موقع الناس     http://al-nnas.com/

جاهلية القرن الحادي والعشرين

 

د. صادق إطيمش

الأربعاء 15 /3/ 2006

تسببت ألسياسات القمعية وأساليب ألحكم الدكتاتورية التي تمارسها معظم ألأنظمة العربية والإسلامية بهجرة ألملايين من مواطني هذه الأنظمة هربآ من أجهزة الدولة القمعية التي لم تسمح بكل ما يخالف توجهها الفكري وبرنامجها السياسي وخطها ألإقتصادي , محاولة من خلال سياسة الملاحقة والقمع والإفناء تحقيق كل ما تصبو إليه الطبقات الحاكمة والسائرين في ركابها والمتاجرين بشعاراتها . إن توالي ألملايين من أبناء وبنات هذه ألأنظمة العربية وألإسلامية على الدول التي أثبتت, وبدرجات مختلفة ومن خلال ممارساتها اليومية داخل وخارج حدودها, على إلتزامها بالمواثيق والمعاهدات الدولية الضامنة لحقوق ألإنسان , بحيث أصبحت هدفآ يريد الوصول إليه كل من لا يجد إحترامآ لإنسانيته في وطنه ألأم كما لا يجد ملاذآ في ألأوطان التي يعتبرها وطنه الثاني دينيآ أو قوميآ على ألأقل , وصارت قبلة لكل من طلب منها الحماية من جور وإضطهاد بني قومه من العرب والمسلمين . ولم يتخلف عن أللجوء إلى هذه الدول حتى أولئك الذين يحقدون مسبقآ , عن علم أو جهل , على شعوب هذه الدول , ناهيك عن حكوماتها , لا لشيئ إلا لأنهم يدينون بدين غير دينهم أو أنهم يحملون ضغينة سياسية بدائية لا تنسجم والحنكة التي يتطلبها العمل السياسي في مواقف كهذه .

لقد أصبحت بعض الجاليات العربية والإسلامية تشكل شريحة لا يستهان بها في بعض دول المهجر هذه . ومن الطبيعي أن لا تستطيع مثل هذه ألأعداد الكبيرة من أللاجئين أن تعيش بعزلة عن ألمجتمع الذي آواها والذي وفر لها بنفس الوقت حرية التحرك وممارسة التقاليد والعادات والعبادات الخاصة بها ضمن ما تسمح به القوانين السائدة في هذه الدولة ألمضيفة أو تلك.

لقد حاولت فئات لا بأس بها من هؤلاء أللاجئين ألإنسجام مع مجتمعاتها الجديدة , وبدأت تنشأ علاقات إيجابية بين أللاجئين ومواطني ألدول المضيفة , خاصة لدى عوائل أللاجئين التي بدت تكبر وتتنامى ويزداد عدد أفرادها بالولادات التي تمت في الدول المضيفة نفسها , حيث إكتسب المولودون الجدد جنسية البلد المضيف في بعض هذه الدول . كما إزدادت هذه العلاقات إيجابية بإزدياد الحاصلين على العمل من أللاجئين وحصولهم على إستقلالهم ألإقتصادي الذي أبعدهم عن ألإعتماد على مساعدة الدولة المضيفة لهم , بحيث أدى كل ذلك إلا أن يتجه تفكير الكثير من هؤلاء أللاجئين إلى ألإستقرار النهائي مع عوائلهم في ألبلد ألمضيف والعيش فيه , وقد قوبل ذلك ببعض ألإجراءات القانونية التي لابد منها والتي إنتهت في معظمها بحصول أللاجئ على جنسية البلد الذي كان فيه ضيفآ فأصبح واحدآ من مواطنيه .

وبالعكس من ذلك توجهت فئات أخرى من أللاجئين المسلمين على وجه الخصوص لممارسة بعض ما تراه من عادات وتقاليد خاصة بها على المستوى الذي أخرجها من دائرة خصوصيتها وجعلها ظاهرة تجلب ألأنظار في هذه المجتمعات التي لم تتعود على مثل هذه الظواهر بعد . ومع ذلك لم يؤد ممارسة مثل هذه العادات والطقوس والتقاليد إلى ردود فعل سلبية رافضة أساسآ من قبل مواطني الدول المضيفة طالما تم ذلك ضمن القوانين المرعية في تلك الدول . ومع مرور الوقت وإتساع مساحة الحرية التي أخذت تمارسها هذه الجماعات التي وصل بها ألأمر في بعض الحالات إلى المطالبة بتقنين ممارساتها هذه وفرضها على بعض أللاجئين ألآخرين الذين يتمتعون بحماية الدولة المضيفة لهم مما أدى إلى تدخل أجهزة الدولة المسؤولة عن الحرية الشخصية والنظام الإجتماعي العام . إلا أن ذلك لم ينسجم وتطلعات بعض المتاجرين بالدين ألإسلامي والمدّعين بالإلتزام بتعاليمه التي أثبت الواقع بأنهم لا يفقهون شيئآ منها , إذ أن أساليبهم القهرية وتصرفاتهم الصبيانية على طرفي نقيض وتعاليم الدين ألإسلامي السمحاء التي ترفض ألإكراه , فلا إكراه في ألدين كما نص على ذلك القرآن الكريم , وتدعو إلى ألحكمة والموعظة الحسنة. لقد لجأ البعض من هؤلاء أللاجئين , جهلة القرن الواحد والعشرين, إلى طرح مفاهيم ألدين ألإسلامي وكأنها لا تعرف غير القتل والذبح وسفك ألدماء من خلال تفسيراتهم المشينة لمبدأ الجهاد وتصرفاتهم الصبيانية المستهترة في مجتمع يسوده النظام وتتحكم به دولة القانون . وإذا ما بادر المجتمع لكشف زيف مثل هذه التجارة بمبادئ الدين ألإسلامي الحنيف وإنتقاد هذه التوجهات العنفية التسلطية الفوقية الدموية وإتخاذ ألإجراءات القانونية للحد منها, وليس من الممارسات الدينيه القويمة , عند ذاك تقوم قائمة هؤلاء المتاجرين بالدين فيرفعون عقيرتهم بالويل والثبور وتمتد جرائمهم لتنال اليد التي تقدم لهم العون والمساعدة والأمان عاملين على ألإخلال بالأمن والنظام العام الذي يجبر سلطات الدولة المضيفة على القيام بواجبها الذي أناطه الشعب بها والتدخل المباشر لحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم . إن مثل هذه الزمر التي تدعي الدين لا علاقة لها به أساسآ , إنها تستخدم الدين بتفويض من جهات سياسية فشلت في طرحها السياسي فلجأت إلى هذا ألأسلوب البدائي الذي طالما تم إستخدامه في عصور تاريخية مختلفة . وبالنظر لتطور التجاوزات الهمجية أللاإنسانية من بعض الزمر التي إستغلت الحرية الممنوحة لها أسوأ إستغلال في الدول المضيفة , ومحاولات هذه الزمر إعطاء تصرفاتها هذه صفات تربطها بالدين ألإسلامي وتعاليمه , وبالنظر للصورة التي بلورتها هذه الزمر الجاهلة عن ألعرب والمسلمين والتي أعطت إنطباعآ لدى بسطاء مواطني الدول المضيفة , لا يتفق مع الحقيقة والواقع الذي يسم حياة أكثر العرب والمسلمين في مهاجرهم وحرصهم الشديد على إتباع مبدأ ألإحترام المتبادل إضافة إلى إحترام قوانين وعادات وتقاليد المجتمعات التي آوتهم وحنت عليهم وعلى عوائلهم وأطفالهم , وتوجههم لممارسة عاداتهم وتقاليدهم وشرائعهم الخاصة بهم ضمن القوانين المرعية في هذه المجتمعات , فإن هؤلاء يتحملون المسؤولية المباشرة التي تضعهم في مقدمة العاملين لفضح أساليب هذه الزمر العبثية وكشف زيف تلبسها بالدين ألإسلامي وما هي إلا زمر غبية جاهلة لا تفقه أوليات تعاليم ألدين ألإسلامي وتسيئ إلى تراثنا الذي يقدس ألضيافة ولا يسمح بالتجاوز على مبادئها الثابتة , وإلى ديننا الذي نعتبره دين الرحمة والسلام فصوروه وكأنه دين البطش والإنتقام , وإلى ما يبذله الكثيرون من جهود يومية لبناء علاقات المحبة والوئام والإحترام بيننا وبين الشعوب التي ترحب الغالبية العظمى منها بمثل هذه المبادرات وتشجعها , وما علينا إلا ألإستمرار بها وتطويرها نحو ألأحسن دومآ , إذ أن هناك تقبلآ لها وأن ألكثيرين من شعوب وحكومات الدول المضيفة يعتبرونها إغناءً ثقافيآ لثقافتهم وتنويعآ لتراثهم . إن ألعرب والمسلمين في مهاجرهم مدعون اليوم , وخاصة بعد الأحداث التي رافقت الصور الكاريكاتورية التي لم تكن تحظى الصحيفة المجهولة التي نشرتها بمثل هذه الشهرة وبمثل هذا الغِنى المفاجئ لولا تضخيم الجهلة من المنتفعين من ضجة كهذه سواءً كانت حكومات ديكتاتورية رجعية آثمة أو حركات وأحزاب دينية فقيرة المنهج الساسي عقيمة الفكر الحضاري, إلى إبراز الصورة الحضارية ألإنسانية لتراثهم وتربيتهم وإلتزاماتهم الخلقية والإجتماعية وعدم السماح لشذاذ ألآفاق ألجهلة ان يقدموا الصورة البشعة عنا كبديل لصورنتا الحقيقية . لنعلن لهم وبصريح القول وصدق الفعل برائتنا من كل ما يقوم به هؤلاء المتطفلون ألجهلة بإسمنا وبإسم تراثنا وديننا وتاريخنا وأهلنا .