| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

الخميس 17/6/ 2010



درس للسياسيين العراقيين ....علَّهم يفقهوه فيأخذوا به

د. صادق إطيمش

قبل أكثر من شهر جرت في أكبر مقاطعة ألمانية من حيث عدد السكان الإنتخابات المحلية لإنتخاب البرلمان المحلي الذي سيسعى إلى إنتخاب حكومة جديدة للمقاطعة من بين الأحزاب الفائزة في الإنتخابات . لقد فازت في هذه الإنتخابات خمسة أحزاب بنسب متفاوتة لم تؤهل اي منها للإنفراد بتشكيل الحكومة . كما ان نتائج الإنتخابات هذه لم تؤهل الإئتلاف السابق المتكون من حزبي الديمقراطي المسيحي والحزب الليبرالي ألإستمرار بالحكم وذلك لعدم حصول تآلف الحكومة هذا على الأغلبية البسيطة . وعلى جانب المعارضة المتكونة من الحزب الإجتماعي الديمقراطي وحزبي الخضر واليسار تجمعت أكثرية الأصوات التي يمكنها تشكيل الحكومة من قبل أحزاب المعارضة هذه . إلا ان هذه الأحزاب الثلاثة في المعارضة لم تفلح بالوصول إلى إتفاق حول إئتلاف حكومي يتجاوب مع البرامج السياسية التي طرحتها هذه الأحزاب كل على إنفراد أثناء الحملة الإنتخابية . ثم جرت محاولات بين مختلف الأحزاب تجاوزت صيغة الإئتلافات التقليدية التي كانت تجري ، وبشكل عام ، بين الحزبين الديمقراطي المسيحي والليبرالي من جهة وبين الحزب الديمقراطي الإجتماعي وحزب الخضر من جهة أخرى . أما حزب اليسار الذي دخل على الساحة السياسية الألمانية منذ بضعة أعوام ، بعد إئتلاف قوى اليسار في حزب واحد ، والذي أصبح قوة لا يستهان بها على عموم الساحة الألمانية بعد أن كان نشاطه مقتصراً على القسم الشرقي منها ، فإنه لم يحظ بالتآلف الحكومي مع أي من هذه الأحزاب إلا في مقاطعة برلين التي يشارك في حكومتها الآن مع الحزب الديمقراطي الإجتماعي .

وظلت المفاوضات تدور في هذه المقاطعة ترافقها ، وبكل إهتمام ، متابعات الحكومة المركزية والساحة السياسية الألمانية عموماً وذلك بسبب الحجم السكاني لهذه المقاطعة التي تلعب دوراً مؤثراً في السياسة والإقتصاد الألمانيين . إلا ان كافة المفاوضات بين الأحزاب المختلفة لم تُحقق اية نتيجة يمكن على اساسها التوصل لتشكيل الحكومة الجديدة للمقاطعة . وهنا فجَّرت رئيسة الحزب الديمقراطي الإجتماعي القنبلة التي قلبت مفاهيم السياسة الألمانية ، بل والعالمية ايضاً . إذ انها صرحت بعدم موافقتها على إجراء إنتخابات جديدة لأنها ستكلف المقاطعة مبالغ إضافية لا داعي لها . كما انها صرحت بأنها لا تسعى بعدئذ إلى اية مفاوضات جديدة لتشكيل الحكومة لأنها لا تريد رئاسة مثل هذه الحكومة . لقد كان بإمكان حزبي الديمقراطي الإشتراكي والخضر تشكيل ما يسمى بحكومة الأقلية التي ستحظى بأصوات حزب اليسار بين آونة وأخرى ، لكن رئيسة الحزب الديمقراطي الإجتماعي رفضت ذلك ايضاً . والقنبلة التي فجرتها هي أنها وضعت برنامجاً للحكم من خلال وجودها في المعارضة . لقد قالت بأن حزبها وحزب الخضر سيتصديان لكل مشروع تضعه الحكومة التي إستمرت في عملها لحد الآن وسيبطلان جميع المشاريع التي لا تتفق مع سياسة هذين الحزبين في تحقيق مصالح المقاطعة ، وهي تعول في هذا المجال على أصوات نواب حزب اليسار الذين لا يقفون إلى جانب الحكومة التي يعتبرونها يمينية رجعية. هذا العمل السياسي الذي هو جديد من نوعه والذي بلور مصطلحاً سياسياً جديداً يعكس فكرة الحكم ليس من خلال العمل ضمن الجهاز الحكومي ، بل من خلال مقاعد المعارضة ، نحتاجه اليوم في وطننا العراق لتثقيف سياسيينا به وبدور المعارضة في رسم سياسة البلد ، علّهم يفهمون محتواه ويعملون به فيريحوا الناس من تصريحاتهم المملة وتأويلاتهم الجاهلة الساعية للوصول إلى كرسي الحكم ليس إلا وليكن بعد ذلك الطوفان . ولكن عراق اليوم لا يتحمل طوفاناً طائفياً قومياً شوفينياً عشائرياً مناطقياً اكثر من هذا الطوفان الذي هو فيه اليوم والذي مزق لحمته وشتت أهله ونهب ثرواته واستمر في حرمان مواطنيه مما كانوا يأملون بالحصول عليه من خدمات وعيش رغيد بعد أن حرمتهم البعثفاشية من كل ذلك لأربعة عقود من الزمن . لم نسمع من سياسيي العراق اليوم ما يوحي بأن دور المعارضة البرلمانية سيكون له الفعل المؤثر في السياسة العراقية في السنين الأربع القادمة . الكل يمد ما إستطاع من عنقه ليكتشف إغنى منابع النهب والسلب في الوزارات السيادية وغير السيادية ليطبق القول على خزائنه وممتلكاته حينما يسألها هل إمتلئت ...؟ فتقول هل من مزيد ..؟

الدروس تُعطى عادة لمن يمتلكون بعض الوعي لإستيعابها ، وبعكسه فإن مثل هذه الدروس ستصبح في عداد المهازل التي يجعلها الجهلة مدعاة للضحك والإستهزاء وهم لا يعلمون ، وربما يعلمون تماماً ، بأنهم يستهزئون بانفسهم ويضحكون على بعضهم البعض . إلا ان التاريخ اثبت لنا بأن ضحكاً كهذا سوف لن يطول . وكل ما نتوجه به ، وبإخلاص ، إلى سياسي العراق اليوم هو أن نقول لهم : لتكن لكم عِبرة بمن سبقوكم ممن ضحكوا على مآسي شعوبهم وأثروا على حسابها .

 

 

free web counter