موقع الناس     http://al-nnas.com/

قل........ ولا تقل

 

د. صادق إطيمش

الأثنين 15/5/ 2006

العراقيون الذين عاصروا العالِم العَلم العراقي الدكتور الراحل مصطفى جواد والذين تتبعوا حلقاته اللغوية التي وجه بها النصائح بما يُقال وما لا يُقال في اللغة العربية والتي بثتها الإذاعة العراقية آنذاك تحت عنوان قل ...ولا تقل ربما لا يزالون يتذكرون ذلك الصوت الرصين الذي جعل من هذا البرنامج اللغوي , الذي إعتبره البعض برنامجآ جافآ , موردآ غزيرآ لمن يريد الإرتواء بنبعه والتزود بفيضه . ليس المقصود في إعادة إستعمال العنوان أعلاه محاكاة هذا العبقري في المجال الذي كان يُعِّلِم الناس فيه , إذ لا مجال أبدآ للتشبه بطود شامخ كهذا , ناهيك عن الفقر في المؤونة اللغوية التي لا تؤهِل لتَشَبُه كهذا.

إن القصد من توظيف هذا العنوان في مجال خارج مجال قواعد اللغة العربية لا يتعدى التلميح إلى ما يجري على الشارع العراقي اليوم ولو من باب الإلتفاف على ما يشعر به الناس قلبآ وروحآ ولا يستطيعون البوح به جهرآ , لا لأن النظام السياسي يمنعهم عن ذلك , بل لأن المنظمات التي فرخت في حاضنة الطائفية والعشائرية لهذا النظام السياسي تتصدى للمواطن الذي يريد أن يقول فلا يقول , لا بل ويتقدم بالنصح إلى من يحب فيقول له مثلآ :
قل أن الحكومة القادمة هي حكومة وحدة وطنية قلبآ وقالبآ ولا تقل بأنها حكومة محاصصات طائفية . وقل بأن حكومة الوحدة الوطنية هذه لا تدخر وسعآ في بناء وإعمار العراق لأن تشكيلتها إعتمدت على الكفاءات الفنية والعلمية بالدرجة الأولى ولا تقل بأنها تشكلت على أساس الإنتماء الحزبي والتمحور الطائفي والإنتساب العشائري .
قل بأن الجدل الذي لم ينته حتى بعد خمسة أشهر على إجراء الإنتخابات ليس له أي أساس طائفي أو عرقي أو عشائري ولا تقل بأنه جدل عقيم لا فائدة منه للتأكد من هويات المرشحين للوزارات السيادية وغير السيادية . وبالمناسبة إذا ترغب التعرف على طريقة التصنيف الجديد للوزارات فما عليك إلا أن تقرن الوزارة بقوتها المادية كوزارة النفط مثلآ اوبقوتها القمعية كوزارتي الدفاع والداخلية مثلآ , وعلى أساس هذا التصنيف يُقاس مدى الإخلاص للوطن بإشغال هذه الوزارة السيادية أو تلك . أما الوزارات التي تتعلق بحياة الملايين وعيشهم كوزارة الصحة أو التعليم مثلآ فلا تحتاج إلى مثل هذا الجهد الذي يبذله المتحاصصون على إشغالها , وسبب ذلك لا يخفى على اللبيب .
قل أن حكومة الوحدة الوطنية هذه ستعمل بجد على تغيير تسعيرة إشغال الوظائف الحكومية السائد حاليآ, ولا تقل أنها ستستمر على نفس هذه الأسعار, فهذا غلاء فاحش يصب في مجرى الربح غير المشروع والمحرم دينيآ , بالإضافة إلى كونه لا يتناسب والوضع الإقتصادي لطالبي العمل .
قل أن الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية هذه سيلتزمون بكل تأكيد بالقرارات التي يتم إتخاذها في مجلس الوزراء الذي ينتمون إليه , ولا تقل بأنهم سينهمكون لتنفيذ القرارات التي يتم إتخاذها من قِبَل أحزابهم وطوائفهم أولآ , فإذا إنسجمت مع توجهات طوائفهم فيها , وإلا فإن الطائفة والحزب والعشيرة قبل الوطن .
قل أن النية لحل المليشيات السائبة ليلآ ونهارآ على أرض الوطن ستتحقق بلا أدنى شك وبسرعة خاطفة , إذ لم تعد توجد مليشيات أصلآ , ولا تقل بأن إجراءً كهذا سيكون زوبعة في فنجان .
قل أن فيلق بدر مثلآ المجاهد جدآ والذي نتذكر جهاده على أرض العراق أيام الحكم البعثفاشي الأسود , إذ أوصل بجهاده المعروف جدآ على الساحة الإيرانية قبل الساحة العراقية, أوصل النظام البعثفاشي الساقط إلى قاب قوسين أو أدنى من السقوط , قد حل نفسه منذ زمان طويل ولم يعد يوجد هناك فيلق بل بعض المسلحين الذين يساعدون الشرطة العراقية على التصدي لأهل الطوائف المارقة , ولا تقل بإنه تحول إلى ميليشيات طائفية بعد أن دخل الوطن متجحفلآ متمترسآ متسترآ بقوات الإحتلال + التحرير التي أتاحت له نشر مجاهديه القدامى وما إنضم إليهم من الجدد بعد التوزيع الجغرافي الطائفي الذي شكلت هذه المليشيات إحدى واجهاته .
قل أن جيش المهدي ليس بمليشيات كما صرح بذلك قادته المغاوير , بل أنه وإن حمل إسم الجيش فذلك لا يتعدى كونه جيشآ عقائديآ لا تنطبق على أعضاءه صفة الميليشيات , ولذلك فإن قرار حل المليشيات لا يعنيه بأي حال من الأحوال , وإن الأسلحة التي يحملونها دفاعآ عن النفس هي من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة فقط . ولا تقل بإن عصابات البعث بالأمس وكل من فقد إمكانية الكسب الحلال قد إلتجأوا للعمل مع هذه العصابات المنفلتة التي غيرت لباسها الزيتوني باللباس الأسود وجعلت من العُصّابة السوداء وليس العِصابة السوداء شعارآ لها .

قل أن المليشيات قد إنتهت فعلآ ولا أثر لها على الشارع العراقي منذ أن صرح السيد وزير الداخلية لقناة الشعب العراقي الفضائية , الجزيرة , بأن المليشيات قد إنتهت بعد حل المليشيات الشيوعية وإن البلد ينعم منذ ذلك الوقت بالراحة والطمأنينة والأمان , فهل سمعت بأي حادث قتل أو إختطاف أو تفجير أو تهجير أو....أو.....منذ أن أعلن السيد وزير الداخلية حل المليشيات الشيوعية في أوائل هذا الشهر ولحد ألآن....؟ , ولا تقل بأن ما تسمعه وتعيشه الناس من دوي التفجيرات يوميآ سببه المليشيات والإرهاب والبعثفاشية , بل إنها بسبب دوي قنابل صيد السمك في دجلة .
قل هيئة علماء المسلمين التي تتوسط بين الخاطف والمخطوف والذابح والمذبوح والقاتل والمقتول خاصة من ذوي الجيوب المتخمة من عراقيين وأجانب لا تقوم بذلك إلا لكسب الثواب ومخافة الله الذي يساعدها في مهماتها الإنسانية لوجهه تعالى , ولا تقل هيئة عملاء الخاطفين الذين أوكلوا هذه الهيئة للتفاوض بإسمهم والتعامل مع الدول أولآ والأفراد ثانيآ بتحديد مبالغ الفدية حسب تسعيرة الدولار اليومية .

قل أن هذه الهيئة الدينية التقية الورعة لا تفرق بين أحد وأحد فوساطتها التي هي لوجه الله فقط تشمل الغني والفقير على السواء . ولا تقل بأنك لم تسمع يومآ ما بتوسطها لإطلاق سراح فقير مخطوف , إذ أنها تقوم بذلك خفية إستنادآ إلى مبدئها القائل لا نريد جزاءً ولا شكورا.
قل أن هده الهيئة هيئة دينية قيادية مهمتها النصح الديني وجمع شمل أهل الحل والعقد من المسلمين ولا علاقة لها بأعمال القتل والإرهاب والتشريد التي يتعرض لها الناس من قبل أهل الذبح والصلخ , ولا تقل بأنها تسعى للإعتراف بأهل الذبح والصلخ رسميآ , إذ أن تصريحات رئيسها بهذا المضمون حول هذا الموضوع لم تكن إلا زلّة لسان .
قل برلمانيوا اليوم وبعثيوا الأمس حينما تريد تقديم بعض من فلتوا , بقدرة قادر , من مصيدة إجتثات البعث من أعضاء البرلمان العراقي الجديد , ولا تقل بعثيوا الأمس وبرلمانيوا اليوم , إذ لا يجوز الحديث عن الأمس أولآ , إذ أن الإنسان إبن يومه , كما هو معروف .

وهكذا تستمر النصائح بما يقال ولا يقال ولا يجد المواطن في نهاية الأمرإلا وجميع مرافق حياته قد خضعت لهذا التصنيف الذي لم يعد يستطع عليه صبرا . لك الله أيها العراق .