| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

                                                                                     السبت 19/5/ 2012



مآل التنكر لمبدأ حق ألأمم والشعوب في تقرير مصيرها

د. صادق إطيمش 

التعامل مع القضايا المبداية والسجالات الفكرية التي تدور حولها يتطلب اولاً وقبل كل شيئ تحقيق الأسس العلمية المتعلقة بمثل هذه السجالات كي يأخذ النقاش الطابع الذي يستحقه من الجدية والموضوعية بعيداً عن الإنفعالات الآنية وردود الفعل العاطفية التي لا تغني نفاشاً ولا تسمن فكرة .

طالما تناولت النقاشات واحداً من هذه القضايا المبدأية والمتعلق بحق تقرير المصير للشعوب المضطَهَدَة الذي نصت عليه كثير من الوثائق الدولية واعتبرته ملازماً لمسيرة التطور التاريخي الذي تمر به الإنسانية التي تجاوزت عهود العبودية والإقطاع وهي في طريقها لتجاوز آليات الرأسمالية الإستعمارية بشكلها القديم لتنتقل إلى مرحلة النضال الحاسم للتغلب على آليات الرأسمالية الإحتكارية بشكلها الحديث وطرق تعاملها مع الشعوب في مرحلة التطور الجديدة التي افرزتها حضارة القرن الحادي والعشرين من عمر البشرية ، مستخدمة في ذلك كل إنجازات العلم والمعرفة التي إنتشرت اليوم في أكثر بقاع عالَم قرية هذا القرن.

وبالنسبة لوطننا العراق كان ألإلتزام بهذا المبدأ ، مبدأ حق الأمم والشعوب في تقرير مصيرها ، من أساسيات العمل السياسي لقوى اليسار العراقي التي تبلورت بداياتها في عشرينات القرن الماضي لتشكل بعدئذ الحزب الشيوعي العراقي كاول تنظيم يساري عراقي يتبنى الماركسية اللينينية وما نصت عليه في هذا المجال المتعلق بحق الأمم والشعوب بتقرير مصيرها دون وصاية او تحكم خارجي .

وظل الحزب الشيوعي العراقي وفياً لهذا المبدأ ، وظل العاملون معه والمؤيدون له ورفاق فكره سواءً ضمن تنظيماته أو خارجها على قناعة ثابتة في أهمية عكس محتويات هذا المبدأ ألإنساني على حالة الشعب الكوردي في العراق لينسحب على كل الشعب الكوردي وعلى كل بقاع كوردستان التي مزقتها صراعات القوى الإستعمارية بين دول المنطقة ليظل الشعب الكوردي حتى يومنا هذا يمثل اكبر شعب على وجه الأرض لا دولة له .

وحينما نتكلم هنا عن القناعة الثابتة بتفعيل هذا المبدأ فيجب والحالة هذه ان نسمح لأنفسنا بتجاوز أمرين اساسيين :
اولهما هو عدم تجاهل المعطيات الذاتية والموضوعية التي تمر بها الحركة التحررية للشعب الكوردي في كل مرحلة من مراحل تطورها وعلى جميع بقاع كوردستان ومدى علاقة هذا التطور بالوضع الإقليمي والعالمي ، مع دراسة كل الإحتمالات التي تترتب على هذا الوضع .

وثانيهما هو ان هذه القناعة يجب ان لا تخضع لمتغيرات المزاج السياسي سواءً داخل حركة التحرر الكوردية أو خارجها بين صفوف المؤيدين للحق المبدأي للشعب الكوردي بتحقيق مصيره بنفسه . أي بعبارة اخرى هو ان يجري التعامل مع هذا المبدأ تعاملاً بعيداً عن التأثيرات العاطفية الآنية أو تأثير تقلبات السياسة اليومية .

وبتحقيق هذين المبدأين فقط يمكن الخوض في حوار كهذا يبتعد كثيراً عن العواطف وردود الفعل المترتبة عليها ويجنبه بالتالي السقوط في متاهات الذاتية .
فالموضوعية الواعية المنطلقة من الحيثيات العلمية هي وحدها التي ستؤسس لنقاش مبدأ اممي كهذا المبدأ الذي لم يعمل على تزييفه او تجييره لهذا الهدف او ذاك إلا اولئك الذين يستخدمون كل ما في جعبة اعداء هذا المبدأ من تلفيقات زائفة وادعاءات باطلة بغية تجريده من محتواه الإنساني ووضعه ضمن أطر التعصب القومي والإصطفاف البعيد عن صفوف الشعب المعني . ونخص في هذا المجال شعبنا الكوردي في العراق وفي عموم كوردستان أيضاً.

أما الإبتعاد عن مثل هذا النمط في التعامل مع مصائر الشعوب واستحقاقاتها التي ستنتزعها إنتزاعاً طال امد الإضطهاد او قصر فسيؤول إلى ما آلت إليه كل الأفكار الشوفينية التي تبيح تبرير إستغلال واضطهاد من يحسبون انفسهم قادة لأمة ، أمة أخرى أو من يجعلون أنفسهم في موضع القيادة لشعب ما ليضطهدوا من خلال هذا الموقع شعباً آخراً . إن التنكر لهذا المبدأ الإنساني سيقود عاجلاً أم آجلاً إلى :
- التنكر لمبدأ اممي أقرته حركات التحرر الوطني . وهذا يعني الإبتعاد عن هذه الحركات والتنكر لها والإنفراط عن صفوفها . ولا ادري مَن سيتشرف بموقف كهذا الموقف الذي يجد الإنسان نفسه فيه مع إصطفاف اعداء الشعوب المناضلة في سبيل حقوقها وحريتها .

- التنكر لهذا الحق الأممي قد ينسحب على التنكر للحريات الأخرى الثقافية والسياسية التي ترتبط عملياً ليس بحق الشعب المعني بمفرده وإنما بحقوق وحريات الشعوب التي لها علاقة مباشرة اوغير مباشرة بهذا الشعب . وخير مثال على ذلك نجده في وطننا العراق والمتمثل بالعلاقة التي تربط الشعب الكوردي بالأقوام الأخرى التي تعيش معه على ارض الوطن المشترك حتى الآن . فإذا ما ناصب رافضو هذا المبدأ العداء لكل من يعمل على مناصرة الشعب الكوردي في نيل حقوقه ، كأي شعب آخر ، فإن هذا العداء قد يؤدي إلى تأزم المواقف داخل المجتمع المشترك وبالتالي تطور وسائل وآليات هذا العداء الذي سيهدد السلام الإجتماعي باكمله .

- التنكر لهذا المبدأ ألإنساني يعني التنكر لمبدأ المساواة والدفاع عن فكرة افضلية شعب او أمة على شعب آخر او امة اخرى . وهذا يعني بدوره تفعيل مبدأ القوة لتحقيق الغلبة ومن ثم السيطرة والتحكم . هذا المبدأ الذي وظفته قوى الإستعمار العالمي لتتحكم بموجبه بمقدرات شعوب وأمم نالت بعدئذ ما نالت من سيئات هذا التحكم سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً . إن الأفكار والطروحات التي لا زالت تؤمن بمثل هذا النهج في التعامل مع الأمم والشعوب المختلفة قد بصق عليها التاريخ ويسير بها الحاضر نحو هاوية السقوط الذي لا قيام بعده ، تاريخ وحاضر الشعوب وتطلعاتها نحو الحرية والعدالة الإجتماعية . إن نهجاً معادياً كهذا سيصب بالتالي في مجرى التنكر لمسيرة التاريخ التي لا تعرف التوقف او التلكؤ اوالنظر إلى الخلف .

- إن التنكر لمبدأ حق الأمم والشعوب في تقرير مصيرها سيحول دون تحقيق الدولة المدنية التي لا يمكن تحيقها إلا على اساس المواطنة اولاً دون الإلتفات إلى القومية او الدين او الجنس او اللون . وهذا يعني ان دولة المواطنة المدنية هذه كفيلة بضمان حقوق كل فرد ، سواءً كثُر عدد جماعته او قل ، بممارسة كل الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية وفي حقبها المختلفة . وهنا يجب التأكيد على الأنماط التي يمكن من خلالها ممارسة هذه الحقوق والمتعلقة بطبيعة النظام القائم في الدولة المدنية وخصائص المرحلة التي تمر بها داخلياً وإقليمياً وعالمياً . ولتقريب هذه الفكرة أكثر يمكننا التطرق إلى نظرية اخرى تتعلق بالشعب الكوردي ايضاً ونضاله في سبيل حقوقه سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً .فقد طرح القائد البارز للشعب الكوردي السيد عبد الله أوجلان والمحتجز الآن في سجون الدولة التركية منذ اكثر من عشر سنوات نظرية الإدارة الذاتية للشعب الكوردي ضمن الدول القائمة الآن والتي تتوزع عليها كوردستان شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً . لقد وضع السيد اوجالان هذه الأفكار باعتبارها القريبة إلى الواقع الحالي والممكنة التحقيق ايضاً وبالطرق السلمية لو تخلت الأنظمة المضطَهِدة للشعب الكوردي وتطلعاته عن عنجهيتها العنصرية وعن فكرة التفوق والنظرة المتعالية التي تتعامل بها الأنظمة المسيطرة على كوردستان مع شعب كوردستان . إن ذلك يعني ان هناك الكثير من الحلول التي يمكن طرحها على بساط البحث حينما يجري الحوار حول تفعيل حق الأمم والشعوب في تقرير مصيرها . إلا ان الأمر الذي لا ينبغي التغافل عنه او إهماله هو ان اي حل من هذه الحلول لا يمكن ان يأتي إلا من قِبَل الشعب المعني نفسه دون وصاية من أحد ودون اوامر فوقية.

خلاصة القول هو ان لا نجعل الموضوعية تتراجع امام الذاتية في التعامل مع الشعوب وحقوقها . وان لا نسمح باختفاء المبادئ ذات المحتوى الإنساني خلف الستائر الواهية للعواطف ذات المحتوى الشخصي الفردي والآني ، إذ ان مثل هذا المنحى سوف لن يقودنا إلا إلى ألأنانية المقيتة التي لا خير يُرجى من وراءها .

 







 

free web counter