| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الأربعاء 20/12/ 2006

 

 

سُلَّم التنازلات ........إلى أين......؟


الدكتور صادق إطيمش

سبق وان تناول الكثير من الكتاب والمحللين المنصفين من العراقيين والعرب والأجانب الفكر البعثفاشي بالتحليل وصنفوه ضمن ألأفكار الشوفينية المقيته التي فُرضت على الساحة السياسية العراقية فرضآ وطُبق ضمن قوانين وتعليمات تعسفية فردية أفقدته الصلة الحقيقية بالجماهير التي عانت من ويلات هذا الفكر المقيت أربعة عقود من الزمن وأدى إلى تدمير البنى العراقية الأساسية فأوقف بذلك عجلة تقدم وتطور هذا البلد الذي يسعى أبناءه الغيارى اليوم لإلحاقه بالركب العالمي الذي تخلف عنه في ألأربعين سنة الماضية .

إنطلاقآ من هذه البديهية التي لا نقاش فيها بين العراقيين الذين عانوا ما عانوه من ويلات البعثفاشية , وهم الكثرة الكاثرة من الشعب العراقي , لا يمكن لأي محلل أو متتبع للوضع السياسي العراقي إلا أن يضع حزب البعث وفكره الشوفيني في موقع العداء للشعب العراقي بكافة أطيافه المتعددة . وهذا ما يشد من عزم كل عراقي مخلص لوطنه ومحب لشعبه أن يحث الخطى دومآ على الطريق الذي لن يسمح بتكرار هذه المأساة مرة أخرى , بل ولن يسمح أيضآ بتوفير أية فسحة على أرض العراق الجديد لفكر إرهابي عنصري مجرم كفكر البعث .

وإنطلاقآ من هذه البديهية أيضآ ومن تجارب ألإحتراب المريرة التي مرت بها القوى الوطنية العراقية على الطريق النضالي التي سارت عليه في مقارعتها للبعثفاشية , إستطاعت هذه القوى من صياغة المعادلة الوطنية التي أثبتت بما لا يقبل الشك أهمية توحيد النضال بإتجاه إزالة البعثفاشية عن أرض الوطن حتى وإن إختلفت الرؤى في أساليب هذا النضال . ومن هذا المنطلق الوطني عملت القوى الوطنية العراقية على تحقيق بعض ما يصبو إليه الشعب العراقي في نضاله ضد البعثفاشية ووجدت بعض القواسم المشتركة التي إستطاعت من خلالها عقد مؤتمراتها داخل وخارج الوطن والعمل ضمن برنامج يعكس تصوراتها العامة لمرحلة ما بعد التحرير . وبالرغم من تعرض هذا العمل المشترك للمد تارة وللجزر أخرى , إلا أن توجهه العام ظل يصب في تيار القواسم المشتركة التي حاول كل فصيل من فصائل القوى الوطنية العراقية المناهضة للبعثفاشية ألإلتزام بها .
لقد سجلت إنتفاضة الشعب العراقي في آذار من سنة 1991 أحد المفاصل المهمة جدآ في تطور العمل الوطني المعادي للبعثفاشية , حيث إنخرط في صفوف هذه ألإنتفاضة الشعبية العارمة كل من كان ينتظر هذه الفرصة للتخلص من قيود النظام الجائر والإنضمام إلى قوى الشعب بعد أن كان الكثير من هؤلاء وحتى الأمس القريب من المنضويين , إجبارآ , تحت التنظيمات الكثيرة التي أوجدها النظام الجائر لإذلال الناس والإعتداء على كراماتهم . لقد كان رد الفعل الإيجابي الذي أبدته القوى الوطنية العراقية للهاربين من جحيم البعثفاشية وللملتحقين بصفوف الشعب عن صدق وإخلاص للقضية الوطنية أمرآ جعل النظام يُشكك في أقرب المقربين إليه وبدأ يحصي حركات وسكنات حتى قادته الكبار وأصبح ألأمر لا يتعلق بالحفاظ على نظام , بل الحفاظ على رأس هذا النظام أولآ وآخرآ , حتى وإن كلف ذلك الوطن برمته . وهذا ما رأيناه فعلآ حينما بدأت البعثفاشية تؤول إلى السقوط وتتجه نحو ألإنهيار.
لقد خلقت فترة بعد ألإنهيار للنظام المقبور , وبعد إنهيار الدولة العراقية المتمثل بإنهيار مؤسساتها كافة , أوضاعآ جديدة تستدعي بناء دولة عراقية جديدة تمامآ . ولغرض تحقيق ذلك لابد للحكومة الجديدة من إيجاد المال والكادر اللذان يحققان هذه المهمة . وعلى هذا ألأساس خرجت الحكومات التي تعاقبت على الحكم لحد ألآن بمحصلة واحدة وأجمعت على أهمية توظيف الكادر السابق في أجهزة الدولة السابقة والإستفادة من خبرته لإعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية الجديدة . إلا أنها وبنفس الوقت ربطت تحقيق هذه الرغبة بشرط لا غنى عنه لإنجاح هذه التجربة الجديدة ألا وهو التمييز الحاد بين من عملوا ضمن هذا الكادر السابق وأجرموا بحق الشعب والوطن وبين من لم يساهموا من بعيد أو قريب بإرتكاب مثل هذه الجرائم كأشخاص أُجبروا على ألإنخراط ضمن هذا التنظيم. لقد شخصت الحكومات المتتالية بعد سقوط البعثفاشية , وبدون إستثناء , طبيعة ألإنضمام إلى حزب البعث العراقي المقبور والمقترن , في الكثرة الكاثرة من حالاته , لا بالقناعة المبدأية بأفكار هذا الحزب , بل بالخوف المترتب على عدم ألإنضمام الذي كان يعني في أحسن أحواله الإختفاء في سجون النظام أو الهجرة من الوطن أو قطع الرزق إن لم يكن قطع العنق . وإستنادآ إلى هذه القناعة دعت الحكومة الحالية والحكومات التي سبقتها أولئك العاملين السابقين في أجهزة ألجيش والشرطة والإعلام والنفط وغيرهم في الموسسات ألأخرى إلى العودة إلى أعمالهم كأفراد , بعد أن يثبت بياض صفحتهم من الجرائم التي إرتكبها البعثيون السابقون بحق الشعب والوطن .
إن إجماع القوى الوطنية على الساحة العراقية ألآن على تنفيذ هذه السياسة أدى إلى عودة الكثيرين من البعثيين السابقين الذين لم يرتكبوا جرائم بحق الشعب والوطن إلى أعمالهم السابقة , عدا بعض الحالات التي شذت عن هذه القاعدة والموجودة في الحكومة الحالية والبرلمان الجديد , والإتفاق على ألإستمرار على هذا النهج الذي لا زال ساري المفعول . والنداء الأخير الذي وجهته الحكومة الحالية إلى منتسبي الجيش السابق تناشدهم فيه العودة للخدمة على هذا ألأساس , وكذلك اللقاءات والمحادثات التي تمت في مؤتمر الجامعة العربية ومؤتمر مكة حول العراق , بين ألحكومة الحالية وبين من يدعون إلى عودة البعثيين أصلآ , ما هي إلا بعض النماذج لهذه السياسة .

من هنا تبرز الحاجة الملحة لتفسير مصطلح " إجتثاث البعث " ومفهوم " ألمصالحة " والعمل على إعطاءهما التفسير الصحيح البعيد عن خلط الأوراق والمزايدة السياسية والتعثر في التفسير بغية المراوغة في سوق السياسة العراقية التي تضم الغث والسمين من البضائع وتجار السياسة الجدد الذين لا علم لهم حتى ببضائعهم التي يسوقونها .
إنه من المؤسف والمخجل في نفس الوقت أن يرتبط التفكير بإيجاد الحلول للأزمة الحالية التي يمر بها الوطن , والتي إنبثقت أساسآ من خلال الممارسات الطائفية للأحزاب الدينية الفاعلة اليوم على الساحة السياسية العراقية , بربط هده الحلول بدعوة حزب البعث كحزب وليس كأفراد إنسلخوا عن هذا التنظيم الفاشي الذي إرتبطوا به طوعآ أو كرهآ ليشاركوا في العملية السياسية التي عجزت أفكار وعقول المخططين لها مند ما يقارب الأربع سنين من أن تجد طريقآ ولو ضيقآ تسير به لتحقيق البعض اليسير من الكم الكثير الذي كان المواطن العراقي ينتظره , وبحق , بعد سقوط النظام البعثفاشي . السياسة الطائفية المقيتة للأحزاب الدينية كافة أخذت تضيف درجات جديدة على سُلّم التنازلات التي تتبناها يوميآ بعد أن فرغ خزينها السياسي من كل شيئ إلا من الفكر الطائفي الذي يدعي الكل التنكر له , إلا أن الكل يعمل به على كافة ألأصعدة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية إنطلاقآ من سياسة المحاصصات التي تبنتها هذه الأحزاب جميعآ وبدون إستثناء , وحياة المواطن العراقي اليوم وبعد مرور أربع سنين على سقوط الصنم لخير دليل على هذا التوجه الطائفي لسياسينا الجدد . إن سياسة التنازل عن كل شيئ التي جعلت السيد مستشار ألأمن القومي يعلن صراحة وبدون أي تردد عبر القنوات الفضائية بعدم وجود أي خط أحمر بعد اليوم يمكن أن يقف عائقآ أمام من يريد ألإشتراك بالعملية السياسية , إن مثل هذه السياسة المستعدة للتنازل عن كل شيئ في سبيل الحفاظ على النهج الطائفي المقيت والتي لا تريد ألإعتراف بفشله وتصر على ألإستمرار به متجاهلة عمق الهوة بين مكونات الشعب العراقي وهذا التوجه الجديد على الساحة العراقية والغريب على تاريخ الشعب العراقي , إن مثل هذه السياسية لا يمكن أن تحقق آمال وطموحات يتامى شهداء جرائم البعثفاشية بدعوة التنظيم السياسي الذي قتل وهجّر ونفى وأفقر وشرد وقمع الملايين من الشعب العراقي , بدعوة حزب البعث كتنظيم للمساهمة في العملية السياسية الجارية اليوم بالعراق . إن التاريخ ألأسود لهذا التنظيم الفاشي الذي هو أقرب إلى تنظيمات عصابات الإجرام المافيوزية منه إلى التنظيم السياسي مليئ بالشواهد التي تنمنحه شهادات التفوق في الجريمة وخيانة المواثيق وسحق العقود والإتفاقيات والتنكر لكل ما هو أخلاقي مبدئي . لقد برهن هذا التنظيم الإجرامي على مدى أربعة عقود من تاريخ العراق الحديث عدم أهليته لوضعه في صفوف القوى العاملة ضمن المباذئ السياسية المتعارف عليها حتى لدى أعتى ألأنظمة وأكثرها تخلفآ . ولا ندري ما هو المسوغ الذي دعى القادة السياسيون العراقيون اليوم للإستعانة بعصابات كعصابات البعث لحل ألأزمة الخانقة التي يمر بها الوطن اليوم وهم يعلمون تمامآ أن أزمة الوطن الكبرى هي طائفية ألأحزاب الدينية المسيطرة اليوم على البرلمان والحكومة والتي تتناحر فيما بينها على إقتسام الغنيمة الجديدة وحتى ضمن الطائفة الواحدة .
العداء للبعثفاشية , يا تجار السياسة الجُدد , لا مجال فيه للمزايدات الفارغة والتبجح ألأجوف , وتقديم التنازلات تلو التنازلات لحزب لم يترك سبيلآ للجريمة بحق شعبنا ووطننا إلا وسلكه , العداء هذا يعيش في أحشاء كل عراقي شريف ويذكّره يوميآ بعزيز مفقود أو حق مسلوب أو شهيد لا قبر له أو مشوه الجسم والعقل من لا شفاء له أو غريب مهاجر على هذه المعمورة أو بوطن مخرَب ومُدَمَر أو ......أو...... من الجرائم البشعة التي إقترفها النظام المقبور بحق الشعب والوطن . فلا تلوثوا صفاء هذه القناعة , بالله عليكم, بأوساخ طائفيتكم وغباء سياستكم .