| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

                                                                                     الأربعاء 15/6/ 2011



بين حافرها ونعَلها

د. صادق إطيمش

مثل عراقي معروف يُضرب على الحالة التي تضع المرء بين حالتين لا يشعر خلالهما بأمل الخروج من الأزمة التي هو فيها ، مصاباً بالحيرة من أمره .ويشير المثل إلى الوضع الذي يكون بين حوافر الخيول والنعل الحديدي الذي يُتثبت على هذه الحوافر ليساعد الخيول على الركض، ولنا ان تنتصور الحالة التي تسود بين النعل والحافر . وكما يقول الناس فإن الأمثال تُضرَب ولا تُقاس .

في العهد الملكي الذي ساد العراق حتى منتصف عام 1958 كانت ظاهرة الوساطات لدى أجهزة الدولة الحكومية عملية طبيعية جداً لقضاء حاجة ما او تسهيل أية معاملة لدى هذه الوزارة او تلك ، او عند هذا المسؤول او ذاك .

في إحدى المدن العراقية الجنوبية المهملة إبان ذلك العهد تشكَل وفد من أهالي المدينة لمقابلة المسؤولين في بغداد وتذكيرهم بالمطالبات الملحة التي قدمها سكَنَتُها في أوقات مختلفة والمتعلقة بكثير من الإصلاحات المستحقة للمدينة كتوفير الخدمات الصحية والإكثار من فرص العمل وتبليط الشوارع وفتح المزيد من المدارس وكثير من الطلبات الأخرى التي صاغها المواطنون في عرائض عديدة لم تلق إستجابة من المسؤولين . تشكل الوفد وتوجه إلى بغداد بعد أن إستنسخ كافة العرائض التي سبق وان قدمها أهالي المدينة في فترات زمنية مختلفة ، كي يحملها إلى المسؤولين في العاصمة كتأكيد على ما طالبوا به منذ وقت طويل . وبما ان الوساطة كانت ، كما هي اليوم ايضاً ، شيئ لابد منه في مثل هذه الحالات فقد قرر أعضاء الوفد ان يجروا مقابلتهم الأولى مع أحد أعضاء مجلس الأعيان في ذلك الوقت الذي كانت له علاقة قرابة مع بعض عوائل المدينة ، ليقوم هذا العين بإرشادهم بما عليهم ان يفعلوه ويسهل لهم مقابلات أخرى مع بعض المسؤولين المعنيين . وبالفعل فقد تمت مقابلة أعضاء وفد المدينة مع هذا العين الذي كان يتمتع ببعض المسؤوليات السياسية أيضاً ، وأرشدهم بما يجب على الوفد عمله وسهل لهم المقابلة الأولى مع أحد المسؤولين . وحينما قابلهم هذا المسؤول الجديد أرسلهم بدوره إلى مسؤول آخر وصفه لهم بأنه هو المعني المباشر بطلباتهم . وحينما ذهب الوفد إلى هذا المسؤول المعني انكر هذا بأنه هو المسؤول المباشر عن تنفيذ هذه الطلبات وطلب منهم مراجعة عدة مؤسسات حكومية للتداول معها حول تنفيذ طلبات المدينة . كما نصحهم في نفس الوقت بأن يذهبوا إلى مَن يتوسط لهم لدى هذه المؤسسات التي لا يمكن ان تنجز طلباتهم بسهولة دون وساطة . وعند ذلك قرر الوفد العودة مرة أخرى ، بعد ان قضى عدة أيام متنقلاً بين هذا المسؤول وذاك ، إلى عضو مجلس الأعيان ، واسطتهم الأولى ، ليرجونه التوسط لهم لدى المؤسسات المعنية هذه المرة . وأثناء مقابلتهم الثانية مع واسطتهم هذه شرح له الوفد المتاعب التي تعرض لها بالذهاب من مسؤول إلى آخر حتى إستقر به المقام اخيراً عنده مرة أخرى . وفي اثناء الحديث مع عضو مجلس الأعيان نهض احد أعضاء الوفد وقال : سيدي لقد تعبنا من الركض بين المسؤولين وكل مسؤول يرسلنا إلى الآخر وأخيراً ارسلونا لك مرة أخرى ، والآن صرنا بين حافرها ونعلها ولا ندري كيف نتصرف . وهنا إنتبه واسطة الوفد إلى ما قاله عضو الوفد هذا وسأله ملاطفاً بعد ان انهى حديثه : وهل أنا الحافر أو النعل ؟

صراع الديكة الجاري في وطننا الآن بين علاوي والمالكي أو المالكي وعلاوي ، لا يهم أيهما يتقدم في الأهمية في هذا العراك الذي يستهين بالشعب العراقي وبكل طموحاته وآماله في تطوير العملية السياسية ودفعها نحو الديمقراطية الحقة ، لا ديمقراطية أحزاب المحاصصات الطائفية والشراكات المصلحية البعيدة كل البعد عما يريده هذا الشعب المُبتلى بهذه النماذج من السياسيين . هذا العراك وضع المصلحة الوطنية برمتها بين حافرها ونعلها متجاهلاً اولويات المشاعر الوطنية التي ينبغي ان تتوفر ولو على ابسط مستوياتها لدى كل مَن يلج ميدان العمل السياسي . وليس المهم هنا مَن يكون النعل ومَن يكون الحافر في صراع الديكة هذا، فكلاهما يصلح لكليهما .
 

free web counter