| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الجمعة 19/12/ 2008



ألإزدواجية في فكر الإسلام السياسي
(1)

د. صادق إطيمش

ألأجواء الإنتخابية التي تعيشها معظم المحافظات العراقية في هذه الأيام والدعايات المرافقة لها أفرزت الغث والسمين من التجمعات والكيانات التي جعلت أغلب المواطنين في حيرة من امرهم أمام هذا التكاثر الإنشطاري لهذه الكيانات التي لم يسمع بها إنسان من قبل في تاريخ العراق السياسي الحديث . ومن ضمن هذه الكيانات التي يتمثل فيها هذا التكاثرهي تلك التجمعات والأحزاب والكيانات التي إتخذت من الدين الإسلامي شعاراً لها في طروحاتها السياسية وفي تعاملها اليومي مع الجماهير . ونرغب هنا أن نسلط الضوء على بعض هذه الكيانات التي إتخذت من الدين وسيلة للوصول إلى السلطة السياسية ، أو ما نطلق عليه الإسلام السياسي ، الذي جاء بطروحاته ألســـــيـــــاديــــــنـــــيـــــة ، والتقصي عن مدى صحة هذه الطروحات ومصداقيتها ومساعدة الناخبين على التعامل معها وتقييمها بما تستحق ، حين الذهاب إلى صناديق ألإنتخاب .
بادئ ذي بدئ نستطيع القول بأن هذا النوع من التجمعات السيادينية تجمعات تبرز أمام المجتمع بوجوه عدة أهمها الوجهين السياسي والديني وهذا ما يجعل منها كيانات تعاني من الإزدواجية في طرح آراءها وبالتالي إلى إنفصام الشخصية لدى ألأفراد القائمين على تبني هذه الآراء . ولا أعتقد بأن اي شخص يتعامل مع الإنتخابات ، بصورة عامة كمبدأ ديمقراطي ، يرضى لنفسه بوضع ثقته ، التي هي جزء من مسؤوليته الوطنية ، بين يدي مَن يعاني من إزدواجية الفكر الذي يقوده بالضرورة إلى إنفصام الشخصية . فكيف يمكننا التقصي عن ذلك والتأكد منه ..؟ قبل التطرق إلى هذا الأمر يجدر بنا التحري عن الأسباب التاريخية والفكرية التي أدت إلى نشوء الإسلام السياسي في المجتمعات الإسلامية . ألإسلام السياسي ، باختصار شديد ، يعني توظيف الدين الإسلامي من خلال خطاب ديني مًبرمَج للوصول إلى تحقيق أهداف سياسية أهمها السيطرة على الحكم . لقد مر التاريخ الإسلامي بفترات تاريخية مختلفة وسمت المجتمعات الإسلامية بسماتها التي رافقتها طيلة مسيرتها منذ ظهور الرسالة ألإسلامية حتى الآن . كما سنتطرق إلى ذلك بعدئذ . إلا ان الحقبة الإسلامية الأولى التي بدأت بنشر الرسالة الإسلامية سنة 610 ميلادية والتي إستمرت حتى وفاة النبي محمد (ص) سنة 632 م تعتبر من أهم الفترات في التاريخ الإسلامي وذلك للأسباب التالية : أولاً : وجود العلاقة بين الأرض والسماء عن طريق الوحي الذي كان يتلقاه صاحب الرسالة .
ثانياً : تمكن الرسول من خلال ذلك تطبيق ما أراده منه صاحب الرسالة بأن يسعى لتحقيق نص الآية القرآنية القائلة " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِل إليهم لعلهم يتفكرون " ( النحل 44 ) . ثالثاً : كانت شخصية الرسول شخصية قيادية مُطاعة والمرجع الأساسي في التوجيه باعتباره لا ينطق عن الهوى. أما بعد وفاة الرسول وانقطاع الصلة بين الأرض والسماء عن طريق الوحي، فقد أصبح امر الدين وخاصة فيما يتعلق بتفسير النص القرآني وتأويله والإجتهاد فيه وما يترتب على ذلك من الفتاوى المتعلقة بحياة الناس في شؤون دينهم ودنياهم ، كل ذلك أصبح أمراً بشرياً خاضعاً للخطأ والصواب الذي يرتبط بأعمال البشر دوماً . لقد اصبح توظيف الفكر البشري هو العامل الحاسم في فهم النص الديني قرآناً كان أم حديثاً .واستناداً إلى إختلاف الفهم البشري لهذين المصدرين الأساسيين للدين الإسلامي ، إختلفت المدارس الفقهية في الإسلام كنتيجة منطقية لإختلاف المفهوم البشري في القضايا المطروحة على المجتمع دينية كانت أم إجتماعية . لقد إختلفت المدارس الفقهية التي نشأت في الحقب التاريخية المختلفة في تفسيرها وتأويلها للنص ومن ثم التعامل معه في مسار الحياة اليومية .وعلى أساس هذه الإختلافات في الطروحات والتفسيرات والتأويلات والفتاوى الناتجة عن كل ذلك ، تبلورت فئات وتجمعات وفرق إسلامية مختلفة تنطلق من الأسس التي توصلت إليها من خلال موقفها من النص القرآني او من السنة النبوية . تعتبر حركة الأخوان المسلمين التي اسسها حسن البنا في مصر عام 1928م ، كردة فعل إسلامية على إنتهاء الخلافة الإسلامية التي أدت قوانين الدولة العلمانية التركية بقيادة كمال أتاتورك إلى إلغاءها سنة 1924م ، تعتبر هذه الحركة الحاضنة المُنظَمة الأولى للإسلام السياسي بعد الحرب العالمية ألأولى . ثم تطورت هذه الحركة بعد نشوء الجماعة الإسلامية في باكستان من قبل ابو العلاء المودودي في أوائل ثلاثينات القرن الماضي ، بحيث وصلت إلى قمة تطورها الفكري الذي قادها نحوه مُنظِر هذه الحركة ومفكرها سيد قطب . إن التطور الذي إرتبطت به هذه الحركة بعدئذ أصبح ملازماً لها ليس في المواقع التي نشأت عليها فقط ، بل وفي جميع مناطق إنتشارها في المجتمعات الإسلامية . وتكاد تكون السمات التي إتسمت بها هذه الحركة التي أخذت طابعاً سياسياً واضحاً يسعى إلى إستلام السلطة السياسية في البلدان التي يتواجد فيها ،سمات ملازمة لهذه الحركة لا تختلف كثيراً حتى باختلاف المناطق التي تتواجد فيها . لا يسعنا المجال هنا تناول كل هذه السمات ، ولكننا سنحاول ألتركيز على واحدة منها تكاد تكون أشهرها واكثرها إنتشاراً بين تيارات الإسلام السياسي في مواقعها المختلفة . إنها سمة ألإزدواجية في في فكر هذا التيار السياسي وفي الخطاب الذي يتوجه به دعاته إلى الجماهير وما ينجم عن ذلك من التناقض داخل هذا التيار. الإسلام السياسي مصاب بداء الإزدواجية في الموقف لأنه لا قدرة له على حسم موقعه ألإجتماعي أهو موقع ديني أم موقع سياسي...؟ إن هذا العجز في تحديد الموقع ما هو إلا نتيجة منطقية لعجز فكر هذا التيار الذي لا يستطيع أن يحسم الموقف كموقف ديني أو موقف سياسي فيسيئ بذلك إلى ألإثنين معاً ، إلى الدين وإلى السياسة . وهذه بعض ألأمثلة التي نعيشها يومياً لهذا التيار السياديني . رجل الدين الذي يدخل حلبات السياسة اليومية لا يدخلها لغرض خدمة المبادئ الدينية التي يدعي الإيمان المطلق بها ، بل لإستغلال هذه المبادئ الدينية التي تعتبر ثابتة في محتواها وتعاليمها لأغراض سياسية متغيرة يومياً ، تتقلب بتقلبات الوضع السياسي العام . إن هذا الإستغلال السياسي للدين يؤدي برجل الدين السياسي لأن يتقمص شخصيتين في آن واحد : شخصية الديني وشخصية السياسي . ومن خلال هذا التقمص تبرز ظاهرة إنفصام الشخصية عند مَن يضعون على أنفسهم ما ليس لديهم . هذه الظاهرة أدركها علم النفس الحديث وشخص أسبابها. إلا أن المُقزز في الأمر هو أن يُطالب صاحب الشخصية المزدوجة هذا بفرض العقوبات على مَن لا يعترف بهاتين الشخصيتين لهذا المُدعي : الشخصية الدينية والشخصية السياسية في آن واحد ، ويعمل من خلال ذلك على إستغلال الواجهة الدينية واللباس الديني والمبادئ الدينية التي تقمصتها شخصيته الدينية ليدافع بها عن شخصيته السياسية التي تفرض عليه التقلب بين الموازنات السياسية المتغيرة يومياً ، ولينطلق من قدسية طروحاته التي يقدمها كطروحات سيادينية لا يمكن الإعتراض عليها ، ومن يتجرأ على فعل ذلك فإنه يستحق العقاب لأنه تطاول على الدين أو مَن يُمثل الدين . وهكذا تظل لغة المقدس والمسدس لغتان تتناغمان مع بعضهما البعض في فكر الإنسان السياديني ، إنسان الدين والسياسة في آن واحد . ويمكننا تناول مثل آخر على إزدواجية ألإسلام السياسي وانفصام الشخصية لدى مريديه وذلك من خلال الموقف ممن يسميه هذا التيار ب ( أللاإسلامي ) . كثيراً ما نسمع من قادة ودعاة هذا النهج ، الذي ألبسوه لباساً دينيا، بانهم يحثون على مخالفة الكافر أو مخالفة الكفار والإبتعاد عن كل ما هو غير إسلامي . أو دعوتهم للعودة إلى السلف والتعامل مع المعطيات اليومية الآنية كما تعامل معها السلف ، وليس كما يتعامل معها الكفار. شعار العودة إلى ألسلف أصبح يتردد على ألسنتهم دون أن يعطوا تعريفآ منطقيآ لما يدعون , وإن سألتهم عن مغزى ذلك , فإن اكثر ما يضيفونه إلى هذا الشعار كلمة , ألصالح , وتتعالى اصواتهم بأن لا خلاص للأمة إلا بالعودة إلى السلف الصالح , وكأن ألأمة ألإسلامية رهينة إدعاءاتهم , فإن لم تقتف آثارهم وتعمل على هوى أمزجتهم , فأولئك هم الكافرون الذين يجوز قتلهم وذبحهم وتشريدهم وإغتصاب نسائهم وسلب أموالهم , وقتل أطفالهم وكأن هذه الجرائم من صُلب أعمال السلف الصالح الذي هم فيه يتشدقون .

فما مدى صحة هذه الدعوة ... وما المقصود بذلك... وإلى أي مدى يمكن التعامل مع هذه الدعوة عمليآ... وهل هي دعوة صميمية خالصة حقآ ... أم انها كلمة حق يراد بها باطل...؟ كل هذه ألأسئلة التي تخطر على بال أي إنسان لا تجد لها جوابآ عند السيادينيين , وإن أجابوا فببعض العبارات الرنانة العامة والأمثلة التي تتجلى فيها الخصوصية والذاتية أكثر مما يمكن وضعها تحت الثوابت التي صاغت طبيعة المجتمع ألإسلامي أو غيرت من ألأسس العامة التي إستند عليها لقرون عديدة مضت .

فما المقصود بهذه الدعوة إذن...؟ للإجابة على هذا السؤال ينبغي أولآ تعريف السلف الذي يقصده هؤلاء الذين يدعون إليه . إنهم حينما ينعتون هذا السلف بالصالح فإنهم , في هذه الحالة , يعنون به أشخاصآ في حقبة تاريخية معينة . أي العودة إلى ما كان يسلكه هؤلاء الأشخاص من السلف وما كانوا يعملون به في امور دينهم ودنياهم وعكسه بهذه الوتيرة او تلك على حياتنا اليوم , وبذلك نهتدي , كما يدّعون , إلى البلسم الشافي لكل امراضنا وعللنا ألإجتماعية وألإقتصادية والسياسية . وتحديد السلف بأشخاص عاشوا فترة تاريخية معينة تعاملوا فيها مع نصوص دينية معروفة , يقودنا إلى ألإستفسار عن الخَلَف الذي سيكون مؤهلآ لتطبيق تعاليم السلف هذا في وقتنا الحاضر والسير على ذلك النهج الذي ساروا عليه في حقبهم التاريخية السالفة . جواب السلفين على هذا السؤال , أي عن خَلَف السلف يأتي دائمآ مرتبطآ بوجودهم هم وبافكارهم هم , فَهُم لا غيرهم خير خَلَف لخير سلف , كما يعتقدون . أما إذا كان تعريفهم للسلف ينطلق من حقب تاريخية معينة , فإن هذه الحقب والنصوص التي رافقتها ترتبط أيضآ بأشخاص قاموا على التعامل مع هذه النصوص بتطبيقهم تعاليم الدين في مجتمعاتهم . ففي كل الاحوال تجري ألإشارة هنا إلى أشخاص كانوا يمثلون سلف هذه الأمة في أوقات معينة ويريد البعض تقليد هذا السلف بكل شيئ والعودة إلى تعاليمه. فكيف يتم ذلك وكيف يسعى السلفيون إلى تحقيقه؟

هذا ما سنتطرق إليه في القسم الثاني من هذا الموضوع

 


 

free web counter