| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الجمعة 1/6/ 2007

 


 

الهدامون


د. صادق إطيمش

في مقاله المنشور على الموقع ألأغر " ناصرية نت " كتب ألأستاذ ألدكتور حيدر مجيد رستم الحصونة مقالآ عن المرحوم أللواء سيد حميد الحصونة تطرق فيه إلى حياة هذا الرجل العسكري المعروف والذي علت شهرته في فترة قيادته للفرقة العسكرية العراقية ألأولى إبان حكم الزعيم الوطني الراحل عبد الكريم قاسم . لقد تطرق الدكتور الفاضل إلى بعض مفاصل حياة المرحوم أللواء الحصونة وركز على توجهاته الدينية وعلاقته المباشرة بالأوساط الدينية والمرجعية الشيعية آنذاك ممثلة بالمرحوم السيد محسن الحكيم .

إنه لشيئ جميل جدآ أن يجري إستذكار رموز العراق التي لعبت دورآ ما في تاريخه الحديث . ولكي يكون هذا ألإستذكار علميآ من الناحية ألتاريخية , يعكس الواقع الصادق الذي عاشه صاحب الذكرى , فلابد من التجرد من العواطف التي قد تُسيئ إلى هذه الذكرى وإلى صاحبها على حد سواء . وحينما تطرق ألأستاذ الدكتور حيدر الحصونة إلى حياة أللواء المرحوم سيد حميد الحصونة ركز بشكل واضح على الجانب الديني من حياة اللواء المرحوم , وهذا ما يتعلق بالجانب الشخصي في حياته , إذا ما أعتبرنا الدين وسيلة لتنظيم العلاقة بين ألإنسان وخالقه بالدرجة ألأولى ومن ثم بين ألإنسان ومجتمعه القريب والبعيد , ومرّ عابرآ على بعض المفاصل من حياة اللواء المرحوم التي تتعلق بالمنصب الذي كان يحتله والذي جعله من ذوي الشوكة في المنطقتين الوسطى (الفرات ألأوسط ) والجنوبية من العراق . هذا المنصب الكبير الذي تبوأه اللواء المرحوم سيد حميد حصونة وضعه أمام مسؤولية وطنية كبيرة ومتشعبة تتعدى قناعاته الدينية , لترتبط بالمسألة الوطنية الكبرى التي يجب أن يتعامل معها صاحبها من منطلق " ألدين لله والوطن للجميع " , حيث يقع تحت هذا الجميع كل مواطن يعيش على هذه البقعة من الوطن دون النظر إلى لون جلدته أو إسم عشيرته أو بنات أفكاره ومعاملته إسوة بغيره طالما لم يقم هذا المواطن بأي عمل مخالف للقانون أو يعتدي على ألآخرين في اي مفصل من مفاصل حياتهم . وحتى إدا أردنا التوجه نحو الدين أيضآ كثابت من الثوابت ألأخلاقية فإننا , كمسلمين , يجب أن نذكر أول ما نذكر أن الدين ألإسلامي الحنيف دعى إلى هذا التعامل مع ألمواطن وأعتبر ذلك مبدأ من المبادئ التي لا يمكن التفريط بها , والأمثلة من التاريخ ألإسلامي القديم والحديث في هذا المجال أكثر من أن تُعد وتُحصى . أي أن ولي ألأمر الحاكم يجب أن ينطلق من الولاء العام قبل أن يفكر بالولاء الخاص في حالة إصدار أو تنفيذ حكم ما على مواطن أو مجموعة من المواطنين , واعتبار القانون هو الفيصل في تقييم ألفعل وتحديد رد الفعل الناجم عن ذلك , وهذا ما أطلق عليه ألإسلام الحكم العادل الذي يجب أن يتصف به الحاكم العادل الذي فضله ألإمام أبو حنيفة (رض) على الحاكم الجائر وإن كان هذا الحاكم متدينآ . فهل كان المرحوم أللواء عادلآ بين الرعية التي كان يتولى أمرها على بقعة واسعة من العراق , أم أنه ترك العنان لقناعاته وعلاقاته الدينية الخاصة لتحدد العقاب والثواب الذي كان يقرره تحت تأثير هذه القناعات ومن خلال هذه العلاقات...؟
لا أدري كم هو عمر الأستاذ الدكتور حيدر مجيد رستم الحصونة , أرجو له الصحة وطول العمر , وما إذا كان ألدكتور قد عاش أحداث تلك الفترة وما ترتب عليها من مآسي خلقتها فتوى السيد محسن الحكيم , رحمه ألله , بتكفير الشيوعية والشيوعيين واستغلال هذه الفتوى أوالسير وراءها دون النظر إلى النتائج التي تترتب على هذا التوجه الذي إنعكس سلبيآ على حياة عشرات ألآلاف من المواطنين وعوائلهم وأطفالهم وأرزاقهم , لا لذنب جنوه أو جرم إرتكبوه سوى قناعاتهم بفكر سياسي معين , كما وشمل هذا الحيف حتى أولئك الذين لا يقفون ضد هذا الفكر والذين أُعتبروا من المؤيدين له , والفكر المقصود هنا بالتحديد هو الفكر الشيوعي سواءً من خلال ألإنتظام في صفوف الحزب الشيوعي العراقي او من خلال تأييده دون أي عمل تنظيمي . وليس آخر هذه المآسي ألإستغلال السافر الوقح لهذه الفتوى الذي وظفه حزب البعث وكل القوى الحاقدة على ثورة الرابع عشر من تموز وعلى أغلب العاملين تحت إمرة الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم والمرحوم أللواء الحصونة أحدهم , وما لاقاه أللواء المرحوم من ألإنقلاب البعثفاشي ألأسود في الثامن من شباط عام 1963 إلا دليلآ ثابتآ على ذلك . لقد عشتُ , عزيزي الدكتور حيدر الحصونة ,بإعتباري من أهالي هذه المنطقة , كما عاش عشرات ألآلاف غيري مآسي هذه الفترة ألتي ساهم فيها, مع ألأسف الشديد أللواء سيد حميد حصونة , رحمه ألله وغفر له ذنوبه , حيث أصبحت المطاردات والإعتقالات والملاحقات وحتى الملاحقة بالرزق , من خلال الحملة على باعة الجرائد والمكتبات التي تقتني جريدة الحزب الشيوعي العراقي , ومداهمات البيوت من قبل الشرطة والجيش على حد سواء , لقد اصبحت هذه الممارسات مع ألأسف الشديد السمة الغالبة على الجو السياسي في منطقة الفرقة ألأولى آنذاك والتي جعلت أهلها يتصورون حياتهم في جمهورية أخرى غير جمهورية الرابع عشر من تموز ويتعاملون مع قوانين أخرى غير قوانين الرابع عشر من تموز, بل قوانين الفتاوي الدينية التي تتميز بالطابع التعبدي لكل شخص أراد ألإقتداء بها أو لا يريد , وليس لها أية علاقة بقانون الدولة العام الذي يشمل الدولة بكاملها التي جعل المرحوم أللواء السيد حميد حصونة بعض مناطقها وكأنها مقاطعات خاصة تُنفذ فيها القوانين التي يراها حاكم هذه المناطق وهذا ما جرى فعلآ في منطقتي الفرات ألأوسط والمنطقة الجنوبية إبان تولي المرحوم ألحصونة قيادة الفرقة الأولى التي أخضعت هذه المناطق إلى حكمه المباشر لها . إن أهالي هذه المناطق الذين عاشوا هذه المرحلة بوعي لا يذكرون المرحلة هذه بخير , وذلك لا علاقة له بشخصية المرحوم أللواء الحصونة , فهو من عائلة هاشمية معروفة ترتبط بها كل معالم الشرف الرفيع والحسب التاريخي والنسب السامي . إن ألأمر يتعلق بتصرفه الخاطئ , وجل من لا يخطأ , تجاه شريحة إجتماعية واسعة من ألمواطنين , إعتبرها اللواء المرحوم من الهدامين , حسب رأيه , والذين كانوا تحت رحمة جنوده الذين تلقوا ألأوامر المباشرة منه لإعتقال وتشريد ومحاربة وحتى قتل كل من تحوم حوله الشبهات بانتماءه إلى الحزب الشيوعي العراقي أو حتى التعاطف معه سواءً من قراء جريدته أو باعتها وموزعيها, أو أولئك الذين رفضوا سب الشيوعيين أو التنكر لهم أو حتى التخلي عنهم ومحاربتهم , حسب منطوق الفتوى ,لأنهم كانوا إما من بين أبناءهم أو من ذوي القربى أو من ألأصدقاء أو الجيران أو أية علاقة أخرى كان لها تأثير إجتماعي يستوجب هذا التصرف , خاصة وإن العاملين مع الشيوعيين وأصدقائهم والمتعاطفين معهم ومع نضالهم الوطني كانوا يشكلون نسبة عالية جدآ من سكنة منطقتي الفرات ألأوسط والمنطقة الجنوبية في ذلك الوقت . إن الجو المشحون بالتوتر الذي خلقته هذه الفتوى إزداد توترآ وهيجانآ وهلعآ وخوفآ بعد أن تحول منطوق الفتوى النظري إلى تطبيق واقعي إتسم بالعنف وتعميم هذا العنف وتنفيذه دون أية جريمة قام بها كل من تعرض إلى هذا العنف , سوى حمله لفكر معين أو تعاطفه معه ألذي إعتبره المرحوم أللواء سيد حميد حصونة جريمة لانها لا تتفق مع ما يؤمن به هو أو ما يؤمن به مرجعه الديني , وهو الرجل المتدين الذي يعلم تمامآ أنه ليس لأنسان الحق إجبارإنسان آخر على نبذ أو إعتناق فكر معين حتى في مجال الدين حينما نهى ألله سبحانه وتعالى رسوله محمدآ (ص) أن يكون وكيلآ على ألآخرين ( وما أنت عليهم بوكيل ) في أمور دينهم , بينما أجاز السيد أللواء الحصونة , رحمه ألله , لنفسه أن يكون وكيلآ على الناس في أمور دنياهم تنفيذآ لقناعاته الخاصة التي ليس لها الطابع الشمولي في دولة كان هو يقف على رأس إحدى مؤسساساتها التي تمثل الكيان العام لهذه الدولة بكل مفاصلها وليس كيانآ فرديآ أو دينيآ خاصآ .
ألفتنة ألإجتماعية التي خلقتها هذه الفتوى , جرى صب ألزيت على نارها التي أشعلها البعثيون والرجعيون والإقطاعيون لحرق ثورة الرابع عشر من تموز ورجالها ومكتسباتها , من قبل القوى التي تجاوبت مع التوجه السلبي لهذه الفتوى , بالرغم من وجود بعض رجال الدين ومن وكلاء السيد محسن الحكيم , رحمه ألله وغفر له , نفسه والذين تجاهلوا هذه الفتوى لعلمهم بما ستجره على البلاد والعباد من قِبل مستغليها , إلا أن المرحوم اللواء الحصونة لم ينتبه إلى هذا الأمر مع الأسف الشديد وساهم , بعلم أو بدون علم , بذبح ثورة الرابع عشر من تموز بعد أن نجح أعداؤها بعزلها عن مؤيديها والإنفراد بها , والشيوعيون العراقيون , بالرغم مما تعرضوا له من مطاردات وملاحقات واعتقالات وحتى القتل , ظلوا من أخلص المدافعين عن ثورة تموز ومبادئها .
لعل ظاهرة مساعدة أعداء ثورة الرابع عشر من تموز من قبل بعض رجال الثورة نفسها , إنطلاقآ من الإصرار على فكر خاطئ وربما بحسن نية أيضآ , على قتل الثورة , ظاهرة لم ينفرد بها الزعيم الوطني الراحل عبد الكريم قاسم وحده , بل شاركه فيها بعض العاملين معه أو تحت إمرته , هذه الظاهرة التي بدأت تسجل تاريخ العراق ألأسود في الثامن من شباط 1963 وحتى يومنا هذا ولا ندري ماذا ينتظر سفينة العراق من أمواج عاتية ومجاميع قراصنة مجرمة . ليكن ألله في عون هذا البلد وأهله وليغفر لكل من ساهم بقذفهم في هذا اليم الهادر, عالمآ كان أو جاهلآ بما قام به .