| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

السبت 17/1/ 2007

 

 

الإسلام والمسلمون .....قطبان متنافران

 

د. صادق إطيمش

تدور في الوقت الحاضر سجالات ونقاشات على مختلف المستويات الفكرية تتناقلها مختلف وسائل الإعلام وتتناول فيها الدين الإسلامي والمنتمين إلى هذا الدين المنتشرين على كافة قارات العالم بتعداد سكاني يتجاوز 1,3 مليارد إنسان يتوزعون على أكثر من خمسين دولة يشكل المسلمون غالبية سكانها إضافة إلى دول العالم ألأخرى التي يشكل المسلمون جزءً صغيرآ أو كبيرآ من سكانها ألأصليين أو تلك التي إحتضنت المسلمين الوافدين إليها بحثآ عن وسائل العيش التي لم توفرها لها بلدانها ألإسلامية أو لجوءً من الملاحقات التي يتعرضون لها في بلدانهم ألأصلية بسبب الفكر السياسي أولإنتماء القومي أو اية أمور أخرى في حياتهم الخاصة لا تُرضي هذا الحاكم ألإسلامي أو ذاك . لقد ادى هذا ألإنتشار السكاني الواسع للمسلمين إلى توسيع وتباين رقعة وشكل الخطاب الثقافي والتنوع التراثي الذي إحتضنته المجتمعات ألإسلامية التي عكست ممارساتها اليومية إختلافآ بينآ تجاوز وحدة الدين في العبادات التي يعتبرها البعض الدليل على وحدة الإنتماء الديني دون أخذ المتغيرات ألأخرى التي تطال الحياة اليومية العامة بنظر الإعتبار, وكأن الدين ألإسلامي صوم وصلاة وحج وزكاة فقط .
من يدرس التراث الشعبي لكثير من المجتمعات التي تنتمي إليوم إلى المجتمعات ألإسلامية يجد فيه الكثير مما جلبته معها هذه الشعوب إلى ألإسلام قبل دخولها فيه بحيث أصبحت ممارسات هذا التراث على الواقع اليومي المعاش حاليآ جزءً من طقوسها الدينية وشعائرها المقدسة , والأمثلة على ذلك كثيرة جدآ تشمل جميع مرافق الحياة في مختلف المجتمعات ألإسلامية . لقد أدى كل ذلك إلى إنشطارات متعددة حققت ما ينسب إلى النبي محمد (ص) قوله " تفترق أمتي من بعدي ثلاثآ وسبعين فرقة , فرقة ناجية , وإثنان وسبعون في النار " ذكرها بأسمائها جميعآ كتاب الملل والنحل للإمام محمد بن عبد الكريم الشهرستاني المتوفي سنة 1153 م . ولم يتوقف هذا ألإنشطار عند حد حتى يومنا هذا . ففي كتاب معجم الفرق ألإسلامية لمؤلفه شريف يحيى الأمين الصادر بطبعته ألأولى عن دار ألأضواء في بيروت عام 1986 تطرق هذا الباحث إلى ذكر أسماء وعقائد لملل ونحل إنسلخت عن ألفُرق ألأم حتى وصل عددها لديه 428 , ولا يوجد هناك مايشير إلى توقف هذه الإنشطارات , بل العكس هو الصحيح . المراقب المحايد لهذه الظاهرة الإسلامية والغير مطلع إطلاعآ علميآ كافيآ على مفردات التعاليم التي جاء بها الدين كممارسات إجتماعية وثقافية لا عبادية فقط , يمكن أن يجد تفسيرآ لها في نصوص هذه الفرق والملل والنحل والتي تحاول من خلالها تبرير إنشطارها هذا وما تبنيه عليه من ممارسات تقودها إلى ألإعتقاد , بجزم , بأنها هي الفرقة الناجية المعنية بالحديث النبوي الشريف . إلا أن ألأمر ليس بهذه السهولة التي يظنها البعض . فالإنقسامات المذهبية هذه قد تجاوزت حدود المعتقد الذاتي إلى حق التخويل العام الذي تسمح به بعض هذه الفرق لنفسها باللجوء إلى أساليب خاصة بها تحقق بموجبها إلغاء الآخر بكل السبل التي تبررها هي بذاتها لذلك , حتى أصبحت ظاهرة الإقتتال ألإسلامي ألإسلامي ملازمة لتواجد التجمعات الإسلامية . تشتد وتفتر ظاهرة ألإحتراب هذا باشتداد المجتمع إلى العلم وسبل المعرفة والعلاقات ألإجتماعية السلمية السائدة ونوعية النظام السياسي القائم على أساس دولة القانون والتناغم مع الحضارة الإنسانية بكل ما توصلت إليه وفي مختلف أطوار التطور الحضاري هذا حتى اليوم , كما نرى ذلك اليوم في المجتمعات الحضارية التي تضم بين ظهرانيها كثيرآ من المسلمين , أو إبتعاد المجتمع عن كل هذا , وذلك ما نراه في معظم المجتمعات الإسلامية اليوم , ليصبح ألإنسان في هذا المجتمع الإسلامي أو ذاك بضاعة يتاجر بها كل أولئك الذين يوظفون الدين كسلعة تجارية يحققون من ورائها كل أو بعض ما يصبون إليه في نزعاتهم ألأنانية وتوجهاتهم اللاإنسانية التي جعلت من القتل والإبادة والتكفير والإقصاء سبيلها إلى ذلك . وعلى هذا ألأساس نجد إشتداد بروز هذه الظاهرة في المجتمعات الآسيوية الأفريقية التي ظلت تعاني حتى الآن من تبعات السياسة الإستعمارية التي وسمتها بالجهل والأمية ووضعتها على مسار التخلف العلمي والثقافي والإقتصادي الذي لم يحاول حكامها ,حتى بعد ما يسمى بالإستقلال الوطني , إنتشالها منه ووضعها ضمن المسار البشري للأمم والشعوب التي قطعت شوطآ كبيرآ على هذا الطريق . لقد أفرز هذا الوضع المأساوي للمجتمعات ألإسلامية على هذه البقع من ألأرض النتائج المنطقية التي تترتب على تراكم العقبات أمام التطور العلمي والفني والإقتصادي والثقافي لتصبغ نوعية الحياة في هذه المجتمعات بصبغة داكنة سوداء جعلت من طريق الظلام هو الطريق الوحيد المتوفر لها, يقودها فيه زمرة من المنتفعين من عجز وهوان واضطهاد ألإنسان , من الذين نصبوا أنفسهم على قمة الهرم السياسي أو الذين جعلوا من الدين وسيلتهم للصعود على أكتاف المحرومين والمظلومين والمضطَهَدين . وعلى هذا ألأساس تبلور في مسيرة درب الظلام هذا واقع مأساوي تتحمل أعباءه الغالبية العظمى المقهورة المتعلقة بالتعاليم الدينية التي تُمنيها بالحياة السعيدة ألأخرى القادمة التي ستعوضها عن شقاءها الدنيوي هذا, وواقع للقادة السياسيين والدينيين الذين لا يعيشون شقاء رعيتهم عمليآ ,إلا أنهم يتبجحون بالعلم به , يوظفون ألإنسان لتحقيق ما يسعون إليه من خلال زجه في نزاعات إجتماعية لا ناقة له فيها ولا جمل . إن أخطر ما في هذه التوجهات السياسية والدينية هي تلك التي تربط مفاهيم الدين ألإسلامي بالخطاب الذي يتبناه من وضعوا أنفسهم على قمة هذا الدين , المظلوم أيضآ كأتباعه , ليجعلوا منها أسلوبآ لحياة البسطاء من الناس يعتمد العنف والكراهية والتكفير والإقتتال في بناء علاقاته الإجتماعية وليحققوا بذلك ما يمليه عليهم إعتقادهم المذهبي بطبع المجتمع بطابع الفرقة التي ينتمون إليها واعتبار كل فرقة من هذه الفرق هي الفرقة الناجية وليخرجوا على الملأ بتعاليم دينية وضعتها مخيلاتهم المريضة لتبرز للعالم الذي لا يعرف كنه وتعاليم هذا الدين وكأنها الدين ألإسلامي بذاته وحقيقته ولترتسم صورة الإرهاب والجريمة والعنف والإقتتال بهذا الدين ومن ينتمون إليه , حتى يكاد المرء لا يسمع رأيآ آخر يعكس مفهوم الدين الإسلامي لدى غير المسلمين غير هذا الرأي المرتبط بالقتل والذبح والإختطاف والتكفير والتهجير والأعمال الإنتحارية والسيارات والحيوانات المفخخة وحرق وتخريب البنايات وغيرها من ألأعمال البعيدة عن السلوك البشري وحتى عن السلوك الحيواني والتي أصبحت اليوم العلامة الفارقة للدين ألإسلامي وللمسلمين , لم ولا ينافسهم أحد عليها حتى الآن من بقية أديان العالم سماوية كانت أو غير سماوية . ولكن السؤال هنا هو عن أي إسلام نتحدث وأي مسلمين نعني....؟ إن ألأجابة على هذا السؤال تقودنا بالضرورة إلى التفريق بين هذين الحدين من المعادلة . ألحد ألأول الذي يجب أن ينظر إليه من خلال ما هو فعلآ لا من خلال ما يُسَوَق منه في أسواق التجارة بالدين , أي التعاليم الحقيقية للدين ألإسلامي كما نص عليها مصدره ألأول القرآن الكريم . والحد الثاني الذي فرض عليه تجار الدين هؤلاء بضاعتهم الرخيصة هذه ليقبلها طوعآ أو كرهآ , إذ لم يتركوا له هؤلاء حق ألإختيار بما أنعم ألله به عليهم من قوة الشوكة الدينية والسياسية وفقهاؤهم لا يتوقفون عن حشو أدمغة المغضوب عليهم من أبناء جلدتهم بأفكار طاعة ذوي الشوكة . أي أن هذا الحد يمثل المتسلطين على رقاب الناس باسم الدين والتابعين لهم من مسلوبي ألإرادة الذين لا حول لهم ولا قوة والذين يطلقون على أنفسهم لقب المسلمين بكل فرقهم ومللهم ونحلهم . هذان الحدان أصبحا اليوم طرفي نقيض من خلال ما يتبلور يوميآ من ظواهر وحقائق تعكس ماهية كل منهما على إنفراد . ولإيضاح ذلك أكثر يمكننا دراسة بعض هذه الظواهر لنضع أصابعنا على مواقع الجروح الدامية التي لا زالت تنزف منذ أربعة عشر قرنآ , ويشتد نزيفها اليوم في وطننا العراق .
 
أولآ حق الحرية الشخصية نظريآ وعمليآ : الحرية الشخصية التي أكد عليها القرآن في كثير من السور والآيات تنسحب على مستويين . المستوى ألأول الذي يقع صمن المفهوم العام للحرية الشخصية والذي يمكن سحبه على مجريات الأمور المتعلقة بالحياة اليومية للأنسان بشكل عام وليس بالمسلم فقط . إذ أن مثل هذه النصوص توجه خطابها إلى عموم الناس كما تنص ألآية 286 من سورة البقرة " لا يكلف ألله نفسآ إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت...." أو ألآية 112 من سورة النحل " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفّى كل نفس ما عملت وهم لا يُظلمون " وغيرها الكثير من ألآيات في هذا السياق . في حين يبين لنا الواقع المُعاش اليوم في المجتمعات الإسلامية كيف يجري التنكر والإهمال المتعمد لتحقيق ما ورد في نصوص القرآن في هذا المجال . فالمسلمون , وخاصة من يسمون أنفسهم منهم بالعلماء ألأعلام أو من يخولون أنفسهم وحدهم الحديث بالدين وأصوله وفقهه وثوابته ونواهيه والذي يُفترض بهم الإلتزام بهذه النصوص قبل غيرهم وقبل تلاوتها على الناس , لا يتوانون عن التنكر لها حالما يتوجسون إمكانية تفسيرها بالإتجاه الذي يأتي على مصالحهم وأهدافهم الذاتية ومكاسبهم الأنانية . وإلا كيف نفسر فتاواهم وتصريحاتهم وتشجيعهم وتبنيهم للقتل على الهوية المذهبية والإنتماء الطائفي بين أبناء الدين الواحد. إنهم يمارسون مبدأ العقاب الجماعي الذي يطال أبرياء الناس ولم تقم الضحية في معظم حالات القتل والذبح والتهجير والخطف بأي عمل يستحق العقاب,والمنفذين لهذه الجرائم التي يسمونها عقوبات يعلمون بذلك علم اليقين إلا انهم يأخذون البرئ بجريرة من يعتبرونه مذنبآ في نظرهم فيقتصون من أخيه أو إبنه أو أخته أو أخيه . أما على المجال الديني البحت فالآيات التي تضمن حرية التدين كثيرة أيضآ . فالآية 256 من سورة البقرة تنص على أن " لا إكراه في الدين " والآية 29 من سورة الكهف تقول " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " والآية 99 من سورة يونس تنص على " ولو شاء ربك لآمن من في ألأرض كلهم جميعآ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " هذا وغيره الكثير مما منصوص عليه في القرآن والذي يشير , بدون أي تأويل أو تفسير, إلى إرادة الله في إختلاف البشر في دينهم ويمنع ألله رسوله بالذات أن يكون وكيلآ على الآخرين في امور الدين الذي يعتنقونه , إذ أن ألله قد أعطاه حق البلاغ, أما القناعة بهذا البلاغ فقد فرض عليه تركها للناس أنفسهم . فأين المسلمون اليوم من كل ذلك , ولأي دين ينتمي من وضع نفسه في قمة الهرم الديني يجيش الجيوش لقمع ليس من لا يشاركونه عقيدته من بنات وأبناء دينه فقط , بل ولقمع الناس الذين يدينون بغير دينه واضعآ نفسه ضد الإرادة الإلهية في ألإختلاف . إن هؤلاء المسلمين وأتباعهم يتصرفون بالمنطوق البشري لا بالمنطوق ألإلهي الذي لا يريد أن تكون الناس أمة واحدة .

ثانيآ المساواة بين الناس في النص القرآني وممارسة المسلمين لمحتوى هذا النص: النص القرآني ينطلق من المساواة بين الناس جميعآ وليس بين المسلمين فقط . النص القرآني يخاطب الناس جميعآ وليس المسلمين حينما يقول في الآية 13 من سورة الحجرات " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلنكم شعوبآ وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند ألله اتقاكم إن ألله عليم خبير " وهذا خطاب واضح لجميع الناس بذكورها وأناثها بشعوبها وقبائلها أن لا تتكبر على بعضها البعض وأن تسلك طريق التعارف والتآخي مع بعضها البعض لا العداء والنفرة والكراهية, وإن كان هناك من يرجو رحمة ربه فليكن إضافة إلى سعيه هذا بين الناس ساعيآ إلى رضى الله بتقواه له والتزامه بتعاليمه. فأين المسلمون اليوم من كل ذلك ..؟ وما هو المدى الذي ساروا فيه لتطبيق هذا الخطاب القرآني والإلتزام به تجاه من أمرهم بذلك ....؟إن القائمين على أمور الدين ألإسلامي اليوم يسعون إلى الكراهية بين الناس , مناهجهم التعليمية لأطفالهم الصغار تفوح منها كراهية الغير الذي يربون أجيالهم على الحقد عليه لأن ألله أراد له أن لا يكون مثلهم في أمور دينه ودنياه . فتاواهم التي يخدرون بها أعصاب الناس ويفتنون بها عقولهم تخلق من الكثير من البسطاء الذين سلموا أمور دينهم وبالتالي مسيرة حياتهم في دنياهم إلى من يجعل منهم قنابل متجولة يفجرونها متى ما تطابق هذا التفجير مع تحقيق مآربهم الذاتية وتناغم مع نزعاتهم ألأنانية وتوافق مع توجهاتهم المليئة بالكره والحقد على ألآخر لا لشيئ لأن الله الذي يدّعون ألإيمان به أراد لهذا الآخر أن يكون كذلك , وإن ألله منع رسوله نفسه القيمومة على ألآخرين وإكرااههم على تغيير إرادة الله فيهم .

ثالثآ العدالة : مسألة تحقيق العدالة ألإجتماعية طرحها ألنص القرآني بشكل لا يقبل الجدل أو ألتأويل وجعلها ملازمة للعبادات وشكلآ من أشكال التقوى " يا أيها الذين آمنواكونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يَجرِمَنَّكُم شَنانُ قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى واتّقوا ألله إن ألله خبير بما تعملون " < المائدة 8 < وهناك نصوص أخرى وردت في هذا السياق تنص على إلتزام العدالة وعدم التفريط بها . فأين صدى هذه النصوص في العالم ألإسلامي اليوم . أمن العدالة في شيئ أن تُتخم بطون وتخوى أخرى في عالم يدعي أنه لا يفرق بين بني البشر لأن دينه يقول له ذلك ؟, ولكنه وضع مفردة التفرقة ضمن برنامج حياته اليومي حتى أنه أصبح لا يستطيع ألإستغناء عنها . التفرقة التي تجري في المجتمعات ألإسلامية اليوم تجري على أسس كثيرة . فهي تجري على ألأساس الجاهلي الذي رفضه الإسلام برفضه للتعصب القبلي العشائري إلا أن مسلمي اليوم يحلوا لهم التبجح بمقولة " أنا وأخي على إبن عمي , وأنا وابن عمي على الغريب " وما نشاهده اليوم على ساحة المحاصصات الطائفية العشائرية القبلية المناطقية القومية على ارض وطننا العراق ما هو إلا تعبيرآ عن هذا النمط الجاهلي في العلاقات ألإجتماعية التي يحلو للقائمين على تنفيذها إلباسها الجبة والعمامة والحجاب لصبغها بصبغة الدين التي أصبحت وصفة جاهزة تتناولها أيادي لا تتوانى عن إرتكاب الجريمة لا بحق الدين وتعاليمه فقط , بل وبحق كل من يرفض هذا السلوك اللاأخلاقي الذي يعبث بمبدأ العدالة الذي تشكل مبادئ إعطاء كل ذي حق حقه ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب القاعدة ألأساسية لوجوده وتحقيقه . أما العدالة بمفهومها القضائي فتكاد تكون معدومة تمامآ في المجتمعات الإسلامية التي لم يعرف الكثرة الكاثرة منها , خاصة في المحيط العربي , شكلآ من أشكال دولة القانون وإعطاء كل ذي حق حقه , تسودها ظواهر تجريم البريئ وتبرئة المجرم والزج بالسجون والتعرض للملاحقات لمجرد مخالفة الحاكم الطاغية , وما أكثرهم في البلاد ألتي تدعي ألإسلام .

رابعآ حقوق الإنسان : هناك مقولة يرددها , وبصورة لا تخلو من التبجح , كثير من القائمين على أمور الدين من ذوي العمائم واللحى والجباه المبقعة بالسواد , مفادها أن ألإنسان إما أن يكون لك أخ في الدين أوشبيه لك بالخلق . هذه المقولة التي يعتبرها هؤلاء حجتهم على الغيربعدم تبني مبادئ الدين ألإسلامي لمفاهيم التفرقة بين البشرمهما إختلفوا عن بعضهم البعض . إلا ان تبجح هؤلاء لا يصمد أمام الواقع المر الذي يعيشه ألإنسان , خاصة الفقير الحال والمغلوب على أمره بفقده الفيتامينات المنشطة للحياة , كما يُعَبَرُ عن الوساطات والعلاقات التي تحقق ما لا يحققه مجرد ألإنتماء إلى الصنف البشري عمومآ وحتى إلى الدين على وجه الخصوص . إلا أن هذا النوع من المسلمين المتسلط على رقاب المسلمين الآخرين لا يتجاوزفقط على نصوص هذه المقولات التراثية التي تنص على إحترام ألإنسان , بل وعلى نصوص قرآنية صريحة وواضحة في هذا المجال . فقد نصت الآية القرآنية الكريمة 22 من سورة الروم على ما يلي " ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم والوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين " أو ما تنص عليه بشكل أكثر وضوحآ الآية 118 من سورة هود " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين " هذه الآيات التي تبين لنا بما لا يقبل المعنى الآخر في تفسير المفسرين وتأويل المؤولين بأن الحكمة ألإلهية تفيد ألإختلاف في اللون واللغة والعقيدة وان ذلك كله آية من آياته لمن يؤمن به . فكيف يتصرف القائمون على تنفيذ واحترام آية ألله هذه وغيرها من الآيات تجاه ألآخرين من بني جلدتهم والذين يصنفون التعامل معهم حسب ألإنتماء المذهبي الطائفي والعشائري القبلي الجاهلي والقومي التعصبي الشوفيني ؟ لقد ضرب هؤلاء بمبدأ الأخوة القائم على الإنتماء الديني ومبدأ ألأخوة القائم على الشبه بالخلقة عرض الحائط وتنكروا لهذه المبادئ باسم الإسلام الذي يدعون تمثيله , وحينما يوضعون على المحك يتنكرون بكذب وصفاقة لممارساتهم اليومية هذه تجاه من تسلطوأ عليهم في حقب تاريخية مختلفة . إن الذين يتنكرون لوضع الآخرين الذين يختلفون معهم في الفكرة أو الدين أو المذهب ضمن ألأحياء البشرية التي أراد لها الله أن تكون كذلك , ويصنفونهم في عداد القِردة والخنازيروالكافرين ويحللون بفتاواهم السمجة دماءهم وأعراضهم وأموالهم وقتل أبناءهم واحفادهم وقطع صلتهم من هذا العالم الذي وهبه الله لهم عن حكمة وآية له ودراية منه , إن على مثل هؤلاء الذين يدعون القيمومة على أمور ألإسلام والمسلمين أن يراجعوا أنفسهم , إن كان هناك ما تبقى لديهم من مشاعر كهذه , أين يقفون اليوم في القرن الحادي والعشرين من ألإنسانية وحركتها العارمة نحو تمجيد الإنسان أينما كان وكيفما كان . إنهم بأفكارهم هذه يقفون بالتأكيد على مشارف مزبلتها.

خامسآ الموقف من الظلم والظالمين : الظلم في لغة السياسة الحديثة يُعبر عنه بالتسلط أو التحكم غير الملتزم بضوابط أخلاقية أو أعراف إجتماعية أو قوانين شرعية أو وضعية , أي أنه النظام الدكتاتوري الفردي وكل ما ترافقه من أجهزة ووسائل قمعية . والمنفذ لهذا النظام الدكتاتوري هو الشخص القائم على رأس هذا النظام مع الشلة المحيطة به والذي نطلق عليه اليوم الحاكم الدكتاتور. ولو ألقينا نظرة بسيطة على الخارطة السياسية لعالم اليوم لوجدنا إنتشار هذا النوع من ألأنظمة الدكتاتورية المتسلطة على البلاد والعباد في تلك الدول التي وضعت في دساتيرها خضوع القوانين المعمول بها لنصوص وتعاليم الدين ألإسلامي التي يسمونها بالشريعة . هل أنها المصادفة أو أن هناك من ألأسباب الموجبة لمثل هذا الفرز على الخارطة السياسية العالمية ...؟ إن كل ذي بصيرة لا يعتقد بمبدأ المصادفة في هذا الأمر . إذ أن المسألة لا تتعدى إنحراف هذه ألأنظمة الدكتاتورية وقادتها عن مبادئ الدين الذي يتصورون بإنتماءهم له , إلا أنهم يسيئون إليه بتصرفاتهم هذه التي جعلتهم مهزلة بين أمم العالم حيث يقولون ما لا يفعلون ويكذبون على أنفسهم قبل غيرهم ويقفون على الطرف النقيض لتعاليم الدين الذي ينتهكون تعاليمه بكل تصرف من تصرفاتهم المشينة . وحينما يتحرك أصحاب الحق في هذه المجتمعات ألإسلامية المغلوبة على أمرها للمطالبة بحقوقهم المهدورة من هؤلاء الحكام الجبابرة المتغطرسين , فإنهم لا يلقون إلا القمع والقتل والإفناء والسجون والتهجير وكل أساليب الجور والإضطهاد التي تتفتق عنها أذهان هؤلاء الحكام الذين إلتصقوا بكرسي الحكم لأجيال متعاقبة لا تنتهي إلا بموتهم أو ألإنقلاب عليهم من قِبل أولئك الذين يسلكون سلوك سابقيهم وهكذا يضيع ألأمل بالخلاص , خاصة بعدما إكتشف بعض هؤلاء المتسلطين إمكانية توريث أولادهم من بعدهم في حالة الموت الطبيعي . حق إسترداد الحقوق المسلوبة عنوة أمر أوصى به القرآن الكريم الذي يدعي الحاكمون المسلمون إحترام تعاليمه . فالآية 39 من سورة الحج تنص على " أذِن للذين يُقتلون بأنهم ظُلِموا وإن الله على نصرهم لقدير " كما تنص ألآية 148 من سورة النساء على " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلِم وكان الله سميعآ عليما " , أي يا أيها الناس ارفعوا أصواتكم إذا ظُلمتُم , فبماذا سيواجَه المظلومون من قِبَل حكامهم إذا طبقوا أوامر القرآن في أي بلد من البلدان التي تسمي نفسها إسلامية.....؟؟؟ جواب هذا السؤال لا يخفى حتى على الطفل الرضيع . ومع كل التحذيرات التي وردت في القرآن بحق من يظلمون ألآخرين , تتجاهل زمر الحكام الطغاة في جميع العالم الذي يُسمى بالإسلامي هذه التحذيرات وكأنها غير معنية بها . فمن المفروض بالمعممين والملتحين من أصحاب الفتاوي التي تدعو إلى القتل والتهجير والإختطاف والإبتزاز ان يكونوا مطلعين على نص الآية 42 من سورة الشورى الذي يؤكد على " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم " او الآية 12 من سورة ألأحقاف " .........وهذا كتاب مُصَدِقٌ لسانآ عربيآ لينذر الذين ظَلموا وبشرى للمحسنين "
كل ذلك يفسر لنا لماذا يتخذ كثير من غير المسلمين في المجتمعات غير الإسلامية موقفآ سلبيآ من الإسلام حينما يُسألون عن ذلك . لندع النظرية الشماعة التي لا ترى سبب ذلك كله في غير الإستعمار والصهيونية والأمريكان وأعداء الإسلام وما شابه ذلك من المبررات التي يلجأ إليها دهاقنة الفكر المتخلف الذين لم يتعلموا غير الترديد كالببغاوات ولم يفقهوا ما يطالبهم به الدين الذين يدّعون ألإلتزام به من أن يغيروا ما بأنفسهم أولآ حتى يساعدهم الله على تغيير أحوالهم . إن الثابت للعيان بأن التغيير الذي جرى ويجري لحد الآن يسير نحو الأسوأ دومآ في كل المجتمعات الإسلامية التي تتباهى بوضعها النصوص التي لا تخالف تعاليم الدين في دساتيرها , إلا ان كل ما يجري فيها يسير على النقيض من هذه التعاليم .