| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الأحد 18/1/ 2009

 

الفساد ألإداري.....

هل ستساهم نتائج الإنتخابات اللاحقة بعلاج ما افرزته الإنتخابات السابقة؟
القسم الثاني

د. صادق إطيمش

بعد ان تطرقنا في القسم الأول من هذا الموضوع إلى حيثيات الفساد الإداري في جسم الدولة العراقية الجديدة ، دولة المحاصصات الدينية الطائفية والقومية الشوفينية ، طرحنا السؤال حول إمكانية الحكومة العراقية الحالية في محاربة هذا الفساد الذي ينخر بجسمها حتى العظم .

الحكومة غير قادرة على التصدي للفساد ألإداري لأن تشكيلتها لا تسمح لها بذلك . فلو طال الأمر الوزير فلان من الحزب الحاكم أليف مثلاً ، فإن محاسبة هذا الوزير تخضع في دولة القانون للقضاء الذي يجب ان يكون بعيداً عن المحاصصات ، وبما ان القانون شبه مشلول في الوقت الحاضر على ألأقل، مما يشل حركة القضاء حتى وإن كان نزيهاً ، فإن ذلك سيولد بالضرورة التغاضي عن هذا الوزير حيث يشكل هذا التغاضي حافزاً لوزير آخر من الحزب باء مثلاً ليسلك نفس السلوك الذي سلكه زميله الذي لم تجر محاسبته ، فيكون بذلك أمين الجانب من أي عقاب محتمل . وهكذا تتوسع ساحة السرقات ، حيث انها لا تتوقف عند الوزير ، بل ستمتد إلى كافة مرافق وزارته ، تمشياً مع المثل القائل : إذا كان رب البيت بالدف ناقراً..... وهكذا مع كل الجهاز الحكومي.

إلا ان الجهاز الحكومي ليس هو الوحيد المتورط في هذه الظاهرة ، بل هناك الفئات الجديدة التي أفرزها الفساد والمتمثلة بالسماسرة والوكلاء والمقاولين والتجار القدماء منهم والجدد الذين يعملون بكل حزم ونشاط ، وبنجاح ملحوظ على ما يبدو ، على إستمرار هذه الظاهرة والحيلولة دون إنتهاءها . ولنضرب مثلاً بسيطاً جداً على ذلك وهو ما نسمعه يومياً من المواطنين الباحثين عن عمل . يقول هؤلاء المواطنون أن فلاناً طلب مني عشرة أوراق ،أي ألف دولار ، لكي يحصل لي على وظيفة شرطي مثلاً.

إن لهذه الحالة دلالات عدة : اولها إن طالب العشرة أوراق هذا لا يمكن أن يطلب هذا الطلب دون أن يكون له منفذاً للمؤسسة التي سيعين بها الشخص الدافع لهذا المبلغ . وثانياً إن هذا المنفذ ليس منفذاً واحداً بالتأكيد ، إذ أن

عملية التعيين تستوجب مرورها على عدة مواقع كي تتم رسمياً . وثالثاً بما أن الدافع سيتعين حتى وإن لم تكن له المؤهلات التي يقتضيها هذا التعيين ، لذلك فإن هذا المبلغ سيتوزع على من لهم علاقة بالأمر ، وهم كثيرون في هذه الحالة ، ولا ندري ، رابعاً ، كيف سيتصرف الموظف الجديد بغية إسترجاع ما دفعه من المال . من ذلك نرى أن هناك سلسلة تتكون من حلقات عديدة ، تؤدي كل حلقة الدور المرسوم لها ضمن هذا المخطط الحلزوني الذي أصبح اليوم سوقاً يتناغم مع ظاهرة الفساد ويعمل على ديمومتها بمشاركة أجهزة حكومية متنفذة تشل عمل الحكومة ، إذا ما توفرت لدى بعض منتسبيها الرغبة في محاربة هذه الظاهرة فعلاً .

لو القينا نظرة بسيطة عابرة على كثير من رجال السلطة المتنفذين اليوم ، وللحقيقة نقول ليس كلهم على ألإطلاق ، والذين كانوا أو لا يزالون في موقع المسؤولية في الحكومات التي تلت سقوط البعثفاشية، وقارنا وضعهم ألإقتصادي الحالي مع الوضع الذي كانوا عليه قبل السقوط ، ولو قسمنا مردودهم المالي خلال السنين الخمس الماضية على عدد الأشهر التي تقاضوا فيها رواتبهم خلال هذه السنين الخمس لأكتشفنا الفاجعة التي يعاني منها الوطن والشعب والتي تبرز على حقيقتها من خلال الأموال والعقارات والفضائيات والشركات التي يملكها هؤلاء الساسة الجدد . فمن أين لهم هذا يا ترى......؟

فهل تستطيع حكومة ساستها وموجهيها من هذا النوع أن تقضي على الفساد المستشري في جميع مفاصلها....؟ إنني أشك في ذلك.

السنين الخمس ونيف الماضيات أعطت الكثير من ألأمثلة والتجارب التي ينبغي الإتعاظ بها ، وأعتقد أن كثيراً من الناس إتعظت بها فعلاً وأخذت تطرح الأسئلة المتعلقة بمثل هذه الأمور . لقد اثبت اكثر العاملين في قيادات الأحزاب السياسية التي تتولى مسؤولية السلطة السياسية في وطننا اليوم بأن همومهم كانت تنصب على إستمرارية الحفاظ على سياسة المحاصصات التي سلكوها وإيجاد الطرق والوسائل الضامنة لديمومتها أكثر من إهتمامهم بما يحتاج إليه المواطن الذي خرج من نير حكم دكتاتوري مقيت حرم العراقيين من كثير مما كان يمكن أن يتمتع به هذا الشعب من خيرات وطنه التي سخرتها البعثفاشية لحروبها العبثية ولسيطرة أجهزتها القمعية . لقد بدأ العهد الجديد بالإقتتال على السلطة بين القوى السياسية التي تنكرت للمواطنة أو وضعتها في الدرجات الدنيا من سلَّم أولوياتها ، جاعلة من ألإنتماء الديني والمذهبي والقومي الشوفيني والعشائري والمناطقي البديل عن هذه الهوية الوطنية العراقية التي رافقت المواطن منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة . ألأحزاب التي نهجت هذا السبيل أُصيبت بفقر الدم الوطني الذي وجه العاملين ضمن كياناتها وتنظيماتها التي إحتلت المواقع القيادية في السلطة السياسية إلى ألإهتمام بما يضمن إستمرار هذا النهج أولاً ، وليس بما ينبغي تحقيقه للمواطن .

وألأمثلة التي يعيشها أهلنا منذ سقوط النظام البائد ولحد الآن والتي تشير إلى ذلك كثيرة جداً .

السياسي الذي يدعو إلى جلب نصف مليون إو مليون عامل وفلاح مصري إلى العراق ، كما صرح بذلك وزيري الصناعة والزراعة ، وهو يعلم علم اليقين كيف تفتك البطالة ببنات وأبناء شعبنا ، إن مثل هذا الوزير حينما يطلق دعوات كهذه لابد وأن تكون له حسابات قد لا يعلمها إلا المقربون ، ولا اعتقد بأن هذه الحسابات تصب في مصلحة الشعب والوطن في هذه المرحلة الحرجة بالذات . السياسي الذي يرى ويسمع ويقرأ كيف يُسرق النفط العراقي مثلاً وفي وضح النهار ولا يحرك ساكناً ، إما أن يكون شريكاً في هذه السرقات أو يتغاضى عنها لكي يجري التغاضي عما يسرقه هو أو أنه يتقاضى حصته من هذه السرقات ، وليذهب الإقتصاد الوطني إلى الجحيم . السياسي الذي يتبنى مشاريع صناعية وتجارية وزراعية وعمرانية ومشاريع خدمية مختلفة ، وكل ما يُخصص لتنفيذها من المال العام بحيث يتم ذلك على الورق فقط ، إذ أن مثل هذه المشاريع لا تر النور أساساً ، إن مثل هذا السياسي لا علاقة له بالتوجه الوطني لإعمار ما خربه النظام الدكتاتوري الساقط لأربعة عقود من تاريخ العراق ، وبالتالي فإنه ينطلق أساساً من إستغلال وجوده في السلطة للإستئثار بكل ما يقع تحت مسؤوليته من أموال . وعلى هذا الأساس فإنه ليس غريباً أن نرى الصعود السريع لمعدلات المتشائمين من العملية السياسية . وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى التي تحتاج إلى صفحات لتغطيتها والتي تشير إلى حقيقة الرأي السائد لدى المواطنين بأن السياسي في المواقع القيادية في الدولة العراقية الجديدة والذي يمسك بزمام السلطة لا يفكر إلا بمصلحته الشخصية فقط .

إن الدليل الذي قدمته تصريحات السيد وزير التخطيط علي بابان والتي ذكر فيها بإنعدام التخطيط في سياسة الإنفاق التي تمارسها الحكومة العراقية الحالية ، إن هذا الدليل وحده الذي ينطبق عليه المثل القائل : من فمك أُدينك ، يشكل مؤشراً واضحاً على هذا النهج الذي يسلكه السياسيون الماسكون بزمام السلطة السياسية في عراق اليوم .

فإلى أي مدى سيتحمل المواطن العراقي مسؤولية هذه الحالة ....؟ هذا أمر يجب أن يقرره المواطن العراقي نفسه ، وخاصة في أوقات الإنتخابات ، وذلك من خلال تصفية الحسابات مع ألأحزاب والتجمعات والهيئات التي أتت بهؤلاء السياسين الذين حصلوا في غفلة من الزمن ، غفلة سياسية وتنظيمية ، على ثقة المواطن الذي كان يأمل بهم خيراً ، إلا أن آماله هذه ذهبت ادراج الرياح . المواطن العراقي يجب ان يتحلى بالشجاعة ، والقوى الوطنية الخيرة يجب ان تساعد هذا المواطن على تقديم البديل وإيضاح الطريق الذي ينبغي له ان يسلكه سواءً في الإنتخابات المحلية أو العامة لإيصال من يراهم أهلاً لتحمل المسؤوليات التي ينيطها بهم حقاً . كما وينبغي سلوك المواطن طريق النقد الواعي ووضع اليد على كل الممارسات الخاطئة التي يمارسها سياسيو اليوم الماسكون بالسلطة السياسية ، وإلا فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس.


¤ الفساد ألإداري ...
هل ستساهم نتائج الإنتخابات اللاحقة بعلاج ما افرزته الإنتخابات السابقة؟ (القسم الأول)

 


 

free web counter