نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الجمعة 12/5/ 2006

 

 

 

العودة إلى ألسلف.......هل يفقهون ما يدعون ؟

 

د. صادق إطيمش

شعار رئيسي يطلقه المتأسلمون دائمآ ويضعونه في مقدمة إدعاءاتهم التي يريدون من خلالها إعطاء صورة ما عن إرتباطهم بالدين وإلتزامهم بتعاليمه . شعار العودة إلى ألسلف أصبح يتردد على ألسنتهم دون أن يعطوا تعريفآ منطقيآ لما يدعون , وإن سألتهم عن مغزى ذلك , فإن اكثر ما يضيفونه إلى هذا الشعار كلمة , ألصالح , وتتعالى اصواتهم بأن لا خلاص للأمة إلا بالعودة إلى السلف الصالح , وكأن ألأمة ألإسلامية رهينة إدعاءاتهم , فإن لم تقتف آثارهم وتعمل على هوى أمزجتهم , فأولئك هم الكافرون الذين يجوز قتلهم وذبحهم وتشريدهم وإغتصاب نسائهم وسلب أموالهم , وقتل أطفالهم وكأن هذه الجرائم من صُلب أعمال السلف الصالح الذي هم فيه يتشدقون .

فما مدى صحة هذه الدعوة ... وما المقصود بذلك... وإلى أي مدى يمكن التعامل مع هذه الدعوة عمليآ... وهل هي دعوة صميمية خالصة حقآ ... أم انها كلمة حق يراد بها باطل...؟ كل هذه ألأسئلة التي تخطر على بال أي إنسان لا تجد لها جوابآ عند المتأسلمين , وإن أجابوا فببعض العبارات الرنانة العامة والأمثلة التي تتجلى فيها الخصوصية والذاتية أكثر مما يمكن وضعها تحت الثوابت التي صاغت طبيعة المجتمع ألإسلامي أو غيرت من ألأسس العامة التي إستند عليها لقرون عديدة مضت .

فما المقصود بهذه الدعوة إذن...؟ للإجابة على هذا السؤال ينبغي أولآ تعريف السلف الذي يقصده هؤلاء الذين يدعون إليه . إنهم حينما ينعتون هذا السلف بالصالح فإنهم , في هذه الحالة , يعنون به أشخاصآ أكثر مما يعنون به وقتآ أو حقبة تاريخية معينة . أي العودة إلى ما كان يسلكه هؤلاء الأشخاص من السلف وما كانوا يعملون به في امور دينهم ودنياهم وعكسه بهذه الوتيرة او تلك على حياتنا اليوم , وبذلك نهتدي , كما يدّعون , إلى البلسم الشافي لكل امراضنا وعللنا ألإجتماعية وألإقتصادية والسياسية . وتحديد السلف بأشخاص عاشوا فترة تاريخية معينة تعاملوا فيها مع نصوص دينية معروفة , يقودنا إلى ألإستفسار عن الخَلَف الذي سيكون مؤهلآ لتطبيق تعاليم السلف هذا في وقتنا الحاضر والسير على ذلك النهج الذي ساروا عليه في حقبهم التاريخية السالفة . جواب السلفين على هذا السؤال , أي عن خَلَف السلف يأتي دائمآ مرتبطآ بوجودهم هم وبافكارهم هم , فَهُم لا غيرهم خير خَلَف لخير سلف , كما يعتقدون . أما إذا كان تعريفهم للسلف ينطلق من حقب تاريخية معينة , فإن هذه الحقب والنصوص التي رافقتها ترتبط أيضآ بأشخاص قاموا على التعامل مع هذه النصوص بتطبيقهم تعاليم الدين في مجتمعاتهم . ففي كل الاحوال تجري ألإشارة هنا إلى أشخاص كانوا يمثلون سلف هذه الأمة في أوقات معينة ويريد البعض تقليد هذا السلف بكل شيئ والعودة إلى تعاليمه. فكيف يتم ذلك وكيف يسعى السلفيون إلى تحقيقه؟

لشرح ذلك بشكل يمكننا معه ألإطلاع على هشاشة ألأرض التي يقف عليها مثل هؤلاء ألأدعياء, ينبغي ان ننظر إلى تاريخ المسلمين نظرة واقعية علمية , لنطلع من خلالها على ماهية السلف الذي رافق هذا التاريخ ودوره فيه ومدى إستطاعة الخلف محاكاته والسير على خطاه .

المرحلة ألأولى لهذا التاريخ تبدأ ببدء نشر الرسالة ألإسلامية عن طريق الوحي الموحى به إلى نبي ألإسلام محمد (ص) وتنتهي بوفاته . وكلنا يعلم أن عمر الدعوة الموحى بها إمتد إلى سنة 632 م بعد أن بدأ سنة 610 م , أي أنه بلغ إثنين وعشرين عامآ , قضى النبي ألإثنتي عشر سنة ألأولى منها في مكة المكرمة والسنين العشر الاخيرة في المدينة المنورة . في هاتين الحقبتين من الرسالة ألإسلامية كان الرسول الكريم محمد(ص) هو الموجِه الفعلي الذي ينشر تعاليم الدين ألإسلامي ألجديد على أهل الجزيرة العربية آنذاك , إستنادآ إلى ما يوحى به إليه . أي ان ألنبي (ص) لم يكن ينطق عن الهوى , ولم يحاول في نفس الوقت ان يُلزم القوم بدعوته إجبارآ , بل كان داعيآ ومبشرآ ونذيرآ في نفس الوقت , غير وكيل على سلوك ألآخرين وتصرفاتهم وغير متسلط عليهم , إذ لا إكراه في الد ين , وما أنت عليهم بوكيل , كما ينص على ذلك القرآن الكريم . وحتى هذه الفترة من تاريخ الرسالة ألإسلامية , التي لم تنقطع فيها العلاقة بين ألأرض والسماء والتي كان فيها النبي نفسه الموجِه الرئيسي لتطبيق تعاليم الدين , لم تخلو من العثرات التي عانى منها المجتمع ألإسلامي وشخص الرسول نفسه . إذ لم يستطع بعض العرب , بالرغم من علاقتهم بالرسول مباشرة , ألإقتناع تمامآ بما جاءت به الرسالة ألإسلامية , حيث إدعوا ألإيمان دون علم تام به , فنهاهم الله عن ذلك بقوله لهم لا تقولوا آمنا , إذ ان ألإيمان لم يدخل في قلوبهم بعد بالرغم من إدعاءهم إعتناق الدين ألإسلامي , ما أشبه أدعياء ألإسلام اليوم بأولئك بالأمس . كما ان النبي (ص) نفسه ترك ألآخرين ودينهم مخاطبهم على لسان الوحي : لكم دينكم ولي ديني . وحتى في الفترة التي إشتد فيها عود الإسلام بعد فتح مكة لم يعمل النبي على إجبار أهل مكة المغلوبين على الدخول في الدين ألإسلامي , فمنهم من دخل خوفآ ومنهم من دخل إيمانآ ومنهم من ظل على دينه ولم يحارب المسلمين الفاتحين فتركوه وشأنه . هذا هو سلوك قائد السلف والذي كان يستوحيه من السماء عن طريق الوحي . فأي من الدعاة سلفي اليوم الذي يجد في نفسه المقدرة والكفاءة على طرق هذا السبيل , أي أن يضع نفسه في موضع صاحب الرسالة الموحى إليه , وبغياب الوحي وإنقطاع الصلة المباشرة بين الأرض والسماء ؟ إن كان هناك من يدَّعي ذلك فهو إما أن يكون قد مسه شيئ من الجنون ليدَّعي القيام بما قام به الرسول حتى بدون وحي ويعتبر نفسه بكل شيئ عليم خبير . أو أنه كاذب منافق يستعمل هذا الشعار دجلآ وتحايلآ لخديعة الناس والتغرير بهم ولتحقيق أهداف تتخذ من الدين وسيلة لذلك , إلا أنها في الحقيقة لا صلة لها بالدين من قريب أو بعيد . أو أنه جاهل بتطور الزمن الذي كانت له معطياته الخاصة التي لم تكتمل حتى خلال هذه المسيرة التي ظلت ترفد الإنسان بتعاليم السماء حيث جاء اليوم الذي أكمل ألله به الدين وأتم نعمته على الناس ورضي لهم ألإسلام دينا .

أو أنهم يريدون تقليد سلف المرحلة ألأولى من الفترة الثانية من تاريخ المسلمين والتي تمثلت بقادتها أبو بكر الصديق وعمر إبن ألخطاب (رض) . لقد إقتفى هذان ألخليفتان الراشديان خُطى الرسول (ص) محاولين تطبيق ما جاء به , جاعلين إجتهاداتهم الشخصية دليلآ لهم على تطبيق التعاليم الدينية , إذ لم يكن هناك وحي يوحى بعد وفاة الرسول ولم تبق علاقة مباشرة بين الأرض والسماء . وحتى هؤلاء الخليفتان الراشديان لم يستطيعا أن يكسبا رضا الجميع , إذ كانت لهما إجتهاداتهما في أمور كثيرة والتي إختلفت عن إجتهادات ألآخرين , ولم يخبرنا التاريخ أن أبا بكر أو عمر (رض) قطعا رؤوس المخالفين لهم في أي أمر من أمور الدين أو كفَروهم , فأين المتأسلمون المُدَّعون من مسيرة هذين الرجلين ...؟ وكيف يريدون الإقتداء بهما وهم لا يحترمون سيرتهما في تعاملهما مع من إختلف وإياهما في هذا الرأي أوذاك..؟ فالمتأسلمون الداعون إلى العودة للسلف لا يفتأون من تكفير مخالفيهم في الرأي , ولا أحد يدري من أين أكتسبوا لأنفسهم هذا الحق وأين هو الوحي الذي جعلهم وكلاء على الناس بعد أن منع ألله رسوله محمد (ص) من ذلك ..؟ وهم لا يتوانون عن إصدار فتاوي قطع الرؤوس والقتل وإباحة الدم والمال والعرض لكل من لا يسير في طريقهم الذي يعتبرونه طريق السلف , ولا ندري أي سلف يقصدون , إلا أن المؤكد بأن هذا الطريق ليس طريق الخليفتين الراشدين الأولين أبو بكر وعمر .

أم أنهم يريدون العودة إلى المرحلة الثانية من الفترة الراشدية المتمثلة بخلافة الخليفتين الراشديين عثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب (رض). لقد إتسمت هذه الفترة ببدء النزاعات بين المسلمين أنفسهم والتي دشنتها الفتنة الكبرى التي إنتهت بقتل خليفة المسلمين على أيدي المسلمين أنفسهم , ثم تخللتها حرب الجَمل بين زوجة النبي (ص) وجمع من الصحابة من جهة والخليفة الرابع وجمع آخر من الصحابة من جهة أخرى , ثم حرب صفين التي وضعت أسس نظام إجتماعي جديد لقد أدى كل ذلك إذن إلى عدم إستطاعة أي من الخليفتين الثالث والرابع ألإستمرار على تطبيق ذاك النهج الذي سار عليه سابقيهما وأصبح الإنقسام في المجتمع ألإسلامي سِمَته التي أدت إلى نهاية هذه الفترة الراشدية برمتها بإستيلاء معاوية إبن أبي سفيان على السلطة بالقوة وتأسيسه للدولة الأموية في الشام حيث بدأ عصر التسلط والقهر والإضطهاد والتنكر لأساسيات الدين الإسلامي المتمثلة بالشورى ونبذ العصبية القبلية والعدالة وحرية الرأي .

ولم تختلف العهود التي تلت العهد الأموي وحتى سقوط الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى ثم مجيئ ما يسمى بالحكومات الوطنية , عن بعضها البعض إلا بإختلاف وسائل القهر والإضطهاد والملاحقة التي إنسجم تطورها مع تطور العقل البشري وإستخدامه لأساليب قمع جديدة تنسجم ومتطلبات المجتمعات الجديدة . وإنعكس ذلك حتى على الفكر السلفي نفسه حين طوَّر من أساليب الجريمة بما ينسجم والتطور الجديد بأساليب القتل والإرهاب , لكنه ظل , وبتعمد , متحجرآ منغلقآ على تطور المجتمع وأساليب حياته الجديدة التي لا يمكن مقارنتها بأي حال من ألأحوال بأساليب حياة سادت قبل أكثر من ألف سنة ولا حتى قبل بضع مئات من السنين.

لقد كان لي نقاش مع أحد الداعين بالعودة إلى السلف الصالح وسألته فيما إذا كان يضع معاوية ضمن قائمة السلف الذي يريد ألإقتداء به , فأجابني دون أي تردد...نعم...وأضاف قائلآ... إن أخطأ المؤمن فله أجر عند ألله وإن أصاب فإن الله يضاعف له ألأجر. وعلى هذا ألأساس يقيس السلفيون أعمال الجبابرة الذين تسلطوا على رقاب الناس , وعلى خطى هؤلاء ألأوباش يريدون المسير, وهذا ما يخالف النص القرآني القائل بأن الذي يعمل مثقال ذرة خيرآ يره وإن الذي يعمل مثقال ذرة شرآ يره , وإن السيئة تُجازى بمثلها والحسنة بعشرة أمثالها , وإن كل نفس بما كسبت رهينة , إلى غير ذلك من النصوص القرآنية التي تتعارض وما يدعيه هؤلاء الذين يقتفون آثار الجبابرة الطغاة .

تُروى حادثة وقعت في مجلس من مجالس معاوية إبن أبي سفيان حينما قام أحد " وعاظ السلاطين " في وسط المجلس خطيبآ وقال : هذا خليفة المسلمين وأمير ألمؤمنين , واشار إلى معاوية . وإن مات فهذا , وأشار إلى يزيد بن معاوية . ومن لم يرض بهذا فهذا , وأشار إلى سيفه . فهل مثل هذا السلف ينشد السلفيون ....؟
ألسلفيون , وخاصة التكفيريين منهم , يقولون ما لا يضمرون . ومقارنة بسيطة بين أفكارهم وما يقومون به من أعمال تجاه المجتمع الإنساني , وبعض المفاصل من تاريخ المسلمين توضح الترابط الوثيق والشبه الكبير والإلتصاق الفكري بينهم وبين نوع معين من السلف الذي يريدون أن يكونوا خَلفآ له . وهذا النوع من السلف ليس السلف الصالح بالتأكيد . إذ أننا لم نسمع عن زعيم السلف الصالح محمد (ص) بأنه تعامل مع المسلمين الذين خالفوه في بعض ألآراء هذا التعامل الذي يؤدي إلى قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وإنتهاك ألأعراض وسلب الأموال وتشريد المستضعفين وقتل ألأطفال . كما لم يقم أي من الخلفاء الراشدين الأربعة بأي شيئ من ذلك . فسلفيوا اليوم بتخلفهم الفكري الذي يعجز عن إرشادهم إلى الطريق الصحيح الذي يساعدهم على التعبير عما يكنونه بكل صراحة , يسعون إلى إقتفاء آثار الجبابرة الطغاة إذ لا تستوعب عقولهم الضامرة أي رأي آخر غير رأيهم , ولا وسيلة يمتلكونها لإقناع الآخرين غير البطش والإغتصاب والقتل والتشريد, فعقولهم أصغر من أن تستوعب فكرآ آخرآ وأفقر من أن تلجأ إلى منطق قويم , وليس هذا بأمر غريب على التاريخ الإنساني الذي تعامل مع هذه القذارات لحقب تاريخية ليست قصيرة , وفي كل حقبة لم يجد التاريخ مكانآ مناسبآ لها غير مزبلته .