراقي العام خارج الوطن . لقد كان التأسيس ألأول ، بالإضافة إلى كونه منطلقاً من المصالح الطلابية المهنية ، إلا أنه جسد في ذلك العام أيضاً موقفاً وطنياً تجلى بالدفاع عن ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 والتي بدأت رياح الثورة المعاكسة ، المتمثلة بالإقطاع والرجعية العربية والمحلية والقوى القومية الشوفينية ، تحاول ان تعصف بها وحرفها عن المسار التقدمي الذي وضعته هذه الثورة لنفسها منذ إنبثاقها . إلا أن هذه الجمعية تبنت المواقف التي تهم الطلبة العراقيين وعملت على تحقيق ذلك ضمن كافة النشاطات التي مارستها متخذة من شعار "التفوق العلمي والعودة إلى الوطن " شعاراً أساسياً لعملها بين صفوف الطلبة العراقيين .

لقد بدأ الحفل في القاعة الكبيرة التي زُينت بشعارات الجمعية ، بالترحيب بالحضور باللغات العربية والكوردية والألمانية ثم بالوقوف دقيقة حداداً على مَن غادروا هذه الدنيا إما باستشهادهم على سوح النضال الوطني أو مَن عاجلتهم المنايا في الوطن أو في الغربة ، والذين كان لهم دوراً في أعمال الجمعية في المراحل والميادين المختلفة من نشاطاتها . ثم جرى إستعراض مراحل النشاط من قبل احد المؤسسين ، تلاه إستعراض آخر للظروف التي رافقت العمل في سنينه الأولى ، قدمه مُشارك آخر في مرحلة التأسيس والعمل الذي تم بعد هذه المرحلة .

لقد كان للإلتفاتة الجميلة التي حققها الطلبة الشباب بتكريم القدامى وتثمين ما قاموا به من أعمال وضعت اللبنات الأولى للعمل المستقبلي ، أثر بالغ التأثير لدى الحضور جميعاً ، شيباً وشباباً . لقد نودي على هؤلاء الرواد الأوائل بالأسماء ، وتقدموا ، كل على طريقته الخاصة، أرجُلٌ تكاد تتهاوى تحت جسد صاحبها ، أو أنفاس متقطعة ، إلى منصة عريفة وعريف الحفل لإستلام الجوائز الرمزية التي هيأتها الهيئة الإدارية للجمعية كجزء من الإحتفال بالمولد الخمسيني هذا .

لقد دأبت الجمعية على إحياء لقاءات صيفية لمدة إسبوع لكل الراغبين بالإشتراك في مثل هذه اللقاءات التي تتضمن تقديم الفرصة أمام الشابات والشباب للتعرف على المدن الألمانية وزيارة المتاحف والتعرف على الحياة المشتركة مع الآخرين وتوثيق العلاقات بين أبناء وبنات الوطن وتقوية أواصر إلتصاقهم بالوطن وغير ذلك من النشاطات التي يساهم المشاركون ببعض نفقاتها ، كما تساهم الجمعية بتغطية المتبقي من هذه المصاريف . لقد عُرض في هذه الأمسية فلماً عن هذا اللقاء الذي يسمى " المدرسة الصيفية " والذي جرى في العام الماضي .

بعدئذ بدأت الفرقة الموسيقية التي هيأتها الجمعية لإحياء السهرة الليلية بالأغاني العراقية القديمة والحديثة التي أطربت الحضور جميعاً شيباً وشباباً ، وحركت فيهم روح المساهمة في الدبكات والرقصات التي إهتزت لها القاعة.

إنه لأمر طبيعي جداً أن تعم الفرحة والبهجة بين المساهمين في لقاءات كهذه ، لاسيما وإنها تمثل جزءً من التراث الوطني الذي يفخر به كل من ساهم فيه ، خاصة أولئك الأوائل الذين مهدوا الطريق والذين لا يستطيعون الإبتعاد عن هذا الدرب حتى وإن أضناهم الدهر وأخذ منهم العمر أيام شبابهم التي يريدون ان يستعيدونها في مثل هذه المناسبات التي تعيدهم إلى أيام شبابهم ، فيُسعدون أنفسهم ويُريحون من حولهم ، حتى وإن كانت هذه العودة إلى الشباب لبضع ساعات .

 

free web counter